رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 يوليو 2006
العدد 1738

عبدالعزيز عبدالله والحدّاد ينشدان الحكمة
"الفطم والكتابة": لك أن تعيش التجربة وللتذوق اليد الطولى

                                                          

 

حين تكون الكتابة عن موضوع غير تقليدي، فإن التناول حتما سيكون غير تقليدي أيضا، للوهلة الأولى حين وقع في يدي كتاب (الفطم والكتابة) للمبدعين الشابين عبدالعزيز محمد عبدالله ومحمد قاسم الحدّاد، أدركت أنني أمام تحد حقيقي، هو تحدي القراءة·· أجل تحدي القراءة ولمن لا يعرفون فإن القراءة لها تحد يشبه تحدي الكتابة أو يفوقه·

 تصفحت الكتاب في بادىء الأمر مصدوما أو مأخوذا به ثم ألقيته جانبا لبرهة من الوقت، لأعود إليه من جديد هذه المرة بعمق أكثر، أو مقاربة جادة في سبيل تذوق سليم·

 

ورشة السهروردي

 

ينتسب المؤلفان عبدالعزيز والحداد الى ورشة السهروردي التي يديرها الأديب محمد عبدالله السعيد وهذه المجموعة حين أطلقت على نفسها اسم السهروردي فإنها اختارت بلاشك طريق الحكمة والتذوق وتتبع آثار الحالة العرفانية، لا مجال للفهم المطلق هنا ولا للإيمان المقيد، ولا للمعرفة المغطاة بجهل، هكذا هي الحياة، وتلك بعض من أفانين الفلسفة، يقول محمد السعيد في مقدمة الكتاب·

"رسائل إلى اللاأحد، واللاأحد هو اللامتعين، واللامتعين هو الوجود، إذا هي رسائل الى الوجود·

وعندما قصدا الوجود قصدهما الوجود·

الفطم والألم والاختلاف والموضع الشعري هي مواطن اللقاء، وقران ينجب عالما يُعطى لأشياء، وأشياء تهب عالما·

إذا هو ليس فطما، لكنه ثدي آخر، وليس قبرا، لكنه رحمٌ آخر·

الألم أقدم اسم·

إنه الاسم الذي كتب ومازال يكتب على الورق والجسم، وقراءته الواحدية، أو نقطة الماء في رسائل عبدالعزيز، وومضة النور في توقيعات الحداد·

الماء شريعة، أما النور فحقيقة حكمية، إن السهروردي أبرز تجليات جمعهما في المنطقة العربية·

تعاين النفس واحديتها من خلال الروح، وتعاين واحدية الروح من خلال الجسد، معاينة النفس لذاتها ظل، ومعاينة الروح لذاتها نور، النور نداء والظل استجابة، النور شعر والظل نثر أو كتابة·

ولكنها معرفة من الأرض الى السماء بقصد الرضا"·

يصعب أن تجد تفسيرا أو فهما ممنطقا لهذا الجزء المأخوذ بنصه من مقدمة الكتاب·

لا مجال للتفسير أو التأويل القاطع، نحن هنا متهيّئون بأقصى ما نملك من حدس للتذوق، التذوق فقط لا غير·

يقول السعيد في مقدمة إهدائه الشخصي بأحرف متداخلة كتبت في أعلى الصفحة للغلاف الداخلي: عزيزي آدم يوسف:

منذ أن أفادني أفلاطون في "الطيارس" على لسان الكاهن الفرعوني بأن كل شيء كتابة، لكن الإغريق مازالوا أطفالا لا يعلمون وأنا في قلق باحث عن الفكر البشري في الحاضر الآثم، لعل "الفطم والكتابة" كان تطهيرا ولعله سيكون سبيلا أرضيا لنجم بازغ هذه الأيام··

رسائل اللاأحد

حين يكتب عبدالعزيز عبدالله في الجزء الأول من الكتاب رسائل اللاأحد، موجهة من رفائيل جيوفاني دي سانتي إلى السيّد نس أوتوا لم يكن يريد إلا أن يناقش الفلسفة والحكمة الأفلاطونية في أبرز تجلياتها·

هنا تتحاور الرسوم المعتقة على جدار الكنيسة مع ذلك الغيض النوراني النابع من فلسفة أفلوطين وحكمة سقراط·

يقول عبدالعزيز أورفائيل (لا فرق) في إحدى تلك الرسائل·

"يا للعجب، إنني أشعر بالفيض يغمرني في هذه اللحظة كغلالة من دخان سديمي خفيف، حالة تشبه حالة التجلي التي قالت إسبازية إنها حصلت لأفلوطين، عندما خلع جسده المادي، وعرج الى العالم السماوي الأقدس، ورأى الفلاسفة الذين سبقوه بقرون مجتمعين في مكان أشبه بجنة فكرية، يفعلون الأشياء التي لم يتسن لهم فعلها على رماد الواقع، يتحاورون بحرية، يقرؤون ما يشتهون، يكتبون بلا رقيب، إلى ما لا نهاية"·

يكتبون المطلق عند بارمنيدس، إنهم يكتبون اللامرئي، الكامن بالقلوب وبطرف العيون، يكتبونه باللغة الكونية الموسيقية لدى فيثاغورث· وأما حين تختلط الحكمة بالفلسفة وبالفن التشكيلي فلا يمكن أن تجسد حالة من تكامل الفنون وتداخل حي للمعرفة الإنسانية·

يقول:

"مرحبا يا صديقي العزيز، نعم هذا أنا بعد طول غياب، أعتذر أولا لإبطائي في الرد على رسالتك، ثم أزف إليك بشرى إنهاء جداريتي، ثم أعتذر ثانية عن الأصباغ التي تسيل من معصمي وتبقع خطابي هذا، فقد أقسمت على الكتابة إليك بعد آخر ضربة فرشاة على جدار غرفة التواقيع، والآن أبر بقسمي حيث أقف بين نوافير الألوان والمنظومة الساعية في حجها الفلسفي البهيج، أقف وأنا أسمع طبول الحرب تقرع بين الكتبة عن يساري والقراء عن ميمنتي، أقف ويعلو الجمع الأول: أفلاطون حامل لواء الكتابة، بجانبه قائد القراء أرسطو ذي النظرة الصارمة، أقف في مواجهة المواجهة للبحث عن أرض مشتركة، تماس الأكف، تلمس مقام الحب، تحسس الشيء غير القابل للغياب، النص، وطرفيه، المكتوب في مواجهة الآخر المقروء، حيث في هذه الثنائية يكمن التوحد، وبالاختلاف اتفاق، وبالموت انبعاث، والطريق الى أعلى ونحو الأسفل يصبح هو ذاته،"·

توقيعات

وأما الشاعر محمد الحداد فإنه يرسل توقيعاته في الجزء الثاني من الكتاب في نسق تكاملي لا يخرج عن فحوى الكتاب ومضمونه·

يظهر ذلك جليا في استشهاده بأحجية النفري، وتوغله في الخيال وعصر النهضة وأيقونة مدرسة الحكمة إنها توقيعات غير تقليدية في المطلق وتحاور الإنسان وعقله والحكمة المبتغاة يقول الحداد في بعض تلك التوقيعات·

في المحكمة - في الكنيسة:

ماحاجتنا الى رمز في قاعة المحكمة؟

أعتقد أن تحقيق العدالة أمر مرتبط بالاستمرارية والحركة، فالضمير ليس قالبا أخلاقيا إنما هو فعل التطور الحيوي ذاته·· إنه فعل البحث عن العدالة· الرمز هنا للتذكير بوجوب السعي الحثيث نحو الجوهر·

* * *

حين تنظر نحوهم

أيبدو مألوفا إليك ذاك الوجه الذي أنهكته إنسانيته؟

الشاعر بأهمية الوقوف للحظات ليسترد أنفاسه·

ألا يبدو مألوفا لك كيف أن عينيه تغوران في رأسه وهو يقاد الى السجن ذاته الذي خرج منه للتو؟

توقيعات

كيف يُغلق في وجهه باب سجن أكبر في دوائر تدعي المتانة والكمال··· ولو إلى حين

أيبدو مألوفا لك ذاك القائل بكثرة السجون التي نشيدها لأنفسنا

ذاك الذي يعاود جمع أحجار الأحجية الناقصة

أو وجه تلك التي تعاود فك ما نسجت وهي تنتظر الخلاص

* * *

في قاعة التوقيعات، التي هي المحكمة الكنسية في الفاتيكان، حيث يوقع فخامة البابا المراسيم، نجد لوحتنا "مدرسة الحكمة" وأعترف أنها تبث في النفس الشعور بالعدالة·

* * *

ثورة الإنسانوية:

لنتوقف قليلا لمناقشة أين يبدأ رفائيل وتنتهي الكنيسة· بمعنى آخر هناك علاقة لا يمكن إغفالها ما بين رؤية الفنان ومتطلبات المؤسسة·

* * *

إني أستعين بأورفيوس·· الناطق بالشعر·· الناطق بعبارات الحكمة الإلهية·

إني أستعين بديدالوس النحات·· فهو يصنع من الحجر ما ينطق بالحلق·· وأحث نفسي لأفهم العالم من حولي أم أن هذا لا يجوز·

نقطة بداية:

خيرت

تنحّ

أو انضم

فاخترت أن أبتسم·· واخترت الكتاب

ا.ي

طباعة  

كتابات
 
جملة مفيدة
 
كتابها يحوي مقالات في التربية وقضايا المرأة
دلال الزبن تعرض رؤاها الثقافية وترصد مسيرة العمل التطوعي

 
شعر