كتب محرر الشؤون الدولية:
تفجيرات "بالي" الأندونيسية مع مطلع هذا الأسبوع، وهي الثانية في تلك المنطقة، تحمل كما قيل على ألسنة عدد من خبراء لم تذكر أسماؤهم "بصمات الجماعات الإسلامية التي تعتبر جناحا إقليميا لتنظيم القاعدة"·
وقدد ترافقت هذه التصريحات مع تحفظ مصادر الشرطة الأندونيسية التي ترى أن الغموض مازال يحيط بهذه العملية الأخيرة مثلما أحاط بعمليات مشابهة في بالي وجاكرتا، وفي الوقت الذي طرحت فيه نظرية التفجير الانتحاري، أي السمة المميزة لعمليات هذه الجماعات كما يزعم الخبراء، لم تؤكد مصادر الداخلية الأندونيسية أن هذه العمليات نجمت عن عمل انتحاري، فحتى الآن، وبعد مضي يومين، لا تشير التحقيقات كما ورد على لسان الرئيس الأندونيسي الى أن هذه الهجمات نفذها انتحاريون· ولكن ما اتضح في وسط كل هذا الغموض، مخاوف الأقلية المسلمة في الجزيرة السياحية التي تعد مركزا بوذيا مهما، ونفى الرئيس الأسترالي أن تكون هذه الهجمات موجهة ضد أستراليا، كما كان الأمر مع التفجيرات الأولى في بالي· ويطرح كل هذا تساؤلا عن الأهداف الحقيقية لعمليات إرهابية من هذا النوع يسودها الغموض، ويزداد التساؤل إلحاحا إذا انتقلنا الى العراق حيث يضرب الإرهاب بأبشع صوره التجمعات المدنية في الأسواق والمساجد والكنائس، وتصدر عن رعاته على شبكات الإنترنت "فتاوى" و"أوامر" بمهاجمة "الشيعة" وإبادتهم·
عضو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية همام حمودي، كشف في تصريح له عن أن الاستراتيجية الإرهابية لبقايا نظام البعث البائد والجماعة التي يتزعمها "الزرقاوي" هي مشروع الاقتتال الطائفي·
وأضاف وزير الداخلية العراقي خبرا جديدا حين ذكر أنه عثر على وثيقة تظهر أن الفرع العراقي لتنظيم القاعدة يعتزم بجدية نقل عملياته من العراق الى دول الجوار، وقال إن مئات من هؤلاء الإرهابيين غادروا العراق متوجهين الى بلدانهم للقيام بهجمات مماثلة·
إن المتابع لطبيعة العمليات الإرهابية وتوسع دائرتها والأهداف التي تضربها، يمكن أن يلاحظ أنها أصبحت تصب في ثلاثة اتجاهات متكاملة: الأول توسيع رقعة هذه الهجمات تشمل شعوبا مختلفة القوميات والأديان، بحيث يبدو الإرهاب ظاهرة عامة، والثاني أن تستهدف طائفة إسلامية باسم طائفة أخرى، أو شعبا غير إسلامي باسم الإسلام·
والثالث: أن يجري كل هذا في سياق أن الإسلام "يدافع عن نفسه"!
الحصيلة التي تطورت إلىها هذه العمليات حتى الآن، هي محاولة توليد شرخ عميق بين الديانات الشرقية، وبخاصة البوذية (الثانية من حيث عدد المعتنقين على صعيد العالم بين الأديان) وبين الإسلام، وفي هذا السياق تصب عمليات تدمير تماثيل بوذا الأفغانية والهجمات في "بالي"، والأخرى هي محاولة إيجاد شرخ دام بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي كما يتضح من عمليات مدريد ولندن· وتجسد هذه الخريطة التي ترسمها استراتيجية الإرهاب الحدود الدامية التي زعمت أطروحة الأمريكي صوموئيل هنتنغتون أنها "حدود العالم الإسلامي مع عوالم المسيحية والديانات الشرقية" وكأنها تأتي للمصادقة عليها·
على أن ما يجري داخل العالم الإسلامي نفسه من تحويل للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة الى صراع دموي، ومثال ذلك العراق، وما يجاوره كما يأمل المخططون، هو العنصر المكمل لهذه الاستراتيجية الواسعة التي تستهدف ليس عزل العالم الإسلامي والعربي عن محيطة الدولي شرقا وغربا فقط بل تفتيته الى كيانات طائفية متقاتلة في حروب إفناء لا نهاية لها·