"الطليعة" - غزة - خاص
تصاعدت الصدامات بين الشرطة الفلسطينية ومنظمة حماس في غزة خلال اليومين الماضيين، وصولاً إلى دخول عدد من أفراد الشرطة الفلسطينية إلى قاعة اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني وأطلقوا النار في الهواء احتجاجاً على قتل حماس لأحد زملائهم، ما أدى إلى إلغاء جلسة المجلس· الصدامات بدأت يوم الأحد الماضي باشتباك مسلح بدأ في أحد الشوارع إثر محاولة الشرطة اعتقال نجل الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي وإطلاق الرصاص على سيارته حسب رواية حماس، أو إثر شجار حول سحب أموال من بنك تدخلت فيه الشرطة واشتبكت معها عناصر من حماس حسب رواية وزارة الداخلية الفلسطينية· وتوسعت هذه الاشتباكات في ما بعد إلى مناطق أخرى، ثم أعقب هذا يوم الاثنين حدث غريب من نوعه، إذ اقتحمت عناصر من الشرطة الفلسطينية مبنى المجلس التشريعي في غزة رافعين شعار إما السلطة أو حماس، في احتجاج كما قيل على ضعف السلطة أمام حماس·
في هذا الوقت كانت فضائية، فلسطينية تبث برامج تحرض على سلاح المقاومة، الفلسطينية تحت ذريعة إيقاف فوضى السلاح، وتكرر بث أحاديث لوزير الداخلية نصر يوسف في هذا الاتجاه نفسه·
من جانبها عقدت لجنة المتابعة الوطنية التي تضم ممثلين للمنظمات الفلسطينية اجتماعات متوالية، أعلنت في نهايتها أنه تم تطويق الأزمة التي يبدو أنها لم تحل بدليل أن الهجمات الإعلامية المتبادلة بين قيادات فتح وقيادات حماس من على شاشات الفضائيات لم تتوقف، ووصلت الى حد اتهام حماس بأنها تود السيطرة على السلطة!
وتتهم حماس، حسب أقوال الناطقين باسمها، أوساطاً معينة في السلطة الفلسطينية، بأنها تنفذ أجندة خاصة بها، في تلميح الى وزارة الداخلية التي ذكر أن أحد مسؤوليها هدد بتصفية منظمات المقاومة، "حتى لو وصل الدم الى الركب"· بينما نفت السلطة على لسان رئيسها محمود عباس أن تكون شرطتها اعتدت على أحد، وهي شرطة تقع عليها مسؤولية حماية الشعب ووضع يدها على من يخرق النظام·
هذا التباين في المواقف، بل والتناقض في تصوير ما يجري ليس أمراً جديداً، فرغم حديث الطرفين، السلطة وحماس طيلة الاشهر الماضية عن وحدة الموقف الفلسطيني وعدم المساس بالمقاومة، الا ان الحديث عن "فوضى السلاح" و"سيادة القانون ومنع أن يكون هناك سلاح إلا السلاح الشرعي يخفي كما يبدو أمراً خطيراً ينذر بانفجار الاشتباك الفلسطيني - الفلسطيني·
ودواعي الشك في ان المقصود بكل هذه الشعارات التي تروجها منظمة فتح بالدرجة الأولى التي تمسك بمفاصل السلطة الفلسطينية، وتنفرد باتخاذ القرارات، متوفرة في السياق الذي تطرح فيه، والتوقيت الذي تشتد فيه مع ظهور الاشتباكات المسلحة في هذا الوقت بالذات·
هذا السياق بات معروفاً ومعلناً، فالحكومة الإسرائيلية بلسان شارون وعدد من العسكريين تعلن بوضوح أنها لن تستأنف أي عملية تفاوض مع السلطة الفلسطينية ما لم تقوم بتصفية "الإرهاب" وبنيته، والمقصود بذلك تصفية منظمات المقاومة الفلسطينية، هذا على الجانب العسكري، اما في الجانب السياسي، فقد أعلن الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية أنهم لن يتحملوا وجود طرف معاد لإسرائيل في حكومة السلطة في إشارة الى احتمال أن تحقق حماس نجاحاً في الانتخابات التشريعية القادمة· وقبل يومين فقط من بدء الاشتباكات الفلسطينية، طالبت وزيرة الخارجية الأمريكية عدة مرات بنزع سلاح حماس كشرط لدخول المعترك السياسي·
هذا السياق الأميركي والاسرائيلي الضاغط على السلطة الفلسطينية، بالإضافة الى أطراف عربية لم يكشف عنها النقاب، حشر السلطة الفلسطينية في زاوية غير مسبوقة· وجاءت أخيراً ورقة إعلان إسرائيل عن إيقاف عمليات الاغتيال وقصف الطائرات والمدفعية لغزة، لتزيد من حرج الموقف الفلسطيني، وتمنح كأنما للسلطة مخرجاً أو حجة في وجه سلاح المقاومة· وبدأ الحديث هنا على لسان عدة شخصيات عن انتفاء مبررات حمل السلاح في ضوء توقف العدوان الاسرائيلي وهو ما ترد عليه أوساط المقاومة وعلى مروجيه بالقول إن العدوان الإسرائيلي متواصل ولم يتوقف، ولا يمثله فقط قصف غزة ومطاردة واغتيال المقاومين، بل الاحتلال ومصادرة الأراضي ومدّ جدار المصادرة والنهب الى أقصى مدى وتهويد القدس وفصلها عن الأراضي المحتلة في العام 1967·
أزمة الثقة واضحة إذاً بين منظمات المقاومة، وبخاصة حماس، والسلطة الفلسطينية، وتشير الأحداث الأخيرة الى أن أزمة الثقة بدأت تنتقل إلى ميدان الاشتباك المسلح كما حدث منذ يومين، وهو ما دفع أوساطاً في المجلس التشريعي الى بحث أمر طرح الثقة بالحكومة في سياق بحث الصدامات المسلحة، ثم التراجع عن هذا الطلب وتغليب الطلب من رئيس السلطة بتشكيل حكومة جديدة· واللافت للنظر في رأي أحد المراقبين أن اقتحام الشرطة الفلسطينية للمجلس التشريعي وإطلاق الرصاص في الهواء، جاء في هذا الوقت بالذات أي في وقت المطالبة بتشكيل حكومة جديدة·
الجدير بالذكر أن أصواتاً فلسطينية من عدة منظمات كانت قد طالبت إثر الاشتباكات الأولى التي حدثت بعد الانسحاب الإسرائيلي وحدوث عدد من الاغتيالات الغامضة بإقالة وزير الداخلية نصر يوسف، وهو ما لم يحدث، مثلما لم يحدث كشف عن الجهات التي تقف وراء حوادث الاغتيال والتصفيات ولا محاسبة لأحد·