رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 أبريل 2006
العدد 1725

الميليشيات ستسيطر على العراق إذا انسحبت
القوات الأمريكية إذا عمت الفوضى العراق فلن تسلم دول الجوار
ليس هناك مخرج جيد للأمريكيين من المأزق العراقي

·         ما يحدث في العراق اليوم نموذج للحروب الأهلية الحديثة

·         ألف عراقي يسقطون شهرياً في 20 مدينة تشهد صراعاً طائفياً

·    نجاح الأحزاب الدينية في الانتخابات على حساب الليبراليين عزز السيناريوهات الأسوأ

·         16 مليون إنسان سقطوا ضحايا الحروب الأهلية في العالم من عام 1945

 

بقلم: جون دانيزوسكي*

كرر الرئيس جورج بوش القول مؤخراً أنه لا يعتقد بأن حرباً أهلية سوف تندلع في العراق، ولكن في ظل استمرار عمليات القتل السياسي المنظم هناك يرى بعض المراقبين أن هذه الحرب قد بدأت بالفعل، وبأن صراعاً دموياً هادئاً يدور هناك وأن نتائج الانتخابات الأخيرة التي عكست استقطابا طائفياً واضحاً، تشكل خطوط المواجهة في هذه الحرب·

ففي كل يوم يتعرض رجال الشرطة الشيعة إلى القتل في كمين أو عملية انتحارية من تدبير السنة أو تنفذ الميلشيات أو أجهزة الأمن الخاضعة لسيطرة الشيعة عمليات اعتقال وتعذيب وقتل المشتبه بانتمائهم للمتمردين السنة أو يتعرض مسؤول كردي في الحكومة الجديدة إلى الاغتيال في الطريق ما بين مكتبه ومنزله·

وما لم يكن هدف الاغتيال شخصية بارزة أو عدد الضحايا كبير، فإن مثل هذه الأحداث لا تجد طريقها إلى تقارير الأنباء الغربية، ومع ذلك فإن معظم التقديرات الموثوق بها تشير إلى سقوط ألف مواطن عراقي شهرياً معظمهم على يد مواطنين عراقيين أخرين·

ولعل مصطلح "حرب أهلية" هو الذي يستحضر في الأذهان صورة جيوش تحتشد ضد بعضها ثم تفسخ الدولة وهو أبعد ما يكون عن النموذج الديمقراطي الذي أرادته الولايات المتحدة للعراق بعد إسقاط الدكتاتور صدام حسين·

ويؤكد المسؤولون العراقيون بشكل روتيني على وحدة العراق وبعده عن الحرب الأهلية بل ذهب عباس البياتي المسؤول في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق مؤخراً إلى حد الجزم بأن مثل هذه الحرب  لن تقع في العراق أبداً لأن المرجعيات الدينية لن تسمح بذلك ولكن خبراء آخرين من داخل وخارج العراق ليسوا واثقين بذلك تماماً·

جيمس فيرون من جامعة ستانفورد والخبير بالنزاعات الحديثة يعتقد أن الحرب الأهلية في العراق بدأت منذ إطاحة صدام تقريباً، وأن ما يحجبها أو يكبحها جزئياً الآن هو وجود القوات الأجنبية·

 

نموذج جديد

 

ويعارض فيرون مواقف بعض المراقبين بأن الحرب الأهلية ليست سوى مجرد احتمال ويقول إن الناس حين يتساءلون: هل ستقع حرب أهلية فإنما يقصدون شكلاً آخر من أشكال هذه الحرب أما شكل الحرب الدائرة في العراق التي تميزها بصمات العصابات المسلحة وعمليات الخطف والاغتيال والتطهير العرقي فهي نموذج للحروب الأهلية الحديثة·

ويصف فيرون أنه "منذ عام 1945 كانت معظم الحروب الأهلية عبارة عن حروب عصابات بين متمردين وقوات مكافحة التمرد ومعظم الحروب الأهلية تتخذ شكل ما يحدث في العراق اليوم"·

ويرى أن وجود القوات الأمريكية وسط هذا النزاع هو أمر عادي، إذ إن "عدداً كبيراً من الحروب الأهلية تورطت فيها قوات أجنبية وأؤكد على كون ما يحدث في العراق حرباً أهلية على أساس أن المتمردين يهاجمون ويقتلون من العراقيين أكثر مما يقتلون من القوات الأمريكية·

وعلى الرغم من أنه يرى في نجاح الانتخابات الأخيرة خطوة إلى الأمام إلا أنه يعتقد أنه إذا فشلت مفاوضات تشكيل الحكومة إلى نوع من الحل الوسط، فإن الحرب بين العراقيين سوف تشع وتشتد لتصبح حرباً مفتوحة على نطاق واسع، لا سيما إذا انسحبت القوات الأمريكية بسرعة·

وما يحدث في العراق بشكل عام هو صراع بين الفصائل السنية المسلحة التي تسعى لاستعادة السلطة والمليشيات الشيعية العازمة على حماية الحكومة الجديدة إضافة إلى الانتقام من مظالم الأمس واليوم على يد السنة، ويعتبر الأكراد أيضا هدفاً لهجمات السنة، كما أن سعي الأكراد للانفصال أو إقامة إقليم يتمتع بالحكم الذاتي القوي، وضم مدينة كركوك الغنية بالنفط وضعهم على طرف نقيض مع بقية أطياف الشعب العراقي·

ويقول مسؤول من الدرجة المتوسطة في الحكومة العراقية طلب عدم الكشف عن اسمه إنه أجبر على ترك الحي البغدادي الذي يسكن فيه بسبب اسمه الشيعي وإنه أصبح الآن يخفي هويته الحقيقية حتى يتنقل بين العاصمة وقريته القريبة من بابل·

وأضاف يقول إنه "لا يمكنك السفر إلى الجنوب وأنت تحمل اسماً يشير الى كونك سنياً، ولا يمكنك الذهاب إلى الأنبار باسم شيعي، فليست هناك حرب أهلية في جميع أنحاء البلاد، ولكن هناك حروب أهلية في أكثر من 20 مدينة·· إنها حروب أهلية ذات وتيرة منخفضة"·

ومنذ صيف عام 2003 تعرضت المساجد إلى التفجير والقصف بالصواريخ وتعرض الناس للخطف كما تعرضت بعض أحياء بغداد كالغزالية والدورة إلى "التطهير" من الوجود الشيعي من خلال التهديد والعنف وتعرض السنة إلى ضغوط مماثلة في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة الشيعة في الجنوب، وتعرض العرب والتركمان الى ضغوط للرحيل عن مدنية كركوك ذات الأغلبية الكردية·

وبناء على ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدت اصطفافاً طائفياً وتصويتاً وفقاً لخطوط طائفية بدلاً من التصويت لأحزاب ذات قاعدة عريضة خلص الباحث في مؤسسة "راند" في واشنطن جيمس روبنز إلى أن الانقسامات العميقة التي أبرزتها الانتخابات يمكن أن تؤدي الى تمزيق البلاد·

ويعتقد روبنز أن القتال في العراق اليوم يرقى إلى درجة حرب أهلية غير تقليدية، يمتلك فيها طرف واحد هو الحكومة العراقية التي تحظى بمساندة الحلفاء الأمريكيين والبريطانيين الأسلحة الثقيلة، في حين يعتمد الطرف الآخر على حرب العصابات ويرى روبنز وجود احتمال لتوسع دائرة الحرب·

ويقول "إننا قد نشهد اندلاع حرب أهلية كالتي وقعت في يوغسلافيا في التسعينات وكان كلا طرفي النزاع هناك يمتكلان الاسلحة الثقيلة ووقع فيها عدد كبير من الضحايا"·

 

أكثر دموية

 

وفي الواقع فإن الولايات المتحدة تجادل بأن السبب الرئيسي لبقائها في العراق هو من أجل الحليولة دون تدهور الأوضاع واندلاع الحرب الأهلية ولكن هذه المهمة ستكون صعبة ومكلفة ومضيعة للوقت·

وقد ورد في دراسة أجراها عام 2000 فيرون وزميله المؤرخ ديفيد لينين أن متوسط عمر الحرب الأهلية هو ست سنوات، وأن الحروب الأهلية عموماً منذ عام 1945 كانت أكثر دموية من الحروب بين الدول، وأنها حصدت أرواح 16 مليون شخص ودمرت اقتصادات الدول التي ابتليت بها·

وتنبأ المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن عام 2004 بأنه سيكون من الصعب على العراق تفادي الوقوع في حرب أهلية وأن قدرتها على ذلك سوف تعتمد بدرجة كبيرة على ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستمنح العراقيين الإحساس بالانتماء إلى الدولة أم لا·

وتقول روزماري هوليس، إحدى المشاركات في دراسة المعهد عن السيناريو المتفائل: "أعتقد أن بالإمكان استبعاده تماما" ومع ذلك فهي ليست على ثقة بأن العراق يتجه نحو التقسيم·

وتضيف أن "السيناريو الآخر القائم الآن هو ألا يحدث التقسيم لكن الحجم الهائل للتوترات الداخلية هي أشبه بمحاولات إلغاء كل طرف للطرف الآخر"·

بيد أنها تعتقد أن الخلافات داخل المجتمع الشيعي على سبيل المثال قد تنقل الصراع إلى داخل هذا التجمع وتمنع التحرك المباشر ضد التجمعات الأخرى· لقد أدى نجاح الأحزاب الدينية الشيعية والسنية وتراجع العلمانيين والليبراليين إلى تعزيز المخاوف من اندلاع الحرب الأهلية ويقول السياسي المسيحي يوناديم كنّا أن "الشيعة يصرون على مطالبهم والسنة يشعرون أنهم مهمشون ومعزولون ولذلك ستظل هناك مشكلة كبيرة وسوف يستمر العنف ولكني لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى حرب أهلية لكن أحداً لا يضمن ذلك، فكثيراً ما تحدث أشياء غير متوقعة في العراق"·

 

السيناريو الكابوس

 

المحلل السياسي العراقي وميض نظمي يقول إنه سعيد لأن السيناريو الكابوس لم يحدث في البلاد صحيح أن هناك تقارير عن تصفيات بين السنة والشيعة، لكن يبدو أنها من صنع مجموعات صغيرة" ويعبر عن اعتقاده بأن "المافيا المنظمة تقف وراء هذه الأعمال الإجرامية وأنها ليست نشاطات عشوائية"·

عباس البياتي عضو المجلس الأعلى للثورة الإسلامي في العراق يعتقد أن التوتر السياسي بحد ذاته لا يشعل حرباً أهلية لكن الطائفية هي التي يمكن أن تفعل·· ولكن مواقف المرجعيات الدينية والقيادات السياسية نزعت هذا الفتيل·

أما جوان كول أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو والمختص بالشأن العراقي فيحذر من أن الحرب الأهلية إذا اندلعت فإن بقاء أو انسحاب القوات الأمريكية لن يكون ذا أهمية· ويستذكر أول أيام الحرب الأهلية في لبنان حيث كان هناك ويقول إن بوسعه أن يتخيل كيف أن الأوضاع ستكون أسوأ بكثير في العراق إذا انسحبت القوات الأمريكية في وقت مبكر·

ويعتقد أن تقليص الوجود العسكري الأمريكي سيدفع بالميليشيات العراقية إلى الشوارع، وربما شن هجمات منظمة ضد المدن المجاورة أو ضد الحكومة المركزية في بغداد·

ويشير كول إلى نقطة متفجرة أخرى هي مدينة كركوك التي سوف يسعى الأكراد في كل الظروف إلى ضمها إلى منطقة الحكم الذاتي في الشمال، ولكن السؤال هل سيقبل التركمان والعرب بذلك، وهل يقفون مكتوفي الأيدي عند محاولة تنفيذ هذه الرغبة؟

وإذا حدث التقسيم في العراق سيجد السنة أنفسهم دون الموارد النفطية للبلاد التي تتركز في الشمال والجنوب الأمر الذي يدفعهم إلى الثورة· ويحذر كول من أن أي حرب أهلية ستجر إليها دول الجوار الأمر الذي يهدد الاستقرار الإقليمي برمته·

فتركيا قد تسعى لدعم الأقلية التركمانية في كركوك ودول الخليج العربية ستساعد السنة وسوف تتدخل إيران إلى جانب الشيعة·

ويعتقد فيرون شأنه شأن كول أن أي انسحاب متعجل للقوات الأمريكية  سيسهم في اندلاع حرب أهلية ولكن، في الجانب الآخر يرى أن البقاء هناك لأجل غير مسمى لن يوفر حافزاً للعراقيين "لحل مشكلاتهم السياسية والعسكرية من خلال العمل مع بعضهم"·

ويقول فيرون "أعتقد أن الوجود الأمريكي يجعل من الممكن إجراء مفاوضات بين الفرقاء تفضي إلى تشكيل حكومة تعمل على مستوى ما، لكن ما يثير خيبة الأمل أنني لا أرى مفاوضات تقود إلى حكومة يمكنها البقاء دون دعم قوي من الولايات المتحدة·

لقد وجد الأمريكيون أنفسهم في وضع الآن لا يوجد فيه أي مخرج جيد لوجودهم العسكري في العراق·

" عن لوس أنجلوس تايمز "

طباعة  

إذا فشلت محاولات تشكيل حكومة وحدة وطنية..
العراق سيتحول الى دولة فاشلة

 
بدأها كويل في الثمانينات وأولبرايت في التسعينات ويستكملها بولتون الآن..
حملة أمريكية لتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني