رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 ربيع الأول 1427هـ - 12 أبريل 2006
العدد 1723

من خلال محطات الإذاعة والمواقع الإلكترونية المحافظة..(5 والأخيرة)
إدارة بوش تشن حربا خفية ضد الصحافة الحرة

                                                     

 

·         الشركات الكبرى تهيمن على الإعلام الأمريكي

 

بقلم: مايكل ماسينغ*

كشف مكتب المساءلة الأمريكي عن أدلة على وجود حملة خفية تديرها إدارة بوش ضد الصحافة الحرة والمستقلة، لا لشيء إلا لعدم انخراطها في أجندة المحافظين الجدد·

وأشار التقرير الى أن الإدارة جندت الكثير من المواقع الإلكترونية وشبكات التلفزة (وخاصة محطة فوكس نيوز) ومحطات الإذاعة التي تغطي كل أنحاء الولايات المتحدة على مدار الساعة والتي كرست برامجها الحوارية مثل برنامج راش ليمبا الذي يصل عدد مستمعيه الى 24 مليون أمريكي، من أجل تخويف الصحافيين والمعارضين والتشكيك في مصداقيتهم·

وربما كان من أبرز الأمثلة على ذلك الحملة التي شنها قدامى المحاربين على المرشح الديمقراطي جون كيري والحملة التي تعرضت لها الصحافية جوديث ميلر لأنها شككت في الرواية الرسمية لإدارة بوش حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، الأمر الذي أدخلها السجن واضطرها بعد ذلك للاستقالة من صحيفة نيويورك تايمز، وكذلك المضايقات والاتهامات التي تعرض لها الصحافي الذي صور إعدام جريح عراقي في الفلوجة·

وحين نشرت مجلة نيوزويك وصحيفة نيويورك تايمز التقارير حول قيام الجنود الأمريكيين بتدنيس القرآن الكريم في معتقل غوانتنامو، نظمت محطة فوكس نيوز حملة غير مسبوقة ضدهما·

ومن الأدلة الأخرى التي عرضها "مكتب المساءلة" قيام إدارة بوش - في سابقة تاريخية - بحجب أكثر من 15 مليون وثيقة عن أعين الجمهور، بشكل يمثل انتهاكا واضحا لقانون حرية المعلومات، مما دفع باتحاد رؤساء تحرير الصحف لحض الصحافيين على التوجه الى القضاء لوقف هذه الممارسات·

لقد جعلت هذه الحملة، معظم الصحف الأمريكية أقل رغبة في الدخول بمواجهة مع البيت الأبيض، واختارت، بدلا من ذلك، خطا "متوازنا" في تغطياتها الصحافية·

ففي الشأن العراقي مثلا، وجهت الاتهامات بالانهزامية وعدم مساندة جنودنا في أوقات الحرب، مما وضع أي صحافي يتجرأ على انتقاد الحرب أو السياسة الأمريكية في العراق بعد سقوط صدام، في دائرة التشكيك والاتهام·

وعلى صعيد متصل، أورد تقرير مكتب المساءلة أنه لم يسبق في تاريخ الولايات المتحدة منذ وضع الدستور، أن كان للشركات الكبرى مثل هذه السطوة والنفوذ على السياسات الأمريكية في الداخل والخارج·

وكشف تقرير "مركز النزاهة العامة" أن إجمالي إنفاق الشركات على تشكيل مجموعات ضغط lobbies خلال الفترة من 98-2004 الى أكثر من ثلاثة مليارات دولار للدفاع عن مصالحها والتأثير في سياسات إدارة بوش، فمثلا، حين انتقدت الصحافية في صحيفة لوس انجلوس تايمز نانسي كليفلاند، تعسف شركة "وول مارت" في التعامل مع موظفيها، فصلت من عملها·

 

استراتيجية الخروج

 

لكن هجمات المتمردين بدات تزداد في ابريل، وبدأت شعبية بوش في التدني· ومع ارتفاع أسعار النفط وجذب التحقيق في  تسريب هوية عميلة " سي·أي· إيه"، بليم لمزيد من الانتباه، بدا المجال السياسي بالاتساع أمام الصحافة الأقسى فبدأت تظهر الأنباء  حول الاغتيالات والكمائن التي كان يتم تجاهلها على الصفحات الأولى، وبدا وولف بليتزر يتجرأ أخيرا بسؤال ضيوفه عن استراتيجية الولايات المتحدة للخروج من العراق·

وفي أواخر اكتوبر،عندما وصل عدد قتلى الجنود الأمريكيين إلى2000 ، انتشر الخبر على صفحات الجرائد الأولى· وكما أوضحت كاثرين سيلاي من صحيفة نيويورك تايمز لاحقا، فان هذه المرحلة المهمة حظيت باهتمام الصحافة أكثر بكثير من سابقتها ذات الالف قتيل في أبريل 2004.

ومع هذا بقيت هناك قيود شديدة عما يمكن نقله من أنباء الى خارج العراق·وكان من المحرم بشكل خاص، نشر  التقارير التي لا لبس فيها عن ممارسات القوات الأمريكية في الميدان،خصوصا عندما تؤدي تلك الممارسات الى مقتل مدنيين عراقيين·

وفي اليوم ذاته الذي نشرت فيه صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الأولى موضوع الالفي قتيل، مثلا، نشرت على صفحتها A 12 موضوعا آخر عن ارتقاع عدد قتلى المدنيين العراقيين· وبما أن القوات  الأمريكية لا تنشر أرقاما بخصوص هذا الموضوع، اعتمدت سابرينا تافرنيس على موقع   Iraq  Body Count  وهوموقع إلكتروني غير ربحي يحتفظ بسجل لتعداد الإصابات من تقارير الأخبار· وكتبت أن الموقع قدر عدد القتلى المدنيين منذ بدء الغزو الامريكي ما بين 26690) و(30051 . وربما كان الرقم أكبر من ذلك بكثير، كما جاء في المقالة، من الحقيقة لأن الكثير من حالات القتل لم تجد طريقها الى تقارير الاخبار)· وتستحق نيويورك تايمز الثناء ببساطة لنشرها هذه القصة،ولاعترافها بانه على الرغم من ارتفاع الثمن الذي دفعه الجنود الأمريكيون في الحرب، فإن الثمن الذي دفعه المدنيون العراقيون كان أعلى بكثير· ومع هذا، فإن اللافت للنظر أن سبب هذه الحالات من القتلى كما جادلت المقالة هوالمتمردون فقط· ولم تثر المقالة حتى ولا لمرة واحدة احتمال أن بعض تلك الحالات ربما تمت على ايدي قوات "التحالف"·

لكن هذا أمر نموذجي· فبمعاينة تغطية نيويورك تايمز للعراق في شهر اكتوبر نجد أنها في الوقت الذي تنشر فيه بانتظام الأنباء عن  القتلى المدنيين بسبب المتمردين، فإنها نادرا ما تذكر القتلى بسبب الأمريكيين، وعندما تفعل، فإنها تفعل ذلك على الصفحات الداخلية ومبررة بشكل كبير· وهكذا، نشرت الصحيفة في18  أكتوبر تقريرا  مختصرا في الجزء السفلي من الصفحة A11  بعنوان "مقتل العشرات في غارة جوية أمريكية في غرب بغداد الذي يسيطر عليه المتمردون السنة" وبالاستشهاد بالمصادر العسكرية،فان التقرير  يشير في مقدمته الى أن الضربات الجوية تم إطلاقها ضد المتمردين في مدينة الرمادي المحصنة، وأدت إلى " مقتل70  شخصا"· ووفقا لكولونيل في الجيش الأمريكي فان مجموعة من المتمردين شوهدت في أربعة سيارات " تحاول سحب قذائف مدفعية الى حفر كبيرة في شرق الرمادي سببها انفجار قنبلة على جانب الطريق في اليوم السابق وأدت الى مقتل خمسة جنود أمريكيين واثنين عراقيين·ووفقا للصحيفة،" ألقت طائرة F-15   قنبلة موجهة على المنطقة وقتلت عشرين رجلا على الأرض "· 

وتابعت نقلا عن  الكولونيل "أن الهجوم لم يسفر عن  سقوط أي مدنيين "· وفي جملة واحدة فإن التقرير  كما أشارت رويترز  نقل عن المسؤولين في المستشفي في الرمادي" قولهم " بأن عددا من المدنيين لقوا مصرعهم"لكنها لم تفصل الخبر· وعوضا عن ذلك، استمرت في ذكر حوادث أخرى في الرمادي قتلت فيها المروحيات والطائرات المقاتلة الأمريكية مجموعات من "المتمردين "·

لكن وكالة اسوشييتدبرس  نقلت رواية مختلفة تماما·" فمجموعة المتمردين " التي تدعي القوات الأمريكية إصابتها من قبل طائرةF-15   كانت فعلا " مجموعة مؤلفة من حوالي أربعة وعشرين عراقيا تجمعوا حول حطام المركبة العسكرية الأمريكية"والتي تمت مهاجمتها في اليوم السابق،وفقا للتقرير·

لكن القوات الأمريكية أوردت في بيانها أن المجموعة كانت تجهز قنبلة أخرى على جانب الطريق في موقع الانفجار الذي أدى إلى مقتل الأمريكيين· وأن طائرات F-15 أصابتهم بقنبلة دقيقة التوجيه، تسببت بمقتل عشرين شخصا وصفهم البيان ب "الإرهابيين"· لكن عددا من شهود العيان وأحد قادة القبائل أفادوا بأن الأشخاص كانوا مدنيين تجمعوا لتفحص حطام الآلية الأمريكية أو لأخذ بعض قطعها كما يحدث عادة بعد إصابة أي مركبة أمريكية·

وأصابت الضربة الجوية الحشد موقعة خمسة وعشرين شخصا وفقا لكايد سعد أحد قادة القبائل وعدد من شهود العيان الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم·

ولم يعلم قراء صحيفة نيويورك تايمز  بأي من هذه التفاصيل·

ليست هذه حالة منفردة· فبمطالعة تغطية الصحيفة لأحداث العراق بانتظام خلال الأشهر القليلة الماضية، لم أجد سوى القليل من ذكر القتلى المدنيين على أيدي القوات الأمريكية· ومما لا شك فيه أن العنف في شوارع العراق يمنع المراسلين من الذهاب الى مثل تلك المواقع لمقابلة شهود العيان،لكن تقارير الصحيفة  نادرا ما تنبه القراء الى أن عدم قدرة مراسليها على سؤال الشهود عن إصابات المدنيين بسبب الخطر الذي قد يواجهونه عند الذهاب الى موقع الهجوم· لكن الصحيفة تنشر بانتظام المزاعم العسكرية الرسمية حول قتلى المتمردين دون أي تأكيد من مصدر مستقل· وبعد إعلان كل من الجنرال تومي فرانكس ودونالد رمسفيلد في 2003 "  بأنهم لا يحصون عدد الجثث "، بدا الجيش الأمريكي وبهدوء القيام بذلك· وتنقل نيويورك تايمز  عموما هذه الإحصاءات دون التمحيص فيها·

ومن المهم  في أي نقاش يتعلق بإصابات المدنيين،التمييز بين المتمردين الذين يتعمدون استهداف المدنيين وبين القوات العسكرية الأمريكية التي لا تستهدفهم والتي تحاول فعليا كل ما باستطاعتها لتفاديهم· ومع ذلك،تشير كل الدلائل إلى حصيلة عالية جدا من القتلى المدنيين على أيدي القوات الأمريكية· وكما كان الحال في الرمادي، فان العديد من حالات القتل كانت نتيجة القصف الجوي· ومنذ بداية الغزو، أسقطت الولايات المتحدة أكثر من50000  قنبلة على العراق، سقط حوالي ثلاثين ألفا منها خلال الخمسة أسابيع التي تمت فيها الحرب الفعلية· وعلى الرغم من استهداف معظم الخمسين ألف قذيفة لأهداف عسكرية، فإنها قد تسببت بكثير من "الأضرار غير المباشرة" وتسببت في إزهاق عدد غير معلوم من أرواح المدنيين·

لكن الحصيلة وفقا لمارك غارلاسكومن "هيومن رايتس ووتش" ربما تكون أعلى بسبب العمليات على الأرض· ويتكلم غارلاسكومن موقع قوة، فقد كان يعمل قبل انضمامه إلى منظمة" هيومن رايتس ووتش"  في منتصف إبريل 2003 لحساب البنتاغون ليساعد في انتقاء الأهداف للحرب الجوية في العراق· ويقول إن خلال الحرب البرية، كان استخدام الجيش الأمريكي  للقنابل العنقودية قاتلا· ففي غضون أيام قليلة من القتال في مدينة الحلة جنوب بغداد، وجدت " هيومن رايتس ووتش"  أن القنابل العنقودية قتلت وجرحت أكثر من خمسمائة مدني·

 

عدم اكتراث

 

ويقول غارلاسكوانه منذ نهاية الحرب البرية، قتل الكثير من المدنيين في أثناء تبادل إطلاق النار بين القوات الأمريكية وقوات المتمردين في حين قتل آخرون بسبب إطلاق النار عليهم من قبل القوافل العسكرية الأمريكية، أي من قبل الجنود في عرباتهم الذين يحاولون تجنب الإصابة من قبل الانتحاريين، مطلقين النار على السيارات التي تقترب منهم كثيرا ويتضح لاحقا أن الكثير منها كانت لمدنيين· ووفقا لغارلاسكو، فان مقاولي شركات الأمن الخاصة يقتلون العديد من المدنيين ويميلون إلى "عدم الاكتراث" في منحاهم، ويقول "إنهم يطلقون النار إذا لم يبتعد الناس بالسرعة الكافية عن طريقهم"·

لعل أكبر مصدر لإصابات المدنيين هونقاط التفتيش التابعة لقوات التحالف· إذ يتم إنشاء هذه النقاط في أي مكان وفي أي وقت، وعلى الرغم من افتراض تمييزها بشكل جيد، لكن من الصعب في الواقع اكتشافها خصوصا في الليل ويقوم الجنود الأمريكيون المتيقظون طبعا بسبب الهجمات الانتحارية بإطلاق النار أولا وطرح الأسئلة لاحقا· ونتيجة لهذه العملية، قتل العديد من العراقيين الأبرياء·

وبرزت مثل حالات القتل هذه إلى العلن في مارس عندما تم إطلاق النار على السيارة التي استقلتها الصحافية جوليانا سغرينا والمسرعة الى مطار بغداد عقب تحريرها من الأسر من قبل القوات الأمريكية ما أدى الى إصابتها إصابات خطيرة و الى مقتل ضابط الاستخبارات الإيطالي المرافق لها· وعقب ثلاثة أيام من الحادثة،نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا مفصلا في الصفحة الأولى بعنوان "  نقاط التفتيش الأمريكية تثير الغضب في العراق" جنبا الى جنب مع تقرير فضيحة إساءة معاملة السجناء في سجن أبو غريب، كتب فيه جون بيرنز يقول :

لقد كان هذا الأمر هو الأكثر إثارة للفزع  والغضب الواسع بين العراقيين، فالتقارير اليومية وشركات الأمن الغربية توثق العديد من الحالات التي قتل فيها  أو جرح العديد من العراقيين الذين ليس لهم أي صلة واضحة مع التمرد على يد القوات الأمريكية التي فتحت النار بسبب الاشتباه باشتراكهم في هجمات إرهابية·

وأشار بيرنز الى عدم امتلاك المسؤولين الأمريكيين أوالعراقيين أرقاما لمثل حالات الإصابة هذه·

لكن أي غربي يعمل في العراق لا بد أن يصادف الكثير من الروايات عن القتلى أو الجرحى الأبرياء بين السائقين أو الركاب الذين فتحت عليهم النيران الأمريكية في ظروف، غالبا تركت العراقيين في حيرة متسائلين عن الخطأ الذي فعلوه، إن كان ثمة خطا·

ويقول إن الكثيرين يتحدثون عن "إطلاق النار عليهم دون تحذير"·

وتبين رواية بيرنز إمكانية الكتابة عن مثل تلك القصص على الرغم من العنف السائد وعلى الرغم من قلة الإحصاءات الرسمية· وفي حين أن القليل من مثل هذه التقارير  ظهرت في الولايات المتحدة،الا انها شائعة خارجها· ويقول  مارك غارلاسكو: " اذا ذهبت الى الشرق الأوسط، فلن تسمع الا عن هذا الموضوع، عن قتل الولايات المتحدة للمدنيين" "وهذا حاضر  نشرات الأخبار طوال الوقت"·

ويستطيع المرء في الولايات المتحدة أن يجد لمحات من هذه الحقيقة في عدد من البرامج الوثائقية التي بثت حديثا مثل "الاحتلال "و" أرض الأحلام" والذين يظهر فيهما المخرجان غاريت سكوت وايان اولدز، من خلال الستة أسابيع  التي أمضياها مع وحدة جيش متمركزة خارج الفلوجة، أن باستطاعة الجنود بنواياهم الحسنة في مواجهة شعب معاد يتحدث لغة غريبة، أن يلجأوا الى ممارسات تهدف الى الاستفزاز والاذلال· ونجد أيضا مثل هذه اللمحات في نيويورك تايمز ماغازين، والتي كانت أكثر جرأة من صحيفة نيويورك تايمز اليومية·ويصف بيتر ماس في هذه المجلة كيف تخوض وحدات المغاوير العراقيين المدربة من قبل خبراء مكافحة الإرهاب الأمريكيين "حربا قذرة" تقع  فيها أعمال الضرب والتعذيب وحتى الإعدام بشكل روتيني· وفي  شهر أكتوبر الماضي وصف دكستر فيلكنز في نفس المجلة، قضية الكولونيل ناثان ساسامان خريج وست بوينت والذي وافق على تكتيكات قاسية ضد السكان المحليين  عقب الهجمات المستمرة والمتصاعدة في إحدى المناطق السنية بما فيها إجبار الرجال العراقيين المحليين على القفز في قناة كعقاب· وقد مات أحدهم نتيجة ذلك·

 

معلومات متضاربة

 

نستطيع سبر أغوار أعماق الكراهية العراقية للولايات المتحدة فقط بقراءة ومشاهدة مثل هذه الروايات· وليس السبب حقيقة الاحتلال القائمة بل الطريقة التي يتم فيها الاحتلال والإهانات اليومية والاذلالات وحالات القتل المصاحبة له· ويمكن في حال ظهور مثل هذه الممارسات بشكل أكثر في الصحافة أن تساعد في إثارة التساؤلات عن الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة في العراق وأن تشجع النقاش حول ما اذا كانت هناك طرق أفضل لنشر القوات الأمريكية·

لماذا تندر مثل هذه التقارير؟ الافتقار الى المهارات اللغوية هو أحد الأسباب· أخبرني الكابتن زاكاري ميلر الذي قاد مجموعة من القوات الأمريكية في شرق بغداد في 2004 أنه من بين الأكثر من خمسين صحافيا المرافقين لقواته، لم يتكلم أحدهم العربية وقلة هم من قاموا بعناء اصطحاب مترجمين· ونتيجة لذلك كانوا معتمدين تماما على ميلر والجنود التابعين له·" ومن الطبيعى أن المراسلين لم يسألوا العراقيين أية اسئلة،فقد كانوا يسألونني"

بالإضافة إلى ذلك، يشعر الكثير من الصحافيين الأمريكيين بالانزعاج حيال الاستشهاد بأقوال شهود العيان الذين يقدمون معلومات تتناقض  مع ما تعلن عنه القوات الأمريكية· ولا يحب الصحافيون كتابة تقارير تقابل فيها كلمة مدني عراقي مع كلمة ضابط أمريكي مهما كانت كمية الأدلة المتوفرة لدعم مزاعم المدني· فالمواضيع الصعبة في الصحافة كانتهاكات أبوغريب ومعتقل غوانتانامو وأماكن الاحتجاز السرية عادة ما تستند الى مصادر عسكرية أمريكية رسمية ولذلك تقل فرص إنكارها·

والأمر الأهم هو على ما أعتقد الحقائق السياسية· فالصحافة الأمريكية ترى أن الانتهاكات التي قامت بها القوات الأمريكية في الميدان ومسؤوليتها عن قتل الآلاف من المدنيين العراقيين تعتبر مواضيع شديدة الحساسية لا يجب لمعظم الأمريكيين مشاهدتها أو القراءة عنها·

 فعندما سجل مصور شبكة "ان بي سي" كيفن سايتس أحد الجنود الأمريكيين وهويقتل جريحا عراقيا في الفلوجة تمت مضايقته واتهامه بمناهضة الحرب وتلقى تهديدات بالقتل· مثل هذه الحوادث تغذي الخوف الكامن لدى الكثير من الصحافيين الأمريكيين من الاتهام بأنهم معادون للأمريكيين وبعدم مساندة القوات في الميدان· فمثل هذه المواضيع تبقى محرمة·

وبالطبع، اذا حصل المزيد من تكشف الوضع في العراق أو إذا ما استمرت شعبية بوش بالانحسار، فقد تتوسع حدود ما هومقبول وتبدأ عندها مثل هذه المواضيع بالظهور على الصفحات الأولى· لكن من المؤسف أن يضطر المحررون والمراسلون الانتظار لمثل هذه التطورات· إذ على الرغم من كل المشاكل الداخلية التي تواجه الصحافة،يبقى التلكؤ في  المجازفة في المواضيع السياسية الحساسة ونقل الحقائق المزعجة التي قد تؤدي الى الاستفزاز وعدم الاستقرار، المشكلة الأكبر·

في الثامن من نوفمبر الماضي، تابعت برنامج اندرسون كوبر360  على محطة "سي إن إن"  لارى كيف يقوم بعمله في وظيفته الجديدة·كان هذا يوم الانتخابات،كنت آمل بان أجد نوعا من التحليل للنتائج·بدلا من ذلك،وجدت كوبر يدير نقاشا عن استطلاع جديد عن الجنس قامت به مجلتا "مينز فيتنس Men sfitness و" شيب Shape  " .ومن خلاله علمت أن %82  من الرجال يعتقدون أنهم جيدون أو ممتازون في السرير وأن سكان نيويورك يقومون بممارسة الجنس أكثر من سكان أي ولاية أخرى· وفي تلك اللحظة بدا كما  لو ان" نيواولينز "و" كاترينا " تنتميان  الى مجرة بعيدة،بعيدة جدا عنا·

*المصدر: London Review Of Books

 

انتهى

طباعة