رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 محرم 1427هـ - 15 فبراير 2006
العدد 1715

المقال المرفوض في منتدى دافوس!
على المجتمع المدني الدولي مقاطعة الصهيونية العنصرية

                                                       

 

بعد ساعات قليلة من توزيع مجلة "الأجندة العالمية"، مجلة منتدى دافوس الاقتصادي الدولي يوم السادس والعشرين من يناير على أعضاء المنتدى، فوجئ الحضور برئيس ومؤسس المنتدى "كلاوس شواب" يقف ويقدم اعتذاره بسبب مقال نشرته المجلة يطالب فيه كاتبه المجتمع المدني العالمي بمقاطعة إسرائيل والتوقف عن الاستثمار المالي في مؤسساتها أسوة بمافعله العالم قبل ذلك ضد نظام جنوب إفريقيا العنصري·

كاتب المقال هو الأستاذ الجامعي مازن قمصية الذي درس في جامعة "ييل" و"ديوك" وهو من الحاصلين على الجنسية الأمريكية من أصل فلسطيني·

لم يتوقف الأمر عند اعتذار رئيس المنتدى، بل تم سحب أعداد المجلة من الرفوف، ومسح المقال الذي ظهر أيضا على موقع مجلة المنتدى الإلكتروني، وهذه هي الترجمة الكاملة للمقال الممنوع في منتدى قام كما يقول أصحابه على أساس تبادل الأفكار والمعلومات:

توصلت ملايين الناشطين السياسيين الى رؤية علاقة عضوية بين احتلال واستعمار فلسطين وبين قضاياعالمية ضاغطة ومتنوعة بدءا بالحرب على العراق وانتهاء بالجوع في العالم· فكيف وصلنا الى النقطة التي نرى فيها الأعلام الفلسطينية ترتفع فوق الحشود والتظاهرات المناوئة للهيمنة الأمريكية على المؤسسات المالية الدولية؟ ولماذ يرى هؤلاء الناشطون في نفاق السياسة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بفلسطين- إسرائيل كعب "أخيل" الذي قد يفتح المجال لتحد ناجح لهيمنتها؟ وكيف وصلنا الى النقطة التي نرى فيها الكنائس الشهيرة، وأكثر من 30 حرما جامعيا أمريكيا، تطلق الحملات الداعية الى مقاطعة إسرائيل وسحب أموال الاستثمار في مؤسساتها؟ ولماذا تقف الولايات المتحدة وإسرائيل معزولتين في الحلبة العالمية، وأمام الرأي العام في مختلف أرجاء العالم؟

 

جذور الصهيونية

 

للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن نفهم أولا تاريخ الحركة الصهيونية، وجذور الاشتباك الفلسطيني- الإسرائيلي، ثم ننظر في كيفية التقدم نحو سلام عادل ودائم في فلسطين - إسرائيل، السلام الذي هو مفتاح السلام والعدالة في أمكنة أخرى أيضا·

في أوائل العالم 1840، استأجرت حكومة الإمبراطورية البريطانية الكولونيل "جورج جاولر"، أحد مؤسسي المستعمرات العقابية في أستراليا، ليبحث في إمكانية إقامة استعمار يهودي في فلسطين· وفي العام 1845 نشر "جاولر" تقريره: "تهدئة سورية والشرق: ملحوظات واقتراحات عملية تدعم إنشاء مستعمرات يهودية في فلسطين كعلاج أكثر واقعية ومعقولية لتعاسات تركيا الآسيوية"، وفي العام 1852 أنشأت الحكومة البريطانية "جمعية تشجيع الاستيطان اليهودي في فلسطين" وهي الجمعية التي تحولت في ما بعد إلى "صندوق فلسطين"، وكان هذا أول مشروع صهيوني ملموس وحديث·

وبدأ إنشاء المستعمرات الصهيونية في فلسطين خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، واكتسبت الحركة زخما في العام 1896 مع نشر كتاب "الدولة اليهودية" لتيوردور هرتسل، الصحافي الهنغاري اليهودي، وتشكيل المنظمة الصهيونية العالمية· واليوم نجد الصهاينة يحاذرون استخدام مصطلح "استعمار" إلا أن الصهاينة الأوائل من أمثال "هرتسل" و"زيف جابوتنسكي" تحدثوا علنا عن استعمار يهودي وإليكم ما كان يقوله "جابونتسكي"، الذي تهيمن صورته وأفكاره على حزب الليكود المسيطر في إسرائيل، في العام 1923ت:

"الاستعمار الصهيوني، حتى أكثره محدودية، يجب إما أن ينتهي أو يطبق على رغم أنف السكان الأصليين، ومن هنا فإن هذا الاستعمار  لا يمكن أن يستمر ويتطور إلا تحت حماية قوة مستقلة عن السكان المحليين، قوة هي بمثابة جدار حديدي لا يمكن للسكان الأصليين أن ينفذوا من أقطاره"·

 

طرائق متطورة

 

كان الصهاينة ماهرين في تطوير طرائقهم على مر السنين، ومنذ بداية حركتهم في أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن جرت ثلاثة تحوّلات في استراتيجيتهم· كان التحول الأول في القوة الراعية، ويمثله الانتقال من الحماية البريطانية الى الحماية الأمريكية كأكثر الانتقالات بروزا بين ثلاثينات وستينات القرن العشرين· وجاء التحول الثاني بقبول "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية كجماعتين للتفاوض معهما حول إنشاء إدارة ذاتية للفلسطينيين في المناطق المخصصة في الضفة الغربية وغزة· وجاء التحول الاستراتيجي الثالث مع فكرة دويلة فلسطينية تتكون من "غيتوات" معزول بعضها عن بعض في الضفة الغربية وغزة المحتلتين مننذ العام 1967، لا تزيد مساحتها الكلية عن 1/5 مساحة فلسطين التاريخية، تشبه "بانتوستانات" جنوب إفريقيا في عهدها العنصري·

ولكن، على رغم هذه التحولات الاستراتيجية، ظل البرنامج الصهيوني محافظا على أهدافه الرئيسية، وهي أهداف تجتمع عليها كل الزمر السياسية الإسرائيلية الكبيرة (الليكود والعمل وشاس وبقية الأحزاب الدينية الأخرى)· ويتضمن البرنامج الذي تجمع عليه هذه الزمر:1 - رفض الانسحاب الكامل من كل المناطق التي احتلت احتلالا غير شرعي في العام 1967·

2 - رفض حق اللاجئين في العودة الى بيوتهم وأراضيهم·

3 - رفض مفهوم حق الفلسطينيين في السيادة وتقرير المصير·

4 - رفض تغيير قوانين إسرائيل الأساسية التمييزية ضد غير اليهود·

 

هدف لا يتغير

 

وهكذا، في الوقت الذي يتغير فيه التكتيك، لا تتغير أهداف الحركة الصهيونية الأساسية: مطلب سيطرة صهيونية يهودية، ومطلب أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من الفلسطينيين (أكثر ما يمكن من الجغرافية وأقل ما يمكن من الديموغرافية)· وقد تحقق هذا ما بين العامين 1947 و 1949 بإزاحة غير شرعية لما يقارب %70 من الفلسطينيين، سكان البلد الأصليين من المنطقة التي ستصبح إسرائيل في العام1949 · وفي سياق هذه العملية أخليت أكثر من 530 قرية ومدينة فلسطينية من سكانها، ومحيت عن وجه خريطة إسرائيل الجديدة، ويعترف بهذا حتى الإسرائيليون الصهاينة من أمثل "بني مورس"·

وحسب معظم المؤرخين والوثائق المتفرقة، بدأت إسرائيل حرب العام 1967 للحصول على المزيد من الأراضي، بعضها للمساومة عليه، وبعضها لأسباب استراتيجية واقتصادية، وبعد الحرب مباشرة بدأت مرحلة استعمار جديدة، في المناطق المحتلة في الضفة الغربية، (بما في ذلك القدس الشرقية)، وانتقل ما مجموعه  450 ألف مستوطن استعماري إلى هذه المناطق على مدار 39 عاما، وصولا الى العام 2006 (في الوقت الذي انسحبت فيه نسبة %2 منهم من غزة في العام الماضي، أضيفت نسبة %4 منهم في مناطق أخرى)·

 

أصدقاء أمريكيون

 

في أمريكا، يقوم حراس مداخل وسائط الإعلام الأمريكية بمنع مساءلة الصهيونية السياسية، وما يُسمح به من خلاف على صفحات "نيويورك تايمز" أو في محطات التلفزة الكبرى مداره الاستراتيجيات والعلامات التجارية الصهيونية المختلفة، بينما نشاهد من جانب آخر ملايين الناس في أمريكا وفي مختلف أرجاء العام، يقرؤون على شاشات الإنترنت ما بين السطور، ويضعون الرواية الصهيونية موضع تساؤل· ونرى آلافا من اليهود يصلون الى النتائج نفسها التي وصلها أناس من أمثال الكاتب والموسيقار "جلعاد أتزمون"، والمؤرخ الإسرائيلي "إيلان بابيه" والأنثروبولوجي الإسرائيلي "جيف هالبر"، ومفادها أن الصهيونية السياسية هي المشكلة، ويعلنون خطابا مابعد - صهيوني متفائل أساسه حقوق الإنسان والعدالة الشاملة، ويطرحون السؤال التالي: "إذا كان الفصل العنصري في جنوب إفريقيا هو المشكلة، فلماذا يكون هو الحل في فلسطين - إسرائيل؟"·

إن أولئك الذين يدافعون عن الصهيونية السياسية لا يستطيعون الدفاع عنها اعتمادا على فضائلها، إذ لا فضائل لديها، ولهذا يركزون بدلا من ذلك على صرف الانتباه عنها وتشويه الواقع، وأفضل الأمثلة على هذا هو تجاهل سبب المرض وتركيز الانتباه على أحد أعراضه: عنف السكان الأصليين ضد المستوطنين الاستعماريين (ولكن ليس عنف المستعمرين الأشد والأوسع ضد السكان الأصليين)· والفكرة التي تقف وراء هذا هي أننا إذا شوّهنا السكان الأصليين وجعلناهم يبدون دون المستوى الإنساني، فلن ينتقدنا أحد على قتلهم والاستحواذ على أرضهم· هذا استراتيجية قديمة لتبرير السلب والنهب، وقد استخدمتها الحكومة الفرنسية في الجزائر، واستخدمها المستعمرون الأوروبيون في الأمريكتين، واستخدمها نظام جنوب إفريقيا العنصري، كما استخدمها الأمريكيون في فيتنام، واستخدمت في مئات الأماكن الأخرى حيثما كان هناك صراع بين المصالح الاستعمارية الاقتصادية وحقوق سكان البلاد الأصليين·

 

نظام الفصل العنصري الإسرائيلي

 

لا تفترض الصهيونية أن الشعب اليهودي (ومن يتحول الى الديانة اليهودية) يتمتع بحقوق عرقية أو وطنية أو تاريخية في فلسطين فقط، بل إن هذه الحقوق هي فوق حقوق سكان البلد الأصليين· وعلى خلاف جنوب إفريقيا التي كانت بحاجة الى اليد العاملة السوداء، فإن الصهيونية تريد إبعاد أهل البلد عن أراضيهم ورميهم خارج بلدهم· ويوضع هذا ببساطة في المقولة التالية: هدف الصهيونية كان ومازل هو خلق دولة لـ "للشعب اليهودي في كل مكان، وبوساطته ومن أجله، وإقصاء غالبية السكان الأصليين، ثم ضمان أن لا تعامل الأقلية التي قد تبقى لسبب أو لآخر على قدم المساواة مع اليهود"·

جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية: "توجد في إسرائيل عدة قوانين تعتبر قوانين تمييزية بوضوح، وهذه القوانين يمكن إرجاعها الى العام 1948، عام قيام إسرائيل، حيث وضعت مدفوعة بمعاناة اليهود جراء الإبادة العنصرية في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، وقامت على أساس فكرة دولة يهودية لشعب يهودي· بعض القوانين الإسرائيلية تعكس هذا المبدأ، وتحمل تمييزا بالنتيجة ضد غير اليهود، وبخاصة ضد الفلسطينيين الذين عاشوا على أرض فلسطين منذ أجيال· وتوجد في التشريعات الإسرائيلية عدة نصوص تمييزية ضد الفلسطينيين بخاصة مثل نص حق العودة على سبيل المثال، فهذا النص يمنح مواطنة إسرائيلية تلقائىة للمهاجرين اليهود، بينما يتنكر لحق اللاجئىن الفلسطينيين الذين ولدوا ونشأوا في ما هو الآن إسرائيل في العودة الى الوطن، وتؤمن تشريعات أخرى بوضوح معاملة تفضيلية للمواطنين اليهود في التعلم والسكن والصحة والعمل"·

لقد مثلت الصهيونية مشروعا بريطانيا استعماريا تم الأخذ به كواحد من عدة إجابات محتملة على التمييز في أوروبا، وكانت الردود الأخرى على التمييز، مثل الاشتراكية والحركة الإنسانية متوافرة بالفعل وتمتلك قوة مساوية على الأقل· ويمكن النظر الى الصهيونية بوصفها أسلوبا من أساليب القرن التاسع عشر في رد فعلها القومي والمتعصب والمنغلق عرقيا (الأشكنازي في غالبيته في وسط أوروبا) على النزعات الأوروبية القومية والمتعصبة والمنغلقة عرقيا· الصهيونية بهذا المعنى هي امتصاص بعض اليهود وتمثلهم للمرحلة الاستعمارية الأوروبية التي أصبحت الآن خارج العصر· وبهذا المعنى أيضا، ليس مستغربا أن يدفع اللوبي الصهيوني الآن الولايات المتحدة الأمريكية الى مرحلة استعمار جديد يطيل أمد بقاء هذه الأشكال من العلاقات التي انقرضت بين البشر· ويتم في مجتمع يولي أهمية لقيم المساواة وفصل الكنيسة عن الدولة تبرير الغزو "الاستباقي" لبلدان أخرى في حملات وسائط الإعلام المجندة لهذا الغرض، وتبرير التمييز الديني والطائفي والتطهير العرقي، وإقامة الجدران حول أناس "غير مرغوب بهم" يحشرون في غيتوات· ولا يجد المدافعون عن الصهيونية مفارقة في مطالبتهم بالمساواة في أمريكا وأوروبا، ومطالبتهم بالتمييز والإقصاء حين يتعلق الأمر باللاجئين الفلسطينيين (لكونهم غير يهود) في فلسطين - إسرائيل· وتصرف الآن ملايين الدولارات من قبل جماعات تبدأ بـ "عصبة مناوأة التشهير" ، وتمر بـ "اللجنة اليهودية الأمريكية" و "لجنة العلاقات العامة الأمريكية - الإسرائيلية" وتصل إلى "معاهد أبحاث صناعة الأفكار" في عاصمة أمتنا لتعزيز وترويج أفكار مفلسة مثل هذه· إن هذه الجهود المتواصلة التي يبذلها الكثيرون دفاعا عن العنصرية والفصل لا يمكن وصفها إلا بأنها أعراض مرض إدراك متنافر في أفضل الحالات، وعنصرية في أسوأ الحالات·

في عالم هؤلاء، الذي هو نسخة عن عالم "جورج أوريل" الكابوسي، يصبح الاحتلال "أمانا"، وحرب الاستعمار والاحتلال المتواصلة "تقدما للديمقراطية" و "عملية سلام"، ويصبح جدار الفصل العنصري "سياجا أمنيا"، وينظر الى مناوأة الصهيونية أو ما بعد - الصهيونية على أنها شكل من أشكال العداء لليهودي، ويصبح "الاعتدال" مرموزة تمزيق القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية·

 

مطالبنا

 

في شهر يوليو من العام 2005، أصدرت أكثر من 170 منظمة فلسطينية مدنية وثيقة تاريخية، كشفت فيها بوضوح عن انتهاكات إسرائيل المتواصلة للتشريعات والمعاهدات الدولية والإنسانية، ودعت فيها "منظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم وذوي الضمائر الحية الى فرض مقاطعة واسعة ضد إسرائيل، وتطبيق مبادرات سحب أموال الاستثمار من مؤسساتها، تماثل الإجراءات التي استخدمت ضد جنوب إفريقيا في عهد نظامها العنصري"، ودعت الوثيقة إلى "إبقاء هذه الإجراءات العقابية غير العنفية والحفاظ علىها الى أن تلبي إسرائيل ما يجب أن تقوم به من اعتراف بحق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في تقرير المصير، والخضوع خضوعا تاما لمبادىء القانون الدولي التي تقضي بإنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية، وتفكيك الجدار، والاعتراف بالحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين العرب في إسرائيل في المساواة التامة، واحترام وحماية وتأييد حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى بيوتهم وأملاكهم كما اشترط قرار الأمم المتحدة رقم 194"·

إننا نقترح أن تأخذ المجتمعات المدنية في العالم هذا النداء مأخذا جادا، وتبني تحالفا مفتوحا لكل الشعوب من أجل حركة عالمية ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي· وسيكون لمثل هذه الحركة فضل تحقيق السلام مع العدل لمصلحة جميع الشعوب بغض النظر عن دياناتها وأعراقها، وستكون أيضا مساهمة مهمة في فضح البرامج التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة والسيطرة في الشرق الأوسط، وأكثرها وضوحا دعمها للصهيونية·

عن موقع مازن قمصيه

www.qumsiyeh.org/boycottisrael

طباعة  

وجهة نظر يسارية:
أسباب فشل اليسار واكتساح التيارات الدينية في العالم العربي بعد تجربة فوز حماس

 
المنتدى الاجتماعي العالمي:
نعم.. يمكن قيام عالم آخر