رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 يوليو 2006
العدد 1737

قصة قصيرة

الشحاذ

 

                                                    

 

كريم الهزاع

أجلس حيث جلس رجل بهيئة شحاذ عند الطاولة المجاورة لطاولتي، يطلق وابلا من الشتائم لم يقصد بها أحدا، تنزلق شفته العليا تحت الشفة السفلى، عيناه ترمشان، بقدميه يداعب شظايا زجاج، يهذي، يحرك نظارته الطبية، تمر طفلة بثياب رثة تجمع القناني الفارغة من الزبالة، إذ من المفروض أن تكون على مقاعد الدراسة، كل شيء هادىء، والشمس بدأت ترتفع، قطط تموء قهقهات لبعض الرواد، الشحاذ فتح فمه، يعبىء الهواء، ينفخ ضجرا، تكاد أنفاسه أن تلامس وجهي، أتلمس الجمرة، أسحب نفسا من الدخان، وجه مألوف يصل للمقهى، يسبقه كرشه، أنبش ذاكرتي، في أي مكان رأيته يا رب في أي مكان؟، وأخيرا تذكرت·· ذلك الكاتب الذي يحمل في جيبه ترمومتر الوطنية، ويوزعها في تقاريره بمقياس النسبة، تمتمت:

"أهلا بالوطنية، ينقصك مسدس وتكتملين"·

الطفلة ذات الثياب الرثة تعود بهيكلها العظمي، ضجة لشباب يلعبون النرد، أنظر لساعتي، تنمو أغصان الظهيرة، عانس (الفريج) تشتري صينية فطائر، وقبل أن تغاد يغمزها الوطني بعينه، تدفع ثمن الفطائر وابتسامة مطفأة وتغادر، الطفلة المشنوقة بالأكياس المعبأة بالقناني الفارغة تقرفصت فوق مصطبة المسجد المقابل للمقهى· النادل يحمل مجموعة كراس الى الداخل، يوزعها في عدة أمكنة وطاولات، كل ذلك يحدث بمحض الصدفة أمام عيني اللتين ذبلت فيهما أعشاب الرؤيا· الشحاذ يقرأ الشتائم التي يحفظها منذ الولاية تحرك الطفلة، وتتحرك تميمتها التي أكلها الصدأ· الشحاذ العجوز يسند عكازه بشكل مغاير، يتمتم:

- وحشة·

ويردف:

- ظلمة ودليلها الله·

أنفاسه تتعارك، وصوته:

- يا ربي· يا صبر أيوب·

·· أشكال هلامية تتراءى أمام عيني، عيون لموتي يتحركون، قلب الطفلة مازال ينبض، والساعة التي في معصمي، والترمومتر الوطني، ونحنحة من داخل حنجرتي و:

- خطيّة يا ربي، ما ذنب الطفلة؟·

الشحاذ مشغول عني·· يستجدي بعض الصدقات، يغتسل بماء الوحشة، يمر الذي يسبقه كرشه، يحاول أن يتحاشى الشحاذ، إلا أن الشحاذ يمد يده وصوته:

- عميّ···

ولم يكمل جملته، وإذا بصوت الوطني جدا:

- عمي يعمي عيونك، ما تستحي، كم مرة قلنا لك ممنوع تشحذ:

ويردف:

- تمر الشرطة وأبلغ عنك يا حقير·

يبلع ريقه الشحاذ العجوز، ويلف الصمت المكان كالعادة· ينتفض الشحاذ، يشير لطفلته، تأتيه بخطى مسرعة ومتعثرة، يمسك يدها:

- يا الله بابا، حتى الفقر صار تهمة·

طباعة  

في أمسية نظمها المجلس الوطني وأحياها أربعة شعراء
الشعر يحتضن انتصار الجنوب وأوجاع الحضور والغياب

 
جملة مفيدة
 
(الهوية) تعرض شعارات الصمود في الجدران
 
(البيان) توثق حركة الفرق المسرحية في الخليج
 
إصدارات