رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 سبتمبر 2006
العدد 1744

مقاومة شعبية من كاراكاس الى القاهرة

                    

 

جورج غالوي*:

"أيها الأقوياء انظروا الى أعمالي واقطعوا الأمل" هذا ما تقوله كلمات منقوشة على التمثال التذكاري المحطم في الصحراء في قصيدة الشاعر الانجليزي "شيلي"  المسماة "اوزماندياس" ولكن ما كان يتناثر بين الرمال، لم يكن ثقة أعدائه بأنفسهم بل تبجح تمثال الطاغية "اوزماندياس"·

بعد خمس سنوات مرت على فظائع 11 سبتمبر 2001 ما زال الرئيس الأمريكي جورج بوش والمحافظون الجدد يعملون على تحويل الكثير من أفغانستان والعراق الى خرائب ممتلئة بما هو الآن أشياء ميتة، وفي قلب هذه الأشلاء تكمن كارثة أخرى لا أحد يندبها، هي الحطام الهائل للسياسة الخارجية الأمريكية والبريطانية ولا يستطيع أصحاب هذا الحطام الادعاء بأنهم لم يتم تحذيرهم من الكوارث التي سيصنعونها فقد قالت لهم الملايين منا ما سيحدث إذا تشبثوا بأحداث خمس سنوات مضت لإطلاق ما يسميها البنتاغون الآن "الحرب الطويلة" وكنت تحدثت بعد أربعة أيام من الهجمات في نيويورك وواشنطن في البرلمان البريطاني وحذرت من أنه إذا أساءت الولايات المتحدة وحلفاؤها التعامل مع رد الفعل فسيختلقون ألف أو عشرات آلاف بن لادن، وبعد خمس سنوات، أليس هذا هو ما حدث؟

لقد قتل عشرات الآلاف من الناس معظمهم من النساء والأطفال في العراق وأفغانستان، هل يتخيل المسؤولون عن القتل في نهاية الأمر وهم يجلسون وراء طاولاتهم  الخشبية الفاخرة في البيت الأبيض وداوننغ ستريت إن بقيتنا لم تلاحظ أنهم لا يعتبرون موت أولئك العرب والمسلمين يستحق الألم نفسه الذي أصابهم، هل يعتقدون أننا لم نلاحظ كيف أنهم رفضوا حتى عد رقم القتلى في العراق؟ هل يعتقدون أن صور أبو غريب الفضائحية يمكن ان تشطب؟ هل يضلل جورج بوش وتوني بلير نفسيهما بالتفكير أنهما يمكن أن يرطبا السكين التي تغرسها إسرائيل في لبنان من دون ان ينظر إليهما كشركاء في جرائم حرب؟

لقد أعطى بلير كل مظهر من مظاهر فقدان كل صلة له بالواقع حين طار الى تل أبيب في الأسبوع الماضي وذهب، وأعضاء حزبه في البرلمان يخططون لإسقاطه لأنه يدمر فرص إعادة انتخابهم، الى القدس المحتلة واحتضن إيهود أولمرت الذي عارضت الغالبية الساحقة من الناس في بريطانيا حربه على لبنان·

أما بالنسبة لبوش فهو يصارع دائما حتى لإعطاء ولو انطباع أن له صلة بالواقع، ومع ذلك فقد ظل واقع السنوات الخمس الأخيرة باقيا بعناد، فالعالم ليس عالما أكثر آمانا، بل هو أشد عنفا وأكثر خطورة·

وهنا الكثير والكثير فجهاديو بن لادن من كل لون، والمرارة في العالم العربي والإسلامي أعمق وأوسع وأكثر التهابا·

ويتناسى بلير في أفغانستان تاريخ الكوارث العسكرية لأمته في ذلك البلد·

في أفغانستان دفع بلير جنوده غافلاً عن تاريخ الكوارث العسكرية لأمته في ذلك البلد المعتز بنفسه، في أكثر الأراضي قسوة ضد مقاومة عسكرية شرسة ومتنامية، في جزء من العالم لم يستطع حتى الإسكندر الأكبر احتلاله·

وفي العراق سفح المحتلون دماً يكفي ليحول مياه النهرين الكبيرين الى مياه قانية، ومن أجل التشبث هناك يثيرون صراعاً طائفيا ومذهبيا يهدد تهديداً مأساويا بتقسيم البلد الى ثلاث طوائف، وهذه ربما هي هديتهم الى هذا البلد، هل يستطيعون الادعاء بجفون لا ترف أن العراق الآن أفضل مما كان قبل الاحتلال؟ تذكروا ما قالوا أن حربهم ستحققه الحرية والديمقراطية واحترام النساء والرخاء والكرامة·

في الحقيقة ما تحقق هو حرية ثقافة الولايات المتحدة الأمريكية الموحدة ديمقراطية الدولار وعالم عربي يحكمه ملوك فاسدون ورؤساء دمى مطواعون يتميزون بحماقة أقل قادرون على ترتيب انتخابات كما يفعل بوش في فلوريدا، بدلاً من ان يسجنوا المعارضة بفظاظة·

وحتى طموحاتهم الأنانية هذه لم يحصلوا عليها وهو أمر يتزايد ظهوره مثل أكثر الهجمات نتوءاً للواقع الذي خلقوه طيلة نصف العقد الماضي، ولا يوجد مكان يرمز الى هذا أكثر مما يرمز إليه لبنان·

في مارس من السنة الماضية لعبت وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخارجية البريطانية دوراً متنافراً مع طبيعتهما دور موزعي المنشورات الثورية مؤكدة لنا أن "ثورة الأرز" في لبنان كانت في طريقها الى إطلاق حركة لا يمكن مقاومتها من أجل "شرق أوسط جديد"·

وإذا بعد خمسة عشر شهراً، ونحن نعرف ماذا يشبه هذا، بالجيش الإسرائيلي يتعهد بقصف لبنان وتأخيره عشرين سنة الى الوراء ويباشر غزوا يتوقف نجاحه على استثارة وإشعال حرب أهلية فعل الشعب اللبناني الكثير من أجل أن يخمدها·

الحرب في لبنان في هذا الصيف لم تكن مجرد حدث آخر في تاريخ إسرائيل الدموي يضرب الدول المجاورة لها· لقد كانت معركة في حرب واشنطن الواسعة على الإرهاب لقد كانت جبهة فتحت تحديداً، وهنا المفارقة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية غائصة في الوحل وتخسر في الجبهة العراقية، واستهدف الهجوم على لبنان تعبيد الطريق نحو المزيد من العدوان ضد سورية وإيران، وهو ما جعل رد فعل أولئك القادة العرب  الذين أدانوا المقاومة اللبنانية باعثاً على المزيد من الغثيان·

ولا يجب أن تلقى مزاعمهم الكاذبة بأن هذه مجرد حرب شيعية أو أن التهديدات  بقصف إيران هي مشكلة فارسية سوى الاحتقار، هؤلاء بدعمهم لإسرائيل ضد حزب الله والمقاومة في لبنان وقفوا في صف العدو الذي يخنق الفلسطينيين في غزة· وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء يذلون أنفسهم أمام واشنطن وتل أبيب، كان اسم الشيخ حسن نصر الله على شفاه الملايين من الرباط الى الرياض·

وكانت هزيمة إسرائيل على يد حزب الله والمقاومة في لبنان هزيمة أيضا لواشنطن ولندن، وفتحت أفقا جديدا لإنهاء كابوس السنوات الخمس الأخيرة· إن الثقة العارمة بوجود بديل لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والشركات العالمية وشركائها الصغار المحليين  لا تنتشر في العالم العربي والإسلامي فقط بل يحدث الأمر نفسه في أمريكا اللاتينية، حيث يمثل الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز جيلا راديكالياً جديدا، جيل جديد التقى بنظيره من الشرق الأوسط وبالجيل الأقدم للكبير فيديل كاسترو في قمة عدم الإنحياز الأخيرة في هافانا·

وأعتقد أن هذا سيكون نهاية لتركة السنوات الخمس الأخيرة: إنه تجديد للحركة العالمية في مواجهة مباشرة مع البنتاغون والقوات المتعددة الجنسيات التي تتصرف نيابة عنه كقوة إسناد، والنتائج المتوقعة ستكون فوق المتصور، وتماما مثلما دفع المأزق في العراق الولايات المتحدة الأمريكية الى دعم المغامرة الإسرائيلية في لبنان فقد تدفع هزيمة هذه المغامرة الى التعجيل بالاستعدادات للهجوم على إيران وسيكون هذا الهجوم أحد أكثر اساءة حساب تكلفة في التاريخ·

إنهم يقفون حذرين ولكنهم وقفوا حذرين طوال ردة فعلهم المجنونة على 11 سبتمبر ولذا لا يجب أن يقلل أحد من قدر طاقتهم على الخوض أعمق في نهر الدم·

الولايات المتحدة الأمريكية لن تبتعد على رؤوس أصابعها، رغم خسائرها فإن فعلت هذا فسيعني أن المؤسسة الأمريكية تقبل أن هيبتها وقوتها قذف بها الى ما قبل العام 1989 حين كانت تواجه قوة منافسة وهو أمر يحتاج الى قوة المقاومة الشعبية من كاراكاس الى القاهرة لقذف هذا الحيوان الضخم الى الوراء، وتسوية الحسابات مع كل أقنعته التي يعتمد عليها ولكن التي تعتمد عليه اعتماداً حاسماً أيضا·

 

*عضو البرلمان البريطاني عن حزب الاحترام

عن موقع: www.informationclearinghouse.info

طباعة  

صندوق النقد الدولي مازال نائب عالم الأثرياء
لا يخدعنكم هذا الإصلاح!