مصلح كناعنة
إذا اعتدى عربي على أحد مقدساتهم أو مدنساتهم، فإنهم يقولون عنه إنه إرهابي لاسامي، ويردد العالم ذاك القول من خلفهم مُديناً "الإرهابي" وشعبه وأمته وحضارته· أما حين يعتدي أحدهم على أحد مقدساتنا، فإنهم يقولون عنه أنه "مختل عقلياً"، ويردد العالم ذاك القول من خلفهم مبرّئاً المريض المسكين "المختل عقلياً" ومتعاطفاً مع شعبه ودينه وحضارته·
فالذي أضرم النار بالمسجد الأقصى في أوائل السبعينات، قالوا عنه أنه مختل عقلياً·
والذي ارتكب المجزرة في الحرم الإبراهيمي في الخليل، قالوا عنه أنه مختل عقلياً·
والذي وضع رأس خنزير في مسجد حسن بيك في يافا قبل عام، قالوا عنه أنه مختل عقليا·
والذي ارتكب المجزرة في شفاعمرو، قالوا عنه أنه مختل عقليا·
والذي حاول تفجير كنيسة البشارة في الناصرة قبل أيام، قالوا عنه أنه مختل عقليا·
حسنا! لا تخجلوا! تابعوا منطقكم هذا الى آخره وأكملوا القائمة من فضلكم:
الذين صادروا مقابرنا في القدس وحولوا قبور أجدادنا الى شوارع ومنتزهات، مختلون عقليا·
والذين حولوا مسجد عين حوض الى مطعم ومقصف، مختلون عقليا·
والذين حولوا الزيب الى معلم من المعالم السياحية في شاطىء للعراة، مختلون عقليا·
والذين حولوا المسجد الأحمر في صفد الى قاعة الأعراس، مختلون عقليا·
والذين جعلوا من مساجدنا وكنائسنا في حطين وعين الزيتون والبصة زرائب لأبقارهم، مختلون عقليا·
والذين حولوا جسد الشيخ المقعد أحمد ياسين الى فتات من اللحم المحروق، مختلون عقليا·
والذين ارتكبوا الجريمة نفسها بحق الدكتور الرنتيسي، مختلون عقليا·
والذين قصفوا رأس أبي علي مصطفى بالصواريخ وهو في مكتبه، مختلون عقليا·
والذين فجّروا الهاتف المحمول في أذن المهندس، مختلون عقليا·
والذين أطلقوا الرصاص على أبي جهاد وهو نائم في بيته، مختلون عقليا·
والذين قتلوا محمد الدرة في حضن والده، مختلون عقليا·
والذي دنس حرمة الحرم الشريف في القدس الشريف وتسبب بانتفاضة الأقصى، مختل عقليا·
والذي حول أطفال ونساء وشيوخ صبرا وشاتيلا الى كومة من الأشلاء، مختل عقليا·
والذي ارتكب مجزرة قانا بدم بارد، مختل عقليا·
والذين ارتكبوا المجازر الوحشية في دير ياسين والصفصاف وكفر قاسم وغيرها، مختلون عقليا·
والذين شردوا شعبا بأكمله واعتدوا على أرضه وعرضه، مختلون عقليا·
وكل المختلين الذين يسكنون في بيوت أهلنا في حيفا ويافا واللد والرملة، مختلون عقليا·
وكل من قتل أو شوه أو عذب طفلا أو رجلا أو امرأة من أناس عزل يقبعون تحت نير الاحتلال، مختل عقليا·
هل يُعقل هذا؟
هل يعقل أن يكون شعب بأكمله مختلا عقليا؟
هل يعقل أن يكون لله قد اختار شعبا من المختلين عقليا ليكون شعبه المختار؟
كلا يا إخوتي في الدم والدمع والعرق··
كلا يا إخوتي في الجرح والقرح والنكبة··
كلا يا من توحدت في أرواحهم المعذبة قدسية عشتار ومريم والمسيح ورب البيت الذي له رب يحميه··
كلا يا من تعانقتم اليوم هلالا وصليبا، ورتلتم الإنجيل في المسجد والقرآن في الكنيسة··
كلا، فلا يعقل أن يكون شعب بأكمله مختلا عقليا·
كلا، فالشعب الذي أنتج الأنبياء زمرا والحكماء جماعات، لا يعقل أن يكون كله مختلا عقليا·
كلا، فالشعب الذي تمخض عن موسى بن ميمون وإينشتاين وفرويد وليفي شتراوس وشومسكي، لا يعقل أن يكون كله مختلا عقليا· كلا، فالشعب الذي استطاع بدهائه وغباء قادتنا أن يخترق العالم العربي لا يعقل أن يكون شعبا من المختلين عقليا·
كلا يا أخوتي، فحتي روبنشتاين الخليل وناتان زادا شفاعمرو وحفيفي الناصرة، وعائلاتهم وأصدقائهم وسادتهم وقادتهم، ليسوا مختلين عقليا بل بكامل اتزانهم وصحتهم وذكائهم وحكمتهم، وكل "المختلين عقليا" ارتكبوا ما ارتكبوه بحق مقدساتنا وممتلكاتنا وأرواحنا وهم بكامل وعيهم واتزان عقلهم·
كلا، فليس الخلل في عقل هذا أو ذاك، وإنما الخلل في الإيديولوجيا الاستعمارية الاستعلائىة العنصرية المبنية على إلغاء الآخر وحقه في الوجود··
الاختلال يا إخوتي ليس اختلال العقل، بل اختلال الإيديولوجيا ذات الرأسين، الإيديولوجيا التي تقدس حياة معتنقيها وتحطم حياة كل من عداهم·· الإيديولوجيا التي تمجد اسم الله في كنسها وتدنسه في مقدسات الآخرين·· الإيديولوجيا التي تربي أبناءها على دمهم هو الدم الوحيد الذي يجب أن لا يراق حتى وإن تطلب ذلك إراقة بحور من دماء الآخرين·
الاختلال يا إخوتي ليس اختلال "المختلين عقليا"، بل اختلال الإيديولوجيا التي تعتبرهم مختلين عقليا ثم ترتكب نفس الجرم وتعتبره عين العقل والحكمة والتحضر·
والاختلال الأكبر يا إخوتي هو اختلال روح هذا "العالم المتحضر" الذي يربّت على كتف "الإيديولوجيا المختلة" بيد ويُجهز على الضحية باليد الأخرى·
طوبى لك يا ابن مريم، فتعاليمك حين رحلت غربا فقدت روحها واختلت·
عن www.jalili.com /5/2/2006
