التيار المتعَب
نشمي مهنا
هل يظل "الأمس" ثابتا لا يتزحزح، ولا يمتثل لحكمة الأيام وتجددها ودوران شموسها؟
سؤال يقلق الفكر وجماعاته وتياراته وأحزابه، الدينية تحديدا، التي طال أمد انتشار فكرها وهيمنته وتغلغله في المجتمع·
هل نشهد الآن بداية نهاياتها؟ حال الجماعات الدينية، بل حال أكبرها وأكثرها عددا وانتشارا يقول ذلك·
فإذا ما سلمنا بأن التيار الفكري مثله مثل أي كائنات حية، يولد وينمو ويشبّ ويكبر، ويتعب ويشيخ ويمرض ويموت، والتفتنا الى حال حزب الإخوان المسلمين في الكويت ممثلا في "جمعية الإصلاح" نرى تشابه النهايات أو ما قبلها بقليل، حيث الجسد المتعب، والأنفاس المتقطّعة·
بالطبع ليس تمنياً هذا، ولا تشفياً، فمظاهر التعب والوهن والإنهاك واضحة على أحوال هذا الحزب، وهو الذي جاء قبل 30 عاماً بولادة قيصرية على أيادي الحكومة وفي توقيت قاتل آنذاك، واكتمل عود طفولته وشبابه وفتوته في أحضانها·
تعبه الآن، لا يعود لبرودة أحضان الحكومة أو لتبديل في سياساتها وتحالفاتها، لكن بسبب حياة اجتماعية جديدة - مغايرة تماماً في جدتها - بدأت تظهر، وتغيّر، وتخرّج أحلاماً وسلوكا ومظاهر في نفوس الكويتيين·
فالتغيّر الاجتماعي قد يقود أيضا، وإن ظلت أسبابه ودوافعه، أو بعضها، بعيدة وخفية·
هذا، رغم ما يعرف - غالبا - عن أسبقية السياسة والسلطة والفكرة النظرية في قيادة المجتمعات الى الوجهة التي تريد، لكن، لنقُل العكس، ولنعترف بغلبة العامل الاجتماعي - هنا - وسطوته في تغيير السياسي وتهذيب السلطة ومحو الفكرة النظرية المجردة ونكرانها (وإن كان "الاجتماعي" في حقيقته مجموعة أفكار في طور التشكل)·
إذا، لا سلطة سياسية جديدة، ولا فكر عقائدياً، ولا قوى سياسية، ولا أحزاب مضادة للفكر الديني وراء هذا "التحجيم" الذي بدأت تشهده الآن الحركات الدينية، إنما هو التغيير الاجتماعي وحده، الذي بدا وكأنه يقود هجوما من القناعات الجديدة تملأ نفوس الشباب المحبين للحياة، والفرح، و"المساكنة" الفكرية المعولمة·
هجوم يشبه تياراً مائيا دافئاً يجري تحت سطح النهر، لا يحمل شعارات، ولا يملك منابر خشبية، لا يخطب ولا يدعو ولا يرغب في تشكيل جماعات ومريدين· مظهره: الملبس والمأكل واللهو البريء والحفلات الغنائىة والمسارح ودور السينما ومجمعات الأسواق الحديثة·
هل تنحو حياتنا الى علمانية بالفطرة؟
هذا ما أعتقد بمجيئه على يد الأجيال الملوّنة بعد أن صبغ اللونان الأبيض والأسود حياتنا وحياة من سبقونا!
التغيّر الاجتماعي الذي يتشكل الآن أصاب - وسيصيب بشكل أبلغ - الحركات الدينية في مقتل، وعلى الأخص "الإصلاح" كونه الأكبر والأكثر لملمة للجماهير الشابة! فماذا بقي من أسباب أخرى "أتعبت" جمعية الإصلاح؟·
أتعبه: تصدير أولاده الملتحين لعمليات إرهابية· انكشاف أمر مفاوضاته واقتراحاته السرية أيام الغزو العراقي·
صورة المتدين الجديدة المعروضة على شاشات الفضائيات الظامئ للدم الحار في الكويت والسعودية والعراق وأمريكا ولندن وماليزيا والهند وغيرها· الظهور المفاجىء لحزب "الأمة" وسقف مطالبه العالية· "التكتل الشعبي" الذي شكّل خصما من رصيده الجماهيري القبائلي ومن ذوي الدخول المحدودة· أداء أعضائه البرلمانيين ودخولهم في الشبهات·
استحواذه على الوزارات والمؤسسات الاستثمارية والعقارية والضرر الذي ألحقه بمصالح البسطاء غير المنتمين إليه· مواقفه المتخلفة من المرأة والمال العام والتعليم والإعلام والحريات· نفور الكويتيين من التضييق والخنق الذي يمارسه ليومياتهم وعاداتهم البريئة· ملل الأهالي من برامجه التثقيفية ومخيماته الدينية والشك بصدقيته أمام ممارساته الطبقية والعائلية التي تتعرض لها كوادره أنفسها·
أي أن عدم تحقيق أي منجز وطني طوال ثلاثين عاما، إضافة الى الشبهات، والملل، وظهور المنافس، والتشدد، والفضاء الجديد، يكفي أن يتعب أي تيار، فينفض الناس من حوله·
والعالم يتغيّر، والحياة الاجتماعية أيضا·
nashmi22@hotmail.com