رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 رجب 1426هـ - 17 أغسطس 2005
العدد 1691

في مجموعته "أخبئ وجهك فيّ.. وأغفو"
محمد المغربي يكتب بالأسود و"يقبِّل راحتي الحزن"

                                                         

 

عما تبحث هذه الروح الشاعرة القلقة: عن حبيبة، وطن، قصيدة أخرى بعيدة، فكرة ضائعة، عشبة تهزأ بوجه الموت؟!

وهل تجد هذا، أو بعضه؟

"وشاخت أشرعتي، وأنين المجداف علامة شر، لابد سأطعن في الردهة سكران ويرفض شيخ المسجد غسلي، ما كانت خمرا صدقني، كان التعب كفيلا بالتغييب وبالهذيان!"

فتحت لنا هذه اليد السحرية ثقبا في التاريخ، لتنقلنا متلصصين على لوركا في سجنه، بعدما كتب نبوءته أو شهادة وفاته كما يريد ويتوقع، ومن ثم يصْدق!

يقول تاريخ ثلاثينات أسبانيا أن "خاتمة" الشاعر كانت وقع الحافر على حافر النبوءة، تماما مثلما حدس وتوقع فكتب - قبيل تنفيذ الإعدام - راسما نهايته الغامضة:

"ألم يستطيعوا؟

لا، لم يستطيعوا أن يجدوني·

لكنهم اكتشفوا أن القمر السادس

فر عكس التيار

وأن البحر تذكر فجأة

أسماء كل غرقاه"

ونحن هنا، أو في أي مكان آخر، لن نجد قبرا سيجرؤ على ضم رفات برق شعري، لأنه - ببساطة - لن يكون هنا أو هناك·

إذا، علينا فقط بالتفاتة سريعة أن نلتقط الومض/ السطر/ العبارة/ الفكرة/ الصورة/ والمعنى، في أي إصدار مبهر، وهذا ما كان مع المغربي المراوغ·

محمد هشام المغربي في إصداره الشعري "أخبئ وجهك فيّ·· وأغفو" يفاجئ قرّاءه ومتابعيه، لأن شغبه الذي أوصله الى جنة الكلمات·· لا ينتهي، وتراكيبه الشعرية تتجدّد من إصدار الى آخر·

يقول في إحدى عباراته الشعرية "يا ليت يفلح هذا الصبي بكسر زجاج القمر"، ومن يقرأ خيارات المغربي الموفقة في انتقاء الشكل الفني للفكرة (كتلبيس ذكريات الطفولة أقصوصة شعرية، واختيار القناع التراثي المناسب لمحاكمة التاريخ والهم السياسي، وثراء أساليب المخاطبة وخفة الانتقال من ضمير الى آخر بتعدد الشخوص، والجدة في التعابير) يعرف أن هذا الشاعر الشاب قد أفلح "بكسر زجاج قمرنا" التقليدي، أو حرك زوايا النظر إليه شعريا، على أقل تقدير·

في "السطور الأخيرة من سفر الألم" كانت تسكن "خاطر" الشاعر "حمامة مكسورة" وصور متداعية، وكانت هناك سماء مطيعة وصباح دافئ بصلاة الأم ودعواتها، وصور من الذكريات· يعيد شاعرنا في ختام لوحة قصيدته تركيب جميع شظاياها دفعة واحدة، فتجيء إيحاء بضرورة الاكتمال، وختاما فنيا موفقا موازيا للنفَس الأخير من الحنين والحسرات·

وفي ذاكرة المغربي "براحة" واسعة للأصدقاء والمدرسة والطفولة، تنكشف أمام القارئ عارضة زمنا جميلا وعاطفة دافئة، لا تتدخل "العاطفة" في إرباك النص، ولا تبعده خصوصيتها عن الشعرية:

سنمضي - بدون (معا) - صاحبيْن·

وفي "الرؤية الأولى" يتردد بين الأمل والانكسار، والحزن والفرح السري، وبين الثقة والإحساس بالضعف، فيحوى بين أضلاعه حزمة من المتناقضات، لكنها بمجموعها توحد الرؤية وتؤكد على صدق الشاعر في حالاته الإنسانية المختلفة:

بخيلا

أراني بمائدة الفرح المرمرية،

أنفض كفين لم تلمسا قط شيئا·

بجوعي

أحيي الظلام

وأرجع داري·

ويقول:

مر كثيرون

ما لاحظوا بسمة الروح فيّ

والمغربي، في عاطفته مختلف أيضا، له عشق خاص، صادق وحقيقي عميق، يشف من وراء الكلمات والصور، بل هو بعباراته الشعرية المشحونة أوردتها بحرارة العاطفة يعمل على الإبانة أكثر من التعمية، وعلى الوضوح أكثر من الغموض، فـ"الصدق" - إن جاز لنا التعبير - كائن صيفي (ذو فصل واحد) لا يحتمل الرداء:

أريدكِ أنتِ

أزاوج بين جنوني وبين جمالك هذْيا الى جنة لا تُرى

معطفا أرسم الليل دون نجوم،

أخبئ وجهك فيّ وأغفو على فُلّ حسنك دون صباح،

أمسد أغصانك اللازورد·

الى أي شط تريدين أبحر

يا غابة الاشتهاءات والطيش والغفلة النزقية·

الى أن يقول:

تجيئين كالنوم في موعد ليس يعرفه أحد، فجأة،

أغمس الروح في شهد ليلك·

سبحان من يمزج الشهد بالجمر·

······

سرابك أصدق عندي من الموت·

·····

يا ضحكة العمر ما أنصف الدهر صعلوكك المتجاسر·

أرخي الحنان، فإني فقير بصحن الشتاء·

التجديد الجريء عند المغربي يتنامى في تشابيه مفاجئة، وفي رسم صور غير متوقعة، مثل "أرقب دخان "شيشة" جاري/ ويظهر وجهك كالرحمة الأزلية" أو "الشعر عربيد إذا حلَّت" أو "قبل راحتي حزنك" أو "الصحو بلا عينيك نشاز" أو "كأن العيد زعلان بلا أمي"·

في الشكل، وفي العبارة··

في الصور، أو في المعاني، يتجدد المغربي، وفي كل مرة·

فإذا علمنا أن أغلب نصوص مجموعته الشعرية "أخبئ وجهك···" كُتبت قبل سنوات، وقَدُمت (حسب خطه البياني المتألق)·

بماذا سيفاجئنا بعد، محمد هشام المغربي؟!

نشمي· م

طباعة  

وتد
 
عنب أحمر للمساء
 
الترميز الكنائي في "البيان"
 
"حوار العرب" تحاول كسر الخرافة
 
"زيد الحرب" منارة ثقافية في كتاب
 
"العقل في حريم الشريعة" صدر لعقيل عيدان
 
تلويحة الشال الأخيرة.. في "العربي"
 
المرصد الثقافي