رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 19 ذوالقعده 1426 هـ . 21 ديسمبر 2005
العدد 1708

بعد نصف قرن على ولادة قصيدة النثر
ندوة القرين: الشعر العربي الحديث ·· سجال وقبول واعتراف متأخر

ندوة القرين: الشعر العربي الحديث ·· سجال وقبول واعتراف متأخر

 

كتب: المحرر الثقافي

ست أوراق بحثية قدمت في ندوة "الشعر العربي الحديث" ضمن فعاليات مهرجان القرين الثاني عشر تطرقت الى نشأة الشعر الحديث ومدارسه وتياراته وموسيقاه والتحولات التي مر بها على مدى نصف القرن الفائت، بعضها اتسم بالوصفية وسرد الملامح العامة وبعضها الآخر نفذ الى عمق إشكاليات الشعر الحديث والتقط أهمها وأعاد طرح تساؤلات قديمة تبحث عن أحلام وتمنيات أكثر مما تبحث عن إجابات حاسمة·

ندوة موفقة وإن تركت بعض الأوراق المشاركة وراءها الكثير من الفراغات، ومحور مهم وإن كان الأجدر - كما اقترحنا في مرات سابقة - أن يكون أكثر جرأة وجدة بتخصيصه لقصيدة النثر وحدها، وهو المحور الذي تحاشته كثير من المهرجانات الثقافية العربية لصعوبته ولإثارته الكثير من الإشكاليات·

كما لوحظ غياب المشاركة المغاربية والخليجية·

وهنا ننشر أهم ما جاء في الأوراق المشاركة (حلمي سالم - شربل داغر - عباس بيضون) على أن ننشر الأخرى في أعداد مقبلة·

حلمي سالم: جذور جنينية

 

                                                                 

 

الشاعر حلمي سالم أحد مؤسسي جماعة "الإضاءة" المجددة في السبعينيات تناول في بحثه نشأة الشعر العربي الحديث، واتخذ النموذج الشعري في مصر رابطا بين التطور الاجتماعي والتطور الأدبي الفني كعلاقة جدلية مرنة·

ورسم حلمي سالم خريطة لالتقاء أهم الأحداث السياسية كمراحل واضحة والأثر الأدبي التجديدي الذي تركته (مثل البدء: بالحملة الفرنسية وتولي محمد علي الحكم (1805)، ورحيل البارودي أو معاهدة سايكس بيكو (1916)، ونكبة فلسطين أو ثورة يوليو (1952) الى الآن)·

ويصل الباحث الى أن ثورة يوليو شكلت قوة دفع لصعود حركة الشعر العربي الحر برفعها شعارات الحرية وكرامة المواطن والعدالة الاجتماعية لكنها سلبت في الوقت نفسه "شرعية جمالية"، كما أن التجادل قد اختل في قضية رئيسة هي "كبت الرأي وقمع المختلف" فبرزت موضوعات السجن والتعذيب والزنزانة والمخبر والقمع·

ويستدرك الباحث الى أن الموازاة التي أجراها بين الطور السياسي الاجتماعي والطور الشعري ليست حديدية "فقد تكون النتيجة سببا والسبب نتيجة" مشيرا الى البورجوازية الصغيرة (ثورة يوليو) وما أضافته الى حركة الشعر الحر من حيث المضمون والشكل وفلسفة الإنشاء الشعري حيث لا قداسة للإطار ولا دوام للصيغ المقترحة·

ثم تحدث الباحث عن أثر الاحتكاك بالثقافة العالمية وتبلور المدارس: الواقعية الاشتراكية، والصوفية العربية، والسريالية الفرنسية· ثم ينتقل الى قصيدة النثر بوصفها ابنة النسق الشعري العربي ويشير الى الجذور الجنينية القديمة مثل نثر المتصوفة المسلمين وبعض النصوص القديمة، ليختم بحثه بالتوقف عند التراسل بين الشعر الحر وشعر النثر الذي يثبت ألا فواصل بين الشكلين·

 

رومية: تعميم وقضايا عالقة!

 

                                                                 

 

الدكتور وهب رومية بدأ تعقيبه بالإشادة بمنهج البحث القائم على التحليل الاجتماعي ووعي الباحث بالعلاقة الجدلية بين الظواهر، إضافة الى موقفه النقدي من الحركات الوطنية ومعرفته الواسعة بتاريخها وكذلك بالحركة الشعرية العربية، لكنه أشار الى بعض أوجه القصور التي يراها في عدم تحديد الباحث لمفهوم دقيق للشعر الحديث لا من حيث الزمن ولا طبيعته الجمالية، وقصر الباحث استقصاءه على التطورات التاريخية الاجتماعية في مصر وتعميمه النتائج على مناطق عربية أخرى، كما رأى د· رومية أن الباحث لم يعط اهتماما مركزا لتطور الثقافة وأدواتها، كما أنه لم يعرض مواقف المجتمع الأدبي من حركة الشعر الحر، إضافة الى تركه بعض القضايا معلقة دون تفسير·

 

داغر: التأثر بنماذج

 

                                                                 

 

الشاعر اللبناني د· شربل داغر شارك بورقة "تيارات ومدارس الشعر العربي الحديث" أشار في بدايتها الى صعوبة الإلمام بجميع التيارات والمدارس الشعرية، فذكر تحت عنوان "مذاهب ضمن المثاقفة" رسالة بين طه حسين ومي زيادة حاولت فيها زيادة أن تجيب عن سؤال "ما وجهة الشعر العربي الحديث وماذا عمل فيه من المؤثرات؟" أكدت تأثر الشعراء بالنماذج الغربية وبالمدارس والتيارات هناك، وانتهت إجاباتها بوجود نزعتين بين القديم والجديد· ويكمل الباحث داغر متابعته ورصده لأوجه التأثر بالشعراء الأوروبيين من خلال مقتطفات من الصحافة الأدبية آنذاك، وبعض الترجمات لنصوص شعرية، ويستشهد بأسماء شعرية كنماذج لهذا التأثر مثل إلياس أبو شبكة ويوسف غصوب وتوفيق الحكيم وسعيد عقل وصلاح لبكي وأمين نخلة وعلي محمود طه وعمر أبو ريشة وغيرهم منذ بدايات القرن الفائت·

وفي "الأيديولوجية والحداثة" يذكر داغر أسماء شعراء مثلوا توجهات فكرية وأحزاباً مثل سعيد عقل ويوسف الخال وأدونيس ونذير العظمة وخليل حاوي (القومية السورية الاجتماعية) وما طغى على نصوصهم من استشهادات وصور أسطورية تخص جغرافيا المنطقة وتاريخها، ثم أكمل سرده في الماركسية ورموزها والقومية· وخلص في ورقته الى "أن خريطة المذاهب والتيارات في الشعر العربي الحديث تبدلت وتباعدت عن أصولها الغربية عدا أنها تندرج أكثر ضمن "التناص" لا ضمن المثاقفة الحضارية والشعرية··· هكذا بات لشعر "الهايكو" الياباني، أو لشعر يانيس ريتسوس اليوناني، أو لشعر "البياض" عند أندريه دو بوشيه الفرنسي، حضور وفاعلية أقوى تتعدى تأثير شعر بلد بكامله في الشعر العربي الحديث"·

 

الغيث: لماذا "السوري القومي"؟ وأين الخليج والإسلامي؟!

 

                                                                  

 

ونوهت د· نسيمة الغيث في تعقيبها الى أن الباحث لم يتخذ ترتيبا قائما على الجهد العلمي والسبق الزمني في دعوات المثقافة وإهمالها لدعوة الحمصي في كتابه "منهل الورّاد في علم الانتقاد" (1906) ولم يول عبدالرحمن شكري مساحة أكبر وهو الداعي الى تأسيس مفاهيم التجديد الشعري· كما رأت د· الغيث أن الباحث لم يحرص على ذكر التعاقب الزمني في رصده لجهود المجددين، كما أنه أولى الحزب القومي السوري ونتاجاته أهمية كبيرة رغم قصر عمر هذا الحزب واقتصار تأثيره على شعراء لبنان وسورية بالمقارنة مع الأثر الكبير للقومية العربية، وتساءلت كيف يغفل الباحث أسماء شعراء في الخليج كان يجدر الإشارة لهم، بالإضافة الى إغفاله نازك الملائكة وفدوى طوقان في مجال الشعر القومي·

وختمت بالتساؤل أيضا عن غياب شعراء الدعوة الإسلامية في ورقة الباحث على أهميتهم مثل إسلاميات شوقي وحافظ وأحمد محرم ومفدي زكريا والشعر الصوفي·

 

بيضون: الشعر متأخر في حداثته

 

                                                                 

 

في ورقته "الشعر العربي الحديث·· الضرورة والاستمرار" طرح الشاعر اللبناني عباس بيضون في بداية بحثه مخاوف عامة حول انحدار الشعر، تلك التي ما زالت تردد رغم مضي نصف قرن، ورأى أن تصدر الرواد يعود الى الأسبقية الزمنية لا لشيء آخر بخلاف ما تقوله المراجعات النقدية، ويقول بجرأة عن الريادة "ظاهرة لا تتكرر في الزمن مرتين، لكن سابقتها لا تتحول تصدرا ولا تغدو قيمة بحد ذاتها إلا في ذهن موروث ما زال يعطي الفضل للأولين على المتأخرين، وهذا الذهن هو الذي أعطى الجاهلية الأولى فضلا على ما تلاها وتفوقا"·

ويضيف رافضا الصور التقليدية للريادة في شعرنا الحديث أو مشككا "لأن تاريخا فعليا للقصيدة الحديثة لم يوجد أو لعله قيد الإنجازات" ثم يتساءل "الكلام عن التقهقر في الشعر يستلزم التوضيح: قياسا على ماذا؟ وبالنسبة الى ماذا؟" وبعد هذا التساؤل الذي أراد أن ينفي به "التراجع" يقول "ذلك يعني أن حركة التجديد كلها لم ترق لجمهور المثقفين ومحبي الشعر ولم يفوت هذا الجمهور فرصة للارتياب فيها" وكان مهّد قبل عبارته بحقيقة أن ما يقال الآن عن الشعر قيل في فنون أخرى في أول أطوار التجديد·

رأي آخر صادم يطرحه بيضون من أن الشعر هو الأكثر تأخرا عن اللحاق بالحداثة، لأنه محمل بتقاليد بخلاف الرواية أو الرسم أو الأبحاث التي كانت بلا إرث قديم في ثقافتنا، ثم مر الباحث على مراحل تطور الشعر الحديث وسماته العامة وتحولها في أكثر من منطقة عربية، وصف خلالها أدونيس بـ "أول كلاسيكيي الحداثة" إشارة الى توفيقه بين الحداثة والتراث، الى درجة تحريف الأدونيسية واستخدامها في "لي العبارة وهذيان غير موزون" مع تأكيده أن "التجربة كانت من القوة بحيث استعارها الجميع اليوم، وبحيث اتكلوا عليها للبدء من النهاية"·

وعن علاقة القصيدة الحديثة بالجمهور يقول إن المثقف العربي لم يغفر للشعر الحديث "أنه غدا ثقافة أقلّوية، لم يغفر له ذلك وبدا له أنه بانفراده يهدم ذاتا عربية مزعومة ويهدم جسورا للتواصل ويحرم العربي من حداء ضروري لمسيرته"·

ويرى بيضون أن بؤرا ثلاثاً هي لبنان وسورية كوسيط للثقافة الغربية والعراق بتاريخه ومصر بواقعيتها شكلت حراكا ناشطا للقصيدة الحديثة ومواقع شاملة وواسعة للسجال والتفاعل لم تكن متوافرة من قبل، وبرصد تفصيلي للأسماء والتجارب المعاصرة والحقب الشعرية مضى بيضون في بحثه وختم بما يشبه الاقتراح حول "الأزمة بين القارئ والقصيدة الجديدة" بقوله "لا بد لشعر اليوم أن يكون أيضا نصا ثقافيا وعابر أنواع، لا تخترقه جماليات السرد فحسب ولكن أيضا المقالة والمونتاج ولا نستبعد النص الأنترنيتي، لا نستبعد العلم ولا الفلسفة بالطبع"·

مفتاح·· في فلك آخر!

 

                                                                 

 

الناقد المغربي د· محمد مفتاح بدا في تعقيبه على ورقة عباس بيضون كأنما يجيب على إشكاليات أخرى لا علاقة لها بما طرحه بيضون حول القصيدة العربية الحديثة وما يقال حول أزمتها أو أزمة قارئها، فتحدث عن المسألة الصوتية الموسيقية وتوقف طويلا عند التفعيلات، والمسألة الزمكانية والدلالية وطالب بالاستعانة بمفاهيم نظريات علمية لتحليل النصوص المعاصرة·

وقال مفتاح إن الباحث أصاب في وصفه للأدونيسية التي بنت صرحها الشعري الى نظرية انتظام الكون والوجود·

طباعة  

حلقة نقاشية·· وتوصيات
حداد: ثمانية·· تبدأ بها أزمة الشعر

 
وتد
 
سؤال
 
المرصد الثقافي