رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 31 مايو 2006
العدد 1730

الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين "أبارثايد" في كل شيء ما عدا الاسم(2)

                                                    

 

·         عرب 48 يشكلون 20 في المئة من السكانلكن 5% فقط يعملون في الدوائر الرسمية

·         40% من أراضي القدس أعلنت محميات طبيعة كحيلة للاستيلاء عليها ثم أعلنت مناطق تطوير ووزعت على اليهود

·        إسرائيل تنظر الى فلسطينيي 48 على أنهم "الأعداء الذين يعيشون بين ظهرانينا"

·        مستشار رئيس بلدية القدس: نصادر الأراضي أولا ثم نصدر القوانين بذلك

·        حاييم رامون: الجدار الفاصل ساعدنا في جعل القدس أكثر يهودية

·        أرقام ورموز على الهوية تميّز اليهودي عن العربي في إسرائيل

 

بقلم: كريس ماكغريل

(صحيفة الغارديان)

لقد تملك الإسرائيليون الرعب على الدوام من فكرة المقارنة بين دولتهم والتي هي ديمقراطية نشأت من رماد الإبادة الجماعية، وبين النظام العنصري الذي كان قائما في جنوب أفريقيا· ولكن هناك اتهامات حتى من داخل إسرائيل، بأن شبكة السيطرة التي تؤثر في كل جوانب حياة الفلسطينيين تحمل في طياتها تشابها يثير القلق مع نظام الفصل العنصري·

فبعد عمل استمر لأربع سنوات في القدس ولعشر سنوات في جوها نسبيرغ قبل ذلك، ربما يكون مراسل "غارديان" الحائز على جوائز عدة على عمله كمراسل في الشرق الأوسط، ربما يكون كريس ماكغريل في وضع استثنائي يمكنه من تقييم هذه المقارنة القابلة للانفجار بين الدولة العبرية وجنوب أفريقيا أبان نظام الفصل العنصري·

 

قوانين الفصل

 

يقول سكوت ميلونز بروفيسور التخطيط الحضري في جامعة كاليفورنيا الذي درس المدن المقسمة في مختلف أنحاء العالم بما فيها بلفاست وبرلين ونيقوسيا وموستار، إن "التخطيط وسياسة المدن والتي تنظر إليها إدارات المدن الطبيعية كأداة قوية استخدمت كأداة حزبية قوية للإخضاع والسيطرة على السود في جوهانسبيرغ ولا تزال تستخدم لهذا الغرض ضد الفلسطينيين في القدس· في جنوب إفريقيا كان هناك تشريع (مناطق المجموعات)، ثم كان هناك استخدام الأرض وأدوات التخطيط والترسيم التي استخدمت لتعزيز ودعم ذلك التشريع العنصري· وفي إسرائيل، هم يستخدمون مجموعة كاملة من الأدوات المشابهة، ولكنهم يحاولون إظهار أن التخطيط ليس جزءا من السياسة، ولكن التخطيط في مدينة القدس تحديداً يشكل عنصراً أساسياً لمشروع السيطرة، وقد أدرك المخططون والسياسيون الإسرائيليون ذلك منذ اليوم الأول، ولكنهم عمدوا الى إخفاء الربط بين أدوات التخطيط والمشروع السياسي"·

وهناك نقطة جوهرية في قلب استراتيجية إسرائيل، وهي السياسة التي اعتمدتها منذ ثلاثة عقود لـ" الحفاظ على التوازن الديموغرافي" في القدس، ففي عام 1972، زاد عدد اليهود في القدس الغربية عن عدد الفلسطينيين، في القدس الشرقية بمعدل 3 إلى 1 ومنذ ذلك الحين، قررت إسرائيل عدم تغيير هذه المعادلة بأي شكل، لصالح الفلسطينيين·

ويقول دانيال سيدمان المحامي الإسرائيلي الذي أمضى سنوات في خوض معارك قضائية لصالح المقدسيين إن "القاعدة خلال الـ 37 عاما الماضية ظلت على الدوام الحفاظ على التوازن الديموغرافي، الأمر الذي لا يعني إجبار الفلسطينيين على الرحيل، بل يعني إضعاف وإعاقة قدرتهم على التطور من خلال تقييد تراخيص البناء إلاّ في المناطق المتطورة بالفعل ومنع تطوير المناطق الأخرى ومن خلال السيطرة على 35 في المئة من الأراضي المملوكة للفلسطينيين في منطقة ما يسمى بـ "القدس الكبرى، ومنح حوافز حكومية لليهود للبناء في تلك المناطق"·

لقد ظل القرار السياسي بالتمييز ضد الفلسطينيين دائما، سرا معروفا وإن لم تعترف به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة· وقد كشف مؤلفو كتاب عن القدس عام 1992 هذه السياسات الإسرائيلية· ويقول مؤلفو الكتاب الذين كان اثنان منهم قد عملا كمستشارين لرؤساء بلديات المدينة إن سياسة إسرائيل منذ عام 1967 سعت بلا كلل الى تحقيق أربعة أهداف: توسيع التواجد السكاني اليهودي للفلسطينيين في تلك المنطقة وتشجيع الفلسطينيين على المغادرة وحشر التجمعات السكانية الفلسطينية خلف مستوطنات يهودية·

 

أرض للعرب ومساكن لليهود

 

في عام 1992، أبلغ نائب بلدية القدس آنذاك إبراهام كاهيلا أعضاء المجلس البلدي أن "المبدأ الذي يحكم عملي وعمل رئيس البلدية هو عدم القيام بأي عملية تخطيط في الأحياء العربية، وهكذا، فنحن نشجع بناء أحياء يهودية في المناطق الخالية التي صادرتها دولة إسرائيل، ولكن طالما أن سياسة دولة إسرائيل هي عدم التدخل في طبيعة الأحياء العربية القائمة، فليس هناك من سبب يستدعي القيام بأي شكل من أشكال التخطيط فيها"·

وقد تحدت مستشار رئيس بلدية القدس الأسبق تيدي كوليك للشؤون العربية يعقوب بالمون عن القدس الشرقية عام 1972 قائلا: "نحن نستولي على الأرض أولا ثم تصدر القوانين لاحقا"·

وبعد عقدين من الزمن نقلت إحدى الصحف العبرية عن كوليك قوله لأحد أعضاء المجلس البلدي الذي احتج على التمييز ضد الفلسطينيين في منح تراخيص البناء بعد عقدين على الحدث الأول، إن المجلس البلدي يلتزم بسياسة "اتبعتها كل حكومات إسرائيل منذ عام 67" للحدّ من نمو الأحياء العربية في المدينة·

 وفي تلك الأثناء، أصبح التمييز متجذرا لدرجة أن تصريحات كوليك لم تلفت انتباه أحد، ناهيك عن انتقاد أحد·

فمن بين الـ 70 كيلو مترا مربعا التي صادرتها إسرائيل من الأراضي الفلسطينية حول القدس، خصصت أكثر من ثلثيها لبناء المساكن لليهود دون أن تبني منزلا واحدا للفلسطينيين· وقد كثفت إسرائيل من بناء المستوطنات داخل المدينة وحولها بعد عام 1967، حتى أصبح اليهود يشكلون ثلثي سكان المدينة مقابل ثلث للفلسطينيين·

ويقول سيدمان إن "المساكن كانت تبنى لليهود، لكن الأراضي كانت مصادرة من الفلسطينيين، وهذه هي الإدارة التي استخدمتها إسرائيل لتعزيز قبضتها على القدس الشرقية، وكان كل ذلك يستند الى قانون مصادرة الأراضي لأغراض عامة، لكن المتضرر من هذه السياسة كان الفلسطيني تحديدا، كما أن المستفيد منها كان اليهودي، واليهودي فقط"·

ومن الوسائل التي استخدمتها إسرائيل لمنع الفلسطينيين من البناء في القدس الشرقية، إعلان بعض المناطق المفتوحة "مناطق خضراء" يحظر البناء عليها· ويقول بولينز إن 40 في المئة من القدس الشرقية أعلنت "مناطق خضراء" ولكن لم تكن تلك سوى حيلة لنقل ملكية هذه الأراضي الى اليهود، ويضيف: إن "الحكومة تطلق على هذه الأراضي مناطق خضراء من أجل منع الفلسطينيين من بناء المنازل عليها، ومن ثم حين ترغب الحكومة في تطوير هذه الأراضي (كمناطق يهودية) تُرفع عنها هذه الصفة بقدرة قادر، وتصبح مناطق تطوير"!

وقد رفض رئيس بلدية القدس يوري لوبوليانسكي الذين كان يترأس لجنة التخطيط والترسيم في البلدية في الستينات، إجراء مقابلة مباشرة معه، لكن رد على أسئلتنا بشكل مكتوب، وورد من ضمن إجاباته المكتوبة ما نصه: "علينا الحفاظ على توازن معقول في كل أجزاء المدينة وليس في الشطر الشرقي منها فقط· ونحن نحرص على عدم البناء في المناطق الخضراء في كل أرجاء المدينة،، ونخطط للحفاظ على هذا الوضع· ونحن نعتقد أن تطوير المنتزهات والمناطق الخضراء في الجزء الشرقي من المدينة سوف يحسن نوعية حياة الناس الذين يعيشون هنا"·

لقد بني عدد من المنازل الجديدة في التسعينات في المناطق اليهودية يفوق باثني عشر ضعفاً عدد ما بُني منها في المناطق الفلسطينية· ويجازف عدد من الفلسطينيين الذين يحرمون تراخيص البناء، ببناء مساكن أو توسيع مساكنهم دون ترخيص، الأمر الذي يعرضها لخطر الهدم من قبل السلطات الإسرائيلية، وقد دافع المسؤولون الإسرائيليون ومنهم رئيس الوزراء الأسبق نتانياهو عن سياسة هدم المنازل العربية بحجة فرض أنظمة التخطيط، ولكن إسرائيل ليست الدولة الغربية الوحيدة التي تمنع تراخيص البناء على أسس عنصرية، فجنوب إفريقيا ظلت تفعل ذلك حتى  وقت قريب·

 

مصادرة الأراضي

 

القانون الإسرائيلي يفرض قيودا على أماكن سكن المواطنين من غير اليهود، ويقول سيدمان إنه "يُحظر على المسلمين والمسيحيين شراء أراض في الحي اليهودي من القدس القديمة على أساس احترام الخصوصية التاريخية لكل مجتمع وإتاحة الفرصة له للعيش في حي خاص به، ولكن ذلك لا يمنع الحكومة الإسرائيلية من القيام بنشاطات قسرية لتوطين يهود في قلب الأحياء المسلمة، فالموقف الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية هو أن ما لنا هو لنا حصرياً وما لغيرنا فهو للجميع"·

ويسمح القانون الإسرائيلي بمصادرة الأراضي والممتلكات بكميات كبيرة داخل إسرائيل أو القدس التي تعود ملكيتها لفلسطينيين يعيشون في مناطق تعرف باعتبارها "أرض العدو" بما في ذلك الضفة الغربية، يقول سيدمان إن "أي فلسطيني كان في أي مكان داخل أراضي العدو بعد عام 67، فإنه يفقد أرضه، ولكن أرض العدو هذه تشمل الضفة الغربية·· إنه وضع فريد! فكل أرض أو ممتلكات "تخلى عنها" المواطن الفلسطيني تصبح ملكاً للدولة ثم تحوّل إلى اليهود، وأي ممتلكات كانت تعود ذات يوم ليهودي، تستعاد ملكيتها لليهود ثم تقدم للمستوطنين"·

ويبدي سيدمان رفضه لمصطلح تطهير عرقي لوصف ما يحدث في فلسطين، بسبب ما ينطوي عليه هذا المصطلح تاريخيا من عمليات اغتصاب وبلطجة، "وهو ما لم يحدث هنا"· ولكن حدثت عمليات من هذا القبيل من أجل طرد الفلسطينيين والاستيلاء على الأراضي دون سكانها وتحويلها الى مناطق يهودية صافية، وأقول إن هذه المحاولات حققت نجاحاً متواضعا للأسف"·

ولكن هذا القانون لا يطبق على اليهود، فاليهودي الذي يأتي للاستيطان في الضفة الغربية لا يفقد الأرض التي يمتلكها في تل أبيب على سبيل المثال، لقد قامت حكومة شارون العام الماضي، بهدوء، بمصادرة آلاف الهكتارات من الأراضي التي يملكها الفلسطينيون داخل القدس الكبرى، دون أن تعوّض أصحابها، وذلك بعد قرار سري اتخذته الحكومة باستخدام قانون يعود عمره إلى 55 عاما بالأراضي "المهجورة" والتي تعود لمواطنين فلسطينيين حيل بينهم وبين حقولهم ومزارعهم بسبب الجدار الفاصل· وكانت الحكومات الإسرائيلية السابقة قررت تطبيق هذا القانون على القدس الشرقية، وقد وصف الفلسطينيون هذا الإجراء بأنه "سرقة أضفت عليها إسرائيل صبغة قانونية"·

ويرى سكوت بولينز أن "ما تشتركوفيه كل من جوهانسبيرغ والقدس هو الاستخدام المفرط للتخطيط من أجل تحقيق أهداف سياسية· ولكن الفارق أنه في حالة جوهانسبيرغ كان السلوك والخطاب عنصريين بشكل سافر وجزءا من لغة الفصل العنصري، ولكن، على الرغم من الفارق في الخطاب، إلاّ أن النتيجة متشابهة جدا، والمشهد الحضري الذي خلقته إسرائيل في منطقة القدس بالنسبة للفلسطينيين أشبه بتخطيط "مناطق المجموعات" بالنسبة للسود في جنوب إفريقيا"·

ففي عام 2004 صادق مجلس بلدية القدس على أول "خطة رئيسية masterplan للمدينة منذ عام  1959، وتقر الخطة ببعض المظالم والمشكلات في القدس الشرقية، ونصت على السماح ببناء المساكن في بعض المناطق الفلسطينية، وانتقدت بناء المستوطنات في الشطر الشرقي من المدينة، ولكن منتقدي هذه الخطة قالوا إنها تقوم على الهاجس الديموغرافي إياه، وتورد الخطة في أحد بنودها "الحفاظ على أغلبية يهودية واضحة في المدينة"·

ويقول العضو السابق في بلدية القدس مئير مرغليت إن العملية كانت تشوبها الكثير من النواقص منذ البداية لأن لجنة التوجيه المكونة من 31 عضوا التي وضعت الخطة لم يكن من بين أعضائها سوى فلسطيني واحد، ويضيف "إنها إحدى سمات الأنظمة الاستعمارية في كل مكان والتي تفترض أن سكان البلاد الأصليين لا يستحقون تمثيلا مناسبا ولا أن يكون في أيديهم تقرير مستقبلهم، ومن الواضح أن فريق التخطيط انطلق من الافتراض أن المدينة يهودية وبالتالي لا داعي لمعرفة رأي أي شخص غير يهودي"·

 

عنصرية رمادية

 

ويخلص مارغاليت أنه "لا يمكن للمرء سوى أن يخرج بانطباع أن وراء الوثيقة تكمن محاولة لتقييد الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين في القدس الشرقية، ففريق التخطيط - بتجربته التاريخية - يدرك أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلاّ من خلال تضييق الحيّز المكاني أمام العرب، وبالتالي دفعهم للهجرة أو العيش في محيط المدينة حيث يمكنهم هناك بناء المساكن بلا قيود"·

ويصف الإجراءات المطبقة لتحقيق ذلك، بما فيها فرض القيود على الفلسطينيين الذين يسافرون الى القدس ومنع النساء اللواتي يتزوجن من رجال يقطنون في القدس الشرقية من الانتقال للعيش معهم، بأنها ترقى الى "العنصرية الرمادية"·

ويضيف مارغاليت أن "هذه في الواقع، هي قوة "العنصرية التنظيمية"، فهي ليست وحشية وليس ظاهرة للعيان، وتتوارى خلف إجراءات طبيعية، وبالتالي، يمكن إخفاؤها وراء صياغات تهدف الى تحقيق إجماع بشأنها وكثيرا ما تستخدم لغة ليبرالية منمّقة للتعبير عنها، وهذا هو السبب وراء ولادة المصطلح الفريد في بلادنا (عنصرية رمادية)، فهي ليست عنصرية تنّم عن كراهية للآخرين، بل عنصرية "خفيفة" متجذرة في الإيديولوجية التي تضع مصلحة اليهودي قبل أي اعتبار·· وإذا غابت المساواة ولدت العنصرية، وحين يكون الناس من ضحايا التمييز هم من جنسية واحدة، فلامناص من تسمية ذلك بـ "التمييز القومي، الذي ينتمي الى فصيلة التمييز العنصري"·

وطوال سنوات الاحتلال منذ عام 67، سهّل الفلسطينيون، الأمور على الإسرائيليين من خلال رفضهم المشاركة في الانتخابات لمجلس بلدية المدينة، على أساس أن ذلك يرقى لدرجة الاعتراف بمطالب إسرائيل فرض سيادتها على كامل أرجاء القدس - ويقول رئيس البلدية يوري لوبوليانسكي إن الحفاظ على التوازن، الديموغرافي لم يعد حاسما بموجب الخطة الجديدة، لكنه بإهمال للأحياء العربية في المدينة·

ويقول إن "الوضع في القدس الشرقية ليس كما نريد وقد اتخذنا إجراءات مهمة خلال العامين الماضيين لتحسين الوضعوفصل احتياجات السكان عن القضايا السياسية، وقد تم بناء محطة باصات مركزية جديدة، إضافة الى أكبر مدرسة عربية في البلاد·

كما قمنا بتوسيع مسار قطار خفيف يجري بناؤه ليشمل الأحياء العربية، ويجري التخطيط لبناء أكبر مركز ثقافي عربي في إسرائيل، في القدس الشرقية·

وأضاف في رده المكتوب أنه "في الخطة المركزية الجديدة، صممنا منطقة واسعة في القدس الشرقية لبناء المساكن للمواطنين الفلسطينيين· وهناك أكثر من عشر خطط للبناء أطلقتها البلدية، وبدأ العمل فيها في القدس الشرقية· وليس هناك أساس للمقارنة مع جنوب إفريقيا، فنحن لا نفصل السكان على أساس عنصري، ومع ذلك فإننا نقر بحقيقة أن المناطق المختلفة تقطنها مجموعات مختلفة، ونحاول تلبية احتياجاتهم جميعا، ونحرص على الفصل بين قوانين البناء والتخطيط والاعتبارات السياسية"·

ووفقا لأحدث الأرقام السنوية الصادرة عن بلدية القدس، أصدر المجلس 1695 ترخيص بناء في المدينة خلال عام 2004 منها 116 فقط للفلسطينيين في شرق المدينة، منها 36 ترخيصا فقط لبناء مساكن جديدة، والبقية لتوسيع منازل قائمة، وفي عام 2004، تم البناء على مساحة 212789 مترا مربعا في كل أرجاء القدس، لم يكن منها في الأحياء العربية سوى 7 في المئة فقط·

وقبل عدة أشهر، وصف وزير شؤون القدس في الحكومة الإسرائيلية حاييم رامون الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل والذي تصرّ على أنه لأهداف أمنية فقط ولا أغراض سياسية له، وصفه بأن له فائدة إضافية هي جعل مدينة القدس "أكثر يهودية"·

 

قناع المساواة

 

يتمتع المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل بمساواة شكلية، إذ بإمكانهم الترشيح والانتخاب لكن إسرائيل ظلت تنظر لمن تبقى من الفلسطينيين، منذ زمن طويل، بشك وعداء، بل وحتى باعتبارهم "العدو الذي يعيش بين ظهرانينا"· وحتى عام  66، كان فلسطينيو 48 يعيشون تحت "الإدارة العسكرية" التي سمحت بالاعتقال دون محاكمة وتنفيذ عمليات حظر التجول وفرص القيود على العمل ومكان الإقامة، وكان يُحظر عليهم التنقل داخل البلاد دون تصريح·

لقد حجزت الحكومة الإسرائيلية 93 في المئة من الأرض - التي صادرتها من الفلسطينيين دون تعويض - لليهود من خلال ملكية الدولة عن طريق الصندوق القومي اليهودي وسلطة الأراضي الإسرائيلية· وفي جنوب إفريقيا الاستعمارية، ثم القائمة على الفصل العنصري، كان 87 في المئة من الأرض مخصص للبيض، وقد صنّف قانون بتسجيل السكان، المواطنين في جنوب إفريقيا وفقا لسلسلة من التعريفات العنصرية، التي تحدّد - إضافة الى أشياء أخرى - من يُسمح له بالعيش على تلك الأراضي المحجوزة·

ويخدم قانون تسجيل السكان في إسرائيل هدفاً مماثلا من خلال التمييز بين الجنسية والمواطنة· فالعرب واليهود يمكنهم أن يكونوا مواطنين، ولكن لكل منهما جنسية مختلفة، وتسجل على بطاقة الهوية (بوضوح في الماضي ولكنها أصبحت على شكل رموز وأرقام مؤخرا)· وهذا يحدّد أين يمكنهم العيش وما برامج الرفاه الحكومي التي تشملهم وكيفية التعامل معهم من قبل موظفي الدولة ورجال الشرطة·

وإذا سألت الإسرائيليين لماذا يتم التمييز بين العربي واليهودي في بطاقة، الهوية، يأتيك الجواب: "كيف يمكن أن تكون دولة يهودية إذا لم يكن بالإمكان معرفة من هو اليهودي؟"، ثم يتبع ذلك التبرير مقولة إن الجميع في إسرائيل متساوون أمام القانون، ولا ضرر من تمييز اليهودي في بطاقة الهوية· ولكن المواطنين العرب لهم تفسير آخر·

لقد تم تلقين طلاب المدارس اليهود منذ أجيال بفكرة أن لا صلة للعرب بأرض إسرائيل، وأن مصادفة ما جعلتهم يتواجدون هنا، وفي منتصف الثمانينات، عبّرت المؤسسة العسكرية عن قلقها من التعبيرات العنصرية ومشاعر الكراهية ضد العرب من داخل الجيش·

وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت في عام 1965 أن بعض الأراضي التي تقبع عليها قرى عربية منذ عقود، وربما قرون، بأنها "ليست مخصصة للسكن"· ولا تزال هذه القرى غير المعترف بها قائمة، لكنها محرومة من الخدمات الأساسية وتتعرض لعمليات هدم ومصادرة أراض، بشكل دوري·

وقد ورد في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان أن هناك "تمييزا قانونيا ومجتمعيا ضد المواطنين المسيحيين والمسلمين والدروز في إسرائيل، وأن الحكومة الإسرائيلية لا توفر المساواة للمواطنين العرب الذين يشكلون 20 في المئة من السكان في مجالات التعليم والإسكان والوظائف والخدمات الاجتماعية مقارنة باليهود"·

 

التمييز في التعليم

 

في ميزانية عام 2002، أنفقت الحكومة الإسرائيلية حوالي 14 جنيها إسترلينيا على كل شخص في التجمعات العربية مقابل 1500 جنيه لكل يهودي، وفي العام ذاته خصصت وزارة الصحة 1,6 مليون شيكل (200 ألف جنيه إسترليني للتجمعات العربية من أصل الميزانية الخاصة بتطوير الرعاية الصحية بوزارة الصحة والبالغة 277  مليون شيكل (35 مليون جنيه إسترليني)·

ولا يزيد عدد الموظفين الفلسطينيين في الإدارات الحكومية عن 55 في المئة، غالبيتهم للقيام بمهام مرتبطة بالتعامل مع الفلسطينيين ولا يعمل في كل من وزارتي الخارجية والمالية سوى بضعة أشخاص فقط من الفلسطينيين من أصل أكثر من 1700 موظف من اليهود· وحتى وقت قريب لم يكن أي فلسطيني يعمل في بنك إسرائيلي (البنك المركزي) أوسلطة الكهرباء·

ويلقي دانميريدور الوزير والمنافس السابق لشارون على رئاسة حزب الليكود، باللائمة على عوامل اجتماعية والسنوات الطويلة من الصراع - وليس النية المبيتة للتمييز ضد الفلسطيني - لتدني نسبة الموظفين الفلسطينيين في الدوائر الحكومية، ويقول ميريدور "ليست لدي أرقام، لكني أعتقد أن ذلك صحيح عموما، ولكن ذلك قد يرتبط بمستوى التعليم"·

ويضيف إن "بعض الوظائف قد يكون من الصعب وصول الفلسطينيين إليها بحكم الواقع وليس بحكم القانون، فخذ على سبيل المثال، عدد العاملين "الفلسطين" في شركة الكهرباء فسوف تجد أن نسبتهم أقل بكثير من نسبة السكان الفلسطينيين بالنسبة لبقية المواطنين، وهناك سبب تاريخي لذلك، وهو الصراع بين الجانبين ليس بالأسلحة فقط· فقد كان هناك طرفان يخوضان صراعا من أجل السيطرة والقوة بكل أبعادهما·

وقد انعكس هذا الوضع الذي وجد فيه اليهودي والعربي نفسيهما على طرفي نقيض، في شركة الكهرباء وعلى الأرض وفي سوق العمل  وفي صناعة البناء·· إلخ·

وبشكل عام، حدث تحسن في هذا الوضع، لكن مازال ينبغي عمل الكثير على هذا الصعيد، في قطاعات مختلفة على ما أظن، وهذا لا يقتصر على العمل على الأساس القانوني، فالجميع متساوون رسميا أمام القانون، بل على أساس الفرص المتاحة بالفعل"·

 

تمييز هائل

 

فالإسرائيليون من أصول فلسطينية الذين لا يجدون عملا في الدولة بسبب نقص التعليم لديهم يقولون إن هذا نتيجة سياسة حكومية، فالحكومة تقيم مدارس منفصلة للعرب واليهود بسبب اختلاف اللغة، لكن الكثير من الفلسطينيين يقولون إن ذلك يشكل غطاء للتمييز المنظم ضد أطفالهم··

وقد كانت أنظمة التعليم المنفصلة وغير المتكافئة جزءا مركزيا من استراتيجية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، من أجل حصر حياة الأطفال السود في المناجم والمصانع والحقول·

والفوارق بين نظامي التعليم في جنوب إفريقيا السابقة وإسرائيل ليست كبيرة، ولا تكشف وزارة التعليم في إسرائيل عن ميزانيتها· لكن تقريرا حكوميا أورد قبل أربعة عشر عاما أن كل طالب يهودي كان ينفق عليه ضعفي ما كان ينفق على الطالب الفلسطيني داخل إسرائيل·

وورد في تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش قبل عامين أن الوضع لم يتغير كثيرا وأن هناك "تمييزا هائلا بين اليهود والفلسطينيين في الإنفاق على التعليم" وأن "التمييز ضد الأطفال الفلسطينيين يتم في كل جوانب النظام التعليمي"، ففي عام 2004 هدّد بعض الأولياء  الغاضبين للطلبة الفلسطينيين في حيفا بتسجيل أبنائهم في مدارس عبرية، مما حدا بالسلطات الى التحرك لتحسين أوضاع المدارس العربية·

أما مدى الشكوك التي تنظر بها السلطات الإسرائيلية لمواطنيها من الفلسطينيين، فقد كشف عنها تقرير مؤخرا يفيد بأن جهاز الأمن الداخلي "شين بيت" كان يزرع مدرسين يهود في المدارس العربية لمراقبة أنشطة المدرسين الآخرين - كما أن مسؤولا في "شين بيت" هو عضو في لجنة اختيار المدرسين·

وقد رفض مسؤولو وزارة التعليم الإسرائيلية المطالب المتكررة ولا جراء مقابلات معهم، وحين تحدثنا على انفراد مع شخصية سياسية بارزة كانت تشغل منصبا رفيقا في وزارة التعليم أقرت هذه الشخصية بوجود التمييز (ضد الفلسطينيين) لكنها رفضت إجراء مقابلة أو الكشف عن هويتها، وأن أبدت انتقادها لتلك السياسة·

وردت الحكومة على طلب إجراء مقابلة للرد على المزاعم المتكررة بوجود تمييز في الوظائف خاصة في وزارتي التعليم والإسكان، على لسان مدير عام وزارة الخارجية جيدعون مئير الذي أقر بأنه كان هناك تمييز بحكم الأمر الواقع وله جذور تمتد الى تاريخ من الصراع والشكوك بين الجانبين وليس بهدف الإخضاع·

وقال مئير إنه لم يكن هناك نية لتكريس التمييز فقط، لأننا لو أردنا خلق نظام للفصل العنصري لكان بإمكاننا أن نفعل ذلك، ولكن الحقيقة أننا لم نفعل ولم نفكر فيه· صحيح أنه خلال سنوات معينة، كانت تخفض الميزانيات المخصصة للعرب، وكان هناك أيضا سنوات بعد عام 48 حين كان العرب يخضعون للحكم العسكري، ولكنهم أخذوا يستعيدون وضعهم الطبيعي شيئا فشيئا، وأصبح بوسعهم تولي الوظائف الحكومية، ولم تفتح وزارة الخارجية أبوابها للمواطنين العرب سوى عام 1989ت، فقد استغرق الأمر سنوات طويلة لبناء الثقة"·

وأضاف أن "الحقيقة أيضا أن هناك أعضاء في الكنيست من الفلسطينيين، حتى من بين أولئك الذين يحاولون التشكيك بشرعية دولة إسرائيل، ولكن إذا سألتني: هل هذا كاف؟ أقول لك: لا· وهل بوسعنا أن نفعل المزيد؟ نعم، وإذا سألت الكثير من الفلسطينين هنا إذا كانوا يرغبون في أن يصبحوا جزءا من الدولة الفلسطينية، فسوف يقولون لك: لا، وبأنهم يفضلون البقاء هنا، والسؤال الذي يطرح نفسه حينئذ، لماذا يفضلون البقاء معنا؟"·

يتبع

طباعة