رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 محرم 1427هـ - 15 فبراير 2006
العدد 1715

مسرحية "مؤتمر الحيوانات" تشوّه الحياة··!(2)

 

 

القاهرة - "الطليعة" - خاص- من سعداء الدعاس:

إذا أدى - تواجد كل هذا الكم على الخشبة- متعة للطفل الصغير، فإن هذا التكدس شكل في المقابل تشويشا دراميًا شتت ذهن المتلقي من سن 7سنوات فما فوق، الذي يريد الاستمتاع بمشاهدة الشخصيات ويصعب عليه في الوقت ذاته التركيز مع ما يقال على الخشبة، خاصة وأن النص يحتوي على حوارات وجمل طويلة جدًا، إضافة إلى أن المجاميع كانت مشغولة بأحاديث جانبية حول ما يحدث في صالة الجمهور - كما ذكرنا سابقا- فاتضحت همساتهم لنا (بل أنني شخصيا تابعت وباهتمام مشكلة أصغر فرد في المجاميع الذي كان متضايقا من زميل له يجلس بين الجماهير ويستفزه ببعض الحركات والجمل فراح الممثل (الصغير) يشتكي لزملائه الممثلين الذين تفاعلوا معه وأنصتوا باهتمام لشكواه) كل ذلك تم على الخشبة بينما الزرافة والحمار يتجادلان حول أحقية كل منهما في إبداء رأيه الصائب بنظره· بعد هذه النقاشات توصلـت الحيوانات في النهاية إلى أن الدول المتبقية - في ظل عالم متخم بالحروب والقتل - تشتعل فيها حروب أهلية بالتأكيد، الأمر الذي دفع المخرج إلى استغلال الحدث بتقديم مجموعة من الصور المؤلمة لأطفال مرضى  وشباب يموتون، وأخرون ينزفون وهم جرحى، ولولا فترة الاستراحة القصيرة جدا (من أجل أذان العشاء !!) لما استطعنا إعادة التوازن لأنفسنا ولأطفالنا بعد تلك الوجبة البشعة من الصور المؤذية·  ضمن منظومة الحرب هذه، أصبح لزاما على الحيوانات إيجاد حل لوضع حد للبشر العطشى للحروب، والمتهم فيها مجموعة من الجنرالات تمثل مجازًا حكام أكبر دول العالم والمسيطرة فيه·

ننتقل بعدها لمشهد الجنرالات الذي يصور الآلية التي يتعامل بها سادة العالم الأول ضد دول العالم الثالث، خاصة قائدهم الجنرال( إكس) الذي يشير بوضوح إلى الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بدءا من الكلمات الانجليزية التي تلفظ بها، وانتهاء بالاشارات الواضحة للولايات المتحدة الأمريكية، وأما آلية التعامل فتتمثل بالنظرة المتدنية للآخر للدرجة التي ينعت فيها الجنرال هذه الدول بالتخلف والغباء بهزلية شديدة تجاوب معها الأطفال في بداية المشهد فقط، لكن الجنرال (إكس) الذي أدى دوره مخرج العرض د· محمد عبد المعطي، لم يع للأسف المدى المعقول لقابلية الطفل على التلقي، فما من طفل يستوعب محاضرة طويلة عريضة بالوتيرة نفسها من شخص واحد لا يكسرها سوى بعض "الإفيهات" الممجوجة من بعض الجنرالات الذين تعاملوا مع (إكس) كمخرج للعرض وسيده، وليس كممثل يقوم بدور رئيس للجنرالات فقط، حيث أتيح له المجال من قبل المحيطين به بصورة مبالغ فيها، ذكرتنا بأفلام (عادل إمام) التي يضرب فيها جميع الشخصيات الأخرى ويهزأ منها سالبا حقها في الحوار بتمجيد مفتعل ليصبح البطل الأوحد، وبدوره لم يتنازل (إكس) عن هذه البطولة فبث الملل في نفس المتلقي بطول محاضرته حول الغرب ونواياهم السيئة رغم أنه يمثل الغرب وهذا لا يتناسب مع وحدة النص التي تتحدد بملامح شخوصه العامة، مما يشكل حالة من اللا توازن لدى المتلقي (الطفل) حيث وضعه (إكس) أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ينظر لـ (جورج بوش) وأعوانه نظرة محترمة بسبب ديمقراطيتهم واعترافهم بأخطائهم، أو أن يصدق بأن هؤلاء الإمبرياليون مجموعة من المجانين وبالتالي لا عتب على المجنون (حتى أن ديننا الاسلامي رفع العتب عنه !) وكلا الخيارين مُر، وبالتأكيد لا  يرغب أي منا  في أن يؤمن طفله (بعد أن يكبر بالطبع) بأي منهما·

التقيت بطفل مميز (حمد إبراهيم توفيق) وهو طالب في معهد الباليه في القاهرة، عمل في مسرحية (كوكب ميكي) التي كتبها (نبيل خلف) للطفل،  وفوجئت بوجهة نظره تجاه العرض الذي يرى أنه غير مناسب  للأطفال، وراح يذكر لي بعض المصطلحات التي راح يتشدق بها المؤلف على حساب الطفل المسكين، مثل: الراديكالية، الإمبريالة، كما عبر (حمد) عن استيائه من طول العرض الذي امتد لأكثر من ساعتين ونصف، بل إنه علق قائلا: الكبار من الجمهور لم يستوعبوا العرض بمصطلحاته، فما بال الأطفال؟ 

أتذكر هذه المحادثة القصيرة، وأنا أستعرض مسرحية (مؤتمر الحيوانات) التي - على ما يبدو-  تورطت فيما قدمت، فبسبب عدم ملاءمة الموضوع للطفل أساسا، اضطر (إكس) في كثير من الأحيان إلى إعادة الجمل بتكرار بدا غير مبرر مسرحيا، كما أن التعامل مع الطفل على أنه لن يستوعب الموضوع، وهو السبب الوحيد لتكرار الجمل أكثر من مرة بإضافة أمثلة إيضاحية عديدة (كأننا في مدرسة )، لا يتناسب مع كاتب ومخرج بدا إنهما مؤمنان بما يطرحانه وملاءمته للطفل، وهذا بالتالي يجرنا لتساؤل مهم حول أسباب التأرجح الذي يعاني منه بعض العاملين في مجال مسرح الطفل تحديدا، كونهم يصرون من جانب على تقديم وجبة دسمة ومعقدة للمتلقي دون مراعاة لفئته العمرية، تحقيقا لشعارات المطالبة بالتعامل مع طفل الإنترنت العبقري، ليجدوا أنفسهم من جانب آخر، مجبرين على التوضيح بأساليب مدرسية مستهلكة لن توصل المعنى من مرة واحدة·

وتأكيدًا لاحساس المخرج بالورطة نظرا للفتور الذي قوبل به الجزء الثاني من مشهد الجنرالات، اضطر فريق العمل إلى الاستخفاف بالموضوع علهم يصلون لنتيجة،  فجاء الحل استثنائيا لا يد للمعد فيه بالتأكيد، بل واضح أنه من صنع المخرج وممثليه، حيث عمل على تحويل الجنرالات إلى مهرجين، الأمر الذي جعلنا نتساءل: هل يا ترى أن من يسيطرون على العالم مجرد مهرجين؟ وإن كانوا كذلك فما تصنيفنا نحن أبناء الدول النامية؟ أو بالأحرى ما تصنيفنا نحن خاصة وأننا لا نشكل أكثر من دمى بيد هؤلاء المهرجين؟!

يتبع

طباعة  

السوريان رغدة وأيمن زيدان بطلا مسلسل مصري للمرة الأولى
 
فضاءات
 
البدء في تصوير مشاهده الأولى
مسلسل "بلا قيود" يجمع سعد الفرج بالنجوم الشباب