رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 يونيو 2007
العدد 1777

قصة قصيرة

مصباح الأخطبوط

 

                                

 

باسمة العنزي

جاء الصباح ليضع حدا لعبث الليل وأرق الليل وقلق الليل·

يتوجه لعمله، في المصعد يبتسم مجاملا زميله الثرثار، يتجاهل نظرات الاشمئزاز المصوبة من زميلته الأنيقة لحذائه الأزرق القديم·

أحدهم يحدق في السقف المعدني للمصعد حتى لا يقع في فخ النظر لفتنة الزميلة المشمئزة·

على مكتبه نبتة صبار ضئيلة صائمة منذ عام وعليها الصمود عاما آخر، بلهجة حازمة تطلب منه مديرته أن يزودها بمراسلات غير مهمة تذكر أنه تخلص منها مؤخرا·

- فقدتها· "قالها ببراءة وهو ينظر للأسفل"·

- لقد يئست منك! "قالتها بغضب وخرجت"·

يتوجه إلى دورة المياه· تروق له مشاهدة المياه النقية المتدفقة من الصنبور المعدني، وقد جرفت آثار الصابون من يديه لتكمل رحلتها نحو فنائها ملوثة بشوائب النهار وذرات الغبار·

احباطات العمل، مؤامرات زملائه ومنافسيه، عنصرية مديرته، غربته المحاطة بسياج من الغرابة، حنينه اليها احيانا، صورة والده المشوشة، سنواته الثلاثون الباهتة، حذاؤه الازرق، ابتسامته الخجولة، أمه الارملة، سخرية جيرانه ، كابوس البارحة، وسامته في المرآة ، المياه السوداء في حوض الغسيل، شعوره بأنه ريشة في مهب الريح، اشياء عديدة تقوده برفق نحو منحدر البكاء الصامت، يطفو كرسيه ومكتبه فوق بركة ماء خضراء كونتها دموعه·· يتصل بعمال النظافة حتى يجففوا آثار انفجاره العاطفي وليكمل هو إحصائية القسم الاسبوعية بهدوء وسلام·

في المنزل بعدما تناول عشاءه المكون من طبق الارز الابيض وكأس عصير التفاح، جلس على مقعده المفضل وأخذ يقلب ألبوم الصور العائلية ثم تثاءب وخلد للنوم·

لم يعد يرى فيما يرى النائم من احداث حياته الماضية او الاماكن التي زارها يوما، بل لم يعد يتبين وجه امه المنير،و يحلم بطفل ملتصق بأمه، يمشيان ببطء وسط حديقة ذابلة الأزهار ميتة الأشجار، في السماء سحب بيضاء تتراكض مختلطة ببعضها مكونة اشكالا مفرحة، يركب الأرجوحة، تمسك أصابعها بحبال الأرجوحة الجانبية، تدفعه بقوة نحو الأمام، يرتد بقوة أكبر نحو الخلف، تبتعد ثم تقترب، يتوسلها أن تتوقف فلا تستجيب، يغمض عينيه حتى لا يصاب بالدوار فيقع، فجأة تنقطع حبال الأرجوحة وتتلقفه من بعد امرأة لها رأس عجوز غاضبة وجسد أخطبوط صغير، في أحضانها يتحول إلى رجل ناضج تهدهده وتناغيه بحنان غامر، يحاول التخلص من أذرعها الملتفة حول أضعله فلا يستطيع، يرجوها أن تحرره فلا تستجيب، في النهاية يستسلم لها، يلتحم بضعفه ويفكر في مصير نبتة الصبار الضئيلة التي ستبقى صائمة أعواما مقبلة·

إنها الكوابيس، يصحو فزعا من نوعه، امرأة لها رأس عجوز غاضبة وجسد أخطبوط صغير، تطارده عبر دهاليز منزل مظلم مهجوز منذ عقود، تتدافع في أرجائه الفئران المذعورة، تمتد ذراع الأخطبوط الخامسة نحو رقبته لتنطلق صرخات حادة باعثة على الرعب ويستمر لهاثه الأزلي، في النهاية يتعثر بملف أحمر ضخم فيهوي على الأرض لتلتقط سقوطه ابتسامتها الماكرة المنبثقة من شعورها الخفي والعميق باللذة·

أخذ ينتحب، العرق البارد تنحدر قطراته على ظهره كدموعه المنحدة نحو ذقنة، أضاء مصباحا جانبيا، الأوراق المكدسة على المنضدة تشبعت مساماتها برائحة جسده المضطرب، يفكر في اللجوء الى حضن أمه كملاذ أخير، يخطو خطواته الأولى ثم يتراجع متخيلا الأخرى وقد قامت بتعذيبها وأخذ مكانها على السرير، يدرك أنه لا ملاذ·

طباعة  

أحيت أمسية شعرية في جمعية الخريجين
حمدة خميس: همسات إنسانية وقصائد تحاكي خصوبة البحر

 
دورع وشهادات تقدير للمساهمين في الأنشطة
رابطة الأدباء اختتمت موسمها بالشعر وحفاوة التكريم

 
اشراقة
 
وجهة نظر
 
الإصدارات