رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

روسيا على المسرح الدولي:
أيها الأمريكيون لم نعد بحاجة إليكم

·         البترو دولار يضع "بوتين" على المسرح العالمي

·         المراقبون يقولون إن أمريكا "مستاءة.. وغاضبة"!

 

الجارديان - من موسكو وواشنطن*:

في الكرملين، يوم الخميس الماضي، عقد مسؤول روسي نافذ معروف على نطاق ضيق اجتماعا لأول مرة أمام الصحافيين الأجانب حمل رسالة بسيطة جدا مفادها أن "روسيا عظيمة، وتصبح أعظم باضطراد"·

كان هذا المسؤول الروسي هو "سيرغي سوبيانن" الحاكم السابق للمنطقة الغنية بالنفط في روسيا "تايومين" ورئيس هيئة موظفي الرئيس "فلاديمير بوتين" وأحد أقوى الرجال في روسيا·

وكان في اجتماعه هذا يشرح أو يوسع مضمون خطاب رئيس الدولة الى الأمة قبل 24 ساعة من هذا الاجتماع، نعني الخطاب الذي حدّد فيه الرئيس "بوتين" مفتاح التقدم الروسي الى الإحياء العسكري والبشري على حد سواء· وجاء في هذا الخطاب أن تناقص أعداد سكان روسيا يجب أن يعكس، وستدفع معونات للأمهات الروسيات ليكون لديهن المزيد من الأطفال، ولأول مرة منذ زمن طويل، تحدث الرئيس "بوتين" عن الصواريخ وإعادة التسلح النووي، ومن الواضح أن العدو الذي لم يذكر بالاسم لم يكن إرهابيي "الشيشان" أو الثورات "الملونة" في الدول التابعة سابقا للاتحاد السوفياتي القديم، ولكن العدو القديم) "الذئب" الأمريكي، وشهيته الشرهة التي تتقنع برداء الاهتمام الزائف بحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية·

وتفاخر السيد "سوبيانن" بالقول "إن ثقل روسيا الدولي يبرز في كل عام" فالبلد، روسيا، قوية وثرية، وهي تنشر ثقلها المستفاد على الصعيد الدولي· هاهو الدب يعود إذن بعد عشرين سنة من الانحدار الذي توافق مع مهرجان الحرية الذي أقامته ثورة ميخائيل غورباتشيف في العام 1985، ويسير الرئيس "بوتين"، رافعا هامته على المسرح العالمي، مدعوما بمدٍ من البترو دولارات، و"بطليه الوطنيين"، عملاقي الغاز والنفط اللذين يبسطان سلطة روسيا خارج حدودها، ونفوذه الذي تتعذر مهاجمته في روسيا على النقيض من بوش وبلير وشيراك·

جاءت هذه الذروة في شهر تموز (يوليو) في مسقط رأسه، بيترسبورغ العاصمة الإمبراطورية القديمة، حين استضاف الرئيس "بوتين" قادة الدول السبع الأغنى في العالم، وأصيبت بقية العالم بالقلق، واستنتجت الولايات المتحدة الأمريكية بأن الرئيس "بوتين" يمثل عودة ماهرة الى النزعة الشمولية الروسية التقليدية وارتعدت دول وسط وشرقي أوروبا، وهي كلها مرت بتجربة مباشرة مع الهيمنة الروسية· أما الأوروبيون الغربيون الغارقون في استبطان ذواتهم، فقد استيقظوا على تحديات جديدة، وكلهم يتدافعون لتجهيز سياسات جديدة تجاه روسيا·

"إندوكوتشنز" أحد الخبراء بروسيا في معهد كارنيجي في واشنطن، قال "إنه وضع خطر، ونحتاج إلى رؤوس باردة في كلا الجانبين للرد ردا شاملا" وقال "ألكسندر فوندرا" أحد وكلاء وزارة الخارجية التشيكية" وأخيرا بدأت حرب ما بعد الحرب الباردة بطريقة من الطرق، كلنا بحاجة الى الجلوس معا ووضع جدول أعمال بسياسات جديدة"· وقال "ألكسندر راهر" كاتب سيرة حياة "بوتين"، والمحلل الألماني البارز للسياسات الروسية إن سنوات من التعاون الغربي مع روسيا تخلي الطريق أمام التنافس، فقد بدأ "بوتين" بوضع جدول أعمال دولي·

وبدأ الأمريكيون يستاؤون ويغضبون· إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تمنع هذا، إلا أن وسائلها لفعل هذا محدودة جدا"·

قبل أسبوع من إلقاء الرئيس "بوتين" لخطابه الموجه الى الأمة، ذهب نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" الى دول البلطيق المحاذية لروسيا ليقرأ على الرئيس بوتين درسا في التعامل مع الشغب·

قبل خمس سنوات في بيت ريفي خارج عاصمة "سلوفينيا" "لوبليانا" التقى جورج بوش لأول مرة بالرئيس "بوتين"·

وقال الرئيس الأمريكي إنه نظر في عيني ضابط المخابرات الروسية السابق، ولمح شيئا من روحه، وشاهد رجلا يمكن أن يثق به· ولكن ها هو "تشيني" يطالب، بمرارة العاشق المنبوذ، بوضع حد لقصة الغرام العاطفية الأمريكية مع ما بعد - روسيا السوفياتية·

 كان "تشيني" صرح بأن "لا أحد منا يؤمن بأن مصير روسيا أن تصبح عدوا" وجاء هذا التصريح قبل أن يتهم الكرملين بأنه يستغل ثروة روسيا المعدنية لابتزاز المستهلكين الأجانب والاستئساد عليهم، وبأنه يعكس مسار المكاسب الديمقراطية في العقد الماضي، وأنه يكبح حقوق الروس بطريقة، غير ملائمة"·

وقد سبق كلام "تشيني" هذا في "ليتوانيا" نقد صدر عن وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليسا رايس"·

فقد قالت مديرة مكتبها للشؤون الروسية "ماري وادلك" في الشهر الماضي "لم يتم الوفاء بوعد الشراكة الأمريكية - الروسية الاستراتيجية·· والمحلفون يتناقشون الآن حول أين سينتهي المطاف بروسيا"·

وانضم ديمقراطيون بارزون من أمثال "جون ماكين" و"جون إدواردز" الى جوقة ما يدعوه النقاد خط الرهاب الروسي الجديد·

ويقول "كوتشنز" إن الكرملين أصابته المحاضرات الأمريكية بالحنق، ولكن خطاب "بوتين" أظهر ازدراء الكرملين لهذه المحاضرات: "لقد وضع بوتين الولايات المتحدة وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في سلة واحدة، وهذا أمر جديد· وهو جزء من الجواب: أنتم أيها الأمريكيون لم تعودوا مهمين بالنسبة لنا، فحلّو عنا"·

الجواب الروسي إنذار بحرب باردة جديدة، ويبدو هذا رد فعل مبالغاً فيه، ولكن حالة الجليد توحي بما يدعوه "بروس  جاكسون" مستهل "حرب ناعمة" ويرحب بها قائلا "حرب الأفكار ليست سيئة، إنها قوة منافسة ناعمة· إنها أمر مرغوب به"· قال "جاكسون"، وهو من لوبي المحافظين الجدد النافذين، في الموضوع الروسي، "هذا وقت صعب الآن بالنسبة للمغرمين بروسيا، والذين وضعوا بيضهم كله في هذه السلة بدأوا يعانون من متاعب سياسية وفكرية"، وطرح ملخصا لمخطط بثلاث جهات في ميدان معركة الأفكار والقيم الجديدة بين روسيا والغرب: "مؤسساتنا ضد مؤسساتهم المدرعة، الأسواق الحرة ضد احتكارات الدولة التي لديهم، ديمقراطيتنا ضد ديمقراطيتهم المسيرة" ما لا نريده هو التنافس المسلح"·

الأسباب الرئيسة في تمهيد طريق بوتين من أجل إحداث توازن قوى بالإضافة الى تصليب الرئيس بوتين المنهجي والهادىء لسيطرته خلال السنوات الخمس الماضية، تأتي من المال المستمد من الثروة المعدنية الهائلة حين بدأ، بيع النفط بأكثر من 70 دولاراً للبرميل، واحتكار شركة الدولة "غاز بروم" لتوريد ثلث حاجيات أوروبا من الغاز، واعتمادا على هذه الثروة، سدّد مقداراً كبيراً من دين روسيا الخارجي، وبنى "صندوق مال للاستقرار" بمبلغ 62 بليون دولار، وروسيا الآن تمتلك أحد أكبر الاحتياطيات المالية في العالم، فقد تخطت "غازبروم" في الآونة الأخيرة شركة النفط البريطانية (BP) بوصفها مؤسسة الطاقة المثالية الكبرى في العالم بأسعار السوق، وقام الرئيس "بوتين" بوضع حد لكل مراكز المنافسة المهمة في روسيا، مع التمتع بشعبية تصل الى - أكثر من %70·

والنتيجة، كما يتوقع المحللون، إنه لو تخلى عن الرئاسة بعد فترتين رئاسيتين في العام 2008 كما هو المتوقع، فقد يكون الرئيس "بوتين" قد ذهب، إلا أن "البوتينية" ستظل قائمة، وسيكون الانتقال سهلا، فهو من سيضع من يخلفه، كما يتنبأ "راهر" من برلين، ويضيف "سيكون "بوتين" أشبه بـ "دنغ شياوينغ" روسي، يبقى موجوداً وراء الستار، ولكن هذه القوة ومنابعها هي لها ضعفها أيضا، فثروة روسيا الجديدة تعتمد بشكل واضح على الأسواق وسعر البترول الذي يمكن أن يهبط كما ارتفع، وقوة شركة "غاز بروم" الحكومية مرتبطة بحبل سري بأوروبا التي توفر لها ثلثي دخلها، وقد قال "كريس ويفير" المخطط الاستراتيجي في بنك آلفا في موسكو "إنهم يحتاجون أوروبا مثلما هي بحاجة الى روسيا" ومع ذلك، فإن موقع روسيا الجديد جعل نفسه محسوسا في المشاكل الأكبر على الأجندة الدولية: طموحات إيران النووية هي الرقم واحد، وروسيا العائق الأكبر أمام معاقبة أمريكا والأوروبيين لطهران، ولا يبدو أن هجوم السيد "تشيني" سيغير سياسة موسكو بل على العكس، هناك كلام في واشنطن مفاده أن "تشيني" وقّت كلامه ليمحو أي فرصة لفتح حوار دبلوماسي حول إيران، فهو كأحد صقور الحكومة الأمريكية يفضل المواجهة مع إيران·

وحماس وفلسطين عصب مؤلم آخر، مع وقوف روسيا موقفا متعارضا مع الغرب في كيفية التعامل مع من يعتبرهم الغربيون "إرهابيين منتخبين" بل وهناك إيحاءات بأن روسيا ترى نفسها أكثر قدرة مع الصين على حل مشكلة أفغانستان، متهمة الناتو والولايات المتحدة الأمريكية بالإخفاق·

وفي مجال التنافس على النفوذ بين دول ما بعد الاتحاد السوفياتي المحاذية لروسيا، بدأت روسيا تستعيد الأرضية بعد التراجع في أوكرانيا وجورجيا· إنها تؤكد السيطرة على غاز آسيا الوسطى بوساطة تقاسم الصفقات مع النظم الدكتاتورية في تركمنستان وأوزبكستان، بينما تفرض حظراً تجاريا على الجيران الموالين للغرب مثل مولدافيا وجورجيا التي تقول إن حظر روسيا استيراد الخمر والوقف القصير لامدادات الغاز كان انتقاما من روابطها الوثيقة بالغرب·

على المدى الطويل كما يقول "راهر"، يمكن أن تقود روسيا "أوبك غاز" جديدة، أي احتكاراً أوروبيا، آسيويا يسيطر على آسيا الوسطى تدعمه الصين، فالغاز كما يقول سيكون أكثرأهمية من النفط في المستقبل"·

الجارديان - 13 مايو 2006

طباعة  

آني كنفاني ابنة النجار "الإرهابي" الذي قاتل النازيين:
حين عرفت أن العالم دفن الفلسطينيين جسدياً ونفسياً.. في المخيمات

 
أقوى منظمة أساتذة بريطانية تبحث
مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية