رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

دروس مهمة من أجل هزيمة التمرد·· العراق ليس فيتنام ولا أفغانستان!
الأمريكيون تغاضوا عن زعماء فاسدين تنازعوا على السلطة وأهملوا مصالح بلادهم في فيتنام

                                                    

 

 

·         سرقات عائدات النفط العراقية اليوم لا تقل عما كانت عليه في عهد صدام

·         أركان السفارة الأمريكية لا يبرحون المنطقة الخضراء ولا يعلمون بما يحدث من وراء ظهورهم

·         هناك أحزاب تلعب دوراً رئيسيا في السلطة ولا تحظى بأي شعبية في الشارع العراقي

·        مطلوب نزول الجنود الأمريكيين الى الشوارع لمؤازرة نظرائهم العراقيين وطمأنة المواطنين

 

بقلم كينيث بولاك:

العراق ليس أفغانستان، ومشكلتنا الرئيسية فيه ليست الإرهاب، ولكن تركيز إدارة بوش المفرط على الإرهاب يمكن أن يساعد في تفسير السبب في عدم تبنّي الولايات المتحدة حتى الآن، استراتيجية لمكافحة التمرد، أو حتى في العجز عن إيجاد حلول جيّدة للعديد من مشكلات العراق·

ومع ذلك، فإن منتقدي الرئيس بوش الذين يقارنون العراق بفيتنام، مخطئون أيضا، فالعراق أهم بكثير من فيتنام بسبب ثروته النفطية وموقعه في قلب منطقة تعتبر من أكثر مناطق العالم اضطرابا، إضافة الى أهميته في أعين الدول العربية الأخرى التي تتساءل ما إذا كانت الديمقراطية ملائمة لشعوبها أم لا·

فالعراق يحظى بأهمية بالغة للمصالح الأمريكية، ولم يكن الأمر كذلك أبداً بالنسبة لفيتنام، ولكن هناك وجه شبه وحيد بين العراق وفيتنام، هو طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع المشكلة· لقد خسرت الولايات المتحدة الحرب في فيتنام لعدة أسباب معقدة، لعل أهمها رفضنا استخدام استراتيجية فعّالة لمكافحة التمرد· لقد ركزت الولايات المتحدة جهودها على تعقّب قوات الفيتكونغ أكثر من اهتمامنا بحماية الشعب الفيتنامي، وهو الأمر الذي حال دون نمو اقتصاد فيتنام الجنوبية، وهو ما كان سيعطي الناس حافزا اقتصاديا للوقوف الى جانب قواتهم في الحرب، وكذلك غضت واشنطن الطرف عن عدد من زعماء فيتنام الجنوبية الفاسدين والذين لم يبذلوا جهودا حقيقية للتواصل مع الشعب وأمضوا معظم أوقاتهم في التناحر على السلطة·

 

الفيتكونغ والمتمردون العراقيون

 

العراق ليس محكوما عليه بمصير مماثل لما حدث في فيتنام، فالحكومة العراقية أكثر شعبية مما كانت عليه حكومة الرئيس نغو دين ريم في فيتنام·

وبسبب احتفاء المتمردين العراقيين بتفجير المدنيين العراقيين، فإنهم لا يحظون بشعبية كما كان الفيتكونغ، كما أنه ليست لديهم قوة النيران التي كانت لجيش فيتنام الشمالية·

ولذلك، فإنه لمن المؤسف أن يقوم الأمريكيون بتبديد هذه الأفضليات التي تلعب لصالحهم، ويكررون العديد من الأخطاء التي ارتكبوها في جنوب شرق آسيا قبل أربعين عاما، وخاصة في تنفير المواطنين العراقيين منهم وفي زيادة مخاطر اندلاع الحرب الأهلية، إذن، كيف يمكن إنقاذ العراق؟ مرة أخرى هناك الكثير من الدروس التي يمكن استخلاصها من حروب العصابات في فيتنام وإيرلندا الشمالية وغيرهما· ويمكن حصر أهم هذه الدروس في خمسة هي:

أولا، ربما تكون المنطقة الرئيسية لأية عمليات لمكافحة التمرد، هي ضمان سلامة الناس وإعطائهم حافزاً اقتصاديا وسياسيا، لمعارضة التمرد، وهذا أهم بكثير من محاربة المتمردين أنفسهم، فأي تمرد لا يمكنه أن يعيش ويستمر دون دعم شعبي، وعليه· فإن التغيير الأكبر يجب أن ينصب على خفض التركيز على ملاحقة المتمردين في منطقة المثلث السني وحولها وإعطاء أولوية أكبر لحماية العراقيين بحيث يتمكنون من الخروج إلى أعمالهم وممارسة حياتهم اليومية بأمان·

فالعديد من العراقيين يقولون إنهم يشعرون بالقلق من الهجمات الإرهابية بدرجة أقل بكثير من القلق من الجريمة في الشارع، وتجذّر الجريمة المنظمة بشكل يخيف المواطن من الخروج من منزله ويعيق توزيع المواد الغذائية، ويشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد·

وفي هذه الأثناء، فإن معظم عملياتنا ضد التمرد لم تحقق من نتائج سوى المزيد من كسب عداء القبائل السنية غربي، العراق، وكان يتعيّن علينا - بدلا من ذلك - بناء مناطق آمنة في المدن والمناطق الريفية وحماية مرافق الاتصالات والنقل من أجل إتاحة الفرصة لإنعاش الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد·

إننا بحاجة الى نقل مهمات معظم قواتنا من محاولة إخماد بؤر التمرد التي قد لا تدعم إعادة البناء أبدا، الى حفظ السلام في المناطق الخاضعة لسيطرة الشيعة والسنة الذين لا يؤيدون التمرد ويريدون أن يعيشوا حياة طبيعية·

 

فضاء آمن

 

ثانيا، يجب توفير القوة العسكرية الكافية لإنجاز العمل، إن العامل الحاسم في نجاح أو فشل الأمريكيين في كسب التأييد الشعبي هو الشوارع الآمنة وتوفير فرص العمل ومياه الشرب والكهرباء والوقود والمواد الأساسية الأخرى·

وتحقيق هذه الأهداف يتطلب عددا أكبر من القوات مما هو الآن في العراق، وقد حان الوقت لإدارة بوش لنشر المزيد من القوات النظامية أو الاحتياط حتى لو تطلب ذلك زيادة رواتب وامتيازات الجنود (وقد تستدعي الحاجة أيضا الى إقناع الشعب الأمريكي بضرورة اتخاذ مثل هذه الخطوات)·

وفضلا عن ذلك، نحن بحاجة لتعلم الدروس التي استخلصتها قواتنا في فيتنام وتلك التي تعلمها البريطانيون في إيرلندا الشمالية· فهناك حاجة لانتشار القوات الأمريكية في شوارع العراق والقيام بأعمال الدروية سيرا على الأقدام الى جانب القوات العراقية، من أجل طمأنة المدنيين· فهذا هو السبيل الوحيد لخلق "فضاء" آمن لانتعاش الاقتصاد والمجتمع في العراق·

ثالثا، التركيز على تدريب القوات العراقية· حين تولى الجنرال ديفيد بيتراوس مهمة تدريب قوات الأمن العراقية عام 2004، أبلغني أن العملية سوف تستغرق ما بين  3- 5 سنوات حتى تتمكن هذه القوات من تسلم المسؤوليات من القوات الأمريكية· وقدد صدقت تقديراته حتى الآن· ولكن لسوء الحظ، إننا ندفع بقوات الأمن العراقية الى الخطوط الأمامية قبل أن تكمل استعداداتها لذلك، فهذه القوات لا تحتاج الى وقت للتدريب فحسب بل إلى سنوات لتبلور علاقات قيادة وانسجام وإحساس بالالتزام تجاه الشعب·

كما أن انتشار القوات الأمريكية مع القوات العراقية سيخلق مناطق آمنة يمكن لتشكيلات الأمن العراقية اختبار قدراتها بها قبل الزج بها في مناطق ساخنة، كالمثلث السني، ولنا في التاريخ عبرة، فقد كنا نعتقد أن القوات الفيتنامية الجنوبية لم تكن بذات قدرة قتالية تُذكر، ولكن العديد من وحداتها أبلت بلاء حسناً في القتال الى جانب قواتنا·

رابعا، علينا أن نبسط قوتنا خارج بغداد أيضا، فقد أصبحت العاصمة عنق زجاجة ضخما لكل حركة في العراق، وقد حدث مثل هذا الوضع في معظم الحالات المشابهة على مرّ التاريخ، ولكن ليس هناك مبرر لكي نسلم بالأمر الواقع·

وهناك قضية أخرى يجب التوقف عندها، وهي أن عددا كبيرا من الأحزاب التي لسنا واثقين من الشعبية التي تتمتع بها، بالرغم من نتائج الانتخابات فالكثير من الناخبين الشيعة - على سبيل المثال - صوتوا للتحالف العراقي الموّحد لأن السيستاني شجعهم على ذلك، وليس بالضرورة لأنهم يحبون هذا الحزب أو ذاك أو أنهم يعرفون الكثير عنه، وهناك أحزاب أو مجموعات سياسية ليس لها تأييد شعبي يُذكر، ومع ذلك، فإن المفاجيء أنها تستغل مواقعها لضمان الحصول على حصة كبيرة من الكعكة العراقية وضمان دور دائم لها في حكومات المستقبل·

وربما تكون القصة الأكثر تداولا في العراق اليوم هي سرقة عائدات النفط، فالعراق يجب أن يجني عائدات من صادراته النفطية لعام  2005 تصل الى 20 مليار دولار، ولكن شيئا من هذا العائدات لا يذهب الى مشاريع إعادة الإعمار، وقد أبلغني مسؤول عراقي رفيع مؤخرا أن سرقات عائدات النفط العراقية خلال السنوات القليلة الماضية، قد فاقت ما كان يحدث في عهد صدام·

 

دروس مريرة

 

وبالإضافة الى ذلك، حارب العديد من السياسيين العراقيين من أجل عدم منح سلطات أو توزيع أموال بشكل مباشر الى المسؤولين المحليين أو الإقليميين كوسيلة لإضعاف المنافسين، وقد تعزّز هذا الاتجاه نحو المركزية لأن أركان السفارة الأمريكية في بغداد لا يمكنهم مغادرة "المنطقة الخضراء" ذات التحصينات المشدّدة، وبالتالي، ركزوا معظم جهودهم على الحكومة المركزية·

وهناك فرص كبيرة أمام نجاح عمليات إعادة الإعمار إذا سارت من القاعدة الى القمة، فالنهج الذي نتبعه بإعادة البناء من القمة الى القاعدة، لم يثبت نجاحه على مرّ التاريخ، ونحن بحاجة الى المزيد من المدنيين الأمريكيين وعمال الإغاثة الدولية لتفقد أحوال العراق والتعرّف على ما يحصل عليه المواطنون ومايحتاجونه بصورة ماسة·

ونحن بحاجة أيضا، لإيصال الموارد الى أيدي المواطنين العراقيين مباشرة، ممن يمكنهم المساعدة على المستوى المحلي·

خامسا، علينا كسب تأييد زعماء القبائل السنية، فما من شك في أن إشراك السنة في العملية السياسية، وخاصة زعماء القبائل التي تدعم المتمردين، وجعلهم يشعرون بأن لديهم مصلحة في نجاح العملية، هو عامل بالغ الأهمية لاستقرار البلاد على المدى الطويل، ولكن في المدى القصير، يمكننا وضع عصا كبيرة في عجلة التمرد من خلال الاتصال بزعماء القبائل السنية وتقديم المال لهم·

إن محاولة شراء الأعداد ليست من قيم الأمريكيين، ولكنها من التقاليد السائدة في العراق· فالكثير من المتمردين ليسوا سوى زعماء قبائل، وكان معظمهم أعضاء في أجهزته الأمنية السابقة ووجدوا أنفسهم مهمشين في ظل العراق الجديد· وآخرون يقاتلون بناء على أوامر من شيوخ قبائلهم، بعد أن أصبحوا بلا عمل ولم يحصلوا على أية حوافز للعمل مع الأمريكيين، ولكن طوال تاريخ العراق الحديث، ظل زعماء هذه القبائل يتلقون المال من السلطة في بغداد، بصرف النظر عن ماهية هذه السلطة (سواء كانت من الأتراك أو البريطانيين أو الدكتاتوريين أو البعثيين)، وذلك مقابل امتناعهم عن مهاجمة الطرق والمنشآت الحكومية وكذلك لمنع المجموعات الأخرى من أن تفعل ذلك· وقد بدأ بعض زعماء هذه القبائل بالفعل محاولات الاتصال بالأمريكيين وبالحكومة العراقية وأبدوا رغبتهم في التعاون إذا حصلوا على الثمن·

والنهج الذي تبنيناه في العراق حتى الآن، لم ينجح، بل إنه قد يفشل· ومعظم التغييرات التي يعرضها كلا طرفي المعادلة السياسية لا تعدو كونها دوران حول الاستراتيجية الراهنة· ولكن إذا أردنا تحقيق النجاح وضمان استتباب الاستقرار في العراق وإلحاق الهزيمة بالمتمردين، علينا التحول بشكل راديكالي باتجاه استراتيجية تقليدية لمكافحة التمرد، بالرغم من أن هذا التحوّل قد يكون مؤلما على الصعيد السياسي وبصرف النظر عن نظرة الكثيرين للغزو الأمريكي للعراق، فإن من مصلحتنا ومصلحة العالم العربي أن ننجح في العراق، ولكي يحدث ذلك، علينا استخلاص بعض دروس التاريخ المريرة·

 

 *مدير البحوث في مركز صبان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنغز ومؤلف كتاب "اللغز الفارسي: الصراع بين أمريكا وإيران"·

" نيويورك تايمز"

طباعة  

تقسيم العراق يشعل حرباً طاحنة
من أجل السيطرة على النفط