رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 3 يوليو 2006
العدد 1735

القوات الأمريكية استغلت الزرقاوي غطاء لجرائمها في العراق

بقلم - لاري شين:

الإعلان عن مقتل أبي مصعب الزرقاوي رجل القاعدة الغامض في العراق ينهي عملية الحرب النفسية لوزارة الدفاع الأمريكية التي كشفت عنها وثائق عسكرية تسربت عن الأمريكيين إذ يجري الترويج لمقتل الزرقاوي على أنه يمثل "نقطة تحول" في حرب العراق ولكنه ليس كذلك على الإطلاق إنها مجرد كذبة أخرى تضاف إلى سلسلة الأذكايب التي تشكل الحرب على الإرهاب·

فالحقيقة الثابتة التي يتم تجاهلها عمداً هي أن الحكومة الأمريكية ووكالات الاستخبارات التابعة لها هي التي خلقت "الإرهاب" الإسلامي فالولايات المتحدة وحلفاؤها يواصلون توجيه الخلايا  الإرهابية وملء الإعلام العالمي بالدعاية الإرهابية·

الكاتب مايكل شوسو دوفسكي يرى في كتابه الذي بعنوان: "الحرب الأمريكية على الإرهاب نظرة استشراقية" أن استمرار حرب الهيمنة بقيادة الولايات المتحدة يعتمد على مجموعة من التضليلات التي يمثل الزرقاوي إحداها·

يقول شوسودوفسكي إن أحد الأهداف الرئيسة لدعاية الحرب هو فبركة عدو فمع تنامي المشاعر المناهضة للحرب ومع تداعي الشرعية السياسية لإدارة بوش، فلابد من تبديد الشكوك حول وجود هذا العدو الأجنبي القادر على المراوغة والدعاية ليست تهدف فقط للتعمية عن الحقيقية بل أيضا القضاء على الدليل لكيفية فبركة العدو الأجنبي وتحديدا تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن وتحويله إلى العدو رقم واحد·

وبمقتل الزرقاوي يكون جزء من هذا الدليل قد قضي عليه بالفعل·

 

أسطورة الزرقاوي

 

فالزرقاوي رجل بوش في العراق لا يشكل رصيدا للاستخبارات الأنجلو- ساكسونية يجري التلاعب به فحسب بل عملية سيكولوجية من عمليات البنتاغون الخرقاء فأسطورة "العقل المدبر الغامض للإرهاب والمسؤول عن كل حدث من أحداث العنف في العراق وخارجه كان يروج لها بأشكال مختلفة على مدى السنوات الماضية، ففي تحول غريب مؤخراً "وربما لتمهيد الطريق لنهاية الزرقاوي" صور الإعلام الأمريكي الزرقاوي "العقل العظيم المدبر للإرهاب" بأنه يفتقر إلى الكفاءة بل تمت السخرية منه لعدم معرفته في الإمساك ببندقية أوتوماتيكية بالشكل الصحيح "الأمر الذي قاد إلى التساؤل حول كفاءة أجهزة الدعاية الأمريكية ذاتها" لقد أعلن عن مقتل الزرقاوي أكثر من مرة وها هو يقتل الآن ولكن ربما أكثر من أي وقت مضى!

ويتضمن تحليل شوسودوفسكي بعنوان "من هو أبو مصعب الزرقاوي؟!" الذي تم تحديثه ليشمل حادثة مقتله سرداً تاريخيا كاملا عن عملية الزرقاوي منذ البداية ويكشف الكاتب عن مقالة نشرت مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست قدمت تفاصيل حول وثائق عسكرية أمريكية تم تسريبها والتي تؤكد وجود برنامج الزرقاوي للحرب النفسية في البنتاغون وقد انشىء هذا البرنامج من أجل خلق أسطورة الزرقاوي وتزويد الإعلام بمعلومات مغلوطة·

وتورد إحدى المذكرات العسكرية الأمريكية  التي يعود تاريخها إلى 2004 أن حملة الزرقاوي نوقشت في العديد من الوثائق العسكرية الداخلية وأن الهدف كان إضفاء صبغة شيطانية على الزرقاوي واستغلال مشاعر المخاوف من الأجانب واعتمد ثلاثة وسائل من أجل ذلك هي "الحملات الإعلامية والعمليات الخاصة، وتحديدا قوة المهمات الخاصة 262 وهي وحدة النخبة الأمريكية الموكل إليها ضبط كبار مسؤولي نظام صدام، والحرب النفسية، أو العمل الدعائي"·

وأما المسؤول عن الحرب النفسية في البنتاغون فهو الجنرال مارك كيميث الذي يتولى الآن وظيفة كبير المخططين العسكريين في القيادة المركزية للقوات المشتركة الأمريكية وهي الإدارة المسؤولة عن توجيه العمليات في العراق والشرق الأوسط وقد شن البنتاغون حملة لتعريف الجمهور من هو الزرقاوي وقد استهدفت الحملة الشعب العراقي بالدرجة الأولى ثم المجتمع الدولي·

وكان من بين أهداف الحملة دق إسفين بين أفراد التمرد من خلال التركيز على الأعمال الإرهابية للزرقاوي وكونه غير عراقي كما يقول ضباط أمريكيون وثيقو الصلة بهذا البرنامج وبفضل حملة اتصالات استراتيجية مكثفة أصبح أبو مصعب الزرقاوي يمثل الإرهاب في العراق والمقاتلين الأجانب في العراق ومعاناة الشعب العراقي من خلال تسليط الضوء على عملياته ضد البنية التحتية وتجاهله لتطلعات الشعب العراقي·

 

تحويل المسار

 

والآن تحاول إدارة بوش استثمار مقتل الزرقاوي إلى أبعد مستوى حيث عادت للترويج إلى صورة القائد القوي للرئيس بوش وتحويل الأنظار عن فضائح الإدارة واستمرار الخسائر التي تمنى بها في العراق وأفغانستان وتسعى الإدارة في هذا الوقت وقد اقتربت الانتخابات النصفية للكونغرس "في شهر نوفمبر المقبل" إلى تحسين شعبية الرئيس التي وصلت إلى أدنى مستوى وإسكات المعارضة السياسية وذلك بمساعدة الإعلام الذي تسيطر عليه الشركات الكبرى وكذلك الإعلام البديل، وتوصل محطات الإذاعة والتلفزة إظهار أركان البيت الأبيض وهم يتبادلون ويتباهون بالقدرة على اصطياد هذا الطريد الأصولي والتقاط الصور أمام جثته· ويورد شوسودوفسكي أن الحملة مستمرة حيث أعلنت إدارة بوش بالفعل أن العراق دخل مرحلة ما بعد الزرقاوي الأمر الذي يعني أنه بموت الزرقاوي فإن التمرد على وشك أن يهزم وأن أمام الحكومة العراقية الجديدة فرصة "لتحويل المسار" كما قال بوش أثناء زيارته للعراق وأضاف إن "ايديولوجية الإرهاب فقدت أحد أبرز زعمائها وأكثرهم عدوانية"· لقد جاء مقتل الزرقاوي في وقت بلغت فيه شعبية الرئيس بوش أدنى مستوى لها منذ توليه السلطة كما تفيد استطلاعات الرأي وكان الرئيس قد ركز في مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض قبل أيام على دور الزرقاوي كـ "قائد" للحركة الإرهابية في العراق وبأنه قاد حملة من الاغتيالات والسيارات المفخخة والهجمات الانتحارية التي أودت بحياة العديد من الجنود الأمريكيين والآلاف من العراقيين الأبرياء وقد وصفه أسامة بن لادن بـ "أمير القاعدة في العراق" ودعا الإرهابيين في كل أنحاء العام أن يدينوا له بالطاعة· والآن لقي الزرقاوي مصيره المحتوم ولم يعد بوسع هذا الرجل العنيف أن يقتل بعد اليوم، أي أن الولايات المتحدة لها اليد الطولى في العراق من الآن فصاعداً فقد قال الرئيس بوش إن مقتل الزرقاوي يمثل ضربة قوية لتنظيم القاعدة إنه انتصار في الحرب العالمية على الإرهاب كما إنه فرصة للعراقيين لتحويل مسار الأحداث في هذا الصراع·

 

حرب نفسية

 

والأهم من ذلك أن موت الزرقاوي شكل غطاء مناسبا لجرائم الحرب التي ترتكبها قوات التحالف في العراق فالتغطيات الإخبارية تشير إلى أن الزرقاوي وليس قوات التحالف هو المسؤول عن عدد لا حصر له من الجرائم وعمليات القتل ضد المدنيين فقد ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قوله "أظن أن أحدا على كوكبنا لم يرتكب قتل هذا العدد الكبير من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال كما فعل الزرقاوي"· ولكن في الواقع أن بوش وتشيني ورامسفيلد ورايس وغيرهم من القتلة في الإدارة الأمريكية على أيديهم دماء أكثر من أية إدارة أمريكية أخرى عبر التاريخ، إنهم يعلمون ذلك وذلك يستهويهم·

لقد نجحت إدارة بوش بشكل منقطع النظير في شيء واحد هو أن تجعل من الديمقراطيين في الكونغرس والمثقفين مجموعة من العاجزين الجائفين المراوغين الذين يقدمون التهاني لإدارة بوش على "النجاحات التي تحرزها ويرددون أكاذيب الإدارة ذاتها·

فما زال هؤلاء وقطاع كبير من الشعب الأمريكي أسرى الحملة الإعلامية التي انطلقت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ويرفضون في كل مرة يعزف فيها بوش أو رايس أو رامسفيلد أو نيويورك تايمز أو فوكس نيوز، معزوفتهم المعروفة حول الحرب على الإرهاب ولكن هذه الحيلة فقدت قوتها الآن وتجمع معظم تقارير الأنباء أن شعبية بوش كما شعبية حربه قد وصلت إلى الحضيض ولن ترتفع ثانية·

ولم يعد بوسع أية حرب نفسية إخفاء حقيقة أن إدارة بوش "ومشروع" المحافظين الجدد قد فشلا فشلاً كارثيا فقد فشلا في القيام بالمهمة التي وصلا إلى السلطة من أجل القيام بها فقد فشلا في فرض السيطرة على آسيا الوسطى والشرق الأوسط وفشلا في ضمان السيطرة على النفط رخيص الثمن وفشلا في كسب ميزة جيوسياسية على خصوم الولايات المتحدة من الدول الكبرى الأخرى وفي الواقع فإن إدارة بوش- تشيني قضت على آخر ما تبقى من أحلام للنظام العالمي الجديد في العالم·

وربما تمثل عملية "تضخيم" دور الزرقاوي بداية الفصل الأخير في أسطورة حرب بوش على الإرهاب في وقت تواجه فيه الإدارة مصيرها، ومن أجل إنقاذ ماء الوجه يدرك بوش المريض عقليا والمجرمون الذين يحيطون به أنه يجب عليهم التحرك الآن من أجل خلق وهم الانتصار حتى بالرغم من أن أفعالهم العنيفة والإجرامية أشعلت الحرائق في النظام العالمي الجديد، وفي العالم بأسره·

online journal

طباعة  

غياب الزرقاوي وآفاق الاستقرار في العراق
لماذا أجهض البيت الأبيض ثلاث خطط سابقة لتصفية الزرقاوي؟

 
مقتل الزرقاوي قد يؤدي الى انشقاق التمرد أو تركيز الهجمات ضد أهداف عسكرية
لماذا يؤكد تنظيم القاعدة أن قائده الجديد في العراق عراقي وتصرّ الولايات المتحدة على أنه مصري؟!