رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

58 عاما على النكبة:
ذكرى أم واقع راهن متواصل؟

كتب محرر الشؤون العربية:

الخامس عشر من آيار في كل عام هو ذكرى النكبة الفلسطينية، أي الاحتلال الصهيوني العسكري لما يقارب 80 % من أرض فلسطين، وإعلان إقامة "دولة إسرائيل" في هذا اليوم من العام 1948، وهو أيضا تشريد ما يقارب المليون فلسطيني بعد احتلال مدنهم وقراهم وأراضيهم، ودفع بعضهم الى قطاع غزة والضفة الغربية ونهر الأردن، والى عدد من الأقطار العربية المجاورة مثل الأردن والعراق وسورية ولبنان·

هذه النكبة لم تولد في هذا التاريخ تحديدا، بقدر ما كان هذا التاريخ (15 آيار 1948) ذروة سلسلة من الأحداث والقرارات والمواجهات، بدأت حتى قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين في العام 1917، أي في قرار الخارجية البريطانية "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين"، في ما عرف باسم تصريح بلفور· وقامت بريطانيا المحتلة بوضع هذا التصريح موضع التنفيذ منذ اللحظة التي دخل فيها قائد القوات البريطانية الجنرال "اللنبي" القدس واحتلها، منهيا بذلك تبعية فلسطين للدولة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى، وفاتحا الطريق أمام الحركة الصهيونية الممثلة آنذاك بما يسمى "الوكالة اليهودية" والتي تضم المنظمات والأحزاب اليهودية والصهيونية على حد سواء، وكان الطريق هو طريق فتح أبواب فلسطين أمام نشاط هذه الوكالة المحموم للاستيلاء على الأرض الفلسطينية بكل الوسائل وتنظيم هجرة اليهود الجماعية إلى فلسطين من مختلف أنحاء العالم، ومحاولة شراء أراض في فلسطين، وإعداد قوة عسكرية مدربة جيدا، وبناء مستعمرات مدنية - عسكرية في فلسطين·

وتحت ظل الاحتلال البريطاني العسكري، تنامت قوة المستعمرات والمنظمات الصهيونية، بل شكلت "الوكالة اليهودية" ما يشبه حكومة ظل تحت رعاية المستعمرين البريطانيين تعنى بكل الشؤون، الداخلية والخارجية، من عسكرية وزراعية وتعليمية·· إلخ·

واستمدت هذه الحركة قوة من دعم فروعها في مختلف أنحاء العالم أولا، ومن عدة دول غربية وشرقية أبرزها بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق التي وفرت السلاح والضباط والمجندين، وبريطانيا بوجودها العسكري الكبير في فلسطين (120 ألف جندي خلال الثورة الفلسطينية في العام 1936) والولايات المتحدة الأمريكية التي أظهرت انحيازا كاملا الى جانب الحركة الصهيونية·

ومع يقظة الفلسطينيين والعرب على ما يحدث في فلسطين، بدأت مواجهة مدّ الهجرة الصهيونية منذ البداية بانتفاضات متفرقة ثم توجت هذه الانتفاضات بانتفاضة الشيخ عز الدين القسام من حيفا، والجماعة التي قام بتنظيمها سرا، وكانت انتفاضة مسلحة ضد البريطانيين بالدرجة الأولى، إدراكا من "القساميين" بأن بريطانيا المحتلة هي رأس حربة الاحتلال الصهيوني القادم، فتحت حراب الإنجليز كانت تنمو وتستشري قوة الصهاينة ورغم استشهاد "القسام" الذي أطلق الرصاصة الأولى، إلا أن حركته فعلت فعلها في الأوساط الفلسطينية، والفلاحية بخاصة، فانطلقت ثورة العام 1936 المسلحة وكانت ثورة عامة وعارمة عمادها الفلاحون الفلسطينيون، أصحاب الأرض التي يستهدفها مشروع الاحتلال الصهيوني· ولكن هذه الثورة التي جندت لها بريطانيا مئات الآلاف من جنودها، وأفضل قادتها العسكريين من أمثال "وينجيت" و"مونتغمري" انتهت بعد ثلاث سنوات، لأسباب كثيرة على رأسها تدخل الدول العربية وتقاعس الأحزاب الفلسطينية، وهي أحزاب عائلية وقبلية لم تفد النضال الفلسطيني آنذاك، بقدر ما كانت خلافاتها وارتباطاتها بالمحتل البريطاني، و"ثقتها" بوعوده عبئاً على النضال الفلسطيني·

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية التي أخرجت بريطانيا من عداد الدول العظمى، نقلت قضية الصراع في فلسطين الى الأمم المتحدة، بعد أن تهيأ الجو تماما تقريبا للوكالة اليهودية، عسكريا وسياسيا وماليا ومهاجرين، لحسم معركتها مع الفلسطينيين، والعرب عموما· وطرح قرار تقسيم فلسطين في العام 1947· وتمت الموافقة عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ضغوط أمريكية هائلة على عدد من الدول، وصدر القرار رقم 171 الشهير، الذي منح "الوكالة اليهودية" حق إقامة "دولة" على أرض سيعترف الصهاينة أنفسهم في ما بعد أنها كانت مملوكة للفلسطينيين، وآخر هذه الاعترافات جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شلومو بين - آمي الذي اعترف في حوار جرى أخيرا مع البروفيسور نورمان فنكلستين، بأنه حين صدر قرار تقسيم فلسطين كان ما استطاعت المنظمات الصهيونية شراءه من أراضي فلسطين من أملاك الغائبين وبتسهيلات حكومة الاحتلال البريطاني يصل الى ما نسبته %6 من أرض فلسطين· وستوثق لجنة التوفيق الدولية ملكية الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين (بعضهم تحت احتلال دولة إسرائيل وبعضهم في الشتات) وتسجلها وتضعها في سجلات الأمم المتحدة في الخمسينات، أي أن "دولة إسرائيل" التي أطلق عليها هذا الاسم حال قيامها، تقوم على أراض مسروقة بالقوة من الفلسطينيين·

إذن حين اندلعت حرب 1948 بين الفلاحين الفلسطينيين بإمكانياتهم البسيطة وبين المنظمات الصهيونية المسلحة بأقوى الأسلحة من مخازن الدول الغربية والشرقية، كانت النتيجة معروفة سلفا· فقد حطم الاحتلال العسكري البريطاني - ونظم الإدارة الاستعمارية - قوى الشعب الفلسطيني، واستنزفها منذ العام 1932 ، وكانت الدول العربية المجاورة خاضع بعضها للاحتلال البريطاني - الأردن ومصر والعراق - وبعضها للنفوذ الأمريكي والفرنسي، ولم تستطع القوى الشعبية العربية مدّ يد معونة فعالة لمساندة الفلسطينيين في مواجهة المحتلين الصهاينة أو هذه القوى العالمية التي تكالبت عليهم، ويذكر مؤرخو هذه الحرب الدامية التي تواصلت منذ الاحتلال البريطاني في العام 1917 وحتى العام 1948، أن الحركة الصهيونية لم تكن تمتلك سطوة في العواصم الغربية والشرقية فقط، بل استغلت الواقع الاستعماري في الدول العربية المجاورة، أو فرضت سطوة لا مثيل لها في التاريخ العربي، فمنذ انعقاد مؤتمر الصلح في باريس في أعقاب الحرب الأولى استطاعت الحركة الصهيونية عقد صفقة مع من سيصبح في ما بعد ملكا على العراق (فيصل الأول) يتعاون فيها لقيام دولة لليهود في فلسطين، ومنذ وقت قريب كشف المؤرخ البريطاني "آفي شلايم" عن وثائق صفقة لتقسيم فلسطين عقدها الملك الأردني "عبدالله بن الحسين" مع الحركة الصهيونية في الثلاثينيات، يكون فيها نصيبه جزءاً من فلسطين، هو ما سيطلق عليه بعد ذلك اسم "الضفة الغربية" ويضم إلى "إمارة شرق الأردن" لتكوين المملكة الهاشمية·

بكل هذا الدعم الهائل دوليا ورسميا عربيا، أطلقت العصابات الصهيونية، الهاغاناه، وشتيرن، وإتسل·· إلخ· أعنف حملة إرهاب ضد الفلسطينيين قبل 15 آيار 1948 وبعده، هوجمت فيها القرى الفلسطينية ليلا وقتل المدنيون أطفالا ونساء ورجالا وهم في أسرة نومهم، وزرعت المتفجرات في الأسواق والفنادق والشوارع، وتم التخطيط لمذابح منظمة في كل قرية أو مدينة فلسطينية يتم الاستيلاء عليها لإجبار الفلسطينيين على النزوح عن أراضيهم وبيوتهم، ومن أصر على البقاء كان مصيره الإبادة·

حملة التطهير العرقي هذه، التي بدأت قبل العام 1948 وفق مخطط مسبق، وتواصلت خلال حرب 1948، ولم تستطع الجيوش العربية الضعيفة التي دخلت فلسطين إيقافها، ترافقت مع نسف للقرى والبيوت، وتم تدمير أكثر من 600 قرية فلسطينية، واحتلال المدن الكبرى مثل عكا وحيفا ويافا والناصرة واللد والرملة، وطرد سكانها، وحشر ما تبقى منهم في معسكرات الاعتقال، وإجراء إعدامات جماعية في هذه المعسكرات واستمرت الحملة الإرهابية، حملة الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم بالقوة، حتى بعد توقف حرب 1948، وتوقيع عدد من الدول العربية المجاورة اتفاقيات هدنة مع الدولة الغاصبة، ظلت متواصلة كما يذكر الإسرائيلي ميرون بن فنستي، في كتابه عن تغيير جغرافية فلسطين بعد العام 1948·

ما تشهده فلسطين الآن بشقيها، تلك التي احتلت في العام 1948 وتلك التي احتلت في العام 1967 ، هو استمرار لمشروع إقامة "دولة لليهود" على أرض فلسطين الكاملة· صحيح أن وسائط الإعلام وبعض الحركات السياسية الفلسطينية والعربية تتجاهل ما يجري، وتركز النظر على الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية وإقامة المستعمرات، وحرمان الفلاحين الفلسطينيين من أراضيهم في هذا الجزء من فلسطين، ولكن الحقيقة، القائمة هي أن مصادرة الأرض وهدم البيوت واضطهاد الفلسطينيين لاتزال متواصلة في المناطق التي احتلت في العام 1948 أيضا، فهناك مصادرة للأراضي وهدم للبيوت وتدمير للمساكن في اللد والرملة والقدس، رغم أن وسائط الإعلام تتجاهله، وهناك استمرار لمشروع حرمان الفلسطينيين من مقومات العيش بكل الوسائط بالإرهاب العسكري، والتشريعات الصهيونية، والجدار الذي يلتهم60 % من أراضي الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة حصاراً كاملا· النكبة الفلسطينية إذن ليست حادثا حدث وانتهى في 15 أيار 1948، بل هي نكبة قائمة حتى هذه اللحظة، وتتمدد وتتواصل، في وقت أسوأ من وقت حرب  1948، لأن دولاً عربية عدة على رأسها مصر والأردن، توفر الآن لهذا الكيان الاستعماري المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي والأمني، وتحاصر الشعب الفلسطيني في الداخل، تحت ذريعة "معاهدات السلام" التي عقدتها معه، أي أنها شأنها في ذلك شأن المستعمر للأرض الفلسطينية تنظر للمقاومة الفلسطينية ودفاع الفلسطينيين عن حقهم في وطنهم بوصفها نضالا غير شرعي، بل تعمل على إيقافه والقضاء علىه بكل الوسائل·

النكبة مستمرة إذن، بكل معاني النكبة، أي الانقضاض الجماعي لهذا التحالف الصهيوني - الدولي - العربي القائم على الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة حياته وموته أعزل الإ من أجساد أبنائه وجوع نسائه وأطفاله·

طباعة  

فيما هبّ الكويتيون لنصرة وطنهم
الحكومة تزج البلد في أتون أزمة سياسية

 
الشباب يغيرون المعادلة السياسية.. ويدخلون معارك الإصلاح
 
بعد أن قبلت بدور "الكمبارس"
حكومة ناصر المحمد تدار بالريموت كونترول

 
رئيس مجلس الأمة يختار مصلحته
 
جابر المبارك يلغي الهجانة
 
الوزراء الشعبيون بين الإصلاح الجزئي والموقف التاريخي
 
بخلاف ما جاء في توصية لجنة النظر في تجاوزات جمعية صباح الناصر التعاونية
وزير الشؤون يكتفي ببند الإحالة الى النيابة دون إيقاف المجلس الحالي

 
أحمد الفهد
 
فئات خاصة
 
اتجاهات