رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 يوليو 2006
العدد 1738

كتابات

الموت في شعره صورة كائن متحرك

سيف الرحبي يستعين بمفردات الخوف ويجسد طقوس بلاده

 

                                                                                  

 

كتب آدم يوسف:

يصعب على المرء أن يربط قصائد الشاعر سيف الرحبي ربطاً مباشراً بحركة السوريالية ولكننا نستشعر فيها روحاً تنزع نحو العبثية والتدمير فمن خلال عشرة دواوين أو ما يزيد ثمة لازمة تتكرر وتكاد تكون رابطا مشتركا بين قصائد المجموعات العشر وهي لازمة الصورة الغرائبية المشحونة بكائنات تدميرية، مثل "الذئاب، الافاعي" أو إحالات وجودية توحي بالنفي والانتهاء والزوال مثل "الموت، الغرق، الأمراض القاتلة" وكلها يمكن ربطها بما يسمى في الدراسات النقدية الحديثة بمفهوم الانحراف الأسلوبي·

وحين تتكرر لازمة واحدة وبشكل لافت لدى شاعر عبر مجموعاته الكثيرة، فإن الأمر يوجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار المزية المضمونية واللفظية في ذات الوقت ففعل الكتابة تحت ضغط  وجودي ينزع نحو التدمير والنفي وتصوير اللا جدوى هو فعل ارتبط بالحركة الدادائية التي انبثقت عنها السوريالية·

وعلى أية حال فإن الصورة الغرائبية والعبثية وتصوير اللا معقول هي سمات تربط بين الحركتين ويصعب الفصل بينهما فصلاً جازماً·

وقد قدم دكتور حسام الخطيب دراسة مميزة حول أعمال الشاعر سيف الرحبي وتحديداً قصيدة "ما من بلد قصدنا" وربطها في بعض جوانبها بحركة الدادائية إذ لاحظ أن اللازمة المتكررة في قصيدة الرحبي هي ذاتها اللازمة في النص الدادائي "ما من···" ولنقرأ المقطع التالي من بيان الدادائية·

ما من رسامين ولا من أدباء ولا من موسيقيين ولا من حفارين، ولا من جمهوريين أو ملكيين ولا من إمبرياليين ولا من فوضويين ولا من اشتراكيين ولا من بلاشفة ولا من سياسيين ولا من بروليتاريين ولا من ديمقراطيين ولا من بورجوازيين ولا من جيوش ولا من أمن عام ولا من أوطان·· كما من هذه السخافات والحماقات، لم يبق شيء، لم يبق شيء·· شيء··· شيء··· ولا شيء·

وأما الخطوط العريضة التي تعبر عن التقاء النصين "نص الرحبي وبيان الدادائية" حسب ما رآها د· الخطيب فهي:

- روح النصين واحدة وهي النفي المطلق لرموز الحياة ومقوماتها وكذلك لقيمها ومعتقداتها·

- النهاية المشتركة تعول على عدمية مطلقة، ولا شيئية: لا شيء·· لا شيء ولا أصداء·

- لا ذكر لحل أو مخرج أو أي ضوء في آخر النفق·

- عبارة النفي واحدة ولازمة مشتركة وقاطعة تدل على جزم نهائي دون تردد "ما من·· مدعومة بحرف النفي"·

وعلى الرغم من هذا الالتقاء في الموقف العام والنتيجة الاجمالية، فإن دكتور الخطيب يؤكد أن هناك فروقا واضحة لا تسمح للإنسان بالمسارعة الى الاستنتاج بأن قصيدة الشاعرة العماني ليست إلا نسخة من البيان الدادائي·

ومهما يكن فإن في شعر سيف الرحبي إشارات ودوال لفظية ومضمونية تحيلنا إلى المبادئ العامة التي قامت عليها الحركتين السوريالية والدادائية:

لا تتذكر شيئاً

لا تنسى شيئاً

مشدودا الى وتد الجبال

تمشي مغمض العينين

في طرقات مليئة بالذئاب

ففعل اللا جدوى واضح في هذا النص  ولا تتذكر ولا تنسى كما أنك في طريق مليء بالذئاب إنها النظرة التشاؤمية والتكريس لفعل الهلاك والموت·

وبعد أن يطرز الشاعر نصه بكائن عدواني مثل الذئاب يأتي وبعد أسطر عدة ليعبر عن نفس الحالة حالة القتل والتشريد ولكن هذه المرة عبر كائنات أخرى "البوليس العنصري، والأفاعي" يقول:

كم من مرة نمت في محطات القطار

كم من مرة تفاذفتك ايدي البوليس العنصري

في غرف باردة

مثل غرباء مثلك

ربما حصل ذلك في زحمة الكوابيس

حيث الأفعى أفاقت بعد نوم طويل

لتلتهم الجنة

وتلتهم احتمالات العودة

وتكتسب قصيدة سيف الرحبي أيضا غرائبيتها ونظرتها الشاحبة للوجود من خلال تصويرها لحالة اجتماعية وجغرافية اشتهرت بها بعض مناطق عمان، وهي وجود السحرة والجبال العالية، مع ما تولده هاتان الحالتان من نظرة غريبة للوجود وافتعال أمور لا معقولة وفي قصيدته "هذيان الجبال والسحرة" المنشورة ضمن ديوانه "جبال ويد في آخر العالم" ما يدل على ذلك وتأكيدا للنفي والهلاك أيضا يجسد الشاعر فعل الموت في صورة كائن متحرك:

الصيف الذي

يوشك أن يغادرنا يشبه

ذلك الطائر الذي

بتر رأسه على حافة صخرة

فمفردات مثل: "التمائم، المآتم، والسحرة" هي إشارات ودوال تضفي على النص جواً من الخوف والحذر، وتفتح المجال لقراءة غرائبية، تمنح المضمون مزيدا من العناية والاهتمام فالصيف في المقطع السابق طائر بتر رأسه على حافة جبل، وهي صورة غاية في الغرابة والقسوة·

طباعة  

جملة مفيدة
 
عبدالعزيز عبدالله والحدّاد ينشدان الحكمة
"الفطم والكتابة": لك أن تعيش التجربة وللتذوق اليد الطولى

 
كتابها يحوي مقالات في التربية وقضايا المرأة
دلال الزبن تعرض رؤاها الثقافية وترصد مسيرة العمل التطوعي

 
شعر