كتب نشمي مهنا:
يقول الروائي المصري يوسف القعيد في أحد لقاءاته الصحافية القديمة إنه لم يتأكد من شهرته الروائية إلا بعد أن فاجأه أحد القراء في صعيد مصر بمعرفة اسمه بسبب قصة منشورة له على صفحات مجلة "العربي"·
لفتة من القعيد تدل على ما تمثله هذه المجلة من مكانة في نفوس القراء العرب، وعلى وصولها الى أماكن غير متوقعة·
هي كذلك في الانتشار، إلا أن ما يضاف إلى قيمتها هو أنها غالباً ما تقرأ من الغلاف إلى الغلاف، وهي معادلة يصعب تحقيقها بشكل متوال شهرياً، وما لم يتحقق لأي مطبوعة ثقافية عربية·
الشدّ والتشويق والقيمة الثقافية التي يتلقاها القارئ العربي شهرياً هي بالتأكيد نتاج مهنية عالية وذكاء في تحرير المواد واختيارها·
التوجيه والهوية
محافظة "العربي" على خطها الرصين لعقود طويلة مع تنوع مواضيعها وغناها هما منجز يندر تحقيقه، ويحسب لرؤساء تحريرها الذين استلموا "خطها البياني" منذ أيام تأسيسها على يد د· أحمد زكي مروراً بالدكتور محمد الرميحي، والدكتور سليمان العسكري حالياً، والذين لم ينخفض بأيديهم هذا الخط ولم يفلت منهم·
ومازالت "العربي" برؤيتها الواضحة الصحيحة، لم تفقد وجهتها ولم تبدل هويتها كمطبوعة كويتية متفانية تخاطب القارئ المحلي والعربي دون تحيز لقضايا الأول، ولا مبالغة في تغليب الصوت الثاني العربي·
يعمل في "العربي" مجموعة من المحررين المصريين العرب، وتستكتب عرباً من جنسيات أخرى، إلا أن "أعداد" العاملين وهوياتهم لم تبد واضحة في تحرير مواد المجلة كما لم يطغ صوتهم مثلما يحدث في بعض المطبوعات الخليجية· وهذا مما يحسب لـ "العربي"·
عدد سبتمبر·· نموذجا
في عدد سبتمبر كمثال، نجد هذا التنوع في أبواب عدة في الفكر والتاريخ وتاريخ الأديان والآداب والفنون والتشكيل والعلوم·
وقد لوحظ على المجلة التقليل من موادها العلمية (في هذا العدد مثلاً) بعدما بدأت باصدار مجلة "العربي العلمي" التي تضم مواد علمية مبسطة يقبل عليها العادي ويتابعها المتخصص·
وفي العدد ينشر رئيس التحرير د· سليمان العسكري مقاله الشهري "استحالة الهيمنة ثقافياً" به يتطرق الى اقتناع الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً وعودتها للانضمام الى اليونسكو بعد سنوات من تعليقها عضويتها رغبة منها آنذاك بأن تعامل ثقافياً مثلما هي في السياسة·
ودرجت عادة د· العسكري في "حديثه الشهري" على تناول مواضيع حيوية في الفكر العربي وهمومه كالإشكالات التي تعترضه، والعولمة، وحوار الحضارات، والترجمة، وصورة العرب عند الغرب، وقضايا التنمية، مع اتكاء أحاديث العسكري على لغة رقمية مقنعة وأفكار مهمة وأسلوب كتابي يمتع ويفيد·
الأدب والملف
وإذا ما استثنينا النصوص الشعرية المنشورة في العدد والتي كان اختيارها غير موفق، نجد التميز في المواد الأدبية سواء في اللقاء الذي جمع بين الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين وسيمون نصار "وجهاً لوجه" أو في الأوراق الأدبية التي يقدمها الناقد د· جابر عصفور شهرياً، أو في تغطية الشاعر أشرف أبو اليزيد (المحرر في المجلة) لملتقى الشعر العراقي الذي عقد في الكويت أو في الذكريات التي كشفها الناقد اللبناني جهاد فاضل للمرة الأولى عن الراحل توفيق الحكيم·
وفي مواضيع الساعة اختارت المجلة الكتابة عن الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، قامت بإعداد الملف الشاعرة والصحافية سعدية مفرح وهي من الأقلام الكويتية التي تُعد مكسباً "للعربي"، لمهنية صحافية عالية وحرفنة كتابية تتسم بهما الكاتبة·
غياب المغاربي والشامي!
وبمسحة لأسماء الكتّاب وجنسياتهم بهدف تعزيز التنوع الثقافي المطلوب ولالتقاط أضواء من ثقافات عربية بعيدة نرى أن سعدية مفرح والكاتب سليمان الفهد هما الاسمان الوحيدان المستكتبان من الكويت في هذا العدد، ومن هيئة التحرير يتكرر أشرف أبو اليزيد ومحمد المنسي قنديل بالإضافة الى جابر عصفور والراحل محمد مستجاب وعرفة عبده علي ود· أحمد أبو زيد، مع معرفتنا أنها أكثرية مصرية لا تخل ولا تتحيز وإنما تثري ولكنها تحتاج الى "تطعيم" من أسماء لبنانية وسورية ومغاربية من المغرب والجزائر وتونس أو من المشارقة في الخليج واليمن·
السفر على الأوراق
استطلاعات "العربي" هي أسفار أخرى تنقل القارئ إلى أماكن قصيّة، وتزيده ثقافة بالشعوب والمعالم والعادات والتقاليد التي يجهلها لدى الأمم الأخرى، خصوصاً أنها تجيء عادة بقلم تصويري (مثل أبو اليزيد وقنديل) وبعدسة راصدة للتفاصيل (رضا سالم)· في هذا العدد كان استطلاع "العربي" إنجازاً تحسدها عليه حتى المجلات المتخصصة في السياحة، ففي "فلورنسا·· السلام مع النفس أولاً" الذي كتب بقلم يحيى مطر وصوِّر بعدسة الفنان جعفر إصلاح، تسجيل وتصوير دقيقان عن المدينة وأسرارها، وقد ضم لفتات ذكية عن ماضيها وحاضرها بما يشبه الكتيب المحقق لهدفين يخدمان المدينة والقارئ العربي·
هل تلحق "بالمجلس"؟!
"العربي" ككتاب ثقافي شهري لا ُيمل بسبب تنوعه وثرائه أصبحت سفيراً للكويت الى كل بيت - على حد وصف الشاعر التونسي المنصف المزغني - وهي مسؤولية استطاع القائمون على هيئات تحريرها لسنوات طويلة تحملها والنجاح في أدائها، لكن بقي أن تعي الكويت كدولة ومسؤولين أهمية الدور الذي تقوم به هذه المجلة، وأن تقطع أي مساعٍ يريد أهلها إلحاق "العربي" بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، لأن أي خطوة بهذا الاتجاه وإصدار قرار بتبعيتها لمجلس هو بالأساس مقصر في أداء دوره الثقافي المنوط به لايعني سوى استصدار شهادة وفاة لمطبوعة أضاءت اسم الكويت لأكثر من نصف قرن في بيوت العرب وقلوبهم·
