رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 محرم 1427هـ - 15 فبراير 2006
العدد 1715

تحليل سياسي
تدمير إسرائيل يمكن أن يتحول الى صيغة إيجابية
تفكيك النظام العنصري الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها

                                                      

 

جون - ف - وايتبيك:*

إذا نظر المرء الى العالم بعيون إسرائيل والحكومات الغربية ووسائط الإعلام، فمن المحتمل أن يعتقد أن العقبة الرئيسية أمام سلام الشرق الأوسط كانت لعدة سنوات خلت إخفاق "فتح" في "تفكيك البنية التحتية للإرهاب" وها هي "حماس" الآن تجيء من أجل "تدمير إسرائيل"·

قد تكون العقبة الأكبر هي مساءلة ما تعنيه أمثال هذه التعابير بالفعل، ثم تجاوزها الى فكر عقلاني، فما الذي يعنيه تعبير "تفكيك البنية التحتية للإرهاب"؟ ما "البنية التحتية"؟ هل هي الطوق؟ الجسور؟ المباني؟ في ضوء طبيعة الأعمال الفلسطينية ذات الطابع الشخصي والتقنية البسيطة، والتي توصف بأنها "إرهابية" في السياق الفلسطيني، فإن تعبير "تفكيك البنية التحتية للإرهاب؟ "يبدو أكثر شبها بتقطيع أيدي وأرجل الناس· ولهذا لم يكن مستغربا أن إسرائيل والغرب لم يعملوا أبدا على أن يكونوا محدّدين حول ماذا يدور في أذهانهم، مادام هدف الإصرار على أن المفاوضات لا يمكن أن تستأنف حتى يتم تفكيك بنية الإرهاب؟"، لم يكن أبدا يقصد استثارة أي عمل يمكن تصوره من قبل الجانب الفلسطيني، بل وبدلا من ذلك، قصد الى تبرير عدم فعل شيء من الجانب الإسرائيلي على صعيد المفاوضات، بل تفاديها· تلك المفاوضات التي كان شارون قد صمم بميوله الأحادية على تفاديها وهو يقوم ببناء الجدران وتثبيت "حدود دائمة" أينما وجدها ملائمة· إن ماكان مثيرا للاستغراب هو أن القيادة الفلسطينية السابقة لم تشر الى عبثية هذا الطلب ولا معقوليته، واختارت بدلا من ذلك إصدار تطمينات علنية بأنها تود فعل هذا، وستفعل حين تستطيع، بما يعني ضمنا قبول حجة إسرائيل والغرب بأن الفلسطينيين، دون غيرهم من البشر، لاحق لهم في مقاومة الاحتلال، وكان هذا سببا كافيا (حتى إن لم تكن هناك أسباب أخرى) لتبعدها أصوات الناخبين عن السلطة·

والآن، وبما أن نصر حماس الانتخابي الساحق حول "تفكيك البنية التحتية للإرهاب" إلى تعبير غير ذي أهمية عملية، يبدو أن تعبير "تدمير إسرائيل" (وهو قد بدأ يتردد سلفا في وسائط الإعلام الغربية بالفعل كما لو أنه يشكل جزءا من اسم حماس) سيصبح التعبير الرائج الجديد الذي يستخدم لتبرير تفادي المفاوضات أو حتى "الكلام" وتبرير قيام إسرائيل بالامتناع عن دفع عائدات الجمارك الفلسطينية، كما يقوم الغرب بإيقاف المساعدة المالية التي يحتاجها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وتبرير المحاولات المنظمة لجعل الشعب الفلسطيني يأسف على اندفاعه نحو الديمقراطية، وتجويعه حتى خضوعه الكامل·

من هنا يصبح السؤال مبكرا عما تعنيه الرغبة "بتدمير إسرائيل" ذا قيمة بالفعل· هل يعني غرق سطح البلد تحت مياه البحر الأبيض المتوسط؟ هذا بعيد الاحتمال· هل يعني دفع كل الإسرائيليين إلى البحر"؟ هذا غير عملي ولا هو بالمحتمل، هل هو وضع حد لبنية دولة الاستيطان الاستعماري القائمة، التي تنحاز، في التشريعات والممارسة، لمصلحة الجماعة العرقية المهاجرة، وتقف ضد السكان الأصليين الذين لم يتم إجلاؤهم عرقيا وممارسة التطهير العرقي ضدهم بعد؟

ربما يعتقد ذوو النوايا الحسنة أن بنى دولة مثل هذه هي أمر جيد وتستحق البقاء (أو تبقى مثلا فريدا من نوعه)، ولكن أليس الاعتقاد بوضعية أخرى خارج هذا النطاق أمرا حقيقيا، وبخاصة إذا كان الإنسان ينتمي للشعب الذي تم غزو وطنه واحتلاله؟

أهناك من يعتقدون بهذا، بأن تحويل أرض العرب الفلسطينيين الى دولة إسرائيل اليهودية، وهو ما يتضمن بالضرورة نزع أملاك الشعب الفلسطيني وتشتيته، يمثل ظلما كبيراً يجب تصحيحه، بفضل هذا الاعتقاد، يبلغ بهم الانحطاط الأخلاقي حد أن لا يتحدثوا عنه حتى؟ حين دعت حركة التحرير الجنوب إفريقية الى تغيير بنية دولة المستوطنين المستعمرين وسيادة البيض في بلدهم الى دولة ديمقراطية تماما، متحررة من أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو الأصل القومي، مع حقوق متساوية، لكل من يعيشون فيها، لم تصنف هذه الدعوة كدفاع عن "تدمير جنوب إفريقيا" إلا من قبل نظام الفصل العنصري ذاته· وكان التحول السلمي لدولة قائمة على أساس العرق إلى دولة ديمقراطية بالكامل من أكثر الأحداث إلهاما في العلاقات الإنسانية والدولية في العقود الأخيرة· إن المفاهيم والطموحات قد تصاغ بطريقة إيجابية أو سلبية، ومن الواضح أن صيغة "تدمير إسرائيل" هي صيغة سلبية· ويمكن أن يكون "إنشاء دولة ديمقراطية بالكامل بحقوق متساوية للجميع" في كل فلسطين / إسرائيل صيغة إيجابية يمكن أن يعترف بها العالم كصيغة عادلة، تقدم أملا حقيقيا بالسلام والمصالحة· الغرب وإسرائيل يتجهان كما يبدو نحو معاقبة الشعب الفلسطيني على إنجازه لأول تغيير حكومي سلمي في العالم العربي عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة (وهو إنجاز ما هو فعلا)، وعلى إعادة تصنيع التعويذة القديمة: "لن نتحدث مع الإرهابيين أبدا" (كانت "أبدا" تعني تاريخيا "إلى أن نرغب في هذا")·

فإذا كانت إسرائيل والغرب معنيين بالسلام حقا، فسيكونان بالتأكيد أوفر حكمة من أن يحولا حماس الى شيطان مسبقا (مثلما كانت تتم شيطنة منظمة التحرير ثم أصبحت مقبولة) وسيكون عليهم استخلاص نتائج مضيئة من انتصارها الانتخابي وأن يحاولوا عبر التعامل معها، تشجيعها على ربط طموحاتها وهدفها بالعدالة باتجاه أكثر إيجابية مقبول عالميا·

 

* محام دولي، ومؤلف كتاب

"العالم كما يراه وايتبيك"

(عن موقع جماعة دولة ديمقراطية واحدة) 2/2/2006

طباعة  

وقف تمويل مشاريعنا في العراق خطأ إستراتيجي قد يُخسرنا الحرب
 
حتى لا يسموا أحداث الشرق الأوسط بأسمائها
ضغوط هائلة على الصحافيين الأمريكيين من صحفهم ومن حكومتهم!