رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 صفر 1426هـ - 23 مارس 2005
العدد 1670

عرض كتاب
"العولمة ومساوئها"

          

 

·         العولمة سهلت الاتصال بين الناس وهذا يعد من إيجابياتها

·         صندوق النقد الدولي و"الخزانة" الأمريكية وراء أزمات اقتصادية مثل تلك التي حدثت في تايلاند عام 1997

·         الرئيس الفرنسي جاك شيراك لم يخفِ قلقه من التأثير السلبي للعولمة على الدول النامية والفقيرة

·        صندوق النقد  مؤسسة سياسية وليست تنموية وهذا ما حدث مع برنامج الصندوق مع روسيا عام 1998

·        العولمة ضاعفت من الفقر والعوز العالمي الذي تعاني منه الدول النامية أصلا

·         العولمة تتجاهل القيم التقليدية.. ويجب على الدول النامية أن تلعب دورا في الدفاع عن مصالحها

·         التحدي الأكبر أمام الاقتصاد يتمثل في التعامل مع التزايد الكبير في نسبة الفقر في العالم

 

الكاتب: جوزف ستيجليتز

كُتب الكثير عن العولمة: إيجابياتها وسلبياتها وآراء متخصصين وعامة في تبعاتها وآثارها، لكن يبقى لكتاب "جوزيف ستيجليتز" الصادر في عام 2002 بعنوان "العولمة·· ومساوئها" أهميته وذلك لأن "ستيجليتز" كان شاهدا على بعض تلك المساوئ وذلك بحكم عمله ككبير الاقتصاديين في "البنك الدولي" حتى يناير عام 2000، بالإضافة الى خبرته السابقة في إدارة الرئيس الأمريكي "كلينتون" حيث عمل كرئيس لمجلس المستشارين الاقتصاديين، وهو حاليا أستاذ اقتصاد في جامعة "كولومبيا"، كما أنه حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عن العام 2001·

 

عرض سعاد المعجل

 

تعريف العولمة

 

يُعرّف "ستيجليتز" العولمة بكونها استراتيجية تسعى لتحطيم الحواجز في وجه التجارة الحرة، وربط الاقتصادات الوطنية، وبهذا فهو يرى فيها مشروعا يحمل الكثير من مقومات تنشيط الاقتصاد، وتحسين معيشة الكثير خصوصا في الدول الفقيرة، لكنه يرى كذلك أن الأسلوب المتبع في تحقيق مشروع العولمة خصوصا في الدول النامية، هو أسلوب يحتاج الى إعادة نظر، وهو رأي كوَّنه ستيجليتز بعد أن أمضى خمسة وعشرين عاما في كتابه تقارير حول الإفلاس وأداء الشركات، والانفتاح المعلوماتي، بالإضافة الى عشرين عاما أخرى أمضاها في حوارات حول التحول من الشيوعية الى اقتصاد السوق· وقد استنتج أن حجم الضرر الواقع على الدول النامية من جراء العولمة هو أكثر بكثير من حسناتها، ويستشهد "ستيجليتز" بالمظاهرات التي عمت "سياتل" إبان اجتماع "منظمة التجارة الدولية" في العام 1999 ويسوقها كمثال على حجم الغضب من منظمات كالتجارة الدولية، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بل وحتى الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" لم يخف قلقه من التأثير السلبي المحتمل للعولمة على الدول الفقيرة والنامية، والتي يفترض أن تكون المستفيدة من مشاريع تنموية تقدمها تلك المنظمات العالمية·

يطرح ستيجليتز تساؤلا حول الأسباب التي جعلت من مشروع العولمة مشروعا جدليا، على الرغم من أن الانفتاح الاقتصادي قد ساهم في نمو الكثير من المجتمعات الفقيرة، وبالرغم من أن العولمة قد ساهمت في تأمين حياة أطول وأكثر صحة للكثيرين، صحيح أن الناس في الغرب يرون في وظائف ذات عائد ضئيل مثل العمل في مصانع "نايك" يرون فيها استعبادا وظلما، لكنها بالنسبة لهؤلاء العاملين في تلك الوظائف تشكل فرصة أفضل من العمل في زراعة الأرز في الحقول وقد تكون العولمة سهلت اتصال الناس ببعضهم، خصوصا النشطاء في النقابات وغيرها مما خلف نتائج جيدة مثل إعلان الاتفاقية الدولية لعمال المناجم والتي وقعتها 121 دولة في العام 1997، كما أدى تواصل النشطاء في العالم الى نجاح الضغط على الدول الغنية لإلغاء ديون الدول الفقيرة، بل حتى في بعض سلبيات العولمة كان هنالك طاقة من الإيجابيات، فعلى سبيل المثال أدى فتح سوق الحليب في "جاميكا" أمام الواردات الأمريكية في العام 1992 الى تأمين الحليب للفقراء بأسعار أقل على الرغم من ضرره المباشر على مصانع الحليب المحلية والتي اضطرت الى تخفيض أسعارها لتتمكن من منافسة المنتج الأجنبي!!

ولكن كل ذلك لا يعني أن العولمة هي نعمة هبطت على المجتمعات الفقيرة، بل على العكس، لأنها لا تقتصر على المساعدات، وإلغاء الحدود في وجه التجارة وحسب، وإنما هي في أساسها تفرض التحول الى مجتمع رأسمالي على الطريقة الأمريكية، مع ما يعنيه ذلك من اتساع الهوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، فالدول الغربية دفعت الدول الفقيرة لإلغاء الحواجز التجارية في وجه الواردات الغربية، لكنها في المقابل لم تلغ حواجزها التي لا تزال تقف في وجه الصادرات الزراعية المقبلة من الدول النامية، كما أن البنوك الغربية استفادت من التسهيلات التي توفرها أمريكا اللاتينية وآسيا والتي غالبا ما تعاني من حركة الأموال الغربية المقبلة والخارجة من نظامها المصرفي، مع ما يؤديه ذلك من تأثير سلبي على عملات أمريكا اللاتينية وآسيا·

 

المؤسسات المانحة

 

يركز ستيجليتز على البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ليوضح رؤيته فيما يتعلق بسلبيات العولمة، فيقول: كلاهما، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، اللذان تم إنشاؤهما إبان الحرب العالمية الثانية، بهدف إعادة بناء أوروبا، هاتان المؤسستان واجهتا منعطفا قويا في العام 1980، حين بدأ المشروع الأمريكي - البريطاني إبان حقبة مارجريت تاتشر، ورونالد ريغان، الساعي الى تحرير السوق العالمي، وبدأ معها الدور الجديد لهاتين المؤسستين واللتين أصبحتا أقرب الى الإرساليات التبشيرية أكثر من كونهما مؤسسات تنموية·

كتاب ستيجليتز نابع من تجاربه الشخصية سواء في البنك الدولي أو كرئيس لهيئة المستشارين الاقتصاديين في عهد "كلينتون"، وقد عبر عن رؤيته في آخر مؤتمر صحافي عقده قبل مغادرته هيئة المستشارين الاقتصاديين، حيث رأى أن التحدي الأكبر أمام أي اقتصاد هو في التعامل مع التزايد الكبير في نسبة الفقر في العالم، فالأرقام تقول إن 1.2 بليون شخص يعيشون بأقل من دولار يوميا، وإن 2.8 بليون يعيشون على أقل من دولارين، أي أن 45 في المئة من سكان الأرض يعيشون في فقر مدقع، لكن معالجة هذا الوضع هي حتما صعبة جدا خاصة في ظل البيروقراطية المخيمة على قرارات منظمات تنموية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويقدم ستيجليتز تجربته مع إقراض "أثيوبيا" و"بتسوانا" كمثال على حجم المعوقات البيروقراطية التي تواجه برامج الإقراض التنموية التي يوفرها "البنك الدولي" و"صندوق النقد"·

يستعرض الكاتب بعض المحطات المهمة في مشروع العولمة مثل الخصخصة، وتحرير الاقتصاد، والاستثمارات الأجنبية، حيث يرى أن البنك الدولي، وصندوق النقد قد تناولا فكرة الخصخصة بمنظور أيديولوجي ضيق يسعى الى تطبيق برامج الخصخصة في أقصر مدة زمنية ممكنة، في وقت كان السباق المحموم بين الدول المتحولة من اقتصاد شيوعي الى اقتصاد السوق على أشده حيث كانت الغلبة فيه لأسرعها تحولا، وقد كانت النتيجة أن الخصخصة لم تجلب معها الفوائد المرجوة، بل على العكس، أثارت مشاكل معقدة ومركبة، ويستشهد ستيجليتز بالمثال المغربي في الخصخصة والذي جاء على حساب المستهلك، والعامل على حد سواء·

أما تحرير السوق، والذي يقوم على تنمية الدخل من خلال دفع الموارد لتصبح أكثر إنتاجية وعائدا، فهو بشهادة صندوق النقد الدولي الذي اعترف بأنه قد بالغ في دفعه والإصرار عليه كمشروع، حيث يواجه سخطا شعبيا من سياتل الى براغ·

يأتي دور شركات الاستثمار الأجنبية، كنتاج طبيعي لبرامج الخصخصة، وتحرير السوق لكن دور هذه الشركات ليس دائما إيجابيا وناجحا وكما هي الحال في التجربة السنغافورية، والماليزية، بل حتى الصينية، فغالبا ما يؤدي دخول الشركات الأجنبية الى سحق الشركات الوطنية والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل شركات المشروبات الغازية الوطنية والتي سحقها دخول شركات أجنبية مثل "الكوكاكولا، والبيبسي"، وأيضا في مثال البنوك، وحيث يتوافر للبنوك الأمريكية والبريطانية ما لا تستطيع توفيره البنوك المحلية في الدول التي فتحت أبوابها أمام الشركات الأجنبية المستثمرة·

 

سلبيات

 

يأتي ترتيب خطوات المسار في مشروع العولمة ليشكل مسألة مهمة قد يؤدي تجاهلها الى سلبيات غير محمودة، فتحرير السوق قبل وضع إطار تنظيمي لتلك العملية قد يؤدي الى صدمة باتت اليوم من أبرز علامات التحول نحو الرأسمالية الحديثة حيث طبقت سياسات اقتصادية أغلقت بعض الوظائف قبل إعطاء الفرصة الكافية لخلق وظائف بديلة·

يرى ستيجليتز أن من المهم أن ننظر ليس فقط الى ما تحويه أجندة صندوق النقد الدولي، وإنما كذلك الى ما أغفلته تلك الأجندة، فالاستقرار يأتي ضمن مواد أجندة صندوق النقد، لكن خلق الوظائف ليس من ضمنها· الضرائب تحتل مكانة من الأجندة، لكن إصلاح الأراضي لا يحتل مكانة مماثلة، هنالك أموال مؤمنة لنجدة البنوك، لكن لا أموال لتحسين التعليم والخدمات الصحية·

يتهم ستيجليتز صندوق النقد الدولي، والخزانة الأمريكية بأنهما السبب في أزمات اقتصادية كالتي حدثت في تايلند عام 1997، وذلك بسبب إصرار الصندوق والخزانة على إجراء خطوات اقتصادية بصورة أسرع مما قد تتحمله ظروف بلد مثل "تايلند" سواء من خلال برامج الخصخصة أو غيرها من مشاريع العولمة، وبسبب ذلك فقد امتدت الأزمة الاقتصادية الى خارج حدود تايلند، وطالت دولا مثل ماليزيا وكوريا، والفلبين وأندونيسيا، وأشرف النظام المصرفي في تلك الدول على الانهيار، ولم تفلح في ذلك عمليات ضخ الأموال في تلك الأسواق والتي ساهم بها صندوق النقد بالإضافة الى الدول السبع العظام، والتي بلغت 95 بليون دولار لإعادة الثقة الى أسواق الشرق·

 

كوارث

 

يرى الكاتب أن كارثة آسيا في العام 1997-1998 هي كارثة أصابت النظام المالي وأن صندوق النقد لم يتعامل معها على هذا الأساس، فهو بحسب رأي الكاتب أخفق في فهم كيفية عمل الأنظمة المالية وتأثيراتها على الاقتصاد بشكل عام، فلقد قام الصندوق لمعالجة الكارثة بإغلاق البنوك الضعيفة والتي كانت تغامر باقتراض مبالغ دون غطاء أو تأمين أو مراقبة وقد يكون تعامل صندوق النقد الدولي والخزانة الأمريكية مع التحول في روسيا إثر انهيار النظام الشيوعي السابق، مختلفا بعض الشيء عن التعامل في حالة دول آسيا، فالصندوق والخزانة كانا يصران على أن تتم عملية التحول الى اقتصاد السوق في روسيا بخطوات متباطئة بعض الشيء، لكن ذلك لا يعني أن التحول تم بصورة سهلة، فلقد أدى الى تحرير الأسعار في العام 1992 بين ليلة وضحاها، مما أدى بدوره الى تضخم قضى على كل المدخرات، ووصلت أرقام التضخم الى زيادة كبيرة بمقدار خانتين رقميتين في الشهر، وهو أمر جعل مسألة التحول الروسي الى اقتصاد السوق مسألة شاقة ومكلفة جدا·

مما اضطر الصندوق الى طلب المساعدة من البنك الدولي للمساهمة في برامج إقراض لروسيا وصل مجموعها الى 22.6 بليون دولار، أثارت شكوك المسؤولين في البنك الدولي من إمكانية تسديدها·

يرى ستيجليتز أن الصندوق مؤسسة سياسية قبل أن يكون مؤسسة تنموية، وأن برامج إقراض روسيا في العام 1998 كانت أساسا لتأمين بقاء "بوريس يلتسين" في قيادة روسيا، وأحيانا لتأمين أسعار الألمنيوم وكما حدث في العام 1994 حين اتهمت الولايات المتحدة روسيا بإتلاف الألمنيوم مما سبب في هبوط أسعاره، بينما في الحقيقة كانت روسيا تبيع الألمنيوم بأسعار مخفضة أضرت بسعر الألمنيوم الأمريكي، لذلك كان من الضرورة أن تعمل الولايات المتحدة على تثقيف روسيا بأبجديات اقتصاد السوق الحر·

بعد كل تلك المحاولات الفاشلة، تأتي حجة المسؤولين في الصندوق والبنك الدولي والخزانة الأمريكية بأن الوضع لا يحتمل خيارات أخرى، لكن الكاتب يؤكد عدم صحة ذلك بدليل التجربة الصينية والبولندية، فالصين تتمتع بأعلى نسبة نمو اقتصادي تفوق أي من الاقتصادات الرئيسية في السوق العالمي، كما أن بولندا تعتبر من أنجح دول أوروبا الشرقية ولعل الأسباب تعود الى التدرج في عمليات الخصخصة، وللمقارنة فقد بلغت نسبة النمو الاقتصادي في الصين أكثر من %10 في التسعينيات، بينما بلغ التدهور الاقتصادي في روسيا %5.6 سنويا بالرغم من كل الإعانات والقروض المقدمة من صندوق النقد والبنك الدوليين·

 

مزيد من الفقر

 

يختم ستيجليتز كتابه "العولمة·· ومساوئها" بالتذكير مرة أخرى برؤيته القائلة" بأن العولمة ضاعفت من الفقر والعوز العالمي الذي تعاني منه الدول النامية والفقيرة، باستثناء الصين، وفيتنام وبعض دول أوروبا الشرقية·

وبينما يرى البعض أن المخرج من ذلك هو في التخلي عن مشروع العولمة، يرى "ستيجليتز" أن هذا ليس مخرجا سليما، وأن من الأفضل إعادة صياغة العولمة كمشروع، وإصلاح النظام المالي العالمي، وهو يطرح في كتابه رؤيته الشخصية في سبيل تحقيق هذا الإصلاح، وذلك من خلال توقع ومن ثم تقبل المخاطر من جراء تحرير السوق، وأيضا التعامل بأسلوب صحيح في حالة عجز المؤسسات الخاصة عن تسديد ديونها، كما يرى ضرورة تطوير قوانين الأنظمة المصرفية والبنوك، وبرامج إدارة الأزمات، والتعامل مع الأزمات الاقتصادية·

بالنسبة لـ "ستيجليتز" فإن الإصلاح ليس مستحيلا، حيث لمس شخصيا ومن خلال عمله في البنك الدولي بعض الجهود الساعية لإصلاح الاقتصاد العالمي ومؤسساته·

 

سخط

 

وإذا كان السخط العالمي ضد العولمة قد كان ملموسا وواضحا من خلال مظاهرات سياتل إبان انعقاد اجتماعات منظمة التجارة الدولية، فإن السبب في ذلك يعود الى أن هذه المنظمة تشكل المثال الأبرز لواقع اللاعدالة الذي يسود العالم، ولغطرسة ونفاق الدول الصناعية·

جزء من الهجوم على مشروع العولمة يعود أيضا الى كونها تتجاهل القيم التقليدية وأيضا لأنها احتلت محل الأنظمة الديكتاتورية من خلال فرض ديكتاتوريات مالية، لذا فإن ستيجليتز يرى أن على الدول النامية أن تلعب دورا في الدفاع عن مصالحها، والإصرار على المشروع الديمقراطي، لأن التنمية والتطور الاقتصادي والمالي لا يمكن أن يحدثا طالما بقي القرار السياسي في يد الأقلية· على الدول النامية أن تلعب دورها في إصلاح المؤسسات التي تتحكم بمشاريع العولمة·

 

 

طباعة