رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 محرم 1426هـ - 9 مارس 2005
العدد 1668

هل الصهيونية اليوم هي العدو الحقيقي لليهود؟
آفي شلايم: بدأ الناس يضعون شرعية وجود هكذا دولة موضع تساؤل

 

·         شارون "رامبو" لا رجل سلام مهما اتسعت المخيلة

·         بن آمي: ذهبنا إلى أوسلو وطابا لنأخذ شرعيتنا من الضحايا

·         نبذ إسرائيل ومحاكمتها سيقودان إلى نزع الشرعية عنها دوليا

·         الهجوم الوحشي على الشعب الفلسطيني وسلب أراضيه وهدم بيوته تؤكد عدوانية الصهيونية

 

يقوم هذان المقالان على أساس ملحوظات قدمها الكاتبان خلال مناقشة جرت في 25 يناير الماضي في لندن نظمها منتدى للحوار· محرك النقاش كان أطروحة أن "الصهيونية اليوم هي العدو الحقيقي لليهود"· وتحدث في هذا المنتدى، أو تواجه جانبان، الأول مثلته "جاكلين روز" و"أميرة هاس" مدافعتين عن هذه الأطروحة والثاني مثلته "ميلاني فيليب" و"رافائيل إسرائىلي" اللذان وقفا ضد الأطروحة، وبعد انتهاء النقاش صوت جمهور الحاضرين بأغلبية 355 صوت لصالح الأطروحة· ضد 320 صوت معاكس، بينما امتنع 40 عن التصويت·

نشر المقالان جنبا الى جنب على صفحات "الهيرالدتريبيون" في 4/2/2005 في طبعتها الدولية·

يعكس هذا النقاش تلمسا واسع النطاق على صعيد الرأي العام العالمي بحقيقة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني الذي قام على انتزاع أراضي الفلسطينيين بالقوة المسلحة ومصادرتها، وتجنيد يهود من مختلف الجنسيات في هذا المشروع· قبل العام 1967 لم تكن واضحة طبيعة الصهيونية، إذ في ظل قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين دولة يهودية وعربية لم يكن قد اتضح في أذهان الرأي العام الدولي الخروقات الفاضحة والإجرامية التي قامت بها "دولة إسرائيل" باسم وبذريعة هذا القرار، فقد نص على إقامة "دولة يهودية" ولكنه لم يمنح هذه الدولة الحق في مصادرة وسلب أراضي الفلسطينيين، ولا اقتلاعهم من أراضيهم أي تجريدهم من ملكيتها، ومنع عودة اللاجئين بسبب الهجمات العدوانية على قراهم، ولا منحها الحق في احتلال القدس وأجزاء واسعة من منطقة الجليل الأعلى·

ومع اشتداد الصراع المتواصل منذ ما يقارب مئة عام دمجت الصهيونية بين مشروعها وبين اليهودية، وأضفت على الدين اليهودي صفة عرقية وقومية، وأقامت نظاما عنصريا يقيم المواطنة في "دولة إسرائيل" القائمة على ما يقارب 80% من أراضي الفلسطينيين المنهوبة والمسلوبة على أساس ديني· ومن هنا بدأ الانتباه الى الأساس غير الشرعي الذي تقوم عليه هذه الدولة بالفعل، كما يلاحظ ويخشى "آفي شلايم" والى الأساس الزائف الذي قامت عليه "الهوية" الإسرائيلية التي تعتبر كل يهودي، سواء أكان روسيا أم فرنسيا أم صينيا أم كرديا مواطنا في دولتها، بينما تحرم سكان وأصحاب الأرض الأصليين من حق المواطنة··

والحق أن حجة الوزير الإسرائيلي "بن - آمي"، القائلة إن إسرائيل "اتهمت بالعنصرية" قبل قيام المستعمرات في الضفة الغربية وغزة، ليفند الربط بين المستعمرات والجدار العدواني والعنصرية، هي حجة ضعيفة لأن مبدأ إقامة المستعمرات على أراضي الفلسطينيين المنهوبة والمسلوبة هو الذي قامت عليه دولة إسرائيل منذ العام 1948· ولم يكن ما يسمى "قانون أملاك الغائبين" الذي تناوله بالنقد جوناثان كوك (عدد الطليعة في الأسبوع قبل الماضي) والذي وضع لسلب أراضي الفلسطينيين وبيوتهم سوى لصوصية مكشوفة حسب تعبير محرر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ذاتها وهو قانون وضع مباشرة في العام 1950·

ولدينا اعتراف إسرائيلي من نائب بلدية القدس سابقا "ميرون بينفينسيتي" في كتابه "المشهد المقدس" موثق بأن حكومة إسرائيل اقتلعت فلسطينيين من قراهم وهدمت هذه القرى (نحو 600 قرية) الذين ظلوا في قراهم بعد العام 1948·

لقد انتزعت الحركة الصهيونية الاستعمارية باسم "اليهودية" أراضي الفلسطينيين، ودمرت قراهم، وشردتهم، وتمنع حتى الآن عودتهم إلى أراضيهم، حتى من ظل منهم تحت احتلال هذه الدولة، وتضعهم تحت اسم "الغائبون" لتعريف اللاجئين خارج فلسطين، واسم "الغائبون - الحاضرون" لتعريف اللاجئين في داخل فلسطين، ولأن كل هذا يتم باسم "اليهودية" فقد شعر الكثيرون حتى بين اليهود بخطر هذا الاستغلال الصهيوني لليهودية، ورفعوا أصواتهم ضد المشروع الصهيوني لما يثيره من ربط اليهودية بالاستعمار والاستيطان من مشاعر عدائية، وقد مضت الحركة الصهيونية التي لا تزال ناشطة حتى الآن، وتشكل أيديولوجية دولة إسرائيل بعيدا في توريط اليهودية في مشروعها، الى درجة أنها صارت تعتبر كل من يواجه مشاريعها الاستعمارية في فلسطين معاديا "لليهودية"· وحتى الذي يقف ضد إقامة المستعمرات أو الجدار العدواني في الضفة الغربية وغزة صارت تعتبره معاديا لليهودية·

هذا الربط بين الصهيونية واليهودية ومخاطره هو ما تتلمسه الآن قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، وقطاعات يهودية أيضا·

 

* * *

 

آفي شلايم: نعم *

 

                                               

 

الصهيونية هي حركة التحرر الوطني للشعب اليهودي، ودولة إسرائيل هي التعبير السياسي عنها، وكانت إسرائيل رمزا للحرية ومصدر فخر بالنسبة ليهود الشتات· إلا أن سوء معاملة إسرائيل للفلسطينيين حولها الى مسؤولية وعبء أخلاقي بالنسبة للقطاع الليبرالي من الجماعة اليهودية، بعض اليهود، وبخاصة اليساريين منهم، يمضون الى أبعد من هذا، فيربطون بين سلوك إسرائيل وانبعاث اللاسامية الجديدة في أرجاء العالم·

احتلال إسرائيل غير الشرعي للمناطق الفلسطينية منذ العام 1967 هو المشكلة الكامنة تحت كل هذا، فقد حول الاحتلال الحركة الصهيونية من حركة تحرر وطني شرعية لليهود الى قوة استعمارية وقمعية للفلسطينيين·

إن ما أعنيه بالصهيونية اليوم هم المستوطنون الأيديولوجيون والمتطرفون قوميا ومن يساندهم في الحكومة التي يقودها الليكود، وهؤلاء المستوطنون هم أقلية ضئيلة إلا أن لهم قبضة خانقة تمسك بالنظام السياسي الإسرائيلي، إنهم يمثلون وجه الصهيونية غير المقبول، لأن الصهيونية ليست معادلا للعنصرية، وقد قادت نزعتهم المتطرفة بعض الناس الى مساءلة ليس المشروع الصهيوني الاستعماري ما وراء حدود العام 1997 فقط، بل والى وضع شرعية دولة إسرائيل داخل تلك الحدود موضع تساؤل أيضا· وهؤلاء المستوطنون أيضا هم الذين يعرضون أمن وسعادة اليهود في كل مكان الى الخطر·

ويجسد رئيس الوزراء ارئيل شارون في شخصه علائم هذه الصهيونية التوسعية، والعدوانية الكارهة للغير والمنغلقة على ذاتها إن أحد أعظم مميزات اليهودية أن يكون المرء طالب سلام، وشارون ليس كذلك مهما اتسعت المخيلة، إنه رجل حرب وبطل الحلول العنيفة، وهدف شارون اغتيال السياسة والتنكر لأي حق للفلسطينيين بوجود سياسي مستقل في فلسطين، وخطته للانسحاب من غزة المسماة "خطة فك الارتباط الأحادي الجانب"، ليست خطة سلام بل تمهيد لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية الى إسرائيل· وإن شارون الأحادي بما لا يقاس، هو "رامبو" يهودي، هو الأطروحة المناقضة لقيم الحقيقة والعدالة والتسامح اليهودية التقليدية·

وتشن حكومة شارون حربا وحشية على الشعب الفلسطيني، وتتضمن سياستها مصادرة الأراضي وهدم المنازل واقتلاع الأشجار وفرض حظر التجوال، وإغلاق الطرق، و736 حاجز تفتيش توقع أذى رهيبا وتنتهك انتهاكا منظما حقوق الفلسطينيين الإنسانية، وبناء الجدار غير الشرعي في الضفة الغربية، ذلك الجدار الذي يستهدف سلب الأرض مثلما يستهدف الأمن·

علائم الصهيونية الوحشية، هذه هي العدو الحقيقي لما تبقى من إسرائيل الليبرالية، وليبرالية اليهود خارج إسرائيل·

إنها العدو لأنها تغذي اللهب المسموم وأحيانا عنف معاداة السامية، سياسة إسرائيل هي السبب· فكراهية إسرائيل والعداء للسامية يتبع أحدهما الآخر·

في السنوات الأخيرة كان هناك كلام كثير عن "اللاسامية الجديدة"، وكان ملخص الكلام هو أن انبعاث "اللاسامية لا شأن له، أو أن له شأنا ضئيلا بسلوك إسرائيل، وأن معاداة الصهيونية مجرد بديل لمعاداة السامية السيئة الصيت القديمة·

مثل هذه الحجج تحتاج الى نقاش، فأولا، ما هي معاداة السامية؟ عرَّف "اشعيا برلين" المعادي للسامية بكونه "شخصا يكره اليهود كراهية تتجاوز الحد الضروري"· هذا التعريف العابث يمتاز بقابليته للتطبيق على كل أنواع العداء للسامية، القديمة والجديدة على حد سواء ولكن علينا أن ننظر الى ما هو أبعد من بطاقات التعريف، هل هناك الكثير من العداء للسامية الكلاسيكية حولنا؟ نعم· هل ينتشر العداء للسامية في أوروبا؟ نعم الى درجة منذرة بالخطر· هل يستخدم بعض الناس العداء للصهيونية كغطاء مقبول لكراهية اليهود؟ مع الأسف، نعم مرة أخرى· ما الوزن النسبي لكراهية إسرائيل من جانب، وكراهية اليهود من جانب آخر، في تكوين العداء الجديد للسامية؟ لا أدري·

إن ما أدريه هو أن الكثير من الناس المحترمين، من دون أن يكون لديهم أي ميل معاد للسامية، ساخطون على إسرائيل بسبب قمعها للفلسطينيين، وببساطة لا مهرب من واقعة أن السلوك تجاه إسرائيل يتغير نتيجة لانتقالها هي نحو صهيونية اليمين المتطرف والحاخامات الراديكاليين· لقد كانت إسرائيل في الحقيقة خلال سنوات عملية سلام أوسلو هي المفضلة في الغرب لأنها كانت ترغب بالانسحاب من المناطق المحتلة· أما صورة إسرائيل اليوم فهي سلبية، ليس لأنها دولة يهودية ولكن لأنها اعتادت انتهاك معايير السلوك الدولي المقبولة· وبالفعل، يتزايد إدراك أن إسرائيل دولة شاذة وأنها منبوذة دوليا وأنها تهديد للسلام العالمي·

صورة إسرائيل هذه هي عامل كبير من عوامل الانبعاث الحاصل الآن لمعاداة السامية في أوروبا وفي بقية العالم·

وبهذا المعنى الصهيونية اليوم هي العدو الحقيقي لليهود، وإنه لأمر مأساوي أن دولة قامت كملجأ للشعب اليهودي بعد الهولوكوست، هي الآن واحدة من أقل الأماكن أمانا على وجه الأرض يمكن أن يعيش فيها اليهود·

على إسرائيل أن تنسحب من المناطق المحتلة، ليس من أجل الفلسطينيين، بل من أجلها ذاتها هي ويهود العالم، لأن شعبا يضطهد شعبا آخر، كما لاحظ كارل ماركس، لا يمكن أن يظل هو ذاته حرا·

 

*آفي شلايم: بروفيسور بريطاني باحث في كلية سانت انطوني، اكسفورد، ومؤلف كتاب "الحائط الحديدي: إسرائيل والعالم العربي"·

 

اكسفورد,انجلترا

 

 

* * *

 

شلومو بن - آمي: لا*

 

                                              

 

إن الأطروحة القائلة بأن الصهيونية "الآن" تهديد لليهود إنما هي ذريعة مريحة لتحد واسع لشرعية دولة إسرائيل· لقد وُضعت الصهيونية في قفص الاتهام من قبل المنتقصين لقدرها قبل سنوات كثيرة من الانتفاضة الراهنة·

ولا يتذكر أحد أن زلزالا تم تسجيل حدوثه بين النخبة الثقافية الغربية حين ساوى قرار الأمم المتحدة السيئ بين الصهيونية والعنصرية بعد 30 عاما من الهولوكوست· وعلى المرء أن يتذكر أنه في العام 1975 لم تكن هناك أي مستوطنة، في المناطق، ولم تكن منظمة التحرير الفلسطينية قد أقرت بحل الدولتين·

إن الهراء الشائع الآن الصادر عن الأبراج العاجية عن حل الدولة الواحدة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ما زال يستمد منطقه من الموضوعة القديمة بأن "الدين ليس أساسا ملائما لكيان الدولة" كما لو أن الدول الأوروبية لم تولد تاريخيا كجمهوريات مسيحية، وكما لو أن الدول العربية المحيطة بإسرائيل هي صروح التعددية الدينية·

لقد واجهت إسرائيل في السنوات الأخيرة أزمة سياسية وأخلاقية، وكانت أزمة ظرفية، لم تنشأ أو تكتب في شيفرتها الجينية لأنها مأزق تأثرت به غالبية الأمم الغربية في العصر الراهن· لقد كانت استجابة لنزاع يمكن حله بين نزعتين قوميتين متنافستين· وتعرف أوروبا التي تنظر إلينا دائما أيضا نظرة المرائي الساخر، بالتجربة كم ستكون مرة هذه النزاعات·

هذا هو بالضبط جوهر القضية: النهج المخادع الذي يحول ما قد يكون سياسة حكومة قابلة للوم الى منطلق خطاب يتضمن معناه الباطن نقض حق دولة في الوجود، والآن نقض فكرة الصهيونية بأكملها· إن تشويه سمعة إسرائيل قد ألغى منذ زمن طويل ما يمكن تحديده بوصفه نقدا مشروعا، لأنه تحول الى حفلة عربدة دولية تحمل طابع الاغتيال· صحيح أن الهولوكوست لا يجب أن تمنح اليهود وإسرائيل أي مناعة أخلاقية، ضد النقد، وأيضا ليس من الملائم بالنسبة إلى الإسرائيليين أن يرفضوا كل هجوم ضد سياستهم القابلة للوم بوصفه عداء للسامية، ولكن من جانب آخر، ليس من اللائق أنه يجب معاملة إسرائيل كدولة في امتحان أهليتها، وإفرادها إفراد المحتقرة دوليا بطريقة، تقود في نهاية المطاف الى نزع الشرعية عنها كدولة·

إن على أولئك الذين يزعمون أنهم نقاد نزيهون لإسرائيل لن يكونوا الأوائل في رفع الصوت ضد اللامعقول الوحشي الذي يتمثل في أن قرارات الأمم المتحدة المكرسة لانتهاك حقوق الإنسان في إسرائيل أكثر من القرارات المكرسة لانتهاك الحقوق في كل أمم الأرض مجتمعة· وعليهم بطريقة مماثلة أن يكونوا أكثر استعدادا لمقاومة قذارات مثل مقارنة الكاتب خوسيه ساراماغو "جنين" بمعسكر "أوشفيتز"· إن معركة ضارية في مدينة مات فيها 23 جنديا إسرائيليا و52 فلسطينيا الكثير منهم إرهابيون تميزوا بتفجير الباصات ورياض الأطفال، تقارن بما جرى في "غروزني" أو "حي القصبة" في الجزائر، أو "النجف" و"الفلوجة" ويتم تشبيهها بمصنع موت حيث كان يقتل يوميا 30 ألف يهودي، وظل "نقاد إسرائيل النزيهون" صامتين·

الصهيونية ليست مبدأ دينيا قطعيا، لأنها دائما كانت حركة واسعة ومتنوعة تنوعا ديمقراطيا وفيها يجري صراع داخلي مرير ومازال يجري الآن حول حدود الفكرة، وتظهر كل دراسة للرأي العام الإسرائيلي اليوم أن غالبية الإسرائيليين تعتقد أن مرحلة صهيونية الاستيلاء على الأرض قد انتهت·

وما استسلمت دفاعات الصهيونية الأخلاقية، فإسرائيل كما أوضح القاضي إسحق زامر، وهو ليس صديقا حميما لسياسة رئيس الوزراء أرييل شارون، هي الأمة الوحيدة التي تمتلك محاكمها المدنية مثل هذه الأحكام القضائية الواسعة على الأفعال العسكرية، وحكم المحكمة الإسرائيلية العليا في مسألة الجدار في الضفة الغربية الذي أجبر الحكومة على تغيير مساره، شاهد على هذا·

وتعد منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، مثل منظمة "بيتسليم" التي تنبهنا بإصرار الى الثمن الأخلاقي للاحتلال، وكتاب الأعمدة الصحافية المستقلون الذين يجبروننا على أن ننظر يوميا الى المأساة الفلسطينية والى نصيبنا من المسؤولية عنها منارات أخلاقية لأمة هي دائما في مسعى صعب ويائس لإيجاد توازن بين الأمن والأخلاق· وعلى نحو مماثل تتعزز ثقتي بسلامة الفكرة الصهيونية، نتيجة لما ينظر إليه الآن بوصفه اندحارا سياسيا وأخلاقيا لحركة المستوطنين في قطاع غزة وما وراء ذلك·

في هذا النزاع لا يملك أي طرف من الطرفين المتنازعين حق احتكار المعاناة، ولكن نحن اليهود لم ننج من رعب الفناء فقط لنتخندق وراء جدران معتقداتنا ونظل بلا حركة· إن ما جاء برئيس الوزراء يتسحاق رابين الى أوسلو، وما جاء بالحكومة حين خدمت كوزير الى كامب ديفيد وطابا، هو الحاجة الى إيجاد حل سيجعل كيان الدولة اليهودية شرعيا في عيون أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ضحاياها·

والآن مع أبو مازن (محمود عباس) الزعيم الفلسطيني الجديد الذي أوقف تقلب سلفه الإجباري فوق أمواج الموت والانتحار، تصبح العملية السياسية ممكنة مرة أخرى· وقد يكون وزير الخارجية الفرنسي السابق على حق في ما قاله، من أننا، مثل الفرنسيين والألمان، سنصل أيضا الى مصالحة، مع خلاف أن هذه العملية ستأخذ منا وقتا ودما أقل مما أخذته من هاتين الدولتين الأكثر تحضرا لتسوية خلافاتهما·

*شلومو بن - آمي، وزير خارجية إسرائيلي سابق، شارك في قمة كامب ديفيد في العام 2000، وقاد الفريق الإسرائيلي المفاوض في طابا في العام 2001·

لندن

طباعة