رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 سبتمبر 2006
العدد 1744

العدوان الإسرائيلي: الأسباب والاحتمالات
الرغبة في التخلص من حزب الله لكونه المعرقل الأول لمشاريع إسرائيل في المنطقة

                

 

 

·        وقوع بعض رموز شبكة تجسس إسرائيلية لها علاقة باغتيال الحريري أحد أسباب العدوان

·      عرقلة البرنامج النووي الإيراني أحد أسباب شن الحرب على لبنان

·         ليس الجنديان بل حزمة من المتغيرات وراء حرب إسرائيل على لبنان

 

إعداد: د· عبدالله يوسف سهر - أستاذ العلاقات الدولية- جامعة الكويت 

a-sahar1961@hotmail.com

يخطئ من يعتقد أن العدوان الذي شنته إسرائيل على لبنان هو نتيجة اعتقال الجنديين الإسرائيليين في مزارع شبعا المحتلة من قبل مقاتلي حزب الله، فمن واقع افتراضات عقلانية الحرب التي تستقر على قواعد الأرباح والخسائر، لا يمكن قبول سبب الجنديين لمثل هذا العمل العسكري الكبير الذي يتضمن أرباحا وخسائر أكبر من حدود إنقاذ أو استرداد عسكريين قد وقعا في الأسر، فنظرية الأرباح المتوقعة من الحرب التي تشرح دوافع الحرب وكيفية احتساب الأرباح والخسائر بدقة تتيح تحليلا دقيقا يقضي الى نتيجة مؤداها بأن ما دفع إسرائيل لهذا العمل هو أكبر مما تحاول تصويره للإعلام، لذا فلا بد من وجود حزمة من الأسباب التي تشكل في محصلتها النهائىة احتمال ترجيح معامل الأرباح في مقابل معامل الخسائر المتوقعة، من المفيد جدا في سبيل معرفة هذه الأسباب والأرباح التي قادت إسرائيل لمثل هذا العمل أن تتم مراجعة المتغيرات الاستراتيجية والسياسية التي سبقت العدوان على الساحتين اللبنانية والإقليمية، ومن أهم تلك المتغيرات التي يتعين تمحيصها هي الأخبار التي تناقلتها الأوساط في الحكومة اللبنانية وحزب الله من وقوع بعض رموز شبكة تجسس إسرائيلية قيل عنها بأن لها علاقة باغتيال الحريري وأن بعض رموزها قد هرب أو هُرّب الى خارج لبنان·

وإذا صحت تلك الأخبار فإن لذلك دلالة واستحقاقاً سياسياً كبيراً جدا في مسار الحوار اللبناني - اللبناني، وعلى المسار اللبناني السوري،  والمسار اللبناني - الإسرائيلي، وجميع المسارات الإقليمية والعالمية التي تعاملت مع اغتيال الحريري مما قد يوجد العديد من الاستحقاقات السياسية ويخلق واقعا جديدا بل مخالفا لما تم الائتلاف عليه بين القوى اللبنانية والإقليمية وحتى العالمية التي تنادت له تحت مظلة الأمم المتحدة والقرارات الدولية التي لحقت ذلك ومنها القرار 1559 التي تنادي إسرائيل بتطبيقه·

ليس ذلك فحسب، فمجرد اتهامها أو حتى بوجود أدلة مادية ضدها لا يمكنه أن يحصل صانع القرار الى شن حرب حيث إن إسرائيل تستطيع من خلال آلاتها الإعلامية والسياسية تجاوز واقعة اتهامها في مقتل الحريري، لكن ثمة عناصر أخرى تتواجد على الأرض تشكل في مجموعها عدة عناصر تستدعي من إسرائيل القيام بعمل ما من العيار الثقيل حتى تنجح في بلوغ أهداف استراتيجية محددة· ومن هذه العناصر المجتمعة تتماثل الرغبة في التخلص من حزب الله في المشهد السياسي العام لكونه المعرقل الأول للمشاريع الإسرائيلية في المنطقة سواء كان ذلك على المستوى اللبناني أو الإقليمي، فالحوار الذي يتجاذب أطرافه الفرقاء والقرناء اللبنانيون، وفقا للقراءة الإسرائيلية، لا يتم بالصورة التي تفضي إلى ما تهدف اليه إسرائيل، وخاصة فيما يتعلق بنقل العلاقة اللبنانية مع سورية الى علاقة مواجهة، ودخول الحكومة اللبنانية مستقبلا في مماحكة المشاريع السلمية مع إسرائيل كالتي نسجتها مع الأردن، ومصر، فلبنان في المشروع الإسرائيلي مهم جدا في ضبط الحزام الإقليمي الأمني الذي يحيط بإسرائيل مما يتطلب تحييد أو تهميش جميع القوى الداخلية والخارجية المعارضة للتطبيع معها، ومن خضم سائر الأحداث وتراتباتها الزمنية فإن المراقب السياسي لا يستهلك وقتا طويلا ليرى بوضوح إصرار الحكومات الإسرائيلية على الدوام على فرض معاهدة سلام أو حتى تفاهم مع لبنان لكي يتم التمكن من استكمال قطع طريق الإمداد الشعبي والرسمي الداعم للقوى الفلسطينية المعارضة لتوجهات الحكومة الإسرائيلية مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرهما·

أما على المستوى الإقليمي الأوسع فإن هناك أيضا ما يدعو إسرائيل لشن الحرب على لبنان، فمن المعروف أن النظامين السوري والإيراني يمثلان محاور الشر الرئيسية بالنسبة لإسرائيل مما يتطلب التعامل معهما بشكل أو بآخر، بالنسبة للنظام السوري، فإسرائيل تنظر اليه باعتباره النظام العربي الذي لا يزال يعايش فترة الصراع العربي الإسرائيلي في حقبة الحرب الباردة، وبالتالي فإن القضاء على حزب الله وفق القراءة الإسرائيلية سيجرد سورية من الورقة الثانية التي يراهن عليها في لعبة الحرب والسلام، فبعد تجريد دمشق من ورقتها الأولى المتمثلة في التواجد في لبنان بعد حادثة اغتيال الحريري، تسعى إسرائيل الى إسقاط الورقة الثانية المتمثلة في وزن حزب الله في التأثير على المخرجات السياسية في المواجهة بين دمشق وتل أبيب، وبعد ذلك لن يتبقى لسورية في معادلة الحرب والسلام إلا إيران وبعض الفصائل الفلسطينية التي هي الأخرى تواجه تصفية إسرائيل بالتعاون مع بعض القوى الإقليمية والدولية، أما بخصوص إيران فهي تمثل الرقم الأصعب بالمعادلة حيث إن عملية تحييدها سياسيا أو التعامل معها عسكريا ليست بالعملية اليسيرة وذلك لتداخل العديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية الجيوبوليتيكية بصورة فائقة التعقيد، لكن كل ما يهم إسرائيل في الوقت الراهن هو التخلص من حزب الله ومنع المساعدات الإيرانية للوصول اليه من خلال سورية، إضافة الى عرقلة برنامج إيران النووي لكونه يمثل تهديدا على المدى البعيد للأمن الإسرائيلي·

لذا فإن من مصلحة إسرائيل خلال حملتها العسكرية على لبنان إقحام إيران في الحرب الدائرة لكي يتم التعامل معها من قبل الآلة العسكرية المشتركة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والإسرائيلية، لكن ذلك الخيار أيضا محفوف بالمخاطر التي تنعكس بوضوح على أسواق النفط، والمصفوفة الأمنية بالخليج، والمعادلة السياسية بالعراق، مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية غير متحمسة الى توسيع رقعة الصراع دون وجود داع ضروري لها في وقتها· وهنا تكمن المفارقة الأمريكية الإسرائيلية، ففي حين تتجه الولايات المتحدة الى التعامل التراتبي مع كل من حزب الله ثم سورية ثم إيران مع نزوع نوعي الى كل حالة، فإن إسرائيل كانت تحاول أن تتعامل بصورة كلية مع الأطراف الثلاثة في آن واحد بدءا بحزب الله في لبنان، فالولايات المتحدة تجد أنه من الضروري عدم دمج التعامل عسكريا بين الأطراف الثلاثة حتى لو تم دمجهما في ملف سياسي واحد وذلك للأسباب المتعلقة بتداخل المتغيرات الثلاثة المشار إليهما آنفا، لكن إسرائيل وإن اتجهت الى شن الحرب مرحليا على حزب الله ترى أن الطرفين السوري والإيراني لابد أن يتم التعامل معهما بسرعة لكي لا يتمكن حزب الله من تجميع قواه مستغلا الفترات الزمنية التي تفصل التعامل مع الطرفين الآخرين·

هذا الاختلاف التكتيكي بين أمريكا وإسرائيل حول دمج أو فصل التعامل العسكري مع الأطراف الثلاثة سيظل ذا أهمية قليلة في الوقت الراهن لكنه سيتفاعل بصورة أكبر ويعكس نفسه على ساحة الأحداث في حالة واحدة تمثلت في نجاح حزب الله من الصمود بوجه إسرائيل كما سنتطرق الى ذلك ضمن سياق نقاشنا للاحتمالات المتوقعة لاحقا، وفي ظل المستوى الإقليمي أيضا يتعين التنويه الى أن إسرائيل تهدف من خلال حربها على لبنان القضاء على التصور العام حول قوة التيارات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية التي تطرح نفسها كبديل فاعل وناجح ضد السياسات الإسرائيلية، ومن خلال دمج ملفي الإرهاب والأمن الإسرائيليين تحاول إسرائيل ترويج فكرة حيوية وهي فاعلية دورها في الحرب على الإرهاب الذي بات عامل تهديد للعديد من الدول الإقليمية والعالمية، وبالتالي فهي تود أن تحقق ثلاثة أهداف في آن واحد، الأول يتجسد في التخلص من أعدائها اللدودين من التيارات الإسلامية سواء في لبنان أو في الأراضي المحتلة وهذا ما دعا بعض الأنظمة العربية للتراخي في مسألة التنديد بإسرائيل ولوم حزب الله في الحرب لأن هذه الأنظمة ترى أن التيارات الإسلامية تشكل خطرا عليها إذا ما تصاعد رصيدها الشعبي، وثانيا تسعى إسرائيل الى استجلاب دعم الدول الغربية أو ضمان سكوتها حيث وجدت نفسها حرجة جدا من التنديد بممارسة إسرائيل بعد أن أعلنت مرارا وتكرارا عزمها على القضاء على الإرهاب الذي تعاني من تهديداته البائنة في دول أوروبية رئيسية مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، وثالثا تحاول إسرائيل تبديد التصور العام أو ما يسمى Image السياسي حول نجاح الخيار الإسلامي في المواجهة الإسرائيلية - العربية الذي أخذ بالانتشار شعبيا على إثر نجاح حزب الله في تحرير الجنوب اللبناني والنجاح السياسي الآخر الذي حققته حماس والجهاد في الأراضي المحتلة·

وفي التحليل النهائي للأسباب من واقع نظرية الأرباح المتوقعة من الحرب نجد بدلالة أن سبب أسر الجنديين الذي تدعيه إسرائيل وبعض الأطراف الأخرى يتداعى أمام الحقائق المنظورة في الواقع العملي، ومن هذه الحقائق ما يلي:

- ليس من المعقول أن تشن إسرائيل حرباً لها تكلفتها البشرية والاقتصادية والسياسية والاقتصادية في مقابل تحرير جنديين خاصة أنها تمارس الحرب منذ فترة طويلة ومعتادة على الخسائر البشرية·

- لا بد من وجود حزمة من المتغيرات بالغة التعقيد التي قادت الى ترجيح خيار الحرب على الخيارات الأخرى المتاحة في ظل حسابات الأرباح والخسائر، كما أسلفنا·

لا بد من المعرفة المسبقة لتدني احتمال تدخل أطراف أخرى داعمة لحزب الله بصورة مباشرة والقائمة على دراسة مستفيضة لخيارات هذه الأطراف ضمن المساق الزمني والظرفي للأحداث الذي يبعدها عن اتخاذ خيار التدخل، وفي الوقت نفسه المعرفة التامة بتوافر دعم وغطاء سياسي إقليمي ودولي للعمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وهذا بالفعل ما شهدته الساحة تماما·

- لابد من وجود خطة شاملة ومعدة سلفا منذ فترة غير قصيرة تحدد نوع ومسار العمليات العسكرية وهو ما تمثل باتباع خطة مماثلة لتلك التي انتهجتها القوات الأمريكية في عملياتها ضد النظام العراقي والتي تعرف التأثير العميق "Deep Im Pact"، والتي تبدأ بضرب دائرة العمق للقيادة لتجعلها تركز على الاختفاء في حين يتم قطع طرق المواصلات والاتصالات بينها وبين الأطراف، ثم يتم التحول الى العمليات العسكرية في الحدود بعد شل الحركة ما بين المركز والمحيط للخصم الأمر الذي على ما يبدو أنه لم ينجح في الحملة على لبنان حيث تمكن حزب الله من مواصلة عقد الاتصال بين المركز والمحيط مما ساعده على استكمال تنسيق عملياته الى آخر يوم قبل وقف إطلاق النار·

أما الأرباح التي توقعتها إسرائيل من هذه العملية فيمكن حصرها بالتالي:

1 - تصفية حزب الله لتبقى الساحة اللبنانية خالية أو على أقل تقدير محتوية على تيارات ضعيفة التأثير على أي خيارات تعتبرها إسرائيل إيجابية يمكن أن تتخذها الحكومة اللبنانية تجاهها، ومنها التطبيع·

2 - سهولة الاستفراد بالوضع الفلسطيني بعد فرض واقع جديد في العمق الإقليمي القريب لأي سلطة فلسطينية·

3 - تسهيل التعامل مع سورية سياسيا وعسكريا بعد إسقاط أوراقها القوية المتمثلة في حزب الله في لبنان والقوى المناهضة لإسرائيل في فلسطين·

4 - بعد سقوط الأطروحة القومية العربية للنضال ضد إسرائيل فإنه من الضروري تدمير رهان الأمل المعقود على القوى الإسلامية المتحدية لإسرائيل خاصة بعد أن اكتسبت تلك الأخيرة شرعية سياسية وقبولا على المستوى الشعبي العربي يمثل ويفرض التعامل معها كقوة غير قابلة للتصدي من قبل جميع الأطروحات·

5 - التعامل  مع الملف الإيراني بطريقة أسهل بعد كسر ما يسمى إحدى الأيدي الطويلة، أي وجود لأي كيان أو قوة قريبة من إسرائيل في حالة المواجهة  العسكرية بين الطرفين إضافة الى توجيه رسالة قوية للحكومة الإيرانية بالرضوخ والتنازل عن برنامجها النووي·

6 - تحقيق أرباح في الدائرة الأشمل التي تصب في مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وتعزيز مكانة إسرائيل الاستراتيجية كقوة ضاربة وفاعلة في ملفات الأزمات السياسية وعلى رأسها ملف الإرهاب لدى واشنطن وجميع الحكومات الغربية التي تمتد مصالحها للمنطقة·

7 - توجيه رسالة للشعوب العربية والإسلامية تحمل استحالة التصدي لإسرائيل ودعوتها لتكون عقلانية في إطار ما يفرضه الواقع وليس ما تحمله الآمال القومية أو الوعود الدينية·

8 - استعادة الثقة الداخلية بالتفوق الإسرائيلي وحنكة السياسة الصهيونية التي لحقها الكثير من التدهور على إثر الانسحاب من الجنوب اللبناني والخسائر الفادحة الناتجة من العمليات الاستشهادية وصعود نجم القوى الإسلامية والراديكالية في فلسطين·

لكن الإفرازات النهائية بعد مرور أكثر من شهر لم تكن متماشية مع هذه الأهداف إذ لم تحقق إسرائيل أياً منها على نحو كامل مما دعاها الى فتح المجال الى استصدار قرار مجلس الأمن لوقف العمليات الذي مثل مخرجا لابد منه لتحقيق أقل مقدار من الخسائر ولضمان فتح المسار الدبلوماسي المسنود دولياً لتحقيق أهدافها لكن خلال فترة زمنية أطول ومن هنا فإن إسرائيل  تحاول إضفاء تفسيرات للقرار الدولي بشكل يضمن مخرجات تنسجم  مع ما لم تتمكن من تحقيقه بفعل الآلة العسكرية وهذا ما تشهده الساحة من حراك سياسي موجه الى صالح ما تنشده إسرائيل، فعلى صعيد المستوى اللبناني تشهد الساحة تفشياً حاد لخلاف بين حزب الله وتحالفات الحكومة حول موقف كل منهما خلال ترتيبات ما بعد الحرب وعلى المستوى العربي المتمثل بالدول العربية الرئيسية نجد أيضا تدخلا واضح في الساحة اللبنانية بشكل يدعم موقف الحكومة لتجريد حزب الله من سلاحه وتقويض قواه السياسية وقطع الطريق أمام سورية وإيران للولوج الى الساحة اللبنانية مرة أخرى، أما على المستوى الدولي فإن التحرك في اتجاه تنفيذ القرار الدولي ليس ببعيد عن ما تستند اليه إسرائيل من تفسير حيث تسند مهمة تجريد حزب الله من سلاح الى الحكومة اللبنانية وفي الوقت نفسه تراهن على القوات الدولية لتوفير عازل أمني لأي خطر على حدودها مع ضغط على أن يسلم حزب الله الجنديين الإسرائيليين المعتقلين لديه وبهذا فإن معظم ما لم تستطع إسرائيل تلبيته من خلال الحرب بصور سريعة سيعمل على إتاحته من قبل أطراف لبنانية وعربية ودولية على المدى السريع ليتم بعدها التفرغ للأعداء الآخرين لإسرائيل وعلى رأسهم إيران وسورية·

لكن هل هذا الطموح الإسرائيلي قابل للتحقق في ظل المعادلة الصعبة للأطراف اللبنانية والإقليمية؟ بالتأكيد إن حزب الله والقوى اللبنانية المتعاطفة معه سوف لن ترضخ بسهولة الى ما تسعى إليه المجموعة الأخرى التي تشكل أغلبية  في الحكومة اللبنانية لتنفيذ الأجندة الأمريكية- الإسرائيلية وفقا لتقديراتهم الخاصة، بشكل يضعف مكانتهم السياسية وفي الوقت نفسه لن تدع هذه الأغلبية في حكومة الرئيس السنيورة حزب الله يعبث بالأجندة اللبنانية، من وجهة نظرهم ويجعل البلاد عرضة للانحدار الاقتصادي والحرج السياسي ويدخل النفوذ الخارجي خاصة سورية الى الساحة اللبنانية من الباب الخلفي، وعلى المستوى الإقليمي ستتناطح المحاور الرئيسية بالمنطقة على مذبح دعم الفرقاء اللبنانيين الأمر الذي سيعقد المشهد السياسي بشكل قد يعيد الرياح المحزنة للحرب الأهلية، وكذلك  على المستوى الدولي فإن أطرافاً عديدة تدخل على الخط لتضفي أبعاداً تشتبك مع المستويين الآخرين، وبالتالي فليس هناك من شك أن تلك الأطراف اللبنانية والإقليمية والدولية ستمثل أضلاعا لجسم غريب بالمنطقة لن ينتهي على نحو محسوم لصالح طرف واحد الأمر الذي ينذر باحتمال انفجار الفقاعة اللبنانية في الداخل وعلى دول الجوار الإقليمي·

 

* * *

 

الاحتمالات الواردة من المشهد العسكري القائم

 

هناك أربعة احتمالات تتفرع منها العديد من التداعيات التي تتساقط على الواقع السياسي في المنطقة·

الاحتمال الأول: تحقق السيناريو الذي تتطلع إليه إسرائيل المتمثل في تنفيذ القرار الدولي وفقا لتفسيرها؟ مع تمكين الأغلبية في الحكومة اللبنانية من فرض أجندتها بشكل لا يهدد الأمن الإسرائيلي، وسيحمل هذا الاحتمال العديد من التداعيات الجيو سياسية على المنطقة أهمها مايلي:

1- تمكن الأغلبية في الحكومة اللبنانية من رسم منظورها وخططها الخاصة بشكل السياسة اللبنانية، والتخلص تمامامن النفوذ السوري والى حد بعيد الإيراني من نزوع نحو الاتجاه التقليدي العربي·

2- بالنسبة لإسرائيل فمثلما تقدم سيتم نسج شباك لحزام أمني يطوق  إسرائيل طوق حماية على كافة حدودها فيما عدا سورية التي يسهل التعامل معها لاحقا بصورة متعددة إضافة الى قطع التواصل الخارجي عن السيطرة الإسرائيلية مع الفلسطينيين داخل الأراضي  المحتلة سواء كانت تحت الحكم الفلسطيني أو تحت السيطرة الإسرائيلية مما يسهم في تقوية القبضة على المسارين السياسي والعسكري الذي يحكم العلاقة بين الطرفين لسنوات طويلة ليشهد خلالها ترتيبات عديدة كفيلة بضرب جميع الأجنحة السياسية النظامية المناهضة لإسرائيل·

3- تعزيز نظرية الدور الاستراتيجي لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد مرحلة الحادي عشر من سبتمبر التي أدت الى رسم استراتيجي عالمي جديد في متبنيات السياسية الأمريكية ومنها ما يطلق عليه الشرق الأوسط الجديد·

4-إتاحة الفرصة لولادة شرق أوسط جديد تولج من خلاله مرحلة التطبيع مع إسرائيل والدول العربية مقرونا بترتيبات أمنية تساعد في الانطلاقة الى آفاق قطف الثمار السياسية والاقتصادية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية ذات العلاقة الخاصة مع أمريكا والتي شابت علاقتها الكثير من التوتر على إثر ملف الإرهاب ودعم الديمقراطية التي أطلقتها الأخيرة في الآونة الأخيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية·

الاحتمال الثاني :يتمثل في استطاعة حزب الله الصمود السياسي في الساحة اللبنانية وفي حالة تحقق هذا الاحتمال فإن التداعيات التي يمكن أن تنتج منه تتمثل في التالي:

1- عدم التمكن من نزع سلاح حزب الله على المدى القريب على أقل تقدير مما يجعله يواصل في جميع قواه السياسية في لبنان·

2- تعزيز المد المناهض لإسرائيل وبعث الأمل في هزيمة إسرائيل من خلال  هدم نظرية القوة التي لا تهزم وهو أمر في غاية الخطورة بالنسبة للسياسة الصهيونية إذ إنها تمثل تهديدا حقيقيا لنظرية الردع التي تم بناؤها منذ فترة طويلة·

3- على الساحة الفلسطينية فإن عدم انتصار إسرائيل سيشجع فصائل المقاومة العاملة في الأراضي المحتلة على مواصلة نضالها مقتدية بما حققه حزب الله على الساحة اللبنانية مما قد يؤدي الى اتساع رقعة شعبيتها ضد القوى الأخرى التي تقبل بها إسرائيل كطرف للتفاوض مع الصراع القائم·

4- إن عدم هزيمة حزب الله تعني انتصارا ليس فقط للبنان وإنما للقوى التي ساعدته ووقفت معه خاصة إيران وسورية مما يعني تعظيم دورهما الإقليمي في وقت يتطلع فيه الجميع بصورة متناقضة الى ولادة نظام شرق أوسطي جديد فإن لم تنتصر إسرائيل في حربها السادسة فإنها بالتأكيد ستكون في صالح مجرى رياح تغيير شرق أوسطي بشكل لا  تشتهيه السفن الأمريكية- الإسرائيلية·

5- بالنسبة للعديد من الدول العربية والقوى الإقليمية فإن انتصار حزب الله سياسيا يعني اكتمال ما تم تسميته بالهلال الشيعي بالمنطقة الممتدة من إيران مروراً بالعراق وسورية ثم لبنان، وعلى الرغم من هلامية وتضخيم عقدة الخوف مما يسمى بالهلال الشيعي لكنه دون شك يفسر جزئيا على أقل تقدير موقف بعض الدول والقوى بالمنطقة من العدوان الإسرائيلي القائم على لبنان·

6- إن عدم انتصار إسرائيل عسكريا سيمثل حرجاً كبيراً بل تحديا للأنظمة العربية خاصة التي دخلت أو  التي تدعو الى الدخول في معاهدات سلام مع إسرائيل متذرعة بما يطلق عليه بسياسة الأمر الواقع، كما أن ذلك سيمثل تحديا آخر لكل من إسرائيل وأمريكا من إقناع الأطراف الإقليمية بالدخول في الترتيبات السلمية وفق ميزان التفوق الذي تفرضه على الدول العربية مما قد يعني إضعاف القدرة التفاويضة لها في مقابل هذه الأطراف وهو أمر لا ترغبه البتة في ظل لعبة القوة والمصالح التي تود فرضها بالمنقطة·

الاحتمال الثالث: تمكن القوى اللبنانية من التهادن وقبول بأنصاف الحلول الأمر الذي يعني تجميد بعض الملفات الساخنة مثل نزع سلاح حزب الله واستمرار ظاهرة المد والجزر في العلاقة مع سورية علاوة على استمرار ما يمكن وصفه برسم سياسية كل يوم بيومه وفقا لما يقتضيه منطق المحاصصة والحلول الوسط، وهذا يعني عودة السياسية اللبنانية الى مرحلة ما قبل الحرب الأخيرة بكل ما تحمل من مساوئ ومحاسن·

الاحتمال الرابع: وهو أن تستفرخ الساحة عوامل عدم التفاهم والتمسك بالحل الصفري مما يجعل لبنان يقف على شفا حفرة الحرب الأهلية المقيتة هنا سوف لن يجني الجميع الا فتح جبهة جديدة لاستباحة الدم، ساحة مصدرة للإرهاب والعنف، تدمير عام يعانق مشاهد بيروت الكئيبة إبان السبعينات، والتصفيات الإقليمية والدولية في الملعب اللبناني، هنا سيخسر اللبنانيون جميعا وسيتاجر الآخرون على حساب وطن طالما بالوعود حلم ولم يلق إلا المآسي والألم·

طباعة