بين الثقافي والتربوي
د. نادر القنّة
ثمة جوانب علمية وفنية ومنهجية كثيرة تُميز الكتاب (المدرسي التربوي) عن الكتاب الثقافي··· فإذا كان الثاني يوصف بأنه سلعة ثقافية مكانها الطبيعي الحراك الثقافي والاجتماعي، وأنه قابل للتداول في السوق التجاري وفقا لنظرية العرض والطلب··· وإذا كان يجنح في مادته في كثير من الأحيان نحو العمومية، وإذا كان خطابه يهم شرائح متعددة ومتباينة عمريا، وثقافيا، واجتماعيا، وسياسيا، ومذهبيا، وعقائديا·· وإذا كان يأتي في كل الأحوال محمّلا بوجهات نظر ذاتية، وفيه الشيء الكثير من الرؤية الأحادية التي نتلمسها في أثناء استعراضه للقضايا، والإشكاليات، والموضوعات التي يتعرض لها··· وإذا كان من حق أي إنسان في المجتمع أن ينتج كتابا ثقافيا تبعا لأهدافه، وإمكاناته العلمية والثقافية والمادية· فإن الكتاب الأول، وأعني (الكتاب المدرسي التربوي) يأتي خلاف ذلك تماما، حيث تتحدد أول اشتراطاته وأهدافه أنه كتاب تربوي تعليمي معلوماتي· يجنح كُلية نحو الدقة المعلوماتية، والى ضبط مفرداته واصطلاحاته، وتواريخه، وأرقامه، وبياناته ضبطا علميا يقينيا، غير قابل للشك أو الجدل··· كما أن كاتبه، أو معده يجب أن يكون من أهل الاختصاص في الحقل التربوي، لا من أهل الثقة· إضافة إلى أنه يجب أن يخاطب سنا شرائحيا معينا من الطلبة الدارسين في المدارس وفق ما تقتضيه النظريات التربوية· والأهم من ذلك كله أن يأتي إنتاجه المعرفي والمعلوماتي خاليا من العيوب، والأخطاء، ووجهات النظر الذاتية، حيال أي قضية يتعرض لها·· كون ضالته في ذلك تزويد الطلبة بالمعلومات اليقينية والمباشرة، وغير المباشرة التي من شأنها إثراء مخزونهم المعرفي·
إذا كانت فلسفة الكتاب المدرسي التربوي تنطلق من هذه الأسس والمعايير، فما موقفنا إذا حينما نواجه كتابا تسللت إليه الأخطاء المعلوماتية، وصارت جزءا من تكوينه، بغض النظر إن كانت صادرة عن عمد أو جهل؟ هنا تكفي الإشارة الى أن مَنْ قام بإعداد هذه المادة ليس من أهل الاختصاص، وأن تكليفه تم وفق نظام التنفيع وإسداء الخدمات الشخصية على حساب الحقيقة العلمية·· وما بالنا في الوقت نفسه إذا قام هذا الكاتب أو المعد بحشو وجهة نظره الخاصة في هذا الكتاب· هنا نصرخ بصوت عال ونقول: إن المسألة مقصودة برمتها لتزييف التاريخ لصالح أناس معينين، وأن الكتاب لم يعد له علاقة بالتربية ولا بالتعليم، ولا بالحقائق العلمية·
fonon@taleea.com