رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 سبتمبر 2006
العدد 1742

نقل الأزقة الضيقة الى رفوف المكتبات العالمية
نجيب محفوظ علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث

                           

 

·    الباحثة الألمانية أنجلكا هيلة: سمات أدبية وفنية تجمع بين أعمال محفوظ وجونتر جراس

 

كتب - آدم يوسف:

يشكل الروائي الكبير والأديب الراحل نجيب محفوظ علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث، وعلى الرغم من  الوعكة الصحية التي لازمته طوال الأيام الأخيرة من حياته إلا أن خبر وفاته شكل صدمة للكثيرين، فهو بحق الأب الروحي للرواية العربية ورسول الأدب العربي الى جميع شعوب العالم بعد أن ترجمت جل أعماله الى لغات العالم الحية، فقد شكلت جائزة نوبل اليتيمة التي أهداها نجيب محفوظ للأدب العربي نقلة كبيرة للرواية العربية بعد أن قفزت الحارة القديمة والأزقة الضيقة في شوارع القاهرة بناسها البسطاء وباعتها المتجولين قفزوا جميعا الى أرفف المكتبات العالمية وقائمة الكتب الأكثر رواجا على الأقل في نطاق الأدب العربي، وقد كان نجيب محفوظ صادقاً مع نفسه ومع الآخرين، لم يكن متزلفا أو متصنعا للتحضر أو الشهرة لذا فقد جاءته الشهرة من حيث لم يحتسب، وأصبح بحق علامة فارقة في تاريخ الرواية العربية ونافذة مضيئة يسترشد بها كثير من هواة الأدب والمبدعين الحقيقيين·

ولد في القاهرة عام 1911، وأمضى طفولته في حي الجمالية حيث ولد، ثم انتقل الى العباسية والحسين والغوريه، وهي أحياء القاهرة القديمة التي أثارت اهتمامه في أعماله الأدبية وفي حياته الخاصة حصل على إجازة في الفلسفة عام 1934 وأثناء إعداده لرسالة الماجستير "وقع فريسة لصراع حاد" بين متابعة دراسة الفلسفة وميله الى الأدب الذي نما في السنوات الأخيرة لتخصصه بعد قراءة العقاد وطه حسين·

بدأ كتابة القصة القصيرة عام 1936 وانصرف الى العمل الأدبي بصورة شبه دائمة بعد التحاقه في الوظيفة العامة·

عمل في عدد من الوظائف الرسمية ونشر رواياته الأولى عن التاريخ الفرعوني·

ولكن موهبته ستتجلى في ثلاثيته الشهيرة "بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية" التي انتهى من كتابتها عام 1952 ولم يتسن له نشرها قبل العام 1956 نظرا لضخامة حجمها·

نقل نجيب محفوظ في أعماله حياة الطبقة المتوسطة في أحياء القاهرة فعبر عن همومها وأحلامها وعكس قلقها وتوجساتها حيال القضايا المصيرية كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع·

ولكن هذه الأعمال التي اتسمت بالواقعية الحية لم تلبث أن اتخذت طابعا رمزيا كما في روايته "أولاد حارتنا" و"الحرافيش" و"رحلة ابن فطوطة"·

بين عامي 1952 و 1959 كتب عددا من السيناريوهات للسينما ولم تكن هذه السيناريوهات تتصل بأعماله الروائية التي سيتحول عدد منها الى الشاشة في فترة متأخرة·

ومن هذه الأعمال "بداية ونهاية" و "الثلاثية" و"ثرثرة فوق النيل" و"اللص والكلاب" و"الطريق"·

صدر له ما يقارب الخمسين مؤلفا من الروايات والمجموعات القصصية·

ترجمت روايته "زقاق المدق" الى الفرنسية عام 1970 ونقل عدد من أعماله البارزة الى لغات متعددة ولا سيما الفرنسية والإنكليزية بعد حصوله على جائزة نوبل للآدب عام 1988·

نشأته الثقافية

أتم دراسته الابتدائية والثانوية وعمره 18 سنة وهذا مؤشر على نجابته إذ كان الحصول على شهادة الدراسة الثانوية في هذه السن وفي ذلك الوقت يعتبر علامة بارزة على ذكائه وقد التحق بالجامعة سنة 1930 ثم حصل على الليسانس في الفلسفة، ويعد نجيب محفوظ من الأدباء العباقرة في مجال الرواية وقد وهب حياته كلها لهذا العمل، كما أنه يتميز بالقدرة الكبيرة على التفاعل مع القضايا المحيطة به، وإعادة إنتاجها على شكل أدب يربط الناس بما يحصل في المراحل العامة التي عاشتها مصر، يتميز أسلوب محفوظ بالبساطة والقرب من الناس كلهم لذلك أصبح بحق الروائي العربي الأكثر شعبية، رغم أن نجيب قد انخرط في عدة أعمال إلا أن العمل الذي التهم حياته هو الكتابة فقد كتب في مجلة الرسالة قصصا قصيرة في وقت مبكر من حياته·

عبقريته الروائية

يصعب كثيراً الإحاطة بزوايا الإبداع في أعمال نجيب محفوظ الروائية فهو واقعي إن أردنا التحدث عن تقنيات الرواية الواقعية وهو رمزي إن أردنا التحدث بمنطق الرمزية وهو أحد مؤسسي الرواية الملحمية من خلال ثلاثيته الشهيرة "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية" وهي الرواية الممتدة إلى ثلاثة أجيال، ولعل هذا التنوع والثراء هو ما جعل هذا الكم الهائل من الدراسات والرسائل الجامعية عن أدب محفوظ يرد الينا، والطريف في الأمر أن كثيراً من القراء والمهتمين يفضل قراءة نجيب محفوظ بشكل مباشر بدلاً من قراءة الدراسات والأبحاث النقدية التي تتناول أدبه وذلك لبساطة أسلوبه وسلاسته في التناول الروائي·

يقول الباحث السعودي د· عبدالواحد الحميد:

"من منا لم يقرأ روايات وقصص نجيب محفوظ على امتداد سنوات العمر·· هذا الكاتب العظيم الذي أثرى المكتبة العربية والعالمية بعدد وافر من الأعمال الإبداعية الرائعة التي خلدت اسمه بين كبار الروائيين العالميين·

لكل منا ذكريات مع كتب نجيب محفوظ·· بعضنا أتاحت له الظروف أن يطلع على أعمال نجيب محفوظ في سن مبكرة، وبعضنا لم يقرأ هذه الكتب إلا في وقت متأخر بعد أن أصبح بعضها متاحاً في مكتباتنا وأسواقنا أو بعد أن أصبح السفر الى الخارج عادة "خليجية سنوية"·

أول رواية قرأتها لنجيب محفوظ هي رواية بين القصرين، ثم قصر الشوق، ثم السكرية· وكان ذلك في السنة الأولى ثانوي، وكانت ثلاثية نجيب محفوظ من الكتب الممنوعة التي تهرب الى البلاد ويتداولها محبو الأدب·· ولا زلت أحتفظ بتلك النسخ  القديمة المهترئة بسبب الاستعارات المتكررة بين الأصدقاء·

ويضيف: لقد صدرت عشرات الكتب التي درست أدب نجيب محفوظ  لكن أعماله لا تحتاج الى وسيط بينه وبين القارئ·· وأذكر في مرحلة سابقة أنني كنت أقرأ بعض هذه الدراسات وكنت أشعر أنني أستمتع بأدب نجيب محفوظ وأفهمه بطريقة تختلف عن كل ما يقوله النقاد والدارسون لهذه الأعمال فهي رغم عمقها ورغم ما تحمله من رموز ودلالات لا تنتهي بالقارئ إلى الشعور بالحاجة الى من يفسر له هذه الأعمال·· وقد أشار نجيب محفوظ الى ذلك  في بعض اللقاءات والمقابلات وقال أن بعض الدراسات التي كتبت عن أدبه تخرج باستنتاجات لم تخطر له على بال·· "وهو- بالمناسبة- ما يقوله أيضا أدباء آخرون عن الدراسات النقدية التي تكتب عن أعمالهم"·

"محفوظ وجونتر جراس"

تعقد الباحثة الألمانية د· أنجلكا هيلة مقارنة أدبية وفكرية بين أعمال الروائي الألماني جونز جراس ونجيب محفوظ الروائية وكلاهما حاصل على جائزة نوبل للآداب كما أن جراس له ثلاثية روائية مشهورة "الطبلة الصفيح، القط والفأر أعوام الكلام"·

وتقدم الباحثة أنجلكا في بداية دراستها لمحة مختصرة عن مضمون الثلاثيتين: ثلاثية  محفوظ وجراس ومن ثم تبدأ بعملية المقارنة بين نقاط الالتقاء والاختلاف من حيث الشخصيات والحدث والزمن الروائي وكذلك موقع كل من الأديبين من حيث محيطهما الإقليمي والعالمي، دون إغفال تأثير جائزة نوبل على مسيرتها العالمية·

وتقول د· هيلة في معرض مقارنتها بين محفوظ وجراس، بعد أن عرضت ملخطات موجزة لثلاثية كل من الروائيين العالميين قد يبدو لنا من النظرة الأولى عند سرد محتوى العملين وأهم التيمات بهما أنه هناك القليل من النقاط المشتركة بينهما· ولكن بالنظر لهما بشكل أعمق وأكثر تركيزاً يتضح لنا أن مجال المقارنة بينهما كبير·

  واسمحوا لي أن أبدأ بمايربط داخليا بين  هاتين الثلاثيتين· حيث نرى أن النصوص النثرية  الثلاثة تحصل على بنائها الداخلي عن طريق عنصر المكان الذي تدور أحداثها فيه وعنصر الشخصيات التي تسكن تلك النصوص·

ولنلتفت الآن لعنصر المكان والذي لم يقتصر دوره فقط على إعطاء الثلاثية الروائية اسمها· فالقاهرة بالنسبة لـ(محفوظ) تمثل المحور والقطب الأساسي لرواياته· وفي الواقع فقد اختار(محفوظ) حيا بعينه من أحياء القاهرة القديمة تقع فيه تلك الشوارع الثلاثة التى عاشت فيها عائلة السيد (أحمد)· ونرى مسرحا آخر للأحداث يتمثل فى البيت الذي يقطنه أصدقاء (كمال) الأثرياء في فترة صباه·

 ولا ينطبق هذا الكلام بالتحديد على ثلاثية (دانسيج) لـ (جونتر جراس)، حيث تدور أحداث الفصول الرئيسية لرواياته الثلاث  جميعها في (دانسيج)، كما تشكل ضاحية (لانج فور) الواقعة في غرب ألمانيا  المحور الأساسي لرواية (الطبلة الصفيح)، إلا أن الأحداث التي تجري في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تنتقل إلى غرب ألمانيا وبالتحديد  إلى مدينة (دوسلدورف)·

  وتظهر سمات الذئاب عليها، كذلك فإن الإنسان مهدد بخطر دائم من أن يفققد إنسانيته وتغلب عليه النزعة اللاإنسانية·

 ومن هنا أود أن أطرح سؤالاً عن ماهية  الدوافع التي جعلت الكاتبين يقدمان على رواية قصتيهما···

 بالنسبة لـ (جونتر جراس) فيظهر بوضوح شديد غرضه التنويري من تلك الرواية، فلم يعد مقبولاً أن تعود أحداث الإبادة الجماعية والجرائم التي ارتكبتها النازية ، لذلك كان لابد من تقديم عمل يجعل الناس تعي كيف يمكن أن تنشأ النازية بشكل عام· فمن يلم بأصول الأسباب التي أدت إلى ظهورها هو الوحيد القادر على البقاء متيقظاً لحماية الديموقراطية والتصدي لأي محاولة تؤدي إلى العودة للسلوك الهمجي·

أما بالنسبة لـ(نجيب محفوظ) فنجده قد تأثر بتجربة مختلفة تماماً· فقد رصد من خلال نموذج الأسرة القاهرية التطور التاريخي في مصر في مرحلة حاسمة من القرن العشرين· لكنه كشف القناع عن شخصياته عندما وصف سلوكياتهم بما فيها من نفاق وطمع وازدواجية في الأخلاق ووضع خطط لأهداف بعيدة المنال والفشل الذي يدعو للرثاء  دون التعليق عليها أو تدوين تقييمه الخاص لها·

ويمثل لي هذا العمل باعتباري قارئة غربية  نافذة على عالم غريب بالنسبة لي· فقد وجدت غرابة شديدة في شخصية الأب (أحمد عبدالجواد) الذي يطالب جميع أفراد العائلة بالخضوع المطلق له بينما يعيش هو خارج منزله حياة منفتحة· وظلت محاولته لطرد زوجته من بيته بسبب خطأ بسيط ظلت غير مفهومة بالنسبة لي، وعندما تراءى مصيره أمام أعيننا استطاع أن يكسب تعاطفي معه من جديد· وهنا تكمن الخدمة الكبيرة لـ (نجيب محفوظ)· فقد وصف لنا العالم الملون المفعم بالحيوية، كما كشف القناع عن المظاهر الخادعة التى استغلتها شخصياته في الظهور بهيئة أكثر ثراء، وطالب من خلال ذلك بإيجاد فهم للطبيعة البشرية في حالات البهجة والألم والسعادة وخيبة الأمل والحب والحزن التي يعيشها كل إنسان·

فقد دعا إلى التسامح مع شخصياته، التسامح الذي نحن أنفسنا بحاجة إليه·

وتقول في ملخص دراستها:

أظهرت لنا المقارنة بين العملين الأهداف المتوازية ومحاورالاختلاف بينهما· وكشفت نظرة المقارنة عن وجه جديد لأديبنا الوطني المألوف جعله يشع منه ضوء مختلف· وبجانب هذا فقد بدا لي الوصول إلى التوازي بين حياتي الكاتبين الحاصلين على جائزة نوبل والقصص المؤثرة فيهما أمرا مشوقاً· ونحن بصدد اثنين من الأدباء اللذين تقلدا وسام حصولهما على جائزة نوبل وتم تكريمهما على مستوى عالمي في الوقت الذي لم يكن يأمل أي منهما في الفوز بالقبول المطلق والتعاطف الدائم من القراء ومن النقاد في وطنهما أيضا·

وقد عاصر الكاتبان بكل تأكيد موجات معارضة كثيرة جداً بسبب المناخ الديني المحيط بهما· فكانت صيحة العتاب لهما متطابقة ومنطلقة من الخوف من أن يصبح المناخ المحيط بما به من محتوى عقائدي تقليدي مجالاً للإبداع، والخطر القائم من أن تؤِثر هذه الأعمال على الشباب وتغويه للسير في طريق الخطأ· وبالنسبة لـ (جراس) فقد اتهم بالإباحية خاصة في البداية، بل إن ذلك الاتهام تصاعد بعد ظهور ثلاثية (دانسيج) بوقت قصير حتى وصل إلى القضاء·

 من ذلك نستخلص أن الأديبين أصبحا يمثلان كل في بلده  ثوابت أخلاقية ويشاركان في المناقشات الثقافية· وهكذا نجد أن (محفوظ) و (جراس) قد دخلا عالم الأدب عن طريق اعتمادهما على تعليمها الذاتي، فـ (جراس) لم يحصل على شهادة الثانوية من المدرسة وشارك في الحرب وبعد ذلك لم يلتفت لهذا التعليم التقليدي· أما (محفوظ) فقد درس الفلسفة ، وبعد انتهائه من دراسته وعدوله عن  نيل درجة الماجستير عكف على  الأدب العالمي·

يعد الحصول على جائزة نوبل شرفاً رفيعاً لكليهما، حيث إن الاعتراف الدولي كان له  أثر كبير على استقبال الأديب في وطنه· إن المقارنة بين اثنين من المؤرخين من دانسيج والقاهرة، من على ضفاف نهر النيل وضفاف نهر الفايكسل والمشتركين في أنهما استوحيا النقاط الأساسية لعملهما والموضوعات المختلفة من المدينة  التى يرجع إليها أصلهما المتواضع يظهرهما في صورة ممثلين  لبلديهما· وتعد اللقاءت الأدبية المتبادلة بمثابة القناة التي تمدنا بمعرفة الآخر الغريب وفهم القيم والتقاليد الخاصة به والتخلص من الأحكام المسبقة، ذلك الشيء الذي يكتسب معنى أعمق في ظل العصر الذي اتسع فيه مفهوم العولمة·

 

 

من رواياته

ومجموعاته القصصية

 

·         همس الجنون "1938"·

·         عبث الأقدار "1939"·

·         رادوبيس "1943"·

·         القاهرة الجديدة "1945"·

·         خان الخليلي "1945"·

·         زقاق المدق "1947"·

·         السراب·

·         بداية ونهاية "1950"·

·         ثلاثية القاهرة·

·         بين القصرين "1956"·

·         قصر الشوق "1957"·

·         السكرية "1957"·

·         أولاد حارتنا "1959"·

·         اللص والكلاب "1961"·

·         السمان والخريف "1962"·

·         الطريق "1964"·

·         الشحاذ "1965"·

·         ثرثرة على النيل "1966"·

·         ميرامار "1967"·

·         المرايا "1972"·

طباعة  

أوصت بتحويل بيته الى متحف تراثي وفكري
ندوة عربية عن الشاعر نزار قباني في دمشق

 
المجلس الوطني يبحث سبل التعاون الثقافي مع مركز جمعة الماجد
 
إصدارات