رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 أبريل 2007
العدد 1769

ما بعد قمة الرياض.. الشكل أم الجوهر؟
ضعف اليد الأمريكية الآن فرصة للسلام

                                            

 

ميشيل براون:*

مبادرة الجامعة العربية في الملعب مرة ثانية بعد فجوة خمس سنوات مفروضة إسرائيليا وأمريكيا· ولم تأت هذه العودة إلى الاقتراح الذي أزيح جانبا إلا لأن حكومة بوش لوثت المنطقة تلويثا تاما (بدءا من الاضطراب الطائفي الدامي في بغداد، وحتى تسونامي الفضلات الإنسانية التي اجتاحت منذ وقت قريب جزء من شمالي غزة) وتوصلت بوضوح إلى أن هناك الآن أملا في "حل" مشكل إسرائيل وفلسطين أفضل من حل الوضع العراقي·

وفي انعطافة تحمل مفارقة، تدعي حكومة بوش أن الطريق إلى سلام الشرق الأوسط الذي يمر عبر بغداد قد انحرف بالانهيار الكامل في العراق· والآن، هناك على جدول الأعمال، القدس والحدود واللاجئون الفلسطينيون· إن موقف البيت الأبيض الراهن لم يقد إليه سوى نمو قوة إيران، والتوق اليائس إلى شيء من النجاح في المنطقة، وخطر فشل مماثل لفشل الرئيس كلينتون في الأيام الأخيرة من ولايته التي امتدت طيلة ثماني سنوات·

الحكومة الأمريكية، ممثلة بوزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس، تصل إلى هذا المفصل نتيجة للضعف وليس القوة· لقد حشرتها في الزاوية مواطن ضعف الحروب التي خاضتها· ويوفر ضعف يد واشنطن في الشرق الأوسط بالفعل فرصة أفضل مما هو معتاد لتقدم إيجابي في صناعة السلام، رغم أن فرص النجاح ضئيلة إلى حد كبير·

مع إيران تأخذ بأسباب القوة، فإن عائلة بوش وحلفائها مترددة في القطع مع العربية السعودية· وقد بدأ السعوديون بالإمساك بالظروف المتغيرة مع شيء من الحذق والدهاء· ونجاح السعوديين بالدفع عبر حكومة وحدة حماس - فتح أدى بوضوح إلى إعادة تقويم ما الذي ستسمح به حكومة بوش، وامتحان للخطوط المتكسرة الممتدة بين الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل·

ولاحظ الملك عبدالله حول خط الصدع في الجانب الاقتصادي الرئيسي أن "من الضروري إنهاء الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني بأسرع ما يمكن، حتى يمكن تحريك عملية السلام في جو بعيد عن القمع واستخدام القوة"·

ولكن تبقى رؤية ماذا ستكون عليه ردود الأفعال على تعليق الملك عبدالله في افتتاح قمة الرياض القائل بأن الوجود الأمريكي في العراق هو "احتلال أجنبي غير شرعي"· حتى الآن، رد فعل الحكومة الأمريكية العلني متحفظ تماما· الناطق باسم الخارجية الأمريكية "شين ماكورماك" قال: "إننا نريد أن نفهم بوضوح أكثر ماذا في ذهنه بالضبط حين تحدث عن احتلال غير شرعي"· وشدد "ماكورماك" أيضا على العلاقة الشخصية الممتازة بين الرئيس بوش والملك عبدالله· ولكن آخرين، في الكونغرس ومراكز الأبحاث، كان رد فعلهم صاخبا في إدانتهم للملك عبدالله وللعربية السعودية· ونقلت صحيفة النيويورك تايمز، سلفا، أن "سيمون هندرسون" مدير سياسة الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، زعم بأن ملحوظات الملك عبدالله تمنح شرعية للهجمات على القوات الأمريكية في العراق· ومن المحتمل أن يحاول المدافعون عن إسرائيل توسعية حقن ما يذكر بحدث 11 سبتمبر في أي مناقشة للانخراط السعودي في عملية سلام الشرق الأوسط·

لا شك أن نمو المطالبة المرتفعة بمحادثات جوهرية تحيط بحكومة "أولمرت"· وهو الآن في موقف دقيق يدفعه إلى الانخراط وأن لا يُظهر أنه متصلب· وفي ظل علمه بهذا، أظهر ضعفا خلال زيارة رايس الأخيرة· ففي نهاية تلك الزيارة وافق "أولمرت" على اللقاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس كل أسبوعين لمناقشة القضايا الأمنية والاقتصادية، ولكن ليس قضايا الوضع النهائي· حسب رؤيته، هو يكسب بالنقط عبر محادثات شكلية، بينما يتفادى جوهر القضية الأساس· ولا ريب أن رايس لم توجه اللوم علنا إلى "أولمرت" لمقاومة المحادثات الجادة، وبدلا من ذلك وضعت اللوم على اتفاق فتح - حماس غير المتوقع كسبب لبطء الحركة·

ولكن، قمة الرياض الآن ضاعفت الضغط على "أولمرت"، فهناك على الطاولة عرض سلام عربي شامل· ومن المفترض أن "أولمرت" يدرك أن نوعا من عرض مضاد كان ملزما بعد انتزاع أحشاء عرفات سياسيا حين عرض مجرد عرض مضاد ضمني في كامب ديفيد· إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستهدف من المحادثات مع السعوديين الحصول على اعتراف عربي بإسرائيل بينما يتجنب مرة أخرى جوهر المطالب الفلسطينية· ولا ريب أن السعوديين يعرفون هذا جيدا، فهم في المقام الأول يمتلكون خبرة مع أطروحات مماثلة·

الظروف الحالية تؤكد مرة أخرى على الأهمية الحيوية لكونك في وضعية هجوم في الحديث عن السلام وإنشاء إطار لمحادثات جوهرية· الجامعة العربية أعادت تكوين جديتها وأعادت التثنية على حقوق الفلسطينيين في القدس والحدود واللاجئين· الغزوات الإسرائيلية السابقة في مضمار السلام تجاهلت أو وضعت جانبا هذه القضايا، ولكنها فازت في محكمة الرأي العام الأمريكي بتقديمها بصوت عال تعابير بلاغية عن "العرض السخي" حسب مصطلحات مرحلة "باراك"، وكون هذه الاقتراحات والعروض لم يكن لديها سوى القليل المتعلق بالوفاء بالحقوق الفلسطينية ومبادىء العدالة الأساسية، لم يحظ بتغطية ذات أهمية في وسائط الإعلام· الأمر الوحيد الذي كان يهم هو أن المحادثات جارية، وأن الإسرائيليين كان ينظر إليهم كمبادرين لا مصدر ردود أفعال·

الآن، على أية حال، للجامعة العربية، اليد الأعلى من يد الحكومة الإسرائيلية، فهي قد عرضت صفقة ذات جذور في الحقوق والقانون الدولي سرعان ما سخر منها "توماس فريدمان" الذي دعم نسخة مبكرة من الخطة السعودية في العام 2002، بينما ينظر إلى الحكومة الإسرائيلية على نطاق واسع كحكومة تحاول صد خطر محادثات جادة·

وكما كان الأمر دائما، يظهر اللاعبون الأكثر قوة في لحظة تقرير مصير الفلسطينيين· ومع ذلك فإن أي تسوية، بغض النظر عن فرصها القريبة، تتطلب موافقة فلسطينية بوساطة استفتاء· ولكن قبل أي استفتاء بعيد، هناك ضرورة طاغية بالنسبة للفلسطينيين ليرتبوا أوضاع بيتهم الداخلية في وقت يتواصل فيه القتال الداخلي، رغم أنه بوتيرة منخفضة منذ التدخل السعودي· ومع وجود حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، هناك أيضا نافذة لتقدم أي تفكير جديد للقيادة الفلسطينية· ويوفر هذا أيضا فرصة أخرى "لهجوم سلام" يمكن أن يقدم فيه الفلسطينيون حقوقهم المشروعة ومطالبهم بأسلوب ذكي إلى المجتمع الدولي· وأي تأخير في توصيل هذه الرؤى، لن يكون إلا لصالح أيدي الإسرائيليين بتمكينهم من تحديد بنود اتفاقية سلام تتوافق مع النزعة التوسعية الإسرائيلية والتطهير العرقي (بالتنكر لحق العودة)· وقد حقق كامب ديفيد هذا النجاح الأحمق، ولا ريب أن "أولمرت" لن يفعل أقل من هذا أو يعتمد على أقل منه· إن لديه بالطبع حلفاء أقوياء في الكونغرس والحكومة الأمريكية·

وسرعان ما ستبدأ محاولة هزيمة السعوديين والفلسطينيين لفظياً بشكل جاد مرة أخرى· ولكن هذه المرة، قد يقود تدهور المناخ الاقليمي الى مزيد من الخلاف الى درجة ما، ومع ذلك حين عرّى الديمقراطيون اللغة المطالبة بموافقة الكونغرس على هجوم أمريكي على إيران، فقد أشاروا، على الأقل مؤقتاً، ليس إلى مجرد الدعم الديموقراطي الضمني لأي هجوم من هذا النوع، بل إلى الواقع المظلم، بعد أربع سنوات من الإخفاق في المنطقة، وهو أن القيادة الديموقراطية مازالت غير مهيأة لمناقشة صريحة حول الشرق الأوسط، وإسرائيل، وعملية السلام الإسرائيلي - الفلسطيني· قاعدة الجمهوريين من جانبها، يمكن ان تعتمد على جعل معارضتها معروفة بأسرع ما يمكن لخطوات التوقيت التي اتخذتها وزيرة الخارجية رايس· ومنظمة اللوبي الصهيوني (ايباك) وهي ليست بعيدة أبداً عن هذه القضايا، من المحتمل أن تطالب الكونغرس والحكومة الأمريكية بعدم "التضحية" بإسرائيل من أجل مصالح العربية السعودية، ولا ريب أنها ستصدر ما يذكر بأنه لا يجب أن تقدم مطالب تعرض أمن إسرائيل للخطر·

فإن لم تتخل حكومة بوش فوراً عن أو تذبح لفظياً خطة الجامعة العربية نتيجة لضغط الجمهوريين ومنظمة ايباك، فان شيئاً جديداً سيكون في الطريق، وهو شيء يستحق الانتباه، والى أن يحدث هذا، فان رايس، لا تفعل الآن سوى اتباع نموذج "أولمرت": تفضيل الشكل على الجوهر·

 

* زميل في "مركز فلسطين

عمل سابقاً مراسلاً في شؤون الشرق الأوسط

 

عن موقع   www.elecrronicintifada.net

(2 أبريل 2007)

طباعة  

تحول استراتيجي أمريكي يعيد توجيه السياسة الأمريكية(5)
أموال سوداء... وعمليات سرية!

 
لبنانيا ودوليا ...لابد من الرياض وإن طال السفر:
الطرقات اللبنانية تتشعب في السياق العربي و الدولي ...ولا تلتقي!