كتب المحرر الثقافي:
تجمع د· دلال فيصل الزبن في كتابها الصادر مؤخراً (رؤى اجتماعية وثقافية) في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية، وإن كانت تولي الاهتمام الأكبر للجانب الاجتماعي لا سيما ما يتعلق بقضايا المرأة وحقوقها السياسية والمدنية بعد انخراطها في الحياة العملية، وكذا مساهمتها في ميادين الاقتصاد والتعليم والوظائف الإدارية الأخرى·
العمل التطوعي
ويتضح من قراءة سريعة للمقالات الواردة في هذا الكتاب أن المؤلفة تولي اهتماماً خاصا - منذ نشأتها - بالعمل التطوعي تقول في ذلك:
يعرف العمل الاجتماعي التطوعي بأنه ذلك النشاط الاجتماعي الذي يؤديه أفراد المجتمع داخل الهيئات والمؤسسات والجمعيات الأهلية التي يغلب عليها الطابع الشعبي، وتسمى جمعيات النفع العام الأهلية والعمل بها من دون عائد مادي للقائمين عليه·
ومجالات أنشطة جمعيات النفع العام واضحة ومحددة حسب كل جمعية واختصاص منتسبيها، ونظرا لكون الكويت مجتمعا تقليديا وأسرة واحدة تربطها علاقات الوجه للوجه وتحكمها علاقات التعاطف والتراحم، فقد بادر الشعب من تلقاء نفسه لهذه المهمة الإنسانية سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو من خلال الجمعيات الخيرية، ولما كان اهتمام الدولة كبيراً بهذه القضايا الإنسانية ونجاحها في هذا المضمار نجاح لصورة الكويت أمام المجتمع الدولي وأمام المحافل والمنظمات الدولية المعنية بقضايا الإنسان، فقد أولت الدولة جل اهتمامها لتلك النواحي الإنسانية وتجربة الهيئات الشعبية في ميدان العمل التطوعي في الكويت تجربة رائدة سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي، فما تلك الجهود إلا نقطة مضيئة ومصدر اعتزاز وفخر للكويت·
وبصفتي المتواضعة من العاملات في مجال العمل التطوعي منذ معرفتي بألف باء الخدمة الاجتماعية التطوعية في الستينات 1966، وهو العام الذي أشهرت فيه جمعية الهلال الأحمر الكويتي وبعد اجتياز الدورة التدريبية الإسعاف والتمريض والخدمة الاجتماعية، فقد حلفت اليمين على العمل التطوعي ورددنا نشيده:
لك اللهم عقد وقسم
أن نصون ما هديت
فهلال الحب والنور ارتسم
في سماوات الكويت
والأبيات للشاعر د· حسان حتحوت
ولم يكن اهتمام الدكتورة دلال الزبن بالعمل التطوعي أمراً مستغرباً، فهي الأستاذة الجامعية في "قسم الاجتماع" وهي كذلك زوجة الشاعر والأديب الراحل أحمد مشاري العدواني - رحمه الله - يضاف إلى ذلك ما عرف عنها من شخصيتها الاجتماعية النشطة، فهي بحق نموذج للمرأة المؤثرة الفاعلة في مجالات التعليم والثقافة والعمل التطوعي·
قطعة من العمر
والكتاب يحوي مجموعة مقالات كتبتها المؤلفة في أزمنة مختلفة وفي مناسبات مختلفة كذلك، وتبدي د· الزبن تعاطفا كبيرا مع مقالاتها التي تصفها بأنها قطعة من العمر، تقول: راودتني منذ أمد طويل فكرة جمع مقالاتي المنشورة في الصحف اليومية وغيرها التي تابعت أحوالها وحكاياتها اليومية نظراً الى تفرقها في العديد من الأمكنة، وخشية اندثارها في زحمة المقالات اليومية والصحف والدوريات العديدة التي تزخر بها دور النشر·
وهذه المقالات في مجملها تعد قطعة من عمري عبر مراحله المختلفة، عرفت من خلالها التعامل مع الذات ومع الآخرين بإحساس من الثقة في اختيار ما أرغب وما أحب، وأن أظهر من خلالها الملامح العربية الأصيلة التي أفتخر وأعتز بها، ويسرني أن أقدم للمثقفين من أبناء الأمة العربية وبالأخص وطني الغالي الكويت هذه المجموعة من المقالات الصحافية التي كتبتها في مناسبات مختلفة وفي العديد من الجرائد والمجلات العربية في مدن وأماكن مختلفة، بعضها في الكويت والآخر في مصر وغيرها من الصحف العربية الأخرى·
وهذه المقالات التي بها لمسة من التواصل الإنساني، وبها أحاسيس كاتبة عاشت أفراح وطنها وأتراحه كتبتها في أعوام عدة، لا يجمع بينها سوى صورة العصر الذي عشته وتعايشت معه، فقد قمت بنشرها بهدف أن يرجع إليها القراء والباحثون كل حسب هواه وتخصصه، كما يرجع إليها شباب هذا الجيل بهدف التواصل بين جيلنا وجيلهم وليجد كل منهم طرفاً مما يهوى ونحن أحوج ما نكون الى التوفيق بين جيلنا وأجيال المستقبل فالحياة الفكرية تواصل بين الأجيال يلتقط كل جيل منها الثمار الناضجة والأوراق اليانعة والأغصان التي تنبض بالحياة، ويترك منها الذابل والجاف فهي نماذج من هذا الإنبات يمتاز بها من يرى فيها ذلك·
تأتي فصول الكتاب على النحو الآتي: الفصل الأول عن المرأة الكويتية والعربية، وأما الفصل الثاني فيأتي تحت عنوان: رؤية للتعليم وتطويره، وأما الفصل الثالث فهو يحوي رؤى ثقافية واجتماعية متنوعة تقول د· الزبن في مدخل حديثها عن التعليم وقضاياه: الحديث عن التعليم والطرق المؤدية الى رفع مستواه كانت ولا تزال ضمن همومي، وإن التربية الحقة والتعليم الصحيح هما اللذان يتناولان العقول والنفوس بما يقضي على الأفكار الرديئة، ويكسبان الفرد ملكات التميز العقلي والتوافق الاجتماعي، وإذا فقد هذان الركنان أو أحدهما بطلب الفائدة المرجوة من التربية والتعليم، أصبحت جميع الإصلاحات عديمة الجدوى لأنها تكون كالبناء في الهواء والكتابة الصحافية عن معالجة وسائل التعليم تعد خير معين للمسؤولين عنه لتوضيح ما خُفي عليهم من شؤونه·
والحق أنه رغم التطور الهائل في أمور التعليم بالكويت، سواء في الجامعي أو في غيره، فإن بعض السلبيات التي تطرقت إليها تحتاج منا إلى بذل المزيد من الجهود لتلافيها أو إزالتها إذا أمكن، وفيما يلي نعرض بعضا منها·
دور المرأة
وفيما يتعلق بالمرأة ونشاطها الاجتماعي كتبت د· الزبن تقول: خلقت المرأة لتكون معطاءة بطبيعتها، وعندما تقتنع بالعمل الذي تقوم به تعطي بسخاء، وأبرز صور العطاء وأنبلها تلك التي يفرضها الواجب القومي والشعور بالانتماء الى الوطن من خلال ما تقدمه من عطاء في مجال العمل الإنساني، حيث تتجسد فيه معاني العطاء بلا حدود ولا هدف شخصياً إلا خدمة الإنسانية، فالمرأة نصف المجتمع وهي عماد الأسرة وبصلاحها يصلح المجتمع (·····)·
ففي الكويت، في وقتنا الحالي، قد أصبحت المرأة تمارس كثيرا من المهن فهي تعمل أستاذة في الجامعة ومهندسة وصيدلانية وباحثة اجتماعية ومدرسة وممرضة ومحامية وعاملة في المصنع، كما أنها تولت كثيراً من المناصب الإدارية والقيادية، ومما هو جدير بالذكر أن التشريعات العمالية في الكويت أولت المرأة رعاية خاصة فيما يتعلق بإجازة الوضع وفترة الرضاعة وإنشاء دور الحضانة، كل هذه العوامل ساعدت المرأة على المشاركة الفعالة والانخراط في خدمة المجتمع وذلك من خلال ممارستها العمل التطوعي في الجمعيات النسائية وجمعيات النفع العام ومن ضمنها جمعية الهلال الأحمر الكويتية· إن المرأة المتطوعة في جمعية الهلال الأحمر لا يقتصر عملها التطوعي في جمعيتها فقط بل دائما تسعى لعمل الخير أينما وجد، وذلك من خلال مشاركتها في الجمعيات الأخرى مثل المشاركة بالجمعية الثقافية الاجتماعية في العمل بمشروع طبق الخير، وكذلك مشاركة جمعية المعوقين الكويتية في إقامة الأسواق الخيرية التي يخصص ريعها لمصلحة جمعية المعوقين وكذلك مشاركتها في العمل مع القطاعات النسائية في الجمعيات الأخرى مثل نقابة العمال ورابطة الاجتماعيين وغيرها من الجمعيات الأخرى·
