رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

آني كنفاني ابنة النجار "الإرهابي" الذي قاتل النازيين:
حين عرفت أن العالم دفن الفلسطينيين جسدياً ونفسياً.. في المخيمات

                                                              

 

·         كان غسان فلسطينياً فخوراً بنفسه، ومثقفاً مقاوماً، ولهذا اغتاله الإسرائيليون

·         قدرته على إيصال رسالته الى شعبه وإلى العالم كانت خطراً على العدو الصهيوني

·         بدأت مؤسسة غسان الثقافية من أجل الأطفال المحرومين.. فالأطفال هم المستقبل

·         أرجو من العرب مساعدتنا من أجل مستقبل كل الأطفال العرب

·       غضبت حين اكتشفت أنني  لا أعرف شيئاً عن فلسطين

 

كتب محرر الشؤون المحلية:

وصفت الكاتبة اللبنانية "إميلي نصر الله" السيدة آني كنفاني بأنها حاملة النور والعون الى قلب المخيمات الفلسطينية، إلى الناس المحرومين، وبخاصة الأطفال· وقالت عنها إحدى العاملات في مؤسسة غسان كنفاني الثقافية، التي ترعاها، إنها مؤسسة كاملة، أو هي المؤسسة العاملة منذ أكثر من ثلاثين عاما·

فماذا تقول آني عن نفسها؟ وكيف امتدت بها مسيرة حياتها من الدانمارك الى يوغوسلافيا، وصولا الى بيروت؟

 

هذه الشابة الدانماركية، ابنة النجار الذي شارك في مقاومة النازيين حين احتلوا الدانمارك خلال الحرب العالمية الثانية، تبدأ حديثها بالتذكير بأن والدها كان يعتبر "إرهابيا" في نظر النازيين، تماماً مثلما تطلق هذه التسمية على المقاومين في فلسطين للاحتلال الصهيوني، فما الذي ربط بين مصير هذه الشابة الدانماركية في أوائل الستينات، ومصير القضية الفلسطينية؟

هي حكاية جديرة بأن تروى، ونترك لها أن تبدأ بسردها: "في العام 1960 ذهبتُ لحضور مؤتمرين في يوغوسلافيا، أحدهما حول تربية الأطفال، والثاني كان مؤتمرا طلابيا، وهناك التقيت بفلسطينيين لأول مرة في حياتي، وفوجئت حين قالوا لي إنهم من فلسطين، بالطبع كنت أعرف أن هناك مكانا يدعى "فلسطين" وأن إسرائيل نشأت هناك، ولكنني لم أكن أعرف الكثير عن الفلسطينيين، أو لم أكن في الواقع أعرف شيئا· وحين التقيت بهؤلاء الطلبة الفلسطينيين لم أصدق ما أخبروني به، إلا أنني غضبت غضبا شديداً لأنني لم أكن أعرف شيئاً، وأدركت أن العالم في الحقيقة دفن الفلسطينيين جسدياً في مخيمات اللاجئين، ودفنهم نفسياً وعقلياً بالطريقة التي كانوا يقمعون بها"·

هذه هي إذن، نافذة فتحت، ثم بوابة، وما إن عادت الى الدانمارك حتى بدأت تتحدث مع أصدقائها عن الفلسطينيين، وتتحدث مع طلبتها، إلا أن هذا لم يكن كافيا، فما إن جاء العام التالي حتى رجعت إلى يوغوسلافيا مرة أخرى، ومن هناك اتخذت طريقها إلى "دمشق" ومنها الى "بيروت"· لقد أرادت، كما تقول، أن تعرف مباشرة، أن ترى بعينيها وتسمع بأذنيها عن قضية الفلسطينيين، وعن المأساة والصراع وما إلى ذلك، وهكذا انتُهي بها الأمر إلى الإقامة هناك·

 

الحياة عن كاتب مناضل

 

في بيروت سيأخذ كل هذا التوق الى المعرفة والوعي بآخر استعمار في القرن العشرين، استعمار فلسطين، الشابة الدانماركية الى الأوساط الفلسطينية، وهناك تتعرف على الكاتب الفلسطيني، والمقاوم في صفوف حركة المقاومة الفلسطينية "غسان كنفاني" وتقول "آني" عائدة بالذاكرة الى الوراء: "كان حينذاك صحافياً شابا في صحيفة أسبوعية تدعى "الحرية" تديرها حركة القوميين العرب، وبدأ يشرح لي "القضية" والصراع، وما حدث من أحداث، وأصابتني معرفة كل هذه الحقائق بالصدمة، وقررت البقاء في بيروت، وبدأت أعمل في روضة من رياض الأطفال، ومع مرور الوقت تقاربنا أكثر فأكثر، وأخيرا قررنا الزواج"·

عن غسان كنفاني، تقدم "آني" هذه الصورة: "كان فلسطينيا فخوراً بكونه كذلك، وكان يتمتع بمواهب كثيرة ككاتب وفنان وإنسان، فقد كان إنساناً رائعاً يتمتع بحس فكاهة كبيرة، وكان يجيد التعامل مع الآخرين، إلا أن لسانه كان حاداً، وقلمه لاذعا، سواء في مقالاته السياسية أو الاجتماعية"·

وتستكمل الصورة: "يمكن وصف قدرته الكتابية بأنها غنية غنى النبع، محملة بالأفكار· ويتضح هذا الغنى إذا تذكرنا أنه توفي في السادسة والثلاثين من عمره، أي أنه خلال الفترة القصيرة بين سن العشرين والسادسة والثلاثين أنتج حوالي 18 كتابا، تنوعت بين الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والدراسات، بالإضافة الى مقالاته اليومية"·

 

لماذا كان غسان خطيراً؟

 

يوم اغتيال "غسان كنفاني" مازال يقيم بتفاصيله في ذاكرة السيدة آني بعد كل هذه السنوات، وتتذكر أنه في اليوم الذي سبق الاغتيال، اغتيال الكاتب وابنة أخته "لميس" البالغة من العمر  17 عاما آنذاك"، كان قد اصطحبها والأولاد وابنة أخته الى الشاطىء، وقضوا اليوم هناك، وكان يوماً لطيفاً تتذكر فيه أن "لميس" طلبت منها أن تحكي لها قصتها مع خالها غسان، في مساء ذلك اليوم عاد غسان متأخراً وأحضر معه شقيقته التي كانت تزور أصدقاءها وعائلتها في بيروت، وقضيا الأمسية معا، في صباح اليوم التالي، 8 يوليو 1972، وبعد صباح هادىء تحدث فيه غسان وشقيقته عن ذكرياتهما وطفولتهما في فلسطين، غادر في حوالي الساعة العاشرة برفقة "لميس" التي كانت ستذهب لزيارة أبناء عمها في بيروت· وهرعت ابنته "ليلى" الى السيارة طالبة أن يصحبها الى مكان قريب تشتري منه حلوى لكنه قال لها اسمعي أنا مشغول حاليا، لدي بعض الحلوى هنا·· وأعطاها قطعة، فعادت وجلست على سلم البيت مع صديقاتها، وبعد ذلك مباشرة سمع دوي الانفجار·

وأعلن الانفجار عن اغتيال أول اسم على قائمة لدى رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، "جولدامئير"· كان اسم غسان كنفاني كما تقول السيدة "آني"" موضوعا على القائمة بوصفه شخصا خطيراً جدا في نظر العدو الصهيوني، لقد كان قادراً على إيصال الرسالة الى شعبه، وهو أمر بالغ الأهمية، وفوق ذلك كان قادرا على إيصالها الى العالم، لذلك أصبح عمله أخطر بكثير من العمل العسكري بهذه الطريقة أو تلك·

 

من أجل المستقبل

 

اغتيال غسان لم يكن النهاية، فقد برزت الحاجة الى القيام بعمل ما· تقول السيدة "آني": "في البداية أنشأنا لجنة لإعادة نشر كتبه الأدبية، وبعد ذلك شعرنا بالحاجة الى القيام بالمزيد، ومن هنا ولدت فكرة المؤسسة الإنسانية في بيروت: "مؤسسة غسان كنفاني الثقافية" كان هدف المؤسسة العمل من أجل الأطفال، وبدأنا بالأطفال من سن الثالثة وحتى السادسة، ثم قررنا بعد ذلك القيام بشيء من أجل الأطفال الأكبر سنا، فقمنا بتأسيس مكتبات وأماكن يستطيع أن يأتيها أطفال المدارس للقيام بنشاطات متنوعة، كالقراءة والتمثيل والفن· كما قررنا عمل شيء للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يكن هناك الكثير لهؤلاء الأطفال، وهكذا أنشأنا مركزين لذوي الاحتياجات الخاصة· مركز في مخيم "عين الحلوة" ومركز في "مار الياس" في بيروت"·

 

لماذا الأطفال تحديدا؟

 

لأننا، كما تقول، نمتلك سببين، الأول أن غسان كنفاني كان يقول دائما إن الأطفال هم المستقبل، ومن خلالهم سنعود، وثانيا، كان هذا العمل مهما بالنسبة لي، فأنا مدرسة أطفال في سنواتهم الأولى، وشعرت بوجود حاجة كبيرة لهذا العمل·

وتستقبل المؤسسة الآن أطفالا معظمهم من الفلسطينيين، فهم يشكلون بسبب حرمانهم نسبة %95، إلا أن الرياض مفتوحة لجميع الأطفال الذين يعيشون في مناطق الرياض، ولديها أطفال من خارج المخيمات، وخاصة في بيروت، والعديد منهم لبنانيون"·

بالنسبة للطفل الفلسطيني وضعت السيدة "آني" نصب عينيها مسألة أن يدرك الطفل هويته الفلسطينية، ليس في الروضة فقط، وإنما في البيت وفي الجوار· ومن المهم أن يدرك الطفل ما يحدث في العالم من حوله، ويعبر عن إدراكه، ولهذا مارس الأطفال نشاط رسم الصور الذاتية لأنفسهم، وتألف من هذا كتاب ومعرض أقيم في بيروت· وهنالك وسائل كثيرة تمارسها الرياض في تعريف الطفل بهويته، كأن تطلب منه أن يسأل في البيت أهله وجده عن المكان الذي جاؤوا منه في فلسطين وتريه المكان الذي جاؤوا منه على الخريطة·

 

أرجوكم مدوا يد العون

 

هذه المؤسسة نشأت في العام 1974، ومعنى هذا أنها تمارس نشاطها منذ ما يقارب  31 عاما، طريق شاق وطويل بالطبع، فمن الصعوبة بمكان الحصول على تمويل، كما تقول، ومع ذلك فقد تخرج من هذه الرياض حتى الآن 8000 طفل، بعضهم يعمل كأستاذ في الرياض، وبعضهم يقوم بأعمال تطوعية، وبعضهم أصبح أبا أو أما ولديهم أطفال يأتون الى الرياض والمراكز الخاصة بالمؤسسة·

هذا العمل الإنساني وجد دعماً ومساندة من منظمات أوروبية، وعربية، ومن عدد من الأفراد، ويجد منذ أيامه الأولى دعماً من الكويت عبر أصدقاء ومؤسسات أهلية، ولكنه يظل بحاجة الى مساندة متواصلة، لأن الاستمرار أمر جوهري في هكذا مشروعات·

وتقدر السيدة "آني" الإنفاق السنوي بمبلغ 500 ألف دولار، ومع أن هذا المبلغ ليس كبيرا في ضوء عدد الأطفال الذين يستفيدون منه الآن، إلا أنه من الصعب تحصيله·

 

أخيراً مالذي يمكن عمله؟

 

القضية الجوهرية التي جاءت بالسيدة آني كنفاني الى مخيمات بيروت، مع قنديلها الصغير والنور والإرادة التي لا تكل، هي قضية فلسطين، إنها تجد في رياض الأطفال الذين يعرفون غسان ويقرؤون له وعنه، برهانا على أنه رغم اغتيال الإسرائيليين لغسان كنفاني فإنه مازال حيا في قلوب الأطفال والكبار، ويمكننا القول إنهم يستطيعون قتل شخص، لكنهم لا يستطيعون قتل فكره، إنها تأمل أن يستمر هذا العمل، رعاية الأطفال، ورعاية فلسطين في قلوبهم على حد سواء·

وتختم حديثها بالقول إنه يجب أن يكون هناك دعم أكبر بكثير من العالم العربي، ليس من أجل أطفال فلسطين فقط، بل أطفال لبنان والأردن، وكل الأطفال العرب، إنه دعم للمستقبل، ولا يكفي المال فقط، بل رفع هذه القضية إلى مستوى الاهتمام الكبير، إنها أكثر القضايا إلحاحا، وأكثرها حاجة الى الدفاع عنها: "آمل أن يصل كل الذين قدموا حياتهم للقضية الفلسطينية، غسان والكثيرون، في النهاية الى غايتهم، عودة الفلسطينيين الى فلسطين·· لذلك أرجو من العرب المساعدة"·

 

 

طباعة  

روسيا على المسرح الدولي:
أيها الأمريكيون لم نعد بحاجة إليكم

 
أقوى منظمة أساتذة بريطانية تبحث
مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية