رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 ذو الحجة 1425هـ - 2 فبراير 2005
العدد 1663

في إصدارها الأول "لأنك أحيانا لا تكون"
ماري القصيفي.. "شهرزاد في ليلتها الأولى" أو راهبة تمنح الصبر للمتعبين

                                                                           

 

لا أدري متى بدأت ماري القصيفي الكتابة حتى أقول تأخرت كثيرا في إصدار مجموعتها الأولى، لكن كتابها "لأنك أحيانا لا تكون" الصادر منذ أسابيع عن دار "مختارات" لا يدل على ربكة الخطوة الأولى ولا على تردد أو تفاوت في النصوص·

تقول القصيفي على الغلاف الأخير للإصدار:

أنا مرآتك لا امرأتك

ولذلك تحب أن تكسرني لكي ترى نفسك

في كل جزء مني·

وتقول في نص آخر:

أصلي كي لا تصدق عندما أقول لك:

لا بأس· تستطيع أن تذهب

وتقول:

لحظة ينتهي الحديث

ويقرر كل منا أن يذهب في طريقه

ننتبه الى أن ثمة موضوعا لا يحتمل التأجيل·

إذن، هذا البوح الأنثوي الذي لا يطيق المكيجة والعطر والثياب الملونة هو الخيط الناظم للنصوص المنثورة على صفحات المجموعة· إذ تمتلك الكاتبة/ الشاعرة جرأة مختلفة، وبعيدة عما اعتدناه في أغلب الكتابات النسائية (إن أجزنا التسمية) تلك التي لا ترى الجرأة إلا من زاويتين: الندّية بإعلاء الصوت الأنثوي و"خوشنته" أو افتعال العري للفت النظر والانتباه·

في إطلالة ماري القصيفي من شرفتها العالية والمغايرة اتساع للرؤية، في الوقت الذي لا يعني التقاط العمومي وغياب التفاصيل، لكنه الاتساع الذي يمنح الإدراك ويكتفي، ويلم بأطراف المعنى المتروكة ولا يحشو، ويرى مشهد النهر من منبعه الى مصبه فيغترف من أعذب أماكنه المغمورة بين صخرتين·

هي لا تخجل من إعلان انكساراتها كعاشقة، ولا عن ضعفها، ولا عن "دمعتي العصب والغضب"، جميعها حالات شعورية لا تحمل من المعاني سوى قوة الشعور والعاطفة دون أن ترتبط كصفة لأي من الطرفين:

خلعت نظارتيك

فصرت أرى جيدا

الحزن المرسوم دوائر

حول عينيك

تقترب القصيفي أحيانا في نصها الى النثر واللافتة والبوح العاطفي، فتغيب في التجريد والعبارة والمباشرة، لكنها في ذلك كله تصفّ منمنمات صغيرة ملونة تكوّن في مجموعها لوحة شعرية زاهية، تكتشف معها أن كل رمياتها تلك لم تكن عبثية وفوضوية وإنما كان مقطعا شعوريا يتمم ما قبله وما بعد·

ومن "مفاجآت" البوح عند القصيفي أن تصل الى مناطق شعورية غائرة تلتقطها ببساطة ويسر:

أطلقت اسمك على ابني

لعله يكون جميلا وذكيا

ولكنه، رغم كل تمنياتي،

بدا يشبه والده·

أو تتشبه بـ "قميص منسي على حبل غسيل تحت زخات المطر"، أو تألّف حلما مختلفا "رأيتك في الحلم/ لم تكن أنت/ ولم أكن أنا/ كنا نحلم بألا أستيقظ"·

وتعتمد الشاعرة في نصوصها بعض المفارقات الشعرية، بلا استعراض مجاني للغة أو للمعنى "كنت أصغي جيدا، فسمعت ما لم تقله" أو "أفرح عندما نلتقي، لأنني أطمئن الى أنك لست وحدك"·

وفي أكثر نصوصها نجحت القصيفي في رسم نهايات خاطفة ومفاجئة دون أن تفلت منها كثافة اللحظة الشعرية·

في "لأنك أحيانا لا تكون" تتسرب هموم القصيفي الى حارات أخرى، فهي لا تقتصر على الذاتي، ولا تتقرفص في غرفتها المعتمة أو في قلب حبيبها فقط، لكنها - دون أن تتعمد - تشعل مصابيحها في عتمات جيرانها، في القرية الكونية، في فصل مدرسي يرتجف بين حيطانه قلب طفل، في انتظارات أسير، تسير في تلك الحارات الليلية كراهبة حنون تمسح رحمتها البيضاء على قلب متسول، وتهدىء من ذعر عصفور، توقف مجزرة خضراء في غابة، وتعيد ثقة مقطوعة بين "شجرة وغيمة":

في بلادنا تعتذر الضحية وتخفي دموعها

ويفتخر المجرم بجريمته مطلقا ضحكة عالية·

ضمنت القصيفي مجموعتها مقالات شعرية مثل "أخبار متفرقة" و"الحديقة الليلية المسكونة" و"يكنس الأرض برماد شعره" و"مشاهد"، تدير فيها حوارات بين أبطالها، وتنقّل بين ضمائر المخاطبة، وتأتي بعبارات يومية صادمة، ومصطلحات صحافية وسياسية، وبعض الكلمات باللهجة المحكية، توظف جميعها بنفس شعري متصل، لا تكسر فيه دائرة الشعر ولا تخرج عن فضاءاته، كأنما - رغم تعدد أصواتها واختلافها - ترتل في جوقة إيمانية لا تنشز فيها، بل تزيد قارئها إيمانا أن ذلك كله شعر، بل هو الشعر لكنه في أكثر من أيقونة·

ن. م

طباعة  

وتد
 
نها (الرحلة التي لم تبدأ) ية
 
سلة أخبارهم
 
اصدار
 
المرصد الثقافي