رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

تقسيم العراق يشعل حرباً طاحنة
من أجل السيطرة على النفط

               

 

·         مخاوف من عمليات تهجير واسعة للأقليات في جميع المحافظات والمدن العراقية

 

بقلم أنطوني كوردسمان*:

طرح بعض الخبراء والسياسيين فكرة أن تدرس الولايات المتحدة تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات إثنو - دينية قائلين أن ذلك هو السبيل الوحيد للقضاء على التمرد والسماح للقوات الأمريكية بالانسحاب·

ولكنهم مخطئون في تحليلهم هذا، إذ إن تقسيم العراق لن يخدم أيا من المصالح العراقية أو الأمريكية، وسيجعل حياة العراقيين أكثر سوءا·

المشكلة الأولى أن العراق ليس لديه خطوط إثنية دقيقة· فليس هناك إحصاء سكاني حديث يمكن الاعتماد عليه في معرفة عدد التوزيع الفعلي لمختلف المكونات الطائفية والعرقية للمجتمع العراقي من سنّة وأكراد وشيعة وغيرهم· فالانتخابات التي أجريت بعد إسقاط صدام جعلت من الواضح أن جميع المحافظات والمدن العراقية تعيش فيها أقليات لا يستهان بها·

وبالتالي، فإن أي محاولة لتقسيم البلاد وفقا لخطوط إثنية وطائفية سوف يتطلب عمليات "نقل للسكان" على نطاق واسع· وربما يحدث ذلك بطرق عنيفة وقد يُلحق أضرارا كبيرة بالسكان الذين سيجبرون على التهجير، تاركين إرثاً من الخوف والكراهية، مما يعيق ويؤخر تعافي العراق اقتصادياً وسياسيا·

 

العنف والاقتصاد

 

وبالإضافة الى ذلك، فإن سكان العراق يتركزون في المدن، حيث يعيش أكثر من  40 في المئة من إجمالي السكان في منطقتي بغداد الكبرى والموصل، وقد رأينا في إيرلندا الشمالية والبلقاني مدى صعوبة تقسيم المدن، ولا يمكن الفصل بين العنف والاقتصاد في ظل وضع عراقي تسود فيه المركزية وتعاني الخدمات من نقص شديد، والاقتصاد من التدهور· إن محاولة تحديد مصير مدينة كركوك سيضع الأكراد على طرف نقيض مع كل الفصائل العراقية، وتخضع مدينة البصرة الآن لسيطرة ميليشيات شيعية ويمكن أن تفقد هويتها العلمانية إذا ما تم تقسيم البلاد·

وبالإضافة الى ذلك، لا يمكن تقسيم العراق دون تقسيم الجيش وأجهزة الأمن والشرطة·

فالجيش النظامي يتألف في معظم عناصره من الشيعة والأكراد، وينتمي معظم عناصر وزارة الداخلية الى الشيعة، ويمتزج رجال الشرطة بأصوليين وقوات أمن محلية تنقسم وفقاً لروابطها القبلية والطائفية والإثنية، ويعني تقسيم العراق فعليا، تقسيم الجيش وقوات الأمن وتقوية الميليشيات وهذه كلها عوامل تقود الى مزيد من العنف·

وبالطبع، لا يمكن تقسيم العراق دون إشعال الحروب حول السيطرة على النفط، فأكثر من 90  في المئة من مدخولات الحكومة العراقية تأتي من النفط، وليس هناك حقول نفطية في غرب العراق السني، وبالتالي لن تكون لديهم أي عائدات نفطية، ويريد الأكراد السيطرة على حقول النفط الحديثة في الشمال، لكن مطالبهم بذلك ليست مشروعة، وليس لديهم وسيلة لتصدير النفط الذي ينتجونه (فجيران العراق كإيران وسورية وتركيا، لديهم مواطنون أكراد، وبالتالي لا مصلحة لهم في مساعدة أكراد العراق في الحصول على الاستقلال)·

وسوف يكون موضوع بسط السيطرة على مدينة البصرة شائكا في ظل تطلع عدد من المجموعات الشيعية للانفصال والسيطرة على نفط الجنوب·

أخطاء خطيرة

 

وسوف يُلحق تقسيم العراق أيضا، الضرر بالاستقرار الإقليمي وبالحرب على الإرهاب· فالمجموعات السنية المتطرفة ذات الصلة بتنظيم القاعدة تهيمن الآن على المتمردين السنة، والتقسيم سيؤدي الى تعزيز قبضتهم على المواطنين العاديين، وإذا حيل بين المواطنين السنة والموارد النفطية، فسوف تضطر دول سنيّة كمصر والمملكة العربية السعودية لدعمهم، من أجل منع المتشددين الإسلاميين من السيطرة على هذا الجزء من العراق، على الأقل·

وسوف تنافس إيران، بالطبع، من أجل الهيمنة على شيعة العراق، أما الأكراد فلا أصدقاء لهم، وسوف تسعى كل من إيران وسورية وتركيا الى زعزعة استقرار الشمال الكردي واستغلال الخلافات بين الفصيلين الكرديين الرئيسيين، وفي النهاية، فإن مثل هذه الانقسامات قد تمتد الى بقية أرجاء الشرق الأوسط والعالم العربي، مما يخلق مخاطر اندلاع صراعات محلية وتوترات دينية تغذي التطرف الأصولي·

لقد ارتكبت واشنطن أخطاء خطيرة في العراق قد تقود الى الحرب الأهلية، ولكن تقسيم العراق من شأنه جعل الأمور أكثر سوءا بالتأكيد، وسوف ينقل للعالم رسالة بأن الولايات المتحدة قد منيت بالهزيمة وأنها تخلت عن التزاماتها تجاه الدولة والشعب في العراق· وحتى إذا ما تجاهل المرء حقيقة أن الولايات المتحدة قصمت ظهر العراق من الناحية الفعلية، وتتحمل المسؤولية تجاه 28 مليون عراقي، فإنه من غير الممكن إنكار حقيقة أن خلق فراغ في السلطة في منطقة تحيط بها الأخطار من كل جانب، لا يمثل استراتيجية قابلة للحياة، أبدا·

 

 *كبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤلف كتاب "حرب العراق: الاستراتيجية والتكتيك والدروس العسكرية"·

"إنترناشيونال هيرالدتريبيون"

طباعة  

دروس مهمة من أجل هزيمة التمرد·· العراق ليس فيتنام ولا أفغانستان!
الأمريكيون تغاضوا عن زعماء فاسدين تنازعوا على السلطة وأهملوا مصالح بلادهم في فيتنام