رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 شوال 1425هـ - 1 ديسمبر 2004
العدد 1655

ردا على المستشار القانوني لمنظمة التحرير مايكل طرزي:
الحديث عن حل الدولة الواحدة يفتح أبواب العنف في فلسطين

·         مطلوب من السلطة الفلسطينية إعادة تأكيد التزامها بالحل القائم على دولتين

·         المتطرفون في كلا المعسكرين يلتفون على التمسك بكامل أراضي فلسطين

 

بقلم: م· جي روزنبيرغü

إنه تطور يبعث على الشؤم، فقد كتب ناطق بارز باسم الفلسطينيين هو مايكل طرزي خريج جامعة هارفارد والمستشار القانوني للسلطة الفلسطينية، مقالة في صحيفة نيويورك تايمز (نشرتها "الطليعة" قبل أسبوعين) ويعلن فيها موت الحل القائم على دولتين في فلسطين·

وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج علينا محام فلسطيني بارز بمثل هذا الزعم· فقد كرر طرزي القول إن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة (أي متواصلة الأطراف) لم يعد ممكنا في ظل التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، ولكن فكرته لم تنطو على ضرورة أن يتخلى الفلسطينيون عن المطالبة بدولة لهم على أراضي الضفة الغربية وغزة، بل مطالبة الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لضمان ألا تمنع سياستها الاستيطانية قيام الدولة الفلسطينية، ولكن الوضع لم يعد كذلك·

ففي مقالته التي نشرت في الثاني عشر من أكتوبر، يبدو أن طرزي يجادل بأن الحل القائم على دولتين ليس فقط، متعذر التحقيق بل غير ملائم أيضا، فهو يرى أن وجود دولة يهودية، بصرف النظر عن حدودها، يشكل نظاما للفصل العنصري (ابارثايد)، ويدعو الى حل "الدولة الواحدة التي يتعايش فيها المواطنون من كل الأديان والإثنيات على قدم المساواة"·

وهذا هو موقف منظمة التحرير الفلسطينية في الأساس، فقبل عام 1988 حين أعلنت المنظمة للمرة الأولى قبولها بحل الدولتين وهو الموقف الذي يتغير أحيانا من خلال دعوات لإقامة دولة ثنائية القومية·

ولكن المنظمة بدأت تتحول عن هذه الفكرة في الثمانينات وحين تبنت عام 1988 هدف الدولتين، بحيث يحتفظ الإسرائيليون بـ 78 في المئة من فلسطين التاريخية ويقيم الفلسطينيون دولتهم على 22 في المئة منها، أي حدود ما بعد عام 67، وقد وضع اتفاق أوسلو حدا لفكرة الدولة الواحدة·

 

هيمنة

 

وعلى الرغم مما حل باتفاق أوسلو إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال ملتزمة، رسميا، بالحل القائم على دولتين، فقد ظل الفلسطينيون أثناء مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 وما تلاها من مفاوضات في طابا عام 2001، مخلصين لرؤية الدولتين وأصروا على انفصال 78/22 لأراضي فلسطين، ولم تعلن إسرائيل أبدا قبولها الكامل لهذه الصيغة، لكن حكومة إيهود باراك اقتربت كثيرا جدا منها·

ووفقا لمعظم الروايات حول قمة كامب ديفيد عام 2000، اقترب الجانبان كثيرا من التوقيع على اتفاق يضع الصبغة القانونية على هذه المصطلحات، حتى انهارت المفاوضات بسبب قضايا أخرى·

وعلى الرغم من كل أعمال العنف، لا يزال الفلسطينيون ملتزمين - رسميا - بفكرة الحل على أساس قيام دولتين، ولهذا السبب ظلت المفاوضات ممكنة، إن لم تكن حتمية، ولكن إذا كانت مقالة طرزي تمثل تراجعا عن هذا الموقف وعودة الى الأيام السيئة، فإن احتمالات إجراء مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية سوف تتلاشى·

وهذا ما ستفعله فكرة الدولة الواحدة، إذ يجادل طرزي أن الصهيونية "ليست حركة التحرر الوطني اليهودي"، ويرى أنها كانت "في الواقع حركة تقوم على التفوق اليهودي، أو هيمنة مجموعة إثنية أو دينية على أخرى يجب أن تهزمها"·

فإذا كان يشير الى الضفة الغربية وغزة فقط، فإن كلماته لن تكون مميزة، فما من جدل بالنسبة للفلسطينيين (ونسبة كبيرة من الإسرائيليين) حول ضرورة إنهاء "الهيمنة" الإسرائيلية·· ولكن يبدو أنه يشير ليس فقط الى نابلس والخليل، بل الى حيفا وتل أبيب أيضا·

وهنا لا بد من طرح السؤال: كيف يمكن للسيادة الإسرائيلية داخل إسرائيل نفسها أن تمثل هيمنة، ما لم ينظر السائل الى استقلال إسرائيل على أي جزء من فلسطين التاريخية باعتباره غير مشروع؟

ويبدو أن هذا ما يقصده طرزي من مقالته بالرغم من أنني سمعته أكثر من مرة يتحدث عن خيار الدولة الواحدة ليس باعتباره الحل المفضل، بل أداة خطابية للتركيز على أهمية التوصل الى حل يقوم على أساس دولتين باعتباره البديل الوحيد لحل الدولة الواحدة·

ولكن هذا يختلف عن مفهوم مقالته الأخيرة، فهو يدافع عن قيام دولة ثنائية القومية بدلا من إسرائيل، وبذلك، فإنه يقدم هدية لليهود من التيار اليميني الذين يزعمون بأن التطلعات الوطنية الفلسطينية لا تقتصر على الضفة الغربية وغزة، بل إنه يثير التساؤلات في أوساط المعسكر غير اليميني في إسرائيل أيضا·

 

انطلاقة جديدة

 

والمطلوب من السلطة الفلسطينية الآن أن توضح أنها لا تزال ملتزمة بالحل القائم على دولتين، فالصيغة التي طرحها بوش "دولتا إسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا الى جنب بسلام وأمن" هي ما نحتاجها اليوم، وهي الحل المناسب، وهذا يقتضي انطلاقة جديدة لاستراتيجية "الدولتين" من واشنطن وإسرائيل والفلسطينيين معا، وآخر ما يحتاجه الجميع هنا هو إعادة إطلاق الدعوات لقيام دولة واحدة، من أي طرف كان·

وربما تكون لمقالة طرزي فائدة واحدة، وهي أنها تذكر بالبديل للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية التي بنيت على أساس صيغة الدولتين، وأنها الحرب بين رؤيتين متنافستين لصيغة الدولة الواحدة، فالفلسطينيون سيقاتلون من أجل تدمير إسرائيل، وربما بمساعدة دول عربية أخرى كما حدث في عام 1948، وسيقاتل الإسرائيليون من أجل الهيمنة اليهودية على كل فلسطين التاريخية وشعبها، ويتبنون رؤى المستوطنين اليمينيين الذين يجادلون بأن مدينة نابلس مهمة (ويهودية) شأنها في ذلك شأن تل أبيب·

إن ثمة تماثلا غريبا في ذلك، فالمتطرفون الفلسطينيون والمتطرفون الإسرائيليون يريدون الشيء ذاته، أي السيطرة على كامل أرض فلسطين، ولا يكترثون بحقيقة أن تنفيذ رؤية الدولة الواحدة لأي من الطرفين لن يتأتى إلا من خلال موجة واسعة من العنف، ولهذا السبب يظل حل "الدولتين" هو الحل الحقيقي الوحيد·

ولذا، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تضغط بقوة من أجل تنفيذها، فهل تفعل؟ هل سيتخذ الرئيس المقبل للولايات المتحدة الخطوات الضرورية لإنهاء الصراع؟

 

معركة كسب العقول والقلوب

 

لقد اعتبرت مجلة تايم في عدد أخير لها أن لا خيار أمام الرئيس الأمريكي المقبل سوى التحرك بهذا الاتجاه، وقالت إن "الإدارة الأمريكية المقبلة لن ترث عملية سلام متوقفة فحسب، بل أوضاعا متفجرة لا تقل خطورة على إسرائيل من المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة، فقد خلصت لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر، في تقريرها النهائي، الى أن القاعدة تزدهر على عداء العرب لأمريكا والذي يتغذى من الغزو الأمريكي للعراق ودعم إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين"·

وأضافت المجلة أن لجنة الحادي عشر من سبتمبر أوردت في تقريرها أن "خيارات أمريكا السياسية لها تبعاتها وسواء كانت هذه الخيارات صائبة أم خاطئة، فإنها حقيقة بسيطة أن الأفعال الأمريكية في العراق تحظى بالتعليقات على نطاق واسع في العالمين العربي والإسلامي، لقد سعى بن لادن دائما لتبرير هجماته على الولايات المتحدة بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على أمل استغلال التعاطف الإسلامي والعربي مع الفلسطينيين"·

وخلص تقرير 11 سبتمبر الى أن "الحرب على الإرهاب هي في الأساس معركة لكسب عقول وقلوب الناس في العالم الإسلامي· وبالنظر الى مركزية المسألة الفلسطينية في صوغ مواقف المسلمين تجاه الولايات المتحدة، فإن من الصعب أن تحقق الولايات المتحدة تقدما في الحرب السياسية ضد تنظيم القاعدة دون تحقيق تقدم جوهري على صعيد حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وسواء فاز في الانتخابات بوش أو كيري، فإن الإدارة الجديدة ستجد نفسها مضطرة للعمل من أجل حل الصراع أكثر مما توحي به الحملة الانتخابية لكلا المرشحين·

فالسياسة هي السياسة، والجمهور يفوِّت للمرشحين ما يقولونه في الحملات الانتخابية، ولكن بعد ذلك، فإن السياسة الجيدة بحاجة الى تدعيمها بسياسة فاعلة، ومن أجل مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين، فإن ذلك يعني التحرك بسرعة من أجل إنجاز الحل القائم على دولتين، وقبل فوات الأوان·

 

ü مدير إدارة التحليل السياسي في منتدى السياسة الإسرائيلي Israel Policy Forum ورئيس التحرير السابق لتقرير الشرق الأدنى الصادر عن منظمة "إيباك" AIPAC

 

" عن: IPF FRIDAY

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

التدويل وتدخل الناتو في العراق
أفضل مخرج للإدارة الأمريكية

 
درس تعلمناه من تجربة جنوب إفريقيا
لايمكن لإسرائيل أن تظل خارج القانون الدولي