رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 محرم 1427هـ - 15 فبراير 2006
العدد 1715

وجهة نظر يسارية:
أسباب فشل اليسار واكتساح التيارات الدينية في العالم العربي بعد تجربة فوز حماس

لماذا نتفاجأ بهذا الفوز الذي حققته حماس وكلنا يعرف أن التنظيمات الإسلامية هي الأكثر شعبية على مستوى العالم العربي منذ عقد الثمانينات بدل إطلاق صرخات الدهشة ودموع الحزن، فلنقم بتحليل علمي لمجمل الأسباب التي أدت الى سيادة التيارات الدينية في الشارع العربي تحليلا لا يكتفي بمجرد نظرة توصيفية وسطحية للواقع بل ينفذ الى عمق البنية التي تشكله·

سأطرح هنا مجموعة من النقاط المختصرة التي أرى أنها يجب أن تكون محل اهتمام اليسار العربي على أن تكون لي عودة بعد أن أعرف آراء الزملاء·

·         تجاوز الصيغ التنظيمية الحالية للقوى اليسارية العربية عن طريق رفض كل أشكال البيروقراطية والعمل الروتيني والإداري والعمل على تطوير التنظيم وفق التحولات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع، فأساس نجاح أي صيغة تنظيمية هو قدرتها على خلق ديناميكية جماهيرية، وهو ما يفرض حتما إقرار الديمقراطية الداخلية·

·         الالتحام بالجماهير في كل ميادين الحياة وضرورة الابتعاد عن العمل النخبوي والاجتماعات داخل القاعات المغلقة ورفض كل أشكال الترفع والغرور، فالمناضل الحقيقي لا يعلّم الجماهير فقط بل يتعلم منها أيضا·

·         دراسة معمقة للثقافة الشعبية السائدة وتحليل جذورها وكيفية تأثيرها على سلوك الجماهير وهو ما يفترض الاجتهاد النظري الدائم·

·         التعامل الصحيح مع النظرية الثورية، أي تجنب الوقوع في الانحرافين اللذين وقعت فيهما أغلب الأحزاب اليسارية العربية، فإما أنها تخلت تماما عن فكرها الثوري وتحولت الى تنظيمات ليبرالية لا تنتمي الى اليسار إلا بالاسم أو أنها ظلت أسيرة الجمود العقائدي، فعجزت عن التعامل مع التحولات الجارفة التي شهدتها المجتمعات العربية، مما يفرض ضرورة تجاوز هاتين الصيغتين الفاشلتين عن طريق بلورة فكر ثوري جديد له القدرة على تطوير نفسه باستمرار دون أن يقع ضحية الانتهازية السياسية·

 

إن أساس قوة الأحزاب الدينية هو اعتماد إيديولوجيتها على الإسلام الذي يشكل مكونا رئيسيا للوعي الجمعي للمواطن العربي وهو ما يفرض على المناضلين اليساريين ولو كانوا علمانيين أو حتى ملحدين دراسة الإسلام كدين وتاريخ وفلسفة وإيديولوجيا·

ومن جهة أخرى، فحسب وجهة نظري، فإن الحداثة تبنى ولا تستورد، وبالتالي فمن المستحيل تحقيق حداثة عربية حقيقية ذات جذور راسخة في المجتمع دون حركة إصلاح ديني جذرية، وأرى أنه يجب على اليسار أن يكون له دور في العملية وإلا ظلت القوى الأصولية تحتكر الحديث باسم الدين وتحوله إلى أداة في خدمتها، أما من يرفع شعار العلمانية فعليه أن يعرف أنها ليست مجرد إجراء دستوري أو سياسي، وإنما هي عملية تحول اجتماعي وثقافي شاملة، فهل كان من الممكن وجود علمانية غربية لو لم تمهد لها حركات الإصلاح الديني والثورات الفكرية الكبرى التي شهدتها أوروبا؟ وهل هناك أية إمكانية لنشأة علمانية عربية في ظل هذا النوع من الفكر والفقه الإسلامي السائد والذي يشكل الدافعة لكل تيارات الإسلام السياسي؟·

إن كل ما سبق يفرض على اليسار تحقيق الثورة الثقافية ليس باستيراد مفاهيم فكرية جاهزة وإنما من خلال توليدها بالارتباط مع تراث الأمة، ويكون ذلك بكشف الجوانب التقدمية المطموسة فيه وكشف منهج التزوير الذي تتعامل به بعض الجماعات الدينية مع تاريخنا وهذا ما يفرض على اليسار تشجيع كل المشاريع الفكرية الهادفة للإصلاح الديني ونشر الفكر التقدمي، فالملاحظ أن هناك كتابات كثيرة في هذا المجال لكنها للأسف تظل أسيرة الوسط الأكاديمي ولا تصل الى عامة الناس·

خلاصة القول إن الدين مكون أساسي لوعي الشعوب العربية ولا مجال للقفز فوق هذا المعطى وإنما هناك إمكانية لتغييره، وهذا لن يكون إلا بالثورة الثقافية التي يشكل الإصلاح الديني جزءا منها وذلك عن طريق:

1 - فضح طبيعة الجوانب المحتمة في مشروع الجماعات الدينية، أي طبيعة المشروع الاجتماعي والاقتصادي الذي تحمل والذي لا يصب في مصلحة الجماهير الكادحين، فلابد أن يعمل اليسار باستمرار على نزع قناع القدسية الذي تضفيه هذه الجماعات لترى الجماهير وجهها الحقيقي·

2 - والتركيز على العمل في وسط الشباب والانطلاق من انشغالاته مع احترام رأيه وتوجهاته داخل الأعمال الحزبية وعدم التعامل معه كمجرد أداة للضغط على النظم الحاكمة·

3 - نبذ العصبوية والفكر الإقصائي والعمل على التنسيق بين القوى اليسارية العربية·

4 - محاربة الإيديولوجية النيوليبرالية وكشف أكاذيبها·

5 - الاهتمام بالجانب الإعلامي وابتكار كافة الأشكال الجديدة الكفيلة بخلق تواصل دائم مع الجماهير·

6 - الاهتمام بالجانب الفني والأدبي ومحاولة خلق أشكال جديدة من الأدب والفن الملتزمين·

7 - أخيرا فإن المناضلين هم كالأسماك التي إن خرجت من الماء ماتت، وماء المناضلين هو الجماهير الكادحة، فلا أمل في النهوض سوى بمزيد من الالتحام بها·

 

لماذا فازت حماس؟

 

ثمة مجموعة من العوامل نستطيع أن نذكرها كنقاط رئيسية في هذاالإطار، ذلك أن الفوز "الحمساوي" كانت له مقدمات كثيرة، سواء تاريخية أم في فترة السنوات الأخيرة وهي:

أولا: وصول المشروع السلمي الذي تقوده "فتح" إلى طريق مسدود، وتخلي المجتمع الدولي عن الفلسطنيين وتركهم لمصيرهم في جه مخططات شارون التي ارتكزت على استخدام القوة، ومن ثم فرض حلول أحادية الجانب دون مفاوضات، ويبدو أن هذا النهج سيصبح خيار "كاديما" مستقبلا إذا بقيت الأمور على حالها·

ثانيا: فشل مشروع فتح على الصعيد الداخلي، سواء من الناحية السياسية حيث سياسة الاستفراد وتكميم الأفواه، أم على المستوى الاقتصادي والإداري متمثلا في تفشي الفساد في المؤسسة الفلسطينية، وظهور بعض العناصر المفسدة التي أساءت لصورة "السلطة"، وجعلت المواطن يبحث عن بديل أفضل فوجد مؤسسات حماس "الطاهرة"·

ثالثا: أسلوب حماس المتبع في العمل العسكري المرتكز بالأساس إلى العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل، لقد كان لهذا الأسلوب خطر كبير على مستقبل الوضع، وأنا أحد الذين يعتقدون - ومازلت - أننا لم نجد فائدة سياسية من هذا الأسلوب، بينما استغلته حماس حتى تكبر في الشارع الفلسطيني "العاطفي" عموما، وذلك بالموازاة مع خطاب إعلامي ممنهج من خلال المؤسسات والإعلام والمساجد، خطاب ديني يركز على مصطلحات قتل اليهود، وتدمير إسرائيل، وقبل كل شيء طبعا، الإسلام هو الحل!

رابعا: الغياب التام للقوى اليسارية والعلمانية عن الفعل الجماهيري، ودخولها في حالة من التيه والتخبط وعدم تمايز الخطاب، بل اعتمادها للوسائل والأساليب "الحمساوية" في الممارسة النضالية في بعض الأحيان، وعدم طرحها للبديل لتكسر حالة الاستقطاب وهو ما انعكس جليا في النتائج الهزيلة التي حصدتها·

خامسا: قد يكون هذا السبب مكررا للنقطة الثانية لكنني أحببت أن أورده لأنني أعتقد أنه أثر بشكل مهم في النتيجة، ويتمثل في حالة الفلتان الأمني التي سادت في الشارع والتي تزايدت، حيث الحراك الفتحاوي ينعكس نارا وفوضى على الشارع، وقد كان للانقسام الكبير الذي سبق تسجيل القوائم أثر في تغيير تفكير الشارع إزاء فتح، بل وتعمد بعض الفتحاويين إما الاستنكاف عن التصويت أو حتى التصويت لحماس كخطوة احتجاجية عقابية·

منقول من منتدى يساري

طباعة  

المقال المرفوض في منتدى دافوس!
على المجتمع المدني الدولي مقاطعة الصهيونية العنصرية

 
المنتدى الاجتماعي العالمي:
نعم.. يمكن قيام عالم آخر