رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 يوليو 2006
العدد 1737

في أمسية نظمها المجلس الوطني وأحياها أربعة شعراء
الشعر يحتضن انتصار الجنوب وأوجاع الحضور والغياب

                                                      

 

كتب المحرر الثقافي:

ضمن الأنشطة الأدبية لمهرجان (صيفي 2006) الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أقيمت في رابطة الأدباء أمسية شعرية شارك فيها يعقوب الرشيد، دخيل الخليفة، مي الشراد وعلي حسين الفيلكاوي، أدار الأمسية وقدم لها الزميل الإعلامي والكاتب الصحفي فهد الهندال·

الشاعر الكبير يعقوب الرشيد كان أول المنشدين حيث قرأ قصائد: (أثباج النوى - عناق - الأحبة - سبيل الحق) وقد جاءت قصيدة (سبيل الحق)، متوافقة الى حد كبير مع المرحلة التي نمر بها، حيث يتحدث الشاعر عن تحرير الجنوب اللبناني، معتزا ومفتخرا بالنصر الذي أحدثه أولئك الأبطال، واليوم يعيد التاريخ نفسه، وتشتعل الحرب مرة أخرى في لبنان يقول الشاعر الرشيد:

يا طائر العز قدْ حلّقتَ منتشياً

على رُبانا بأرض المجد والكرم

ورحْتَ تُنشد في الآفاق أغنية

تردّدت في حمى الأوطان والحرم

فوقفة في الوغى نشدو لها زمنا

على الرى وفُجاجْ الأرضْ بالشّيم

والمجْد عز يطوف الحر مرتديا

بسموحه من ثياب النصر والنعم

إن إيحاءات الألفاظ وظلالها في المقطع الشعري السابق مغلفة بأجواء من النشوة وفرحة النصر التي تلائم إلى حد كبير ما كانت تشعر به الأمة العربية عند تحرير الجنوب اللبناني قبل خمسة أعوام من الآن تقريبا وقرأ الرشيد كذلك قصيدة (أثباج النوى) التي يتحدث فيها عن ألم الفراق وقسوته يقول:

يا ليل رفقا إنني في حيرة

كيف الخلاص وأين أين عناني

قد ضاع مني فوق أثباج النوى

وتبددت في اليم كل سناني

كيف الرجوع الى رُباي أرودها

وأعل من كأس الحبيب الحاني

وأداعب الحلم الجميل بروضة

لأزيلَ أشباح الضنى بزماني

 

تجربة غنية

 

الشاعر دخيل الخليفة قرأ مقاطع شعرية، في مجملها قصيرة ولمكنها شديدة الكثافة من حيث الصورة الشعرية والمجاز اللغوي، وفي تقديري فإن تجربة الشاعر الخليفة تستحق مزيدا من التوقف والتأمل لأنها تتميز بالغنى والتنوع، فقصائده تتراوح بين التفعيلة وشعر النثر، وقد أجاد في كلتا الحالتين، أقول هذا بناء على قراءتي السابقة لديوانه الثاني (بحر يجلس القرفصاء) وكذلك ما قرأت له مؤخرا من مقاطع نثرية، هنا أو هناك·

والشاعر الخليفة يطبخ شعره على نار هادئة، نار تشبه تلك التي تحدث عنها في قصيدة "شموس" يقول:

حينما خلق الله الشمسَ

ابتكرت أمهاتنا عادة النهوض فجراً

ليحنينَ جدائلها

ليطعمنَ الأطفالَ حليبَ عيونهن

ليهيئن للزوج الكسول ابتسامة على نار هادئة

أمهاتنا

أمهاتُنا اللواتي خرج التاريخ من بين أصابعه

يبنين أكواخهن على رصيف التعب

إن توالي الأفعال في المقطع الشعري السابق يمنح النص دينامية وحركة، حركة تخالف المألوف وتخلق الدهشة، فقد بدأ المقطع الشعري بالفعل "خلق" الذي جاء في صيغة الماضي موافقا للمسلمة الكونية وبداية الوجود، ويعدها في الوحدة الشعرية، الثانية تجد الفعل (ابتكر) أيضا بصيغة الماضي، مقترنا بفعل الأمهات، فالمقاربة الشعرية هنا تربط فعل (الخلق" منذ فجر التاريخ، بفعل نهوض الأمهات في الفجر المعتاد كل يوم·

ولكن ماذا بعد نهوض الأمهات، نلاحظ هنا التواليات الشعرية بصيغة المضارع، انظر الأفعال (يحين - يطعمن - يهيئن)، فاستمرارية الفعل المضارع دلالة على تفاعل ونمو الحدث، ولكنه حدث يومي يعتاده كل الناس، وفي رأيي فإن هذا ما يصنع لهذه النوعية من القصائد عبقريتها وجمالها، فالأمهات كما يقول الخليفة، يحنين جدائلهن ويطعمن أطفالهن "ويهىئن للزوج الكسول ابتسامة على نار هادئة"·

ولنا أن نتأمل هذه الوحدة الأخيرة ونستكشف مصدر الجمال، إن سمة (الكسول) التي جاءت مرافقة للزوج تصنع كثيرا من الدهشة، وتحتل الذهن الى صور خيالية أخرى تتساءل عن تصرفات هذا الزوج الكسول والأفعال وربما الحركات التي تصدر عنه، وكلها أسئلة تصب في عمق اليومي والمألوف والمعتاد، وقرأ الخليفة قصائد أخرى لا تقل عن هذه تجددا وطرافة ومخالفة للمألوف منها: (لو - في اتجاهين - عاشقان - من حكايات الموتى)·

يقول في قصيدة خارج القانون:

الضحكةُ الوحيدة الخارجة على القانون

نسيتها أمس على حافة الليل

هذا الصباح

صحوت بلا فم··!

 

خطوط حليبية

 

الشاعرة القاصة مي محمد الشراد قرأت مقاطع من قصائد متفرقة منها: (خطوط حليبية على قميصي - رسائل قصيرة - النذور- يرسم صبحا)·

تقول في قصيدة حضور:

أنا جدا أحبكَ

حقاً أريدكَ عندي هنا

نطفىء الخافقُ المحترقْ

قبلات على····

وعلى····

للصباح

ولا نفترقْ

ويبدو جليا أن الشاعرة هنا تعتمد الأجواء الرومانسية الحالمة من حيث المعجم اللغوي لقصائدها المختارة، كما أنها تعزف على وتر الحضور / الغياب، فالغياب اشتعال للخافق، وأما الحضور فهو عناق ومودة·

وفي قصيدتها القصيرة (غياب) يتضح أكثر هذا المحور تقول:

صباحاً إذ تغيب حبيب عمر

واكتئاب القهوة المرةْ

يشاركني فطوري

وتكتمل المعادلة هنا، إذ إنها بعد أن تحدثت عن الحضور وما يمكن أن يرافقه من مشاعر وأحاسيس نجدها هنا تتحدث عن الغياب، حيث الكآبة والقهوة المرة في الصباح الباكر ويكمل هذه المعادلة قصيدة (وعدك أزرق) التي تتمحور أيضا حول الحضور والغياب، إلا أنها تستحضر بشكل أكبر مشاعر المرأة الأنثى تقول:

عاريةٌ إلا منكَ

معي نفترش الزرقة

تُسدلُ زندك عشقا / تسترني

تروي سيرة أنثى

ينداحُ الطلع شهيا من أردانك

يغفلُ عنا الوقتُ

 

استثارة الخيال

 

الشاعر علي حسين الفيلكاوي يتميز بمقدرة كبيرة على استثارة الخيال عن طريق توالي الصور الشعرية، وكذلك فإنه يتميز بنفس شعري طويل، حيث الكلمات مناسبة والصور متوالية، والقصائد طويلة الى حد كبير إذا قيست بما يكتب في أيامنا من شعر·

يقول في قصيدة (الهواء الخجول):

الهواءُ

يحتضن اللحظة، الأرصفة، والدموع الهواء

الوحيد في شبقه العاطفي

دبقٌُ، دفاق، مفتون بعضلاته النشوانة

يمشط شعر الفتيات ويغتصب مشاعرَهن

في غاية الهدوء

في أتم الجنون

ويعمد الفيلكاوي كذلك الى تقنية الصورة المركبة، مستفيدا من نهج المدرسة السوريالية، التي تميل الى الغرائبية في خلق المشهد الفني·

يقول في قصيدة (امتداد):

حين طار أنفي خلف حدود الريح

متسللا من أصفاد الجهات

متنشقا كون الجهات الجديد

مدت الجاذبية أصابعها الأرضية

وجذبتني من عصارتي الأولى

لأتناسل غرفا، تاريخا أسريا، وأطفالا

فالأنف الذي يتطاير، وكذلك الجاذبية التي تمد أصابعها هي بالأكيد صور غرائبية غير مألوفة·

 

    

طباعة  

جملة مفيدة
 
قصة قصيرة
 
(الهوية) تعرض شعارات الصمود في الجدران
 
(البيان) توثق حركة الفرق المسرحية في الخليج
 
إصدارات