رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 ذو الحجة 1425هـ - 2 فبراير 2005
العدد 1663

وتد

ثور ثقافي في سورية!

 

نشمي مهنا

في نظام سياسي حديدي، مثل النظام السوري، لا تجتاز أسواره العالية حتى طيور المتوسط لا يمكن أن تقوم ثقافة حقيقية معاصرة وفاعلة· لا يمكن إلا أن ينقلب "الثقافي" الى أداة بيد السلطة، والى موظف استخباراتي طيّع تحت إمرة "السياسي"، بل أشد حرصا منه·

ما كتبه ماهر شرف الدين عن تصرف ملحق "الثورة" في إحدى قصائده المرسلة للنشر، يعد من النكت الثقافية الموجعة التي لا يحسن حبكتها إلا رقيب بعثي، يقول شرف الدين في شطر من الشعر على لسان المتنبي "سأقلب كل العروش بحرثي" لتنشر في أحد الصباحات الدمشقية الرمادية هكذا "سأقلب كل الحقول بحرثي"!

فتحوِّل جريدة "الثورة" المتنبي الى ثور يحرث في حقل، غير مهم، وقد يكون الأهم عند المسؤول الثقافي أنه نجىّ المتنبي من الملاحقات الأمنية، مع ضمان عدم كسر الوزن، فكلا "عروش" و"حقول"·· فعول!

تذكرني مثل هذه النكتة السورية (في القرن الواحد والعشرين) بحكاية الرقيب العثماني، عندما همس - في ذاك الزمان الغابر - في أذن السلطان عبدالحميد الثاني بأنه شطب رمز H2o من إحدى الكتابات لأن (H) ترمز الى الحرف اللاتيني الأول من اسمه المعظم، و(2) الى "الثاني"، وبفهمه توصل الى أن الرمز اللعين يعني أن: عبدالحميد الثاني = صفر·

في التربة السورية الخصبة وفي حقلها الموعود دائما بالخيرات والخضرة - بعيدا عن حقل "الثورة" وثور المتنبي - توجد ثقافة غنية أصيلة لكنها مخنوقة، تتحين الفرص الى مد سلّة ثمارها الى أبعد من الشام·

الأرض، والفلاحون، والمواطنون البسطاء، والتجار، والمعلمون، والمثقفون، والسياسيون، و··· يتحينون فرصة للتنفس لو أمهلتهم سماء السياسة الضيقة، المطبقة على رؤوسهم وأحلامهم·

الى أن تحين الفرصة، ستظل قصائد الشعراء غير مكتملة في مخيلاتهم، والصور ناقصة، والأوزان مكسورة وإن رُمّمت في "الثورة" أو "تشرين" أو "البعث"·

سيستمر "العبث" الثقافي في سورية، هذا الذي يؤبد علي عقلة عرسان رئيسا لاتحاد الكتاب، ويدفع ملحقا صحافيا لنشر ترجمة لقصيدة محمود درويش من الإنجليزية الى العربية، ويعلي من شأن الشعراء والكتاب والصحافيين المزورين، ويوحد المشهد الثقافي حرفيا في صحفه ومجلاته وكل وسائل إعلامه، ويحبس كتاب الماغوط ثلاث سنوات في أدراجه، ويمنع، ويشـطب، ويحرف، ويلغي، ويعاقب مخالفيه، ويمنح فقاعاته المكافآت والمناصب·

منذ أسابيع وقبيل وفاته أوصى المفكر أنطون مقدسي ألا توجه دعوة الى رجال السلطة والرسميين البعثيين للمشي في جنازته، هؤلاء الذين حبسوا كلماته الحرة في صدره، وقيدوا حركته في حياته، فأراد حرمانهم من شرف سيدّعوه··

ما هذا النظام الذي لا تملك فيه حريتك، سوى في خطوتك الأخيرة الى الموت؟!

nashmi22@hotmail.com

طباعة  

في إصدارها الأول "لأنك أحيانا لا تكون"
ماري القصيفي.. "شهرزاد في ليلتها الأولى" أو راهبة تمنح الصبر للمتعبين

 
نها (الرحلة التي لم تبدأ) ية
 
سلة أخبارهم
 
اصدار
 
المرصد الثقافي