عرض د. علي الزعبي*
في عام 1979 توصلت الأمم المتحدة الى "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، وفي عام 1995 طرحت مجموعة من الأهداف الاستراتيجية لتمكين المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية في مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الرابع للمرأة المنعقد في بيجين· وفي عام 2000، توصلت 189 دولة عضوة في الأمم المتحدة الى إعلان "الأهداف الإنمائية للألفية" والتي تشكلت من ثمانية أهداف هي: تحقيق تعليم أساسي شامل، تشجيع المساواة في النوع الاجتماعي وتمكين المرأة، خفض مستوى وفيات الأطفال، تحسين صحة الأم، محاربة أمراض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" والملاريا وأمراض أخرى، تأمين الاستدامة البيئية، وتطوير شراكة عالمية للتنمية·
تماشيا مع هذه الأهداف، اقترح صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم) دمج اتفاقيتي "سيداو" و"بيجين" والأهداف الإنمائية للألفية باعتبارهما عمليات تدعم بعضها البعض بشكل متماثل· وقد تم تحويل هذه المقترح الى دراسة قيمة أكدت على أهمية الدعم والعلاقة والتفاعل بين هذه التوجهات الثلاثة· ويمكن إيجاز هذه الدراسة على النحو التالي:
الهدف: الأول: استئصال الفقر المدقع والجوع من خلال خفض معدل الذين يعيشون على دخل يقل عن دولار واحد والذين يعانون من الجوع·
إن أهمية تحقيق هذا الهدف يعد أمرا ضروريا للمجتمع عامة والمرأة خاصة· فقد تبين أن دور المرأة يتأثر في هذا البعد للأسباب التالية: وجود عقبات تحد من إمكانية وصول المرأة الى أصول الإنتاج وموارده، تشكل النساء الغالبية العظمى من المزارعين الفقراء في العالم، ارتفاع معدلات ساعات العمل مع الهبوط في الأجور، وغياب الاهتمام والرعاية المهنية للمرأة العاملة·
الهدف الثاني: تحقيق التعليم الأساسي الشامل من خلال ضمان إكمال جميع الفتيان والفتيات لدورة كاملة في التعليم الأساسي·
إن أهمية تحقيق هذا الهدف للمرأة يكمن في الحقائق التالية: الأدوار الاجتماعية الملقاة على عاتق الفتاة ودورها في عدم إكمال التعليم، أثر تكاليف التعليم على تعليم الفتيات إذ يحرمن من التعليم بسبب النقص المادي لأسرهن، وتعرض الفتيات للعنف في البيئة المدرسية وعند التنقل من المدرسة وإليها·
الهدف الثالث: تشجيع المساواة في النوع الاجتماعي وتمكين المرأة من خلال القضاء على التفاوت القائم على أساس النوع الاجتماعي في مراحل التعليم الأساسي والثانوي بحلول عام 2005 على الأفضل وفي جميع مستويات التعليم بحلول عام 2015 بأقصى حد·
يعد هذا الهدف مهما بسبب العنف القائم في المجتمعات على أساس النوع الاجتماعي، والذي هو نتاج لما يلي: الصورة النمطية الثقافية للمرأة، التشريعات والقوانين، الحياة السياسية والهيكلية المهنية الحكومية، وسائل الإعلام والتعليم والعمل، وضعف العناية الصحية وتنظيم الأسرة، وارتفاع معدلات الفقر·
الهدفان الرابع والخامس: خفض معدل وفيات الأطفال وتحسين مستوى صحة الأمهات من خلال متابعة الحالة الصحية للأطفال دون الخامسة ورفع مستوى التوعية الصحية عن الأمهات·
ونستطيع أن نستذكر في هذا المقام مجموعة من الحقائق هي: حرمان المرأة من التعليم أدى الى جهلها بالتوعية الصحية، هذا النوع من الحرمان يخلق - أيضا - نوعا من عدم القدرة عند الأم في العناية بأطفالها من الناحية الصحية، دور التهميش الثقافي للمرأة والطفل في ارتفاع نسبة وفيات الأطفال والأمهات، عدم وصول المرأة الى الخدمات الصحية بسهولة ويسر·
الهدف السادس: محاربة مرض المناعة المكتسبة "الإيدز"، الملاريا والأمراض الأخرى من خلال تقديم الخدمات العلاجية والتوعية - الصحية والاستشارات·
إن تحقيق هذا الهدف يعد أمرا مهما بالنسبة للمرأة للأسباب التالية: دور الجهل الجنسي في إعاقة إمكانية وصول المرأة للمعلومات المتعلقة بالوقاية، صعوبة تفاوض المرأة مع شريكها حول الممارسات الجنسية الأكثر أمنا، وعدم حصول المرأة على العناية والعلاج الملائمين لما تتعرض له من أمراض·
الهدف السابع: "ضمان الاستدامة البيئية" من خلال دمج مبادئ التنمية المستدامة في سياسات وبرامج الدولة وعكس اتجاه خسارة الموارد البيئية، مع ضرورة خفض نسبة الذين لا يملكون إمكانية الوصول المستدام لمياه الشرب، ناهيك عن أهمية تحقيق تحسينات ملحوظة في مناطق وأحياء الفقراء·
إن أهمية إنجاز مثل هذا الهدف للمرأة تعكسه الحقائق التالية: الأثر الواضح للتدهور البيئي على المرأة والطفل، أثر انعدام إمكانية الوصول الى والسيطرة على الموارد الطبيعية على المرأة، ترك الفتيات لمقاعد الدراسة للمساعدة في جمع الماء لأسرهن، وحصول النساء على الماء ذي النـــوعية السيئة والذي لا يصلح للاستهلاك وبالتالي يهدد صحة المرأة والطفل·
الهدف الثامن: "تطوير شراكة عالمية للتنمية" من خلال تطوير نظام تجاري ومالي مفتوح يمكن الاعتماد عليه، وتشجيع الشركات الدوائية على توفير الأدوية الضرورية وغير المكلفة في الدول النامية، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير تقنيات حديثة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات·
يعد مثل هذا الهدف أمرا حيويا للمرأة للأسباب التالية: إضعاف إمكانية حصول المرأة الريفية على المنتجات الزراعية، خطر سياسات الخصخصة على المرأة الفقيرة، غياب السياسات الواضحة التي تشجع الحقوق الإنسانية للمرأة، والعوائق الاقتصادية والسياسية التي تحجم دور المرأة وتمنعها من المنافسة·
إن "الأهداف الإنمائية الألفية"، والمكونة من ثمانية أهداف، تعكس أهمية واضحة، إذ إن تحقيقها على أرض الواقع يعد ضرورة إنسانية ومجتمعية في الوقت ذاته· وما يميز هذه الأهداف المهمة هو ارتباطها الوثيق بمسألة تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية· ويتضح ذلك من خلال التقاطعات والتفاعلات فيما بين طبيعة هذه الأهداف الإنمائية وتلك الاتفاقيات المتعلقة بوضع وقضايا "النوع الاجتماعي"، خاصة اتفاقيتي "سيداو" و"بيجين"·
كما يتطلب موضوع "تمكين المرأة" وكما يبين العرض السابق، تضافر الجهود بين التوجهات الإنمائية والاتفاقيات العالمية لتحقيق قفزات نوعية لصالح المرأة· إن مسألة التمكين، وكما يجب أن تفهم، تعني ضرورة اعتبار "المرأة" شريكا رئيسيا بعملية التنمية المجتمعية· ويعني ذلك ضمنا أن المشاركة الفعالة للمرأة في المجتمع يجب أن لا تقتصر فقط على المشاركة السياسية (تصويتا وانتخابا)، وإنما يجب أن تتضمن مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات والحريات وصنع القرار· كما يجب أن تفهم هذه المساواة على أنها مساواة في الأدوار لا الجنس·
* * *
عقبات داخلية
من أهم العقبات التي تمنع مساهمة المرأة في التنمية هي العقبات من داخل المرأة والتي تعني "النظرة السلبية للمرأة تجاه قدراتها وقيمتها الفعلية كإنسانة وكمواطنة"· إن أسوأ ما نراه اليوم هو التركيز على تحديد قيمة المرأة من خلال الجاذبية والأمور الجانبية الأخرى·
* * *
الحكومة والتعليم
تلعب السياسات الحكومية في مجال التعليم الى تعزيز قيم الفروقات بين الذكور والإناث، وتمنح الرجال مفاهيم وسلوكيات مغايرة لتلك الموجودة عند النساء، والتي قد تحمل في بعض منها عنفا موجها ضد المرأة· كما أن أهم الأدوار التي تقوم بها المدارس هو "استمرارية وجود علاقات قوة متناقضة بين الرجال والنساء"·
* * *
استراتيجية الأمم المتحدة
استهداف دعم مهارات العمل السياسي لدى النساء من خلال: تدريب المرشحات على إدارة الحملة الانتخابية، محو الأمية السياسية للرجال والنساء معا، التوعية السياسية للناخبات، برامج بناء التحالفات، برنامج التوعية بكيفية الاختيار بين المرشحين والمرشحات، وبرنامج إعداد القيادات النسائية·
* * *
المواطنة العنصر الأساسي
إن مسألة تمكين المرأة لا يمكن لها أن تتحقق إن لم تتغير النظرة المحلية تجاه مفهوم المواطنة· فالمواطنة، وكما هو متعارف عليه في الكويت، تعني أن يكون الفرد كويتي الجنسية· بينما مفهوم المواطنة الصحيح يقصد به "التساوي التام بالحقوق والواجبات والحريات بين جميع أفراد المجتمع ذكورا وإناثا"·
* * *
الدور السلبي للإعلام
تركيز الإعلام على الصورة النمطية للمرأة وتعزيزها، بالإضافة الى ربط المرأة بتصرفات وسلوكيات شيطانية وغير إنسانية
* * *
قدرة المرأة الكويتية
أثبتت الإحصاءات الصادرة من الأمم المتحدة على أن هناك تناميا واضحا للقدرات المعرفية للمرأة الكويتية· فإذا كان معدل معرفة القراءة والكتابة للنساء الكويتيات (15 سنة وأكثر) هو 73% في عام 1990، فإن المعدل قد ارتفع بمؤشر 8% في عام 2000 ليصبح 81%· ومن المتوقع أن يصل المعدل التنموي في مجال القراءة والكتابة الى 95% في عام 2015، وبذلك تتساوى المقدرة المعرفية للمرأة الكويتية مع الأمريكية والأوروبية·
* د· علي الزعبي: أستاذ الاجتماع بجامعة الكويت، ومدرب معتمد من اليونيفيم في موضوع "تمكين المرأة"، كما أنه يعمل الآن في مشروع بحثي بعنوان "تعزيز المشاركة السياسية للمرأة في الكويت"·