رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 3 يوليو 2006
العدد 1735

يجعل من الطوابع والعملات القديمة وسيلة لدراسة تاريخ الكويت
العبد المغني: الحضارة اليونانية في فيلكا تمتد لأكثر من ألفي عام

              

 

كتب -آدم يوسف:

يعتبر الباحث والمؤرخ د· عادل محمد العبدالمغني واحدا من القلة الذين عرفوا قيمة التراث الكويتي وأدركوا أهميته منذ نعومة أظفارهم، حيث أنشأ لنفسه متحفا خاصا به وهو في السابعة من عمره، ومنذ ذلك اليوم بدأ يتشرب التراث بحثا وتنقيبا وكتابة، حتى أصدر أكثر من ثمانية عشر مؤلفا في التراث الشعبي والتاريخ والشخصيات والعملات والطوابع، وقد كان لزحف الحياة المدنية ونموها المتسارع، الأثر الأعمق في نفس الباحث العبد المغني، وكأنما أدرك أن سرعة تحوّل حياة أهل الكويت بعد استخراج النفط لابدّ وأن يقابلها وقفة تأمل عميقة مع ماضي الآباء الذين وضعوا الركيزة الأولى للدولة الحديثة بالتجارة والغوص واستخراج اللؤلؤ، وهو تاريخ طويل من الصبر والكفاح لا يمكن تجاهله أو نسيانه·

 

·    القديم والحديث جدلية أزلية فماذا تستذكر من حياة الكويت القديمة؟

- ولدت في مدينة الكويت القديمة عام 1952 م وكما تعلم فإن فترة الخمسينات تختلف عن الوضع الحالي وهناك مثل كويتي يقول: "من شاهد الكويت في الخمسينات كأنه شاهدها قبل 250 سنة" وذلك بسبب الاختلاف الكبير والجذري عن الوقت الحاضر كانت البيوت مبنية من الطين والأحياء شعبية وكانت الكويت تنقسم الى ثلاثة أحياء رئيسة: حي القبلة، حي الشرق، وحي المرقاب، وكان يحيط بمدينة الكويت سور يسمى سور الكويت وكنت أنا من سكان حي القبلة، "فريج الساير" وترعرت في البيت الكويتي القديم المبني من الطين بكل بساطته وحميميته كما أن الأسواق في القديم لم تكن مثل الوقت الحالي، فقد كان هناك ما يقارب خمسين سوقاً تجارية وكل سوق يتخصص في سلعة معينة مثل: سوق السلاح، سوق الشعير، سوق الحلوى·· إلخ وهذا ما يختلف كليا عن الوضع الحالي للمجمعات التجارية وعلى أية حال فقد كانت الكويت مدينة زاهرة·

وكان هناك الميناء التجاري الذي يسمى "الفرحنة" ومعناها الثقل التجاري، وكان هو الميناء الوحيد في الكويت، ومع ذلك فإن الحياة التجارية كانت رائجة آنذاك حيث السفن الخشبية لأهل الكويت تجوب موانئ الخليج وتبحر الى الهند والبصرة ودول شرق إفريقيا محملة بالبضائع والتمور والأخشاب·

 

الحد الفاصل

 

·    ومتى كان الحد الفاصل بين حياة أهل الكويت قديماً وحديثاً "أقصد الفترة الزمنية"؟

- نستطيع أن نقول: إن فترة أواخر الخمسينات في هذه الفترة نزح الكويتيون من مدينتهم القديمة وحلت مكانها العمارات والشوارع الحديثة وحين نزح الكويتيون إلى خارج السور سكنوا بطبيعة الحال في بيوت افرنجية حديثة تختلف جذريا عن بيوت الطين التي كانت داخل السور وكان من أوائل الأحياء التي أسست خارج السور منطقة الشويخ "ب" وكذلك منطقة الدسمة "و" ومنطقة كيفان وكان يطلق عليها منطقة "م" وكنا نحن سكان منطقة الشويخ "ب"·

 

·     وهل أثر هذا الانتقال على نظرتك وفهمك للتراث؟

- بكل تأكيد أنت تعلم أن الأدوات التي استخدمت في البيت الحديث تختلف اختلافا حذريا عن الأدوات المستخدمة في البيت القديم وكانت عائلتي حين انتقلنا الى البيت الجديد تريد أن تتخلص من الأدوات القديمة ومن هنا نبعت لدي فكرة الاهتمام بالتراث حيث لم أوافق مطلقا على فكرة التخلص من الأدوات القديمة ففي عام 1959 أخذت جميع الأدوات التي كنا نستخدمها في بيتنا القديم ومنها كانت أدوات شخصية كان يستخدمها والدي ويجلبها من أسفاره الى الهند وشرق إفريقيا وهي أدوات  وتحف من ضمن الاحتياجات اليومية في ذلك التاريخ ولكنها اليوم أدوات فلكلورية تراثية  وعلى أية حال فقد جمعت هذه الأدوات جمعيها في إحدى غرف البيت ورتبتها ودونت عليها أسماءها ثم ألصقت ورقة على باب الحجرة وكتبت   عليها "المتحف" ووقتها لم يكن عمري يتجاوز سبعة أعوام، وكثير من الناس  يتعجب من مسألة الوعي المبكر لدي بفكرة المتحف ولكن هذا هو الواقع·

 

طوابع البريد

 

·    معروف أنك من أوائل الذين قاموا بجمع طوابع البريد في الكويت، كيف ولدت لديك هذه الفكرة؟ وما الأسباب؟

- في أوائل الستينات من القرن المنصرم نشأت لدي فكرة جمع الطوابع والفكرة ناشئة بشكل  طبيعي وحسب تدرجي في الاهتمام بالتراث وكنت أجمع كل ما هب ودب ولكن في منتصف الستينات ركزت على الطوابع الكويتية والعملة الكويتية وذلك لأن دول العالم كثيرة ومهما حاولت أن أجمع من الطوابع والعملات فلن أستطيع أن أفي ضالتي  ومن هنا كان اهتمامي بالطوابع والعملات المحلية واستغرقت فترة جمع الطوابع والعملات المحلية ما يقارب عشرين عاما وفي الحقيقة وجدت في هذه الطوابع والعملات تاريخا زاخراً لا يمكن تجاهله أو نسيانه وقد اضطر أحيانا للسفر الى الخارج لشراء الطوابع والعملات من المعارض والمزادات التجارية التي كانت تقام وكنت أراسل تجار العملات وطوابع البريد حتى استطعت استمكال المجموعة التي كنت أسعى إليها ولله الحمد فقد استطعت أن أحوي جميع الطوابع التي تم تداولها في الكويت وكذلك العملات حيث قمت بأرشفتها ووضع تواريخ محددة عليها·

 

·     أليست تشكل هذه الكمية التي ذكرتها نواة  لافتتاح معارض شخصية؟

- أجل فقد كانت المرحلة التالية هي إقامة المعارض الشخصية حيث أقمت أكثر من معرض داخل الكويت وخارجها عن العملة الكويتية وطوابع البريد·

وكان من المعارض الهامة التي أقمتها في الخارج معرض جامعة الاسكندرية حيث كنت طالبا هناك وأقمت معرض التراث الكويتي وكان عبارة عن لوحات مفصلة كل لوحة تحكي موضوعا معينا فلوحة مثلا عن صناعة السفن في الكويت، ولوحة عن العادات والتقاليد لأهل الكويت وكذلك قمنا بعرض الأدوات الشعبية التي كنا نستخدمها وقد لاقى إقبالاً شديدا لأن الحرم الجامعي كان يضم أكثر من "40" ألف طالب بمختلف فروع  الكليات التي كانت موجودة·

 

العملات الكويتية

 

·    وفيما يتعلق بجمعك للطوابع هل هي مجرد هواية أم وسيلة لاستكشاف التاريخ؟

- مما لا شك فيه أن كل عملية تحمل تاريخ البلد الذي تنتمي إليه وتعكس بالضرورة أحداث فترة زمنية محددة ومن المثير للدهشة أنني وجدت في العملات الكويتية القديمة ما يمتد عمرها لأكثر من ألفين وثلاثمئة سنة، وهي شاهد قوي يدحض ادعاءات من يزعم أن الكويت عمرها ليس أكثر من مئتين أو ثلاثمئة سنة، والعملات القديمة التي تم اكتشافها تمتد لحضارة الإغريق فقبل ألفين وثلاثمئة سنة أي في القرن الثالث قبل الميلاد كان هناك الاسكندر الأكبر هو لم يحضر إلى منقطتنا شخصيا وإنما بعث قائد حملته "سلوقس" الذي جاء بعشر سفن مجهزة بالعتاد والرجال والنساء  والأسلحة لفتح كثير من  الدول، ومن ضمنها كانت سفن موجهة الى بلاد الرافدين عبر الخليج ولكن ما حصل أن إحدى السفن تحطمت بالقرب من جزيرة "فيلكا"  فنزل القائد اليوناني "سلوقس" فيها ووصفها في إحدى كتاباته حيث قال: هي تشبه الجزر اليونانية بشطآنها الزرقاء ومياهها الوفيرة وكذلك الزراعة والاخضرار فيها·

وما حصل بعد ذلك أن "سلوقس" نصب نفسه حاكما في فيلكا ولم يستكمل باقي رحلته الى بلاد الرافدين ومن هنا ظهرت الحضارة اليونانية في "فيلكا" ومن مظاهر هذه الحضارة العملات وقد تتعجب عندما أقول لك بأنه لدي بعض العملات التي تحمل رأس الاسكندر الأكبر وقد كان كثير من الأهالي في فترة الأربعينات في الكويت يحصلون على هذه العملات من خلال حفر الآبار أو أعمال البناء في منازلهم ولم يكونوا يعيرون اهتماما لها، حيث إن كثيراً من عملات الفضة والذهب تم صهرها للاستفادة من قيمتها، من أندر العملات التي حصلنا عليها في ذلك الوقت ما يحمل رأس الاسكندر الأكبر والقائد "سلوقس" وكذلك العملة المسماة "طويلة الحسا" وهي عملة تم تداولها في بداية استقرار آل الصباح في الكويت وهي تشبه في شكلها شكل المشبك الذي تضعه النساء في الرأس ومنها ثلاث قطع ذهبية وفضية ونحاس ولها معادلة خاصة في الحساب يعرفها أهل الكويت قديما·

 

مجلة الحائط

 

·     بالإضافة الى اهتمامك بجمع الأدوات التراثية ألم تتولّد لديك فكرة الكتابة؟

- خلال فترة دراستي للمراحل الأولية في الكويت كانت لدي عدة نشاطات منها (مجلة الحائط) وهي شاهد كبير على حبي للكتابة منذ نعومة أظفاري، وأول مجلة أعددتها عام 1964م وأطلقت عليها (مجلة الطالب)·

وأذكر أنني حينها كتبت بيتين من الشعر تمجيدا للمجلة واحتفاء بها، ولم أكن وقتها أعرف الميزان الشعري، ولا ضوابط كتابة القصيدة·

 

·    وهل كانت لديك اهتمامات أخرى في فترة الصبا، غير الكتابة وجمع التحف؟

- كنت أهتم أيضا بالرياضة، وكنت أشترك في سباقات الجري، وأحصل على مستويات متقدمة، بالنسبة لمدارس الكويت المتوسطة بالإضافة الى اهتمامي بالكشافة وحبي لها، وكانت الكويت من أوائل الدول العربية التي ظهرت بها الحركة الكشفية، حيث أسهمت الكشافة بها سنة 1937م، وكانت للكشافة اهتمامات متنوعة منها، استقبال الضيوف القادمين من الخارج، وكذلك تنظيم حركة المرور، وعلى أية حال فإنها تعود الناشئة على القوة والاحتمال·

 

جامعة الإسكندرية

 

·     وماذا عن دراستك الجامعية والأنشطة التي كنت تزاولها؟

- في عام 1971 - 1972 التحقت بالدراسة في جامعة الإسكندرية، وكانت لنا هناك عدة نشاطات، حيث التحقت بالاتحاد الوطني لطلبة الكويت، وانخرطنا بالأنشطة الثقافية والاجتماعية التي كان يقيمها الاتحاد، وكنا قد أقمنا إذاعة في الإسكندرية لبث النشاطات الطلابية والرحلات وكان وقتها عدد الطلبة الذين يدرسون في جامعة الإسكندرية (250) طالبا، ومن هنا نشأت لدي فكرة إقامة معرض للتراث الكويتي الذي ذكرناه سابقا·

 

·    وكيف كانت حياتك العملية، بعد إنهاء دراستك في جامعة الإسكندرية؟

- بعد عودتي الى الكويت سنة 1976م التحقت فورا بوزارة الخارجية، حيث عملت في بداية الأمر بوظيفة ملحق دبلوماسي، وكانت وزارات الدولة بحاجة الى أصحاب المؤهلات العلمية، وكانت تستقطب جميع الفئات والشرائح·

وبالمناسبة فإن مجلس التعاون الخليجي لم يكن قد أنشىء في وقتها، وقد طلب مني أنا ومن الأخ الفاضل عيسى ماجد الشاهين - بحكم موقعنا الوظيفي - بتأسيس قسم أو نواة للتعاون الخليجي، ولم يكن مجلس التعاون الخليجي بصورته الحالية بل كانت هناك مجموعة لجان، وهي في عمومها لجان تؤدي الى اجتماعات ثنائية، مثل: اللجنة الكويتية السعودية، اللجنة القطرية الكويتية، اللجنة الكويتية الاتحادية، فلاحظنا أن هذه اللجان الثنائية لا تعكس الوحدة الخليجية بالصورة التي يطمح إليها الجميع، مما حدا بالمسؤولين أن يفكروا بإقامة كيان خليجي أكثر وحدة وترابطا، ومن هنا كان تكليفنا بوضع تصور متكامل، فاستقطبنا الخبراء من داخل دول الخليج وخارجها، باختصاصات مختلفة اقتصادية وقانونية، وتربوية، لوضع النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، ففكرة مجلس التعاون هي في أساسها كويتية خالصة، وبعدها بسنتين تقريبا تم التوقيع على اتفاقية مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي بتاريخ 25/5/ 1981م، وتم التوقيع في أبو ظبي لأن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله - كان أكبر الأعضاء سنا وعليه أنشىء مجلس التعاون، وبدأت مسيرة العمل الخليجي المشترك·

 

 * *

       

من مؤلفاته:

 

(الاقتصاد الكويتي القديم) عام  1977(ط1) عام 1987 (ط 2)·

(صور من الماضي)  1987·

(من التراث الشعبي الكويتي) 1988·

(صيد الطيور قديما في الكويت) عام  1988·

(تاريخ العملة في الكويت) 1992·

(الأدوات الشعبية الكويتية) 1993·

(لمحات من تاريخ طوابع البريد في الكويت) 1993·

(العملة الكويتية عبر العصور)  1995·

(لقاء مع الماضي) 1999·

(نواخذة الغوص والسفر في الكويت) عام 1999 ·

(شخصيات كويتية) 1999·

(لمحات من ماضي التعليم والرياضة والكشافة في الكويت)  2001·

(سور الديرة) خمسة أجزاء 2001 ·

طباعة  

إصدارات
 
مدار (بن لكن) مقالات في نقد الذات
 
شعر
 
مؤسسة الفكر العربي تنظم الملتقى الدولي الثاني للترجمة