
· الشيعة يريدون إقليما موحدا لهم لمواجهة احتمالات التقسيم والسنّة يخشون تحوّله الى دولة مستقلة
· السنّة أمام مأزق خطير فإذا شاركوا في التصويت يمنحون العملية شرعية وإذا قاطعوه يضمنون المصادقة على الدستور
· المشكلة أن الشيعة والسنّة والأكراد يرفض كل منهم تقديم تنازلات بشأن مطالبه الجوهرية
· عرض مسودة الدستور دون مصادقة البرلمان عليها.. مخالف لقانون إدارة الدولة
· العراق الموّحد ليس اختراعا صداميا كي يتم التخلي عنه
· دور محوري لمقتدى الصدر في إقرار أو إسقاط الدستور
· إنجاز مسودة الدستور في الموعد المحدد جاء على حساب المضمون والإجماع
· هامش الحريات في الدستور العراقي أضيق منه في بعض دساتير المنطقة!
أجرى بيرنارد غيرتسمان في الموقع الإلكتروني المعروف CFR. ORG مؤخرا مع ناتان براون الخبير في دساتير الدول العربية في مؤسسة كارينغي وجامعة واشنطن والذي درس عن كثب خطوات ولادة مسودة الدستور العراقي الجديد لقاء، تحدث فيه براون عن تطورات وآفاق الوضع العراقي وشعوره بالتشاؤم إزاء المستقبل قائلا إن نتائج عمل لجنة صياغة الدستور "مخيّبة للآمال" لأنها فشلت في الحصول على إجماع وطني، الأمرالذي جعل الوثيقة تشوبها العيوب·
ويذهب براون إلى أن السيناريو الأفضل للعراق الآن هو أن يصوّت العراقيون في الخامس عشر من أكتوبر الجاري برفض مسودة الدستور، وهذا يتطلب قيام تحالف بين السنّة والشيعة الساخطين على الوضع في ثلاث من المحافظات العراقية·· وهو الأمر الذي يعترف بصعوبة تحققه·
ويضيف براون أن "رفص العراقيين للدستور سوف يسبب الإحراج لإدارة بوش، ولكن هذا الرفض - في المدى البعيد - سيحوّل هذه العملية الدستورية الى آلية حقيقية لتسوية سياسية، بحيث يبرز مفاوضون أكثر مرونة يمثلون مختلف ألوان الطيف الإثني والديني في العراق، وفيما يلي نص المقابلة:
" أجرء المقابلة: بيرنارد غيرتسمان "
· نشرت لجنة صياغة الدستور نص الوثيقة التي لم يجر التصويت عليها في الجمعية الوطنية والتي يفترض أن يتم عليها الاستفتاء الشعبي في الخامس عشر من أكتوبر الجاري· لقد تفاوتت الآراء حول تقييم نص الدستور بين من يعتبره جيدا ومن يعتبره سيئا·· إلخ· فما شعورك العام تجاه هذا الدستور؟
- من الناحية الإجرائية، انتهت عملية صياغة الدستور العراقي إلى مأزق لأن الأعضاء السنّة في لجنة الصياغة عارضوه ومن الناحية القانونية، لم يصوّت البرلمان عليه إذن، فالوثيقة التي ستعرض للاستفتاء عليها هي مسودة من إعداد لجنة وليس دستورا وافق عليه البرلمان، كما هو منصوص عليه في قانون إدارة الدولة الانتقالي ولست متأكدا من أن هذه النقاط القانونية ستكون لها أهمية تضاهي حقيقة أن هذه وثيقة لا تحظى بالإجماع على تأييدها·
ومن حيث المضمون، إنها في اعتقادي، مسوّدة لا تحلّ الكثير من القضايا التي يختلف حولها العراقيون· وأي دستور لا يحل كل هذه القضايا، بل إن عددا كبيرا منها ربما يكون الأكثر أهمية، بقي دون حلّ·
دولة شيعية
· هل لك أن تستعرض لنا المشكلات الرئىسية في وثيقة الدستور العراقي؟
- حسنا القضية الأكبر هي ما يشار اليها بـ "الفيدرالية"، والسؤال الأساسي هو: ما سلطة وصلاحيات الأقاليم التي تتألف من عدة محافظات؟ وما سلطة المحافظات؟ صحيح أنه تم التّعرض لهذه القضايا ببعض التفعيل، إلاّ أن بعضها - مثل توزيع عوائد النفط - ظلت مُلتبسة وبحاجة الى حل·
ولكن السؤال الأكبر الذي لا يزال معلقا هو: هل سنرى عراقا يتألف من حكومة مركزية وعدة محافظات، إضافة الى الإقليم الكردي؟ أم أن بعض الأقاليم، ولا سيما الشيعية منها في الجنوب، ستتوّحد لتكوّن مناطق منفصلة؟ هذا هو السبب الذي جعل السنّة يرفضون التصديق على الدستور·
· بمعنى آخر، إن السنّة يمكنهم التعايش مع الأكراد لأنهم عاشوا معهم لسنوات، لكنهم يتخوفون من دولة شيعية في الجنوب؟
- بالضبط· إقليم كردستان يتمتع بالحكم الذاتي فعليا منذ عام 1991، وليس واضحا مدى تقبّل السنّة لهذا الواقع، لكن المشاركين منهم في صياغة الدستور على الأقل، قالوا "هذا واقع نقبل به وإن كنا نحاول عدم جنوحه كثيرا نحو الاستقلال، ولكننا لن نحاول إقامة دولة مركزية تضم كردستان كما كان عليه الوضع قبل إبريل 2003"· أما بالنسبة لبقية أنحاء البلاد فكان الوضع شديد الاختلاف، لاسيما حين تصاعد حديث الشيعة عن الفيدرالية في الآونة الأخيرة·
بوليصة تأمين
· وبالطبع، فهناك بعض الأمريكيين ممن يؤيدون الفيدرالية· ما الخطأ في أن يكون للشيعة منطقة حكم ذاتي كما هي حال الأكراد؟
- لو كانت المسألة تدور حقا، حول الفيدرالية، سيكون العراق وضعا غير اعتيادي في المنطقة، لكنه لن يكون مأساة أو فشلا، بالضرورة· إلاّ أن هناك شكوكا بأن ما يدفع الشيعة باتجاهه هو أكثر من مجرد نظام لا مركزي، وإذا أخذنا بالاعتبار المحافظات ذات الغالبية الشيعية، فإنها ما بين 9-10 محافظات، أي أنك تتحدث عن نصف العراق (18 محافظة)· فإذا ما اتحدت هذه المحافظات وكوّنت إقليما مستقلا، فإنها سوف تسيطر على معظم ثروات البلاد النفطية، وهذا قد يمهّد لتمزيق البلاد· وباعتقادي أن إصرار بعض الزعماء الشيعة على تشكيل إقليم خاص بهم، ما هو إلاّ بوليصة تأمين، بحيث إذا فشلت الحكومة المركزية في الحفاظ على تماسك البلاد، يستقلون بذاتهم·
· ما الذي يحبذه السنّة؟
- السنّة يريدون دولة مركزية، فهذا هو الشكل السائد للدولة في المنطقة، والعراق ليس بلدا اخترعه صدام حسين، بل هو دولة قائمة منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1932، ولكن هناك انقسامات في المواقف السنية من قضايا أخرى، ولا سيما بين التيار العلماني والمتدين·
· الدستور يدعو لإقامة دولة إسلامية، أليس كذلك؟
- الدستور لا يدعو لقيام دولة إسلامية، بل إنه يعطي دورا للإسلام أقل مما أعطته مسودات الدساتير السابقة بكثير، لكن يدعو إلى أن تكون كل القوانين منسجمة مع الشريعة الإسلامية·
· وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى العلمانيين؟
- ليس واضحا ماذا تعني بالنسبة لهم لأن الكثير من هذه القضايا لم توضح بالتفصيل· ولكن يبدو أنها تعني أنه ليس بوسع البرلمان إقرار أي قانون يتعارض مع الشريعة الإسلامية، والسؤال المطروح الآن هو: من ذا الذي يقرر إذا كان قانون ما يتفق أو يتعارض مع الشرع؟ ومن يقرر ما هو الشرع؟
وينص الدستور أيضا على قيام محكمة فيدرالية عليا تتولى تفسير بنوده ويمكن أن يكون من بين أعضائها خبراء في الشريعة الإسلامية· ولكن الدستور لم يتعرض بالتفصيل لتشكيلة هذه المحكمة ويجب أن يتم ذلك من خلال قانون يقره البرلمان، ولذلك، فإننا لانعلم تحديدا شكل هذه المحكمة، ولكن الاحتمال الأقوى أن تتخذ طابعا إسلاميا أكثر مما كنا نعتقد·
اليد الطولى
· ساد قلق شديد في الولايات المتحدة وفي العراق حول تأثير ذلك على المرأة·
- المشكلة أن الشريعة الإسلامية هي تقليد قانوني منذ أكثر من ألف عام وهي ثرية ومتنوعة، ولذلك فإن السؤال هو ليس ما إذا سيتم تطبيق الشريعة، ولكن من الذي يتولى تفسير الشريعة وتطبيقها· وبالتالي، فإن تعيين رجال دين في المحكمة العليا قد يؤثر باتجاه تبني تفسيرات أكثر تقليدية للشريعة·
وربما يكون الشيء الرئيسي الذي يفعله الدستور أيضا هو تعزيز قوة الأغلبية، فمن يفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان ستكون له اليد الطولى في كيفية عمل هذا الدستور، وإذا كانت هناك أغلبية إسلامية في البرلمان - كما يبدو الاحتمال الأرجح حتى الآن - فسوف تتمكن من تمرير قوانين تستند الى التفسيرات التقليدية للشريعة الإسلامية·
· هل سيعني ذلك انتكاسة لحقوق المرأة؟
- في بعض المجالات ربما يعني كذلك، وخاصة في قانون الأحوال الشخصية· ومرة أخرى، هذا موضوع غير واضح وينبغي للبرلمان إعداد قانون بشأنه، وهناك مخاوف بأنه لا يكون هذا القانون في صالح المرأة·
· هل هناك نص على إعطاء المرأة نسبة معينة من مقاعد البرلمان؟
- نعم· وقد فازت النساء في مقاعدهن الحالية في البرلمان وفقا لهذا القانون· وكانت النساء يدفعن لزيادة النسبة المخصصة للمرأة حاليا وهي 25 في المئة، إضافة الى تطبيق نظام "الكوتا" Quota هذا ليس في البرلمان فقط بل في مختلف مراكز صنع القرار، إضافة الى العمل بهذا النظام في الدستور الدائم للعراق وليس للدستور المؤقت فقط· وقد فشلت المرأة العراقية في الحصول على المطلبين الأولين وتحقق لها المطلب الثالث·
حل وسط
· هل هذه نسبة كبيرة مقارنة بمشاركة المرأة في الدول العربية الأخرى؟
- إنها كبيرة حتى بالنسبة للولايات المتحدة، وأظن أنها كبيرة بالنسبة لمعظم دول العالم·
· سمعت تقارير نقلت عن بعض السنة قولهم إن الدستور مازال قابلا للنقاش وأن الأمر ليس نهائيا، وأنه ربما كانت هناك وسيلة للوصول الى حل وسط· هل يعطيك ذلك الإحساس أن الأمور لم تصل الى طريق مسدود؟
- نعم، فأنا أعتقد أن من الممكن مواصلة المفاوضات·
وتذكّر أن هذه الوثيقة ليست مسودة صادق عليها البرلمان، فهي وثيقة كتبتها لجنة دستورية وأدخلت عليها تغييرات حتى بعد تمديد فترة المهلة النهائىة في الثاني والعشرين من أغسطس الماضي، حتى أن أحدهم قال إن بالإمكان إدخال تغييرات على المسودة النهائىة، ولكني أظن أن هذا التصريح مثير للتساؤل من الناحية القانونية·
والسؤال الحقيقي المطروح هو، هل الانتظار لبعض الوقت سيؤدي الى إحراز تقدم مهم؟ فالفجوة بين المفاوضين السنة والشيعة تحديدا، اتسعت كثيرا، وتحول الجدل الى منعطفات طائفية، ولذلك فأنا لست واثقا أن المزيد من الوقت سيقود بالضرورة الى نتائج إيجابية، ولكن ذلك ممكن من الناحية السياسية·
· أي شكل من التسويات يجب أن يتم لإرضاء السنّة إذا كان ذلك ممكنا؟
- أعتقد أن الشيء الرئيسي الذي يجب أن يحدث هو أن يتخلى الشيعة عن فكرة تشكيل إقليم شيعي واسع وأظن أنهم قد يقبلون بفكرة قيام أقاليم كما هي الحال في الشمال الكردي، ولكن يجب أن تكون أصغر حجما، كأن تقتصر على ثلاث محافظات، على سبيل المثال·
ويبدو لي أن السنة يريدون أن تكون لديهم رقابة قوية على المستوى الوطني في ما يتصل بإقامة مثل هذه المناطق بحيث لا يمكن إقامتها دون موافقة المركز·
· من المفترض أن تسيطر الحكومة المركزية على عوائد النفط، هل هذا صحيح؟
- نعم، فمن المفترض أن تكون للحكومة المركزية السيطرة على عائدات النفط، ولكن - مرة أخرى - هناك التباس· يكتنف هذه المسألة· فهناك نص في الدستور يمنح المناطق التي تعرضت للإجحاف تاريخيا، أفضلية في حصتها من عائدات النفط لفترة انتقالية ليست محددة·
مأزق
· لو جرى التصويت على الدستور الآن (بدلا من أكتوبر) هل سيتمكن السنة من حشد ما يكفي من الأصوات لإسقاط الدستور؟
- هذا سؤال بالغ الأهمية، فالسنة في العراق في مأزق، فهل سيشاركون في التصويت على الدستور وبالتالي يمنحون الشرعية لهذه العملية أم يقاطعون التصويت ولا يمنحون العملية شرعية، ولكن - في الوقت ذاته - يضمنون إقرار الدستور؟ من الواضح أن هناك تيارا قويا داخل الطائفة السنية يؤيد المشاركة في التصويت· وليس من الواضح بأي اتجاه سيصوت الكثيرون·
فمازال من الصعب ضمان رفض الدستور مالم تصوّت أطراف أخرى إلى جانبهم·
والعنصر المثير في هذه العملية هو حركة مقتدى الصدر، التي تراوح بين مقاطعة التصويت ومعارضة الدستور، فإذا صوتت هذه الحركة ضد الدستور، فهناك احتمال بسقوطه، فالمطلوب لإسقاط الدستور هو رفضه من قبل ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات، وبذلك فإن رفض السنة وحركة الصدر للدستور يكفي لإسقاطه·
· لماذا يعارض مقتدى الصدر الدستور؟
- ليس واضحا تماما، فهو حديث العهد بالعمل السياسي ومن غير الواضح مدى سيطرته على الحركة لكن السبب الذي يسوقه لمعارضة الدستور هو أنه يمثل صيغة لتفتيت العراق، وهو المبرر ذاته الذي يسوقه السنة لمعارضة الدستور·
· هل لدى الولايات المتحدة تصور لما تريده، أم أنها تريد إنجازا بأي شكل يتمثل في إعداد الدستور؟ لقد سبق لك أن تذمرت من اندفاع الأمريكيين والعراقيين لإنجاز الدستور دون منح فرصة كافية لذلك، فهل يضغط الأمريكيون بقوة لإنجاز ذلك في الوقت المحدد؟
- أعتقد ذلك· وأظن أننا نحاول إنجاز أشياء كثيرة في وقت واحد، لقد أولينا الاهتمام لمضمون الدستور ولعملية كتابته، أي إشراك السنة في هذه العملية، وحرصنا على الانتهاء من ذلك في الموعد المحدد، ثم تبين لنا أن القيام بهذه الأمور الثلاثة معا، أمر غير ممكن، وفي النهاية، أنجز الدستور في الموعد المحدد تقريبا، لكنه أغفل العنصرين الآخرين وهما موافقة السنة وحقيقة أن المضمون أقل ليبرالية مما تريد الولايات المتحدة وخاصة في مجال ضمان الحريات الليبرالية وقيام أحزاب ديمقراطية·
تعددية سياسية
· أين تضع الدستور العراقي بين الدساتير العربية الأخرى؟
- هذه مقارنة غير عادلة الى حد كبير، لأنها ستعمل في سياق سياسي مختلف تماما، فمن منظور الحريات الليبرالية والديمقراطية فهو يشبه الدساتير العربية بدرجة كبيرة، وفي بعض جوانبه، ربما يكون أضعف من بعض دساتير المنطقة، فعلى سبيل المثال، حرية التعبير مضمونة ضمن حدود الأخلاق العامة والنظام العام وهي الحدود التي تضمن - في الغالب - هذه الحريات إطلاقا، لأن كل القيود على حرية التعبير تقع تحت لافتة حماية الأخلاق أو النظام العام وهكذا، فهذه صياغة ضعيفة حتى بمعايير المنطقة·
ولكن السبب الذي جعلني أقول إن المقارنة غير عادلة، لأن السياق في مصر أو سورية مختلف تماما، فإذا وجدت هذه الصياغة في دستور مثل هذين البلدين، فإن الحكومة سوف تستخدمها (أي الصياغة) لتقييد الحريات· وليس من الواضح أن العراق مقبل على مثل هاتين الحكومتين السلطويتين، وأعتقد أن العامين الماضيين أوجدا بيئة مواتية للتعددية السياسية في العراق ولذلك، فإن الدستور، بحد ذاته، ضعيف بشكل يثير الدهشة، على صعيد الحريات، ولكن النظام السياسي الذي سينشأ عنه قد يسمح بحريات أكبر مما هو متاح في دول المنطقة الأخرى·
· ماذا عن المسألة الأمنية بشكل عام؟ وهل هناك فرصة لأن يؤدي ذلك إلى إنهاء التمرد في العراق؟
- لا· لا أعتقد ذلك لأن هذا التمرد لم ينطلق بسبب الدستور أو أن المتمردين دعوا الى تبني نص دستوري آخر، وإلاّ لتم إيجاد حل لمشكلة التمرد لكن المنطق وراء الحديث عن أهمية الدستور - في إنهاء التمرد هو أنك حين تتبنى دستورا يسود عليه الإجماع بين مختلف شرائح الشعب العراقي، فإنك تقنع السنة بالانخراط في العملية السياسية، وبالتالي يتوقف دعمهم للتمرد ويتحول الى الحكومة، وتُصبح لهم مصلحة في الاستقرار· ومن الواضح جيدا أن ذلك لن يحدث نتيجة لما يجري بشأن الدستور· بل في الواقع إن الجدل بشأن الدستور أدى إلى تصعيد الوضع من خلال تسليط الضوء على الخلافات الطائفية والدينية التي ظلت ماثلة في السياسات العراقية دائما، ولكنها طفت على السطح الآن·
تسوية
· إذا تم قبول هذا الدستور من مختلف الأطراف، فما الذي سيحدث؟
- أعتقد أننا سنرى وضعا سياسيا يبدو شبيها بالوضع الراهن، وسوف تجرى انتخابات جديدة في الخامس عشر من أكتوبر· والانتخابات الجديدة قد تؤدي الى انتخاب برلمان مختلف قليلا، ولكن ليس بصورة جوهرية، ثم يتولى البرلمان الجديد سن القوانين التي ستشكل الآلية لتطبيق هذا الدستور· ومن المتوقع أن يهيمن عليه الشيعة مع حضور قوى للأكراد·
· ليس هناك احتمال لمشاركة السنة في انتخابات أكتوبر إذا أُغفلت مطالبهم بشأن الدستور، أليس كذلك؟
- أعتقد ذلك، وإذا شاركوا في التصويت، فلن تكون هذه المشاركة كافية لإحداث تغيير حقيقي في التوازن داخل البرلمان، وإذا أرادوا إحداث هذا التغيير الحقيقي، فعليهم المشاركة في الانتخابات بصورة مكثفة·
· حسنا، يجب على السنة أن يدركوا ذلك، لأن احتمال رفض الدستور أضعف من احتمال القبول به، فهل من الممكن إقدام الأطراف على تسوية ما؟
- أعتقد أن هذا أمر ممكن لقد كانت تجرى مفاوضات بين مختلف الأطراف بنوايا حسنة، بالرغم من انهيارها في اللحظات الأخيرة، وقد أبدى السنة تقديم التنازلات المطلوبة، وكذلك الأكراد، ولكن المشكلة أن أحدا لم يرغب في تقديم التنازلات في ما يتعلق بمطالبه الأساسية، وليس من الواضح أن تنجح جهود كتابة دستور حقيقي وذي معنى إذا لم يحدث ذلك·
السيناريو الأفضل
ولا أعتقد أن من المستبعد إعادة فتح باب المفاوضات، ولكن حتى إذا حدث ذلك، فلن يكون من السهل حل هذه القضايا الأساسية التي لا أجدني متفائلا بإمكانية حلها، في المدى القصير على أقل تقدير· فهذه القضايا لا تُحل في شهر أو حتى عدة أشهر، بل تحتاج الى سنوات·
· إذاً، أنت تشعر بالإحباط بصورة أساسية أليس كذلك ؟
- نعم، وأعتقد أن السيناريو الأفضل للعراق في المدى البعيد هو أن يجري رفض الدستور في استفتاء الخامس عشر من أكتوبر، على افتراض أن يجلس رؤساء مختلف الأحزاب على مائدة التفاوض مرة أخرى من أجل التصدي لاحتمال اندلاع حرب أهلية شاملة وليست جزئىة فقط، وبالتالي تقسيم البلاد· بل قد تبدأ مفاوضات على أسس جديدة بين مختلف الفرقاء·
صحيح أن رفض الدستور سوف يسبب الحرج لإدارة الرئيس بوش، ولكني أعتقد أنه من أجل مستقبل العراق في المدى الطويل، فإن هذا الرفض قد يوفر السبيل الى تحويل العملية الدستورية الى آلية حقيقية لتسوية سـياسـية بين مكوّنات الشعب العراقي الأساسية·
" المصدر: CFR.ORG "