رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 19 ذوالقعده 1426 هـ . 21 ديسمبر 2005
العدد 1708

الخطر سيطال الجميع إذا فشلت أمريكا في العراق

·         لا يمكن إنجاز المهمة في العراق دون بناء إجماع دولي

·         النجاح العسكري ليس بديلا عن البناء السياسي في العراق

 

بقلم: هنري كيسنجر

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق

إدارة بوش ومنتقدوها متفقون، على ما يبدو، على أن بداية الانسحاب الأمريكي من العراق ستشكل نقطة تحول، ولكن ما يختلفون عليه هو سرعة ومدى هذا الانسحاب وما إذا كان سيجري وفقا لجدول زمني أو استراتيجية تهدف الى صياغة الأحداث·

وعلى الرغم من وضعها باستمرار ضمن مصطلحات فنية، إلا أن المسألة ليست هي آلية الانسحاب· بل إن الجدل يجب أن يتركز على تبعات هذا الانسحاب، وما إذا كان سينظر إليه - في نهاية المطاف - على أنه تراجع مفروض بالقوة أو ضمن استراتيجية معدة بعناية لتعزيز الأمن الدولي، ومهما تكن وجهة نظرنا في قرار شن الحرب على العراق (وأنا من مؤيدي ذلك القرار) فيجب علينا أن نكون واضحين إزاء انعكاسات الفشل في العراق، إذا انسحبنا وتركنا وراءنا دولة فاشلة وفوضى، فإن عواقب ذلك ستكون كارثية على المنطقة وعلى موقع الولايات المتحدة في العالم·

ولأن ظاهرة التطرف الإسلامي أكبر من مجموعة من الإرهابيين الذين يمتد نشاطهم من بالي "أندونيسا" مرورا بجاكرتا ونيودلهي وتونس والرياض واسطنبول والدار البيضاء، وصولا الى مدريد ولندن· إنها أيديولوجية يحاول الجناح الأصولي المتطرف من خلالها القضاء على العلمانية وقيم التعددية والمؤسسات الغربية في كل الأماكن التي يتواجد فيها مسلمون، وتتغذى دينامية هذا التيار بالقناعة أن الضحايا المستهدفين في حالة ضعف ويفتقرون لإرادة المقاومة·

وأي حدث يبدو أنه يعزز هذه القناعة يؤدي الى تقوية الدينامية الثورية، فإذا قام نظام أصولي في بغداد أو أية مدينة رئيسية في العراق كالبصرة والموصل، وإذا حصل الأصوليون على أراض للتدريب والاختباء، أو إذا انتهى التدخل الأمريكي بفوضى أو حرب أهلية، فسوف يكتسب الأصوليون زخما في أي مكان يتواجد فيه عدد كبير من المسلمين، أو حكومات إسلامية غير أصولية ولن تسلم أية دولة يمكن أن يصل إليها الجهاد من عواقب مثل هذه الفوضى·

إن الهزيمة ستؤدي الى تآكل المصداقية بالولايات المتحدة حول العالم· وسوف يتلاشى الاحترام لوجهات نظرنا في قضايا إقليمية أخرى، من فلسطين الى إيران، كما ستضعف ثقة الدول الكبرى الأخرى كالصين وروسيا وأوروبا واليابان بقدرة الولايات المتحدة على المسرح الدولي·

إن المطالبات بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق تمثل تجاهلنا لدروس التاريخ التي تعلمنا أن الجلَد هو شرط ضروري مسبق للتغلب على العدو في حرب العصابات·

ويخطئ الناطقون باسم الإدارة ومنتقدوها على حد سواء باقتراح أن تحل القوات العراقية المدربة محل القوات الأمريكية، فمثل هذه الاستراتيجية قد تدخلنا في مأزق· إن بقاء الوضع في العراق على ما هو عليه من الناحية الأمنية ينطوي على خطر تأكيد مقولة إن المسلحين يعتبرون أنفسهم منتصرين إن لم يهزموا·

رديف لا بديل

ويجب النظر الى الوحدات العراقية التي تستكمل تدريبها باعتبارها رديفا للقوات الأمريكية وليس بديلا لها· وهذه الاستراتيجية تمكننا من التغلب على مشكلة النقص في القوات البرية التي أبطأت عمليات التصدي للتمرد وتوفير فرص أفضل لتحقيق الاستقرار وتأمين طريق موثوق به للخروج·

ويجب لاستراتيجية مسؤولة للخروج من العراق أن تبرز من الدمج المنظم للعناصر السياسية والأمنية، والتي يأتي في مقدمها تعزيز حكومة وطنية، وحينها ينظر السكان الى القوات العراقية كمدافعة عن الأمة ومصالحها وليس عن مصالح طائفية أو مناطقية، وسوف ينظر إليها كقوات وطنية أيضا حين تصبح قادرة على تنفيذ المهام القتالية في المناطق السنية وحين تصبح لديها الإرادة لنزع أسلحة الميليشيات في المناطق الشيعية التي ينحدر منها معظم أفراد هذه القوات·

إن ترك مسألة تحديد موعد الانسحاب للقادة العسكريين يضع على كاهلهم عبئا ثقيلا، فوجهة نظرهم حيال الأمن يجب أن ترافقها توازنات مع العواقب السياسية والكلية لأية مبادرة رئيسية بهذا الشأن· ومثل هذا التوازن يفترض أن كل أطراف الجدل الداخلي تتبنى القيود التي يفرضها علينا إدراك العواقب الخطيرة للفشل·

تأثير نفسي

وسيكون للتأثير النفسي أهمية حاسمة على الهيكل السياسي العراقي· فهل ينظر الى التخفيضات الأولية لعدد القوات والمتوقعة خلال أسابيع، على أنها خطوة أولى نحو الانسحاب الكامل والسريع؟ أم سينظر إليها باعتبارها عملية متفقا عليها وتعتمد على التقدم السياسي والأمني الملموس؟ فإذا كان الاحتمال الأول هو ما سيكون، فسوف تسارع مختلف الطوائف العراقية للمناورة من أجل حماية مكتسباتها وما لديها من قوة استعدادا لاختبار متوقع للقوة بين مختلف الأطراف، وستكون الحكومة في موقف ضعيف بالنظر الى تراجع الإحساس بالدعم الأمريكي لحكومة علمانية لعراق موحد·

وإذا كان هناك درس تعلمناه من فيتنام، فإن عدد القوات العائدة يمكن أن يتحول - في مثل هذه الأجواء - الى اختبار محلي لمدى نجاح السياسة الأمريكية· وإذا استمرت الضغوط أو تصاعدت، فإن الانسحابات قد تصبح ذات مغزى لدرجة يضيع معها أي معيار سياسي للتقدم الذي يتم إحرازه· إن أية عملية تكون مدفوعة بمعايير فنية أو داخلية قد تخلق تنافسا بين الفصائل العراقية لادعاء الفضل في تسريع الانسحاب الأمريكي، إما بالانقلاب علينا سياسيا أو حتى عسكريا من خلال بعض الميليشيات·

لقد تدخلت الولايات المتحدة في العراق لحماية أمن المنطقة وحماية أمنها· ولكنها لن تستكمل هذه المهمة دون تحقيق شكل من أشكال الإجماع الدولي· فالحقائق الجيوسياسية لن تختفي من منطقة عاشت بها وعانت منها منذ ألف عام· ومن أجل هذا الهدف تدخلت الولايات المتحدة في لبنان في الخمسينات وفي الثمانينات وفي أفغانستان عام 2001 وفي الخليج في عام 1991 و2003· وهذا الذي استدعى استنفارا عسكريا أمريكيا خشية غزو سوري للأردن عام 1970 وأثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973·

فالمشاعر والقناعات والخصومات بين مختلف الفصائل العراقية سوف تستمر· وسوف يبرز نظام إقليمي بشكل أو بآخر في العراق، من خلال تفاعلنا مع هذه القوى أو من خلال أخطائنا· وبهذا المعنى، يجب على الأمريكيين تقبل حقيقة أنه لا يمكن لبلادهم الانسحاب سياسيا بشكل كامل، وإن تغير حجم ومكان تواجدهم العسكري في هذا البلد·

ويجب علي الولايات المتحدة في المرحلة التالية من سياستها في العراق أن تشرك الدول التي لها صلة بأمن واستقرار العراق أو تلك التي تعتبر أن أمنه واستقراره يؤثران في أية ترتيبات مستقبلية· وهناك حاجة لإدخال المؤسسات السياسية الناشئة في العراق، في النظام الإقليمي والدولي، حتى لا تظل الولايات المتحدة تعمل منفردة كشرطي دائم في المنطقة·

لقد حان الوقت ليس فقط لتحديد المستقبل الاستراتيجي في العراق، بل أيضا لتوسيع قاعدة المشاورات السياسية في المنطقة ككل· ويجب العمل على تشكيل مجموعة اتصال سياسية تشمل الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين والهند وباكستان وتركيا وبعض جيران العراق، وقد بدأ السفير الأمريكي في بغداد نقاشا سياسيا مع إيران في هذا السياق·

ولا يمكن أن تكون هذه هي الاتصالات الوحيدة مع جيران العراق· ويمكن لمجموعة الاتصال المقترحة أن تقدم النصح في ما يتعلق بالتطورات السياسية في العراق· لتوسيع قاعدة الشرعية للحكومة ولترجمة الاهتمام الدولي بتحقيق الاستقرار والتقدم في المنطقة·

ويمكن أن تتحول هذه المجموعة، مع مرور الوقت، الى منتدى للتعاطي مع قضايا أخرى تؤثر في استقرار الشرق الأوسط، بما في ذلك بعض أسباب التطرف الإسلامي· ومثل هذا الهيكل السياسي ليس بديلا عن النهاية العسكرية الناجحة، لكن النجاح العسكري، لن يدوم طويلا دونها·

" عن واشنطن بوست "

طباعة  

المواقف الغربية من سورية وإيران تتسم بالنفاق بالرغم من صحتها!
سورية اليوم·· رئيس ضعيف واقتصاد متدهور وأجهزة أمن متصارعة

 
ديمقراطية فلسطين بين فكي كماشة:
الآلة العسكرية الإسرائيلية والضغوط المالية الغربية

 
ربما يكون الخطأ القاتل الذي أطاحه··
صدام كان يحاول إخفاء حقيقة عدم امتلاكه أسلحة الدمار الشامل