رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 سبتمبر 2006
العدد 1744

صندوق النقد الدولي مازال نائب عالم الأثرياء
لا يخدعنكم هذا الإصلاح!

                                                                    

 

جورج مونباوت*:

ما سيجري تمريره بوصفه تحويل صندوق النقد الدولي الى مؤسسة "ديمقراطية" هو في الحقيقة طريقة لضمان أن تستمر غالبية فقراء العالم بلا كلمة مسموعة، لقد بدأ النهر الجليدي المنحدر بالتكسر·

ونلمح في أكثر ديكتاتوريات العالم قوة بادرة تغيير، وأما هنا لا أتحدث عن الصين أو أوزبكستان أو بورما أو كورية الشمالية، فهذه الدولة لا تدير غرف تعذيب أو معسكرات أشغال شاقة، لا أحد يعدم رغم أن العدد الغفير يعاني من الجوع حتى الموت نتيجة لسياساتها· "البيروسترويكا" غير العجولة تحدث في واشنطن، في مكاتب صندوق النقد الدولي·

وتبدو الإصلاحات، شأنها في ذلك شأن معظم تنازلات الأنظمة الدكتاتورية، مهندسة لا لإحداث المزيد من التغيير، بل لمنع حدوثه، إذ يأمل النظام عن طريق زيادة طفيفة في أسهم (ومن ثم سلطات تصويت) الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا، شراء واسترضاء وتمتلك بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان 22% تتقاسمها فيما بينها، ولكل واحدة مقعد دائم في مجلس الإدارة وبترتيبات غريبة تسمح للدول الثرية بالكلام نيابة عن الدول الفقيرة، تمتلك كندا وإيطاليا سيطرة فعالة على 8% إضافية، البلدان الأوروبية الأخرى قوية بشكل ملحوظ أيضا، مثل بلجيكا على سبيل المثال، فهي مخولة بنسبة 2,1% من الأصوات وسيطرة غير مباشرة على 5,1%، أكثر بضعفين من حصة الهند أو البرازيل· وتشكل حصص أوروبا واليابان وكندا والولايات المتحدة ما مجموعه 63%، وفي مقابل هذا يتقاسم 80 بلدا هي الأفقر في العالم فيما بينها 10% فقط·

هذه الحصص المخصصة (الكوتا) لم تعد تعكس حتى المساهمات المالية الحقيقية لإدارة الصندوق: إنه يحصل على الكثير من رأسماله من دفعات تسديد القروض من قبل دوله الخانعة، ولكن الدول الكبرى السبع ما زالت تتصرف كما لو أن الصندوق من مقتنياتها، فهي تقرر من يديره (مدير الإدارة أوروبي دائما ونوابه أمريكيون دائما) وكيف تصرف الأموال· وعليك أن تسأل لماذا على البلدان النامية أن تهتم بالظهور فيه·

غالبية أمراء الحرب الأقوياء، وإبقاء الغوغاء بعيدا في الوقت نفسه· بل حتى إنه يرمي بقطع نقدية نحاسية قليلة من الشرفة للرعاع ليتشاجروا على اقتسامها· ولكن لا أحد، باستثناء قادة الدول الثرية، والكتاب القادة في كل صحيفة تقريبا من صحف العالم الثري، يمكن أن يعتبر هذا استجابة ملائمة لمشاكله·

صندوق النقد الدولي هو هيئة يصل عدد أعضائها الى 184 عضواً، ويدير شؤونها سبعة منهم الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا، وحدث أن هذه البلدان السبعة هي وعدت (مع روسيا) بحماية العالم في قمة الدول الكبرى الثماني في العام 2005، وتحتفظ عصبة السبعة بسيطرتها بالإصرار على أن كل دولار يشتري صوتا· فكلما كبرت كانت الحصة المخصصة للبلد أكبر، كلما كان لديه المزيد مما يقوله بشأن إدارة الصندوق، وهذا يعني أن الصندوق تديره البلدان الأقل تأثرا بسياساته·

ويتطلب قرار كبير 85% من الأصوات، وهو ما يضمن للولايات المتحدة، مع نسبة %17، صوتا مهيمنا على شؤون الصندوق الجوهرية·

هذه السلطة، من حيث المبدأ، من المفترض أن يوازنها شيء ما يدعى "الصوت الأساس"، وهي 250 سهما (تمنح حق تصويت بقيمة 25 مليون دولار) مخصصة لكل عضو، ولكن في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة حصص البلدان الثرية منذ تأسيس الصندوق في العالم 1944، فإن الأصوات الأساسية لم ترتفع، بل انحدرت من %11,3 جملة الى %2,1 · وتظهر ورقة متسربة أوصلتها الى منظمة باهرة تدعى "مشروع بريتون ودوز" (كل شيء نعرفه عن صندوق النقد الدولي يجب أن يكون تسريبا) إن الصندوق ينوي أن "يدمقرط" نفسه "على الأقل بمضاعفة" الصوت الأساس، وهذا يرتب كل شيء، وعندئذ سيكون 80 بلدا من البلدان الأكثر فقرا في العالم قادرة على حيازة نسبة 0,9% مقسومة بينها، وحتى هذا التنازل المثير للشفقة لم يحدث إلا بعد أن أقدم الأعضاء الأفارقة على مخاطرة سياسية بأن عارضوا علنا عروض الصندوق· ولا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد حاليا النظر في مكانتهم التجارية·

وتحدث توليفا بين كل هذا عملية سياسية داخلية تبدو كما لو أنه تم اختراعها في كورية الشمالية وليس في واشنطن، فليس هناك تصويت رسمي ، بل مجرد "عملية إجماع" يسيطر عليها القادة الأعزاء لمجموعة الدول الكبرى السبع، والقرارات التي تتخذها كل دولة عضو لا يمكن أن تكشف علنا، ولا تكشف أيضا محاضر اجتماعات مجلس الإدارة و"أوراق العمل" التي قامت على أساس إصلاحاته الداخلية، وحتى تقارير محقق شكاوى صندوق النقد الدولي (مكتب التقييم المستقل) يخضع لرقابة الإدارة، ويتم تغيير ما يتوصل اليه لنقل اللوم عن إخفاقات الصندوق وإلقائه على زبائنه من الدول·

 ولا حاجة الى القول إن الصندوق يصر على أن الدول التي يقرضها يجب أن تلزم نفسها، بحكومة صالحة و"شفافية" إن كانت ستتسلم نقوده·

لا شيء من هذا سيكون ذا شأن كبير لو أن الصندوق التزم بتفويضه الأصلي، أي ضمان استقرار نظام النقد الدولي، ولكن منذ انهيار اتفاقية "بريتون وودز" في العام 1971، فقد الصندوق على أقل تقدير رسالته في الحفاظ على سعر الصرف، وبدأ يبحث عن دور جديد· فحين نقح مواد نظامه، كما تظهر دراسة للبروفيسور دانيال برادلو، في العام 1978 كانت عائمة وبالغة الضبابية الى درجة أنها سمحت لصندوق النقد الدولي بالتدخل تقريبا في أي جانب من جوانب الحكم في أي بلد، وفقد الصندوق تأثيره على سياسات الدول الكبرى السبع الاقتصادية، وأصبح بدلا من ذلك نائب العالم الثري، المسيطر بتوصياته وأوامره على الأمم الأفقر، وبدأ بإدارة أدق تفاصيل اقتصاداتها من دون الرجوع الى الشعب، أو حتى الى حكومات، ومنذ ذلك الوقت، لم يحتج أي بلد ثري الى خدماته، وقلة من البلدان الفقيرة استطاعت الإفلات منه·

ويلقي هذا ضوءاً بالغ الدلالة على القرار الذي ستتم المصادقة عليه في اجتماعات صندوق النقد الدولي في سنغافورة في الأسبوع القادم، لرفع حصة أربعة بلدان متوسطة الدخل، فبعد أن "ساعد" الصندوق اقتصادات شرقي وجنوبي آسيا المضطربة في العام 1997، بتخريبها نيابة عن أموال الصفقات الأمريكية وشركات الاستثمار، قررت أمم تلك المنطقة أن لا تسمح لنفسها أبدا بالوقوع فريسة له مرة أخرى·

لقد بدأت بتأمين نفسها ضد خطر العناية المحبة للصندوق ببناء احتياطياتها الرأسمالية الخاصة بها"، والآن تماما مثلما ضمنت الصين وكوريا الجنوبية أنها لن تطلب مرة أخرى أبدا خدمات صندوق النقد الدولي، فقد ضمنت المزيد من السلطة لتقرير كيف تعمل· بكلمات أخرى، لقد أصبحت ملائمة لإدارة شؤونها حين استطاعت، مثل الدول الكبرى السبع، ممارسة السلطة من دون تحمل التبعات، فكلما كان رهانك أصغر على الناتج، كان صوتك أعظم·

إنني من الذين يؤمنون بأن صندوق النقد الدولي كان وسيبقى الهيئة الخطأ، غير عادل من حيث نظمه، والثغرات ملازمة لتكوينه، ولكن إذا أراد قادته وأنصاره إقناعنا أنه ربما في يوم من الأيام سيكون له دور شرعي في إدارة نظم العالم المالية، فعليهم أن يقوموا بالكثير أفضل من هذا·

 

 *كاتب معني بالبيئة وشؤون التنمية، اسكوتلندي،

يصدر له هذا الشهر كتاب "كيف نقاوم احتراق كوكب الأرض"

(عن الجارديان، 7/9/2006)

 

 

طباعة  

مقاومة شعبية من كاراكاس الى القاهرة