رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 8 صفر1427هـ - 8 مارس 2006
العدد 1718

مقالة

الكابوس بالألوان

(المشكلة في الفرد والمجتمع قبل فساد السلطة والمعارضة)

 

                                                                                   

 

 حسين عجيب – اللاذقية

 

المشهد الطبيعي:

 

الأنوثة والذكورة رصيد إنساني مفتوح، بيولوجي وغريزي أولا وثقافي تاليا، الأنوثة للمرأة بالدرجة الأولى وللرجل تاليا، على العكس من الذكورة· بوجود الرصيد المناسب في  المجتمع من  الأنوثة والذكورة لكلا الجنسين، ينجح المراهقون في الوصول إلى فرد إنساني راشد وناضج، امرأة مكتملة الأنوثة ولم تخسر دافع الإنجاز وإبداعيتها الخاصة ورجل محب ومتسامح لم يخسر قابليته لما يجهل وقبوله للمتغيرات المفاجئة·

ذلك المخطط عام ومجرد ينطبق على الجنسين ويحدد الهوية المشتركة للأفراد·

قلّة نادرة من الجنسين، ينجحون بذلك الاختبار الطويل والعسير، ليصيروا آباء وأمهات بمقدورهم إيصال الرصيد الإنساني سالما إلى صغارهم في العائلة,وإلى مواطنيهم في المجتمع، سيما من يصل منهم إلى مراتب عليا في الدولة والمجتمع·

من الطفولة الشقية تبدأ الكوارث اللاحقة، يخفف منها أو يزيد عليها، النظام السياسي الأخلاقي الاجتماعي، لنصل بحالات كثيرة إلى نماذج هتلر وستالين وأشباههم العرب، ونادرا إلى نماذج غاندي ومانديلا وعبد الرحمن سوار الذهب وجورج حبش، لكنهم في بيئتنا وثقافتنا يستبدلون سريعا ويطويهم النسيان·

ماذا بوسع طفلة أو طفل، في أسرة يحكمها رجل منحرف أو أم مفترسة!؟ يوجد خيار وحيد هو التلاؤم بالصيغة المخففة والاستنساخ بالصيغة العملية والمباشرة·

قد لا ينقص الرصيد الإنساني خلال جيلين أو ثلاثة، لكنه مع تعاقب القرون يتعرض لنقص خطير، فتتحول الدولة والأسرة إلى مصانع هائلة لإنتاج الطغيان والخوف والتعصب·

* * *

من أين يبدأ الإصلاح؟ وكيف؟

أسئلة كبرى ومحاولات الإجابة الفردية عنها  عبث ومضيعة للوقت·

سأتوقف عند ظاهرة الإرهاب و"صناعة الإرهابي" بروافدها الثلاثة الحكومية والمعارضة والشعبية، حيث لدي تجربة عملية بهذا الشأن·

الإرهابي الإسلامي وسلفه اليساري والمناضل الليبرالي حاليا متشابهون في المستوى النفسي إلى حدّ التطابق، ويختلفون في الوعد وأولويات العقيدة·

تمثيل دور البطل ومنقذ الجماعة:

يختار الدعاة، من المراهقين أكثرهم تميزا وحماسة وأحيانا تبدأ العملية من الطفولة، ولا يرون في هذا الصغير النبيه والمتعطش للإنجاز، سوى أداة لتنفيذ تصوراتهم الشخصية عن الحق والعدالة والصح، والمطلوب منه حياته عند اللزوم· لا يختلف بذلك الداعية اليساري عن القومي والإسلامي وحديثا الليبرالي·

شخص الداعية يتضّمن السلطة والأهل والضمير الاجتماعي، ويتلقى الدعم المباشر من المصادر الثلاثة بطرق مختلفة، فقط يوجد تمييز جزئي في حالة الداعية المعارض، السلطة البديل هدفه، وهو يتدبر أمر التموين والدعم جيدا·

موقع الداعية منتشر ويغطي كامل السطح الاجتماعي، من خطيب المسجد إلى الشاعر والفنان مرورا بجميع الوظائف الثقافية، وبهذا يشكل الجسر أو المعبر بين المجتمع والسلطة·

لا يوجد عمل بطولي أكثر من التضحية بالنفس، وبالتالي لا يمكن التفريق بين البطولة والإرهاب إلا من الخارج وتبعا للنتائج والمواقف الفكرية· من هذا المنطلق تعاطفي الشديد مع التاريخ الشخصي للإرهابي أو البطل وهما تسميتان لعملة واحدة أرفضها اليوم، وأسعى حسب مقدرتي لتفكيك مرجعياتها الفعلية، ليمكن لاحقا تحويل المسؤولية إلى الجناة الحقيقيين، حيث: الاستبداد فكرة، التمييز العنصري فكرة، الإرهاب فكرة، العدوان والتدمير فكرة: قبل أن تتحول إلى ممارسات ثقافية أو سياسية·

* * *

في شرقنا الكبير، المشهد غرائبي وكابوسي في الوقت نفسه السلطة تجنّد آلتها الدعائية والإعلامية الضخمة للإيقاع بأولئك الفتية عبر دعاة ثقافة الموت، وفي الطرف الآخر تنتظرهم أجهزة شديدة القسوة والبطش ولا تعرف الرحمة لتجعلهم عبرة، وتستمر في تغذية الدعاة بالمال والإعلام والتعليم، ولا يستثنى بلد في شرقنا الكئيب من رعاية ثقافة الموت، بنسب متفاوتة·

المعارضة تزايد على السلطة في التحريض على أخلاق التضحية، والأمثلة أكثر من إمكانية الحصر، لا خلاف سوى على درجات العبث بحياة البشر·

المجتمع عبر مكوّناته المختلفة، يشجّع السلوك الانتحاري صراحة، ويدينهم كأفراد وصلوا للنتيجة الطبيعية، إلى القبر أو السجن·

الخطاب الرسمي في بلدي صفراوي وجاف، رسالته الأساسية بثّ روح التضحية بالتلازم مع الوعيد والتهديد لكل مختلف أو مخالف ووصمهم بالخيانة والعمالة، من الطرف المقابل خطاب معارض أكثر قسوة وصرامة في مضامينه، وعبارات التسامح والتعددية وحق الاختلاف ليست أكثر من قشور سطحية، تدور حول عبارة جوفاء"سيادة القانون"· يتحاشى الجميع أي دخول إلى عناصر ومكونات القانون السيد العتيد: المرأة، الطفل، المختلف، الفقير,.. إلى آخر مكونات المجتمع·

الفرد السوري ككيان حر من دون تمييز جنسي أو عرقي أو مذهبي، غير معترف به من جميع الأطراف، نعامل ونتعامل مع أنفسنا ككتل بشرية، تقتصر فرديتنا على الجانب الإحصائي، والتقديرات النفعية لصالح قوى وأطراف لا ترى فينا أكثر من جسور وأدوات للسيطرة والتحكم·

 

داء الإيديولوجيات

 

من المنطقي لشخص يرى ويفكر بالصورة المعروضة سابقا، أن يصل للاكتئاب وفقدان الجدوى، لينضم إلى قافلة الدعاة بفرع قديم وتسمية جديدة داعية اليأس، عبر الكتابة الغاضبة أو الانسحاب·

ما الذي أعرفه(ليس عن سورية أو اللاذقية!) بل ماذا أعرف عن حياتي النفسية ومن أعيش معهم؟ أظن القليل وأقلّ القليل·

عالمي الشخصي ونظرتي للعالم الموضوعي في تغيّر سريع ومستمر، فقط تغيّر الموقف الأيديولوجي يكفي ليتغير العالم الداخلي بمجمله وتحصيل حاصل يتغير معه الوجود الموضوعي في الإدراك والوعي وفي الموقف الثقافي والأخلاقي·

ما ذا لو كنت مخطئا الآن؟

في حالة الغضب، لا يوجد أسهل من اللوم، الهجوم الدائم على الآخر، أو إهماله والابتعاد عنه، ذلك يحصل دوما بين جميع البشر وبشكل مستمر·

احترام الآخر_ بالممارسة(سلوك وفكر)_ موجود بصيغ مختلفة لكنه ضامر ويشكّل الاستثناء والهامشي وليس القاعدة والأساس·

خسارة مزدوجة، على مستوى الذات وعالم الداخل، يبدأ الانغلاق التدريجي ثم الانسحاب مع اللحظة التي يعتقد فيها المرء (أو يدّعي أو يحاول الحصول على الاعتراف) إنه وصل إلى الكمال في الذكاء والحساسية والخبرة، ويغلق نفسه في موقف المتحكّم والآمر، ولا يترك للآخر سوى الرضوخ أو المواجهة والصراع، ولذلك يتحقق الفقر الاجتماعي والبؤس الثقافي والإبداعي، ويتحول المشهد بكل عناصره وتفاصيله واختلاف مستوياته، إلى كابوس بلون واحد·

ماذا لو كنت الآن مخطئا؟

هذا السؤال البسيط والجوهري، هو أفضل ما تعلّمته في حياتي، لقد حماني من الجنون والانتحار وجنّبني حماقات كثيرة، لكنني أنساه، كثيرا ما أنساه، خصوصا عندما يكون مجرد طرحه على نفسي أو تذكّره يكفي لتجاوز كارثة توشك أن تقع، مع أقرب الناس أحيانا!

صديقي بوذا يسمّي الغرور بـ "الشر العالمي"·

هل الغرور بكل أشكاله ومستوياته سوى نقيض السؤال البسيط:

ماذا لو كنت مخطئا الآن هنا!؟

لم ينفعني الغضب مرّة، والعكس هو الصحيح، جميع خساراتي بدأت بلحظة غضب· وأنا الآن في الصباح الأول من آذار مارس، مع هذا الطقس المعتدل والبديع في اللاذقية، بدل أن أخرج للاستمتاع بمنظر أزهار اللوز والمشمش وأشارك أصدقائي في تمضية هذا اليوم الربيعي الجميل، أنبش أسوأ ما في ذاكرتي وأستحضر أكثر مخاوفي  التي ربما لن تحصل، وأطلق سمومي وكراهيتي على بلاد بكاملها·

أعود وأسأل نفسي:

ماذا لو كنت مخطئا الآن؟

طباعة  

وتد
 
إصدارات
 
شعر
 
مرصد