رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

خطة تقسيم القدس في الطريق

                                                    

 

·        "الانسحاب" من الضفة الغربية يعني تجميع المستعمرين في كتل استيطانية كبيرة، واعتبار 60% من الضفة ملكا لإسرائيل

·         سقف المفاوض الفلسطيني محكوم بمفهوم "أرض إسرائيل"

·         "أبو ديس" هي القدس العاصمة "لجيتوات" الحكم الذاتي الفلسطيني

 

كتب محرر الشؤون العربية:

تعد الحكومة الإسرائيلية الجديدة مخططا لتقسيم القدس، تترك فيه للفلسطينيين القرى المجاورة لها، بينما تضم إليها القدس بكاملها الشرقية والغربية، بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وبقية أحياء القدس القديمة· وقد وصف "اوتنيل شلنر"، أحد المعماريين المشاركين في التخطيط هذه الخطة في لقاء مع وكالة أنباء الأسوشيتدبرس (4/5/2006) وصفا واضحا، ووصف كيف تخطط إسرائيل لفصل الفلسطينيين عن القدس، وعن أجزاء كبيرة من الضفة الغربية· وزعم "شلنر" أن ما يجري ليس تقسيما للقدس، بل هو جعلها موضع شراكة· وقال إن بعض القرى المجاورة ستكون حصة الفلسطينيين وهذه القرى ذاتها ستكون مركزا لإقامة العاصمة الفلسطينية التي ستطلق عليها تسمية "القدس"·

وبناء على هذه الخطة ستحتفظ إسرائيل بالقدس القديمة التي تدعى الآن "القدس الشرقية" بكل ما تضمه من أماكن دينية مقدسة إسلامية ومسيحية· وفي ضوء أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، مصمم على رسم حدود إسرائيل النهائية، مع نهاية العام 2010، من دون انتظار موافقة الفلسطينيين، فإن تقسيم القدس سيأخذ طريقه الى التطبيق لأول مرة·

وتعكس الخطة، كما تقول "الاسوشيتدبرس" تغيرا في تفكير معظم الإسرائيليين الذي كانوا يعتبرون فكرة التخلي عن أي جزء من المدينة المقدسة كفرا·

 

ما هو الانفصال؟

 

وكان هناك اتفاق واسع بين الإسرائيليين منذ أن احتلت إسرائيل القدس في حرب العام 1967، على أن المدينة لن تقسم أبدا، ولكن بعد خمس سنوات من الانتفاضة الفلسطينية، حملت أصوات الإسرائيليين حزب أولمرت "كاديما" الى سدة الحكم في انتخابات 28 مارس الماضي على أساس برنامج "الانفصال" عن الفلسطينيين خدمة لصالح الدولة اليهودية، وهو الانفصال الذي يعني في حقيقة الأمر الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، بما فيها أجزاء كبيرة من الضفة الغربية· ومن ضمنها القدس، وعزل الفلسطينيين في جزر متفرقة (جيتوات) يحيط بها الجدار الإسرائيلي المزود بأبراج الحراسة والبوابات الحديدية·

 

أبو ديس العاصمة!

 

خطة التقسيم بشكلها الموصوف أعلاه، ليست جديدة، فقد طرحت لأول مرة في محادثات العام 2000 في كامب ديفيد، كجزء من تنفيذ اتفاقيات أوسلو، وهي اتفاقيات كانت قد جعلت مصير "القدس" المحتلة معلقا وخاضعا للمساومة، وعرف منذ العام 1996 أن السلطة الفلسطينية التي نشأت بفعل اتفاقيات أوسلو (سلطة الحكم الذاتي كما هو وارد في بنود هذه الاتفاقيات) قد خضعت للمفهوم الإسرائيلي مسبقا، وعملت على القيام بمشروعات معمارية في "قرية أبو ديس" المجاورة للقدس، بما في ذلك المباشرة ببناء مقر المجلس التشريعي، تمهيدا لاعتبارها العاصمة الفلسطينية، على أن تطلق عليها تسمية "القدس"، وقد فشلت محادثات كامب ديفيد في وضع خطة التقسيم على الأرض، والآن يعود المعماري شلنر، الذي هو في الوقت نفسه قانوني من حزب "كاديما" الى إحيائها، ويقول إنها "ما تزال في دور التخطيط، وتتطلب دعما دوليا، ولم يوضع جدول زمني لتطبيقها حتى الآن"·

إلا أنه يوضح ملامح هذه الخطة بالقول إنه وفق هذه الخطة التي ستنفذ من جانب واحد (الجانب الإسرائيلي) إذا فشلت فكرة استئناف محادثات السلام (أي إجبار الفلسطينيين على المصادقة عليها) ستصبح القدس القديمة وأماكنها المقدسة وأحياؤها منطقة خاصة، ولكنها ستظل تحت السيادة الإسرائيلية، وستقع أحياء القدس القديمة في الجانب الإسرائيلي يفصلها عن الفلسطينيين الجدار الذي تقوم إسرائيل ببنائه في الضفة الغربية·

وتنص الخطة أيضا على مد الجدار غربا، بحيث يقطع تماما القدس الشرقية، عن بقية القرى الفلسطينية المجاورة·

وتقول وكالة الاسوشيتدبرس، إنه على رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية أخذت منذ زمن طويل موقفا مفاده "أن الحدود والقدس وكل قضايا الوضع النهائي يجب أن تقرر في نهاية المطاف في مفاوضات بين الطرفين" كما يقول الناطق باسم السفارة الأمريكية في تل أبيب، إلا أن واشنطن لا يبدو أنها ستعارض الخطط الإسرائيلية للتخلي عن بعض الأراضي في سبيل ضم أراض أكبر بما فيها القدس من جانب واحد·

وتتضمن هذه الخطط تفكيك بضع مستعمرات في الضفة الغربية وإلحاق سكانها بكتلة المستعمرات الأكبر في الضفة الغربية نفسها، أي الكتل التي تخطط إسرائيل لضمها وفق اتفاقية سلام·

ومن المعروف أن ما تسمى المطالب الدولية باعتراف الحكومة الفلسطينية بإسرائيل، وكل الاتفاقيات التي خضعت لها الحكومة الفلسطينية السابقة، والتوقف عن المقاومة، تعني بالضبط الموافقة على كل ما خلقته إسرائيل من وقائع احتلالية، وهذا هو ما ترفضه الحكومة الفلسطينية الحالية في الواقع، وهذا هو السبب الذي يجعلها عدوا في نظر حكومة الاحتلال الإسرائيلية·

وكان ايهود أولمرت قد أوضح بجلاء أن محاولة "تجميع" المستعمرين اليهود للضفة الغربية في مستوطنات كبرى، هدفها معالجة ما حدث من "اختلاط سكاني" بين المستعمرات والقرى والمدن الفلسطينية، وهو ما يهدد برأيه وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية، وجاء إيضاحه هذا أمام الكنيست الإسرائيلي حين قدم حكومته الجديدة· وقال في هذا الإيضاح إنه سيتصرف، إذا لم يوافق الفلسطينيون على خطة، للوصول من جانبه الى وضع حدود نهائية لإسرائيل·

 

سر الانقسام الفلسطيني

 

وحول هذا الموضوع يظهر الانقسام الفلسطيني بين الرئاسة الفلسطينية التي حولت نفسها الى "مؤسسة" فور فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة، وبين حكومة الأغلبية التي شكلتها "حماس"·

صحيح أن الطرفين يرفضان الخطط الإسرائيلية الأحادية الجانب، ولكن لسببين مختلفين، فمؤسسة الرئاسة، التزاما منها باتفاقياتها مع إسرائيل، لا تطلب سوى أن يتم تقرير الوضع النهائي، مصير الحدود (مصير أراضي الضفة الغربية) ومصير القدس، مشاركة بينها وبين إسرائيل، بكل ما يحمل ذلك من تنازلات مقرة سلفا في الاتفاقيات السابقة التي لا تعتبر أراضي الضفة الغربية أراضي "محتلة" بل أراضي متنازع عليها، أي أن لإسرائيل نصيبا فيها بهذا الشكل أو ذاك· والخلاف هو على حجم ما يحق لإسرائيل الاستيلاء عليه، أما الحكومة الفلسطينية بقيادة "حماس"، فترى أن الضفة الغربية أرض محتلة، حتى وفق القرارات الدولية وليس من وجهة الحقوق الوطنية الفلسطينية فقط، وبالتالي ليست موضع مساومة، ولا تقر بحق الاحتلال بالاحتفاظ بالمستعمرات ولا باحتلال القدس الشرقية، إضافة الى أنها تضع حق اللاجئين في العودة على رأس المطالب الفلسطينية، بينما أخضعت "مؤسسة الرئاسة" هذا الحق للمساومة أيضا، شأنه في ذلك شأن كل الحقوق الفلسطينية·

وفق المخطط الإسرائيلي ستكون حدود إسرائيل في عمق الضفة الغربية على امتداد 460 ميلا من الجدار الذي يطوق من جانب الجزر المتبقية للفلسطينيين، ويعزلهم من جانب آخر عن أراضيهم التي أصبحت "ملكا" للمستعمرات· وتقدر المساحة التي يستولي عليها هذا الجدار، وتضم المستعمرات المقامة على الأراضي الفلسطينية، وما يلحقها من أراض زراعية ومصادر مياه، بنسبة %60 من الضفة الغربية، ويشمل هذا أيضا ضم وادي نهر الأردن بالكامل الى إسرائيل·

في ظل مثل هذه الخطط والأفكار الإسرائيلية المدعومة أمريكيا بالكامل من قبل حكومة الرئيس بوش الذي ضمن برسائل شهيرة لآرييل شارون تأييد اللاءات الثلاث: لا لتفكيك المستعمرات في الضفة الغربية، ولا للانسحاب من القدس الشرقية، ولا لعودة اللاجئين، يبدو حديث "مؤسسة الرئاسة" الفلسطينية عن طاولة مفاوضات وإحياء ما تسمى عملية السلام ذات معنى واحد، وهو أن تكون المصادقة على هذه اللاءات فلسطينيا هدف المفاوضات·

الجدير بالذكر، أن إطار المفاوضات الذي رسمته كل الاتفاقيات التي وقعتها هذه الرئاسة منذ أوسلو فصاعدا، يجري على أساس مفهوم أن أراضي الضفة الغربية وغزة هي جزء من "أرض إسرائيل"، وأي تخل إسرائيلي عن أي جزء منها هو تخل عن جزء من "أرض إسرائيل"، وليس انسحابا من أرض محتلة، من هنا يتجلى ضعف موقف أي مفاوض فلسطيني في أي مفاوضات مقبلة، فهي إن حدثت ستكون محكومة بهذا السقف، ولا تتجاوزه، ومن هنا أيضا يبدو موقف حكومة "حماس" في رفض هذا الإملاء الذي فرضته اتفاقيات أوسلو، معقولا من وجهة نظر الحقوق الوطنية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية على حد سواء·

طباعة  

مليون رجل أمن لتأديب الشعب المصري!
 
الرواية الأردنية ورقة في ملف تشويه النضال الفلسطيني وتشديد الحصار على شعب جائع