رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 رجب 1426هـ - 17 أغسطس 2005
العدد 1691

عنب أحمر للمساء

لنا عبدالرحمن - كاتبة لبنانية

بيروت 1982

 

تلك اللعبة كانت لي، عروس شقراء مبتورة اليد، بعين عوراء بكيت، طلبت من أمي أن آخذ اللعبة إلى المستشفى، شدتني من يدي لتبعدني عن الشرفة خوفا من رصاصة غير طائشة، حيطان المنزل مليئة بالثقوب، تلملم أمي بعض حاجياتنا من دولاب الملابس، تطلب مني مساعدتها، أحمل اللعبة معي، أبدأ بجمع فساتيني وأحذيتي، أسأل أمي عن سبب رحيلنا وعن الدمار الذي يملأ البيت، تتمتم " سنسكن عند جدتك، هناك أكثر أماناً"· تواصل لملمة أشيائنا بطريقة عشوائية، تستعجلني لمغادرة المكان، ننزل الدرج بسرعة "ماما لماذا لم نرو شتلات الغاردينيا الموجودة على الشرفة؟" أسألها، لكنها لا تجيب، تقبض على يدي بقوة، وتدفعني للنزول، يدها الأخرى تقبض على كيس الثياب، ويدي الحرة تحتضن لعبتي، صوت القذائف يرتفع من حولنا، تشد أمي على يدي أكثر ونحن نواصل النزول، نقف برهة في مدخل المبنى، الشارع خاو تماما، ننتظر توقف القذائف، نتابع المسير، بيت جدتي بعيد ولا توجد سيارات، تسحبني أمي نحو إحدى البنايات، لكن الدوي يشتد، لعبتي لم تعد في يدي، ويدي الأخرى صارت طليقة، على بعد أمتار ترقد أمي على الأرض، أندفع نحوها، أهزها من كتفها، تفتح عينيها، تبتسم بفرح لرؤيتي، رائحة البارود تسيطر على المكان، تقف أمي بسرعة، تنفض ثيابها، ثم تشد على يدي من جديد، تنظر إلى كيس الثياب الذي تحول إلى أشلاء متطايرة، أنظر إلى الأرض بحثا عن لعبتي، لم تمت لعبتي، كانت هي الأخرى غافية بهدوء على الأرض·

 

انتظار

 

إتصل بي··· صوتك تحول إلى سر غامض· وصلت في الوقت المحدد، لكن يبدو أنني أجلس في المكان الخطأ· إنه هادئ جدا وقت المساء، رواده قليلون، أنيقون بترف، قطرات مطر مازالت عالقة على أطراف شالي الأزرق· يأتي إلى النادل بالعنب الأحمر الذي طلبته· لم لا يحتل العنب مكانة التفاح، فيكون الفاكهة الأكثر إغواء؟ أتأمل حبات العنب، أذكر معلم اليوجا الذي كان يجبرنا على تأمل حبة العنب لنصف ساعة، قبل أن نأكلها في نصف ساعة أخرى· تتكئ حبات العنب على بعضها بحزن، أشفق عليها، ألامسها بهدوء، أتحسس استدارة كل حبة، ثم أبدأ بنزع كل حبة عن العنقود، صار العنقود خاويا كعجوز هرم يخاف قدوم المساء، هذا هو مسائي الأخير معك، أحمل العنقود فارغاً في يدي، حبات العنب متروكة في الطابق الأبيض، سأجففه، سأضعه بين دفتي كتاب كما يضع الناس الورود للذكرى·

 

أمنيات صغيرة

 

1

 

أكثر ما كنت أتمناه في هذا المساء النوم في سريري، والتدثر بغطاء صوفي لساعتين من الزمن، وعندما أستيقظ أجد أمي قد أعدت لي طبق حساء عدس ساخن بجانبه باقة من الأعشاب العطرية· يا لها من أمنية مستحيلة، الآن على إعداد الطعام لأربعة أشخاص، سيصل زوجي بعد قليل ومعه ضيوفه لتناول العشاء، وأمي كيف من الممكن أن أتذوق حسائها وأنا في نصف آخر من هذا العالم في بلد يحتضنه البرد في كل الفصول·

وأنت، أتراك تعرف معنى البرد، وطعم العطش الذي يدفع الروح للتشقق·

 

2

 

الدوران بداية للجنون، أقف داخل دائرة مغلقة، تسورني، أدور وأدور، أركض وأركض حتى الهذيان· الظمأ يهددني بالتصحر· قلت لك أنني أحيا في عالم شديد الجفاف، يقتلني إحساسي بالظمأ لك· أما أنت فقد حكيت لي عن دغل تراه في أعماقي، دغل بعيد وشوكي، يؤلم بلذة كل من يقترب منه·

 

3

 

الحنين عاطفة لا تدعو للثقة· يومها كان أول أيام الخريف، حين كنا نسير معاً، حكيت لك عن أيلول، وكنت تسميه "سبتمبر" قلت لك إن أيلول هو الحزن، وقلت لي إن سبتمبر لا يذكرك بالخريف لأنه لا يعلن عن هويته، ويواري حزنه خلف شمس صيفية تذوب·

كيف لا تعرف أيلول؟ كيف لا تلمح خجله المراهق، وشمسه المواربة·

لا شمس هنا تطوق أحزاني، هنا الثلج في كل مكان·

 

موسيقى

 

الغرفة الزهرية لم تكن لي· جانب من نافذتها يطل على شجرة الدردار، الجانب الآخر يطل على العالم، عبر الزجاج رأيت إمرأة تستند إلى السور، تمسك بيدها كمان، تضعه على كتفيها، كأنها توشك على العزف، تنطلق الموسيقى تعوم في الفضاء، تستمر المرأة في العزف من دون نوتة موسيقية، تتكسر الموسيقى، تحاول المرأة من جديد، كانت تقف عارية·

 lnaabd@hotmail.com

طباعة  

في مجموعته "أخبئ وجهك فيّ.. وأغفو"
محمد المغربي يكتب بالأسود و"يقبِّل راحتي الحزن"

 
وتد
 
الترميز الكنائي في "البيان"
 
"حوار العرب" تحاول كسر الخرافة
 
"زيد الحرب" منارة ثقافية في كتاب
 
"العقل في حريم الشريعة" صدر لعقيل عيدان
 
تلويحة الشال الأخيرة.. في "العربي"
 
المرصد الثقافي