رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 يوليو 2006
العدد 1737

كلمة أمام الدورة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان
لأول مرة تفرض عقوبات على شعب تحت الاحتلال

                                                                      

 

جون دوجار:

قال "جون دوجار" مقرر اللجنة الخاصة بوضعية حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة أن إسرائيل تنتهك عددا لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة وترفض الاستجابة لرأي محكمة العدل الدولية الصادر في العام 2004، ولم تتخذ اللجنة الرباعية أي إجراء ضد إسرائيل، وفشلت حتى في تذكير إسرائيل بأدب بالتزاماتها التي يفرضها قرار محكمة العدل·

في ما يلي نص كلمته في اجتماع الدورة الخاصة بحقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى التي عقدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في 7 يوليو 2006·

في مستهل كلمتي أود أن أوضح أنني أتعاطف كليا مع الجندي العريف جلعاد شالت، ومع كل الجنود الإسرائيليين الشبان المجبرين على الخدمة في جيش قوة احتلال، وآمل أن يعامل معاملة حسنة كأسير حرب ويطلق سراحه بصحة جيدة· وآمل أيضا أن يعامل السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية معاملة حسنة كذلك، وأن يطلق سراحهم بصحة جيدة·

لقد زرت المناطق الفلسطينية المحتلة في منتصف شهر حزيران قبل وقت قصير من حدوث الأزمة الحالية، ولكن في ذلك الوقت أيضا كان وضع حقوق الإنسان مرعبا، فقد حرم إنشاء الجدار في الضفة الغربية الفلسطينية من أرضهم وسبل معيشتهم، وفصل بين أفراد العائلات، وخلق فئة جديدة من الناس المعتقلين في الداخل· وتزايد عدد الحواجز الى ما فوق 500 حاجز، وهذه الحواجز تدمر الاقتصاد وتذل الشعب الفلسطيني من دون أن تخدم أية حاجة أمنية واضحة، وتمدّ إسرائيل سيطرتها على وادي الأردن وتوسع مستوطناتها في كل أنحاء الضفة الغربية·

وكانت غزة تحت السيطرة الخانقة، وسجينة بالنتيجة، قبل اعتقال العريف شالت، وتؤدي نيران المدفعية واختراق حاجز الصوت والاغتيالات المقصودة باستمرار الى موت المدنيين الأبرياء، وتوفر برهانا، على سيطرة إسرائيل على أجواء غزة، ومن البحر، تقوم الزوارق الحربية الإسرائيلية بقصف غزة بلا تمييز، وتغلق الحدود مع الخارج بشكل متواتر، بكل ما ينتج عن  الإغلاق من تبعات كارثية على الإمدادات الغذائية والطبية·

وقد تم إفقار وتجويع غزة والضفة الغربية على حد سواء نتيجة لاحتجاز إسرائل غير القانوني لواردات الضرائب الفلسطينية، ونتيجة لقرار اللجنة الرباعية بإيقاف المساعدة· فمنذ العام 1994 أصبحت المناطق الفلسطينية، المحتلة معتمدة اعتمادا كليا تقريبا على المساعدات الأجنبية، وتبعا لذلك فإن إيقاف المعونات الذي يترافق مع حظر تحويل الأموال الى السلطة الفلسطينية وهيئاتها ومشاريعها الذي فرضته سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام المصرفي الدولي، يصل الى مرتبة عقوبات اقتصادية بالنتيجة· وهذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها عقوبات اقتصادية على شعب تحت الاحتلال من المفترض أن تحمي حياته الاقتصادية معاهدة جنيف الرابعة· ولهذا الخنق الاقتصادي تأثير قاس على حقوق الفلسطينيين الاجتماعية والاقتصادية· وقد تأثرت حياة ما يزيد على مليون فلسطيني من مجموع  3,5 مليون مباشرة جراء عدم دفع الرواتب الحكومية، وبالإضافة الى هذا يعاني القطاع الخاص من جراء هذه العقوبات، وتبعا لهذا تتصاعد معدلات الفقر والبطالة·

إن إسرائيل تنتهك عددا لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة، وترفض الاستجابة لرأي محكمة العدل الدولية الاستشاري، ولم تتخذ اللجنة الرباعية أية إجراء ضد إسرائيل، وأخفقت حتى في تذكير إسرائيل، ولو بأدب، بالتزاماتها التي يفرضها حكم محكمة العدل الدولية، بل هي الآن تفرض عقوبات اقتصادية، ليس على السلطة الفلسطينية، بل على الشعب الفلسطيني·

الوضع في الأسبوع الماضي ازداد سوء، فغزة بلا مياه، والغذاء شحيح، والأدوية تنفد، ويعيش حوالي 200 ألف بيت بلا كهرباء بسبب تدمير محطات الكهرباء· ويمطر ما يقارب 1500 مدفع غزة بالقذائف·

وتثير انفجارات اختراق حاجز الصوت الذعر بين الناس· والمواصلات مقطوعة بشكل كامل بسبب تدمير الطرق والجسور، ومجاري الصرف الصحي مهددة، والحدود مع العالم الخارجي مغلقة دون الأشخاص والبضائع·

كيف للمرء أن يقيم هذه الوضعية الراهنة؟ موقف إسرائيل لا يمكن الدفاع عنه من ناحية أخلاقية، ولكنني معني بالقانون، وهنا من الواضح أن إسرائيل تنتهك أكثر القواعد أساسية في القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان· فإسرائيل، بعملية "أمطار الصيف" هذه التسمية الماكرة لحصارها لغزة، تنتهك تحريم العقاب الجماعي· وعلى الغرار نفسه تنتهك تحريم "إجراءات الإرهاب وبث الرعب" التي تنص على تحريمها المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة· ويبدو اعتقال وزراء حماس وأعضاء المجلس التشريعي فعلا من أفعال "احتجاز الرهائن" الذي تحرمه المادة 34 من الاتفاقية نفسها، إن حق الحياة والحق في الغذاء والصحة مهدد، وحرية الحركة مقيدة، وتتجاهل إسرائيل التزاماتها بضمان أن يحظى الشعب الواقع تحت الاحتلال بقوت وإمدادات طبية مناسبة·

وتصور إسرائيل عدوانها العسكري على غزة كرد فعل على صواريخ القسام التي تطلق عليها من غزة، ومهما كان من شأن هذه الأفعال الفلسطينية اليائسة، فهي لا تسوغ الانتقام غير المتناسب الذي تبعثه، فالقانون الإنساني يحرم الهجمات العشوائىة على المدنيين والأشياء المدنية، والاستخدام غير المتناسب للقوة ضد المدنيين (المواد 51 و 52 و57 من البروتوكول الإضافي للعام 1977)· وهنا أيضا، تنتهك إسرائيل القانون الإنساني، وعلى رغم أن غزة هي موضع التركيز الآن، فإن على المرء ألا ينسى الضفة الغربية، وخاصة نية إسرائيل الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وضمها إليها التي يطوقها الجدار تحت قناع فك الارتباط الأحادي أو تجميع المستوطنين، فهذا الإجراء سيكون انتهاكا لتحريم ضم الأراضي بالقوة·

هذه اتهامات خطيرة، ولكن الوضع خطير، ولا يفيد إخفاء أفعال إسرائيل المنحرفة ومداها الكامل باستخدام عقوبات مؤدبة، مثلما يحدث غالبا في لغة الدبلوماسية·

وأخيرا هناك نقطتان:

الأولى، يجب تكرار القول إن ما يُعاقب ليس حكومة حماس، ولكن الشعب الفلسطيني، وحصار إسرائيل لغزة يؤذي الشعب الفلسطيني، والعزل الاقتصادي الذي تمارسه اللجنة الرباعية لفلسطين يؤذي الشعب الفلسطيني· وكأي مواطن من جنوب إفريقيا، فإنني أتذكر رفض القوى الغربية فرض عقوبات اقتصادية على النظام العنصري لأن هذه العقوبات ستؤذي السود في جنوب إفريقيا· والآن لا نجد مثل هذا التعاطف يطال الشعب الفلسطيني وحقوقهم الإنسانية·

ثانيا: هناك حاجة ماسة لاحترام ولو ما بعد الأدنى حقوق الإنسان والقانون الإنساني، ولا يمكن تحقيق هذا إلا باستئناف محادثات سلام· وهو ما يبدو الآن ممكنا كنتيجة لتبني حماس وفتح ما يمسى بوثيقة الأسرى، وهناك حاجة الى "وسطاء نزيهين" في الأزمة الراهنة·

والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هما الطرفان المؤهلان لهذه المهمة، ولكن موضع التساؤل هو عمَ إذا كانا سيتصرفان "كوسيطين نزيهين" بينما هما عضوان في اللجنة الرباعية؟

 

 

طباعة  

بعد 27 عاما على عاصفة "الاستشراق"