رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 يوليو 2007
العدد 1781

كاسترو يتحدث بعد خمسين عاماً من الحصار
كوبا لن تكون لكم أبدا

آمل ألا يقول أحد بأنني أتهجم على بوش مجاناً· ولاشك بأنكم ستتفهّمون الأسباب التي تدفعني لانتقاد سياسته بشدّة· روبيرت وودوورد هو صحافي وكاتب أمريكي أصبح مشهوراً على أثر سلسلة المقالات التي كتبها هو وكارل بيرنشتاين ونشرتها صحيفة واشنطن بوست، والتي قادت في نهاية الأمر إلى إجراء التحقيق واستقالة نيكسون· إنه كاتب وشريك في كتابة عشرة من الأعمال النخبة· بقلمه المخيف يتدبر الأمر لكي ينتزع اعترافات من الشخص الذي يجري مقابلة معه·

في كتابه "حالة إنكار"، أكد أنه في الثامن عشر من 18 يونيو 2003، أي بعد ثلاثة أشهر من بدء حرب العراق، أثناء خروج بوش من مكتبه في البيت الأبيض بعد اجتماع مهم، ربت على كتف جاي غارنير، وقال له:

- اسمع، جاي، هل ستقوم بتنفيذ موضوع إيران؟

- يا سيدي، لقد تكلمت أنا والشباب حول الموضوع ونريد انتظار كوبا· نظن بأن الروم والسيجار أفضل، والنساء أجمل·

أجاب بوش: سيكون لك ذلك، ستكون لك كوبا·

الوعي الباطني لبوش خانه· فهذا هو ما كان يفكّر به منذ أن أعلن عن المصير الذي ينتظر عشرات الأركان المظلمة في العالم، والتي تشغل كوبا بينها مكانة خاصة·

غارنر، جنرال بثلاث نجوم متقاعد حديثاً وكان قد عيّنه بوش رئيساً للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في العراق، وهو مكتب شكّلته هيئة رئاسية من الأمن القومي السرّي، كان بوش يعتبره رجلاً استثنائياً لتنفيذ سياسته الحربية· بعدما جرى تعيينه للمنصب في العشرين من يناير 2003، تم استبداله في الحادي عشر من أيار/مايو من العام نفسه بإيعاز من رمسفيلد· لم يتجرأ على أن يشرح لبوش اختلافاته الشديدة مع الإستراتيجية المتبعة في العراق· فهو كان يفكّر بحرب أخرى لهدف مماثل تماماً·

وفي الأسابيع الأخيرة قام الآلاف من مشاة البحريّة ومجموعة من حاملات الطائرات الأمريكية مع قواتها البحرية بمناورات في الخليج الفارسي على مسافة أميال قليلة من الأراضي الإيرانية، بانتظار الأوامر·

يوشك شعبنا على بلوغ الخمسين سنة من الحصار القاسي، الآلاف من أبنائه قضوا نحبهم أو تعوّقوا نتيجة الحرب على كوبا، وهي البلد الوحيد في العالم الذي يطبَّق عليه قانون ضبط يكافئ الهجرة غير المشروعة، وهو سبب آخر لموت مواطنين كوبيين، بمن فيهم نساء وأطفال، والذي فقد منذ أكثر من 15 سنة أسواقه الرئيسية ومصادر تزويده بالغذاء والطاقة والمعدّات الآلية والمواد الأولية والتمويل طويل المدى ومتدني الفوائد·

أولاً: سقط المعسكر الاشتراكي وبعد ذلك على الفور تقريباً سقط الاتحاد السوفييتي، الذي تفكَّك قطعة وراء قطعة· قامت الإمبراطورية بتشديد حصارها وبتدويله؛ والبروتينات والوحدات الحرارية، التي هي على درجة جيدة من التوزيع بالرغم من ثغراتنا، تقلّصت بنسبة أربعين بالمئة تقريباً؛ وحلّت أمراض مثل التهاب اعصاب العين وغيرها؛ وعمّ أيضاً شح الأدوية، الخاضعة للحصار أيضاً: إنما كعمل إحسان فقط كان يمكن دخولها، وذلك من أجل تحطيم معنوياتنا؛ وهذه الأدوية تحوّلت بدورها إلى مصدر للتجارة والأعمال غير المشروعة·

حلّت بنا بلا مفرّ الفترة الخاصّة العصيبة، التي شكّلت حاصلاً لكل نتائج العدوان وللإجراءات اليائسة التي أجبرنا على اتخاذها المجموع المعزَّز من التحركات الضارة للجهاز الدعائي الهائل الذي تديره الإمبراطورية· الجميع كانوا يتوقعون انهيار الثورة الكوبية، بعضهم بحزن وبعض آخر ببهجة أوليغارشيّة·

كبير هو الضرر الذي أنزله بالوعي الاجتماعي السماح بالحصول على العملات الصعبة، بقدر متفاوِت، نظراً لما تسبب به من فوارق ومواطئ ضعف أيديولوجي·

لقد قامت الثورة الكوبية وعلى مدى سنيّ حياتها بتعليم الشعب وبتأهيل مئات الآلاف من المعلمين والأطباء والعلماء والمثقفين والفنانين ومهندسي المعلوماتيّة وغيرهم الجامعيين وأعلى مستوى في عشرات الاختصاصات· وهذه الثروة المكتنزة سمحت بخفض الوفيات بين الأطفال إلى حدود دنيا لا يمكن تصورها في بلد من العالم الثالث وبرفع أمل الحياة ومعدّل المعرفة عند المواطنين إلى مستوى الصف التاسع·

الثورة البوليفارية الفنزويلية، وعبر توفيرها النفط لكوبا بتسهيلات بالدفع عندما كانت أسعاره ترتفع بسرعة مذهلة، شكلت فرجاً مهما وأتاحت إمكانيات جديدة، إذ أن بلدنا شرع بإنتاج طاقته الذاتية بأرقام متزايدة

منذ ما قبل ذلك بسنوات، وانطلاقاً من قلق الإمبراطورية على مصالحها في ذلك البلد، كان لديها مخططات لتصفية تلك الثورة، وهو ما حاولته في شهر أبريل من عام 2002 وستحاوله من جديد في كلّ مناسبة تتاح لها، ولهذه الغاية يقوم الثوريون البوليفاريون بإعداد مقاومتهم·

في هذه الأثناء، عزّز بوش مخططاته لاحتلال كوبا، الى درجة إعلانه عن قوانين وعن حكومة تدخُّل من أجل إقامة إدارة إمبراطوريّة مباشرة·

انطلاقاً من الامتيازات التي تم منحها للولايات المتحدة في بريتون وودز واحتيال نيكسون عبر إلغائه للذهب كمعيار لتحديد إصدار أوراق العملة، قامت الإمبراطورية بمشتريات وأجرت مدفوعات بورق بقيمة عشرات الملايين من ملايين الدولارات، بأرقام تصل أصفارها إلى أكثر من اثني عشر· بهذا حافظت على اقتصادها غير القابل للديمومة· جزء كبير من الاحتياط العالمي من العملة الصعبة يتكون من سندات صادرة عن وزارة الخزينة الأمريكية ومن أوراق عملة أمريكية· ولهذا فإن كثيرين لا يتمنون تعرّض الدولار لأزمة كأزمة عام 1929، يمكنها أن تحوّل هذه الأوراق إلى ماء· قيمة الدولار قياساً بالذهب هي اليوم أقل بثماني عشرة مرة على الأقلّ مما كانت عليه في سنوات نيكسون· ونفس الشيء يحصل لقيمة الاحتياطات بهذه العملة·

هذه الأوراق حافظت على قيمتها الضئيلة الحالية على أساس أنه يمكن بواسطتها اقتناء كميات هائلة من الأسلحة الحديثة، التي يزداد سعرها يوما بعد اليوم وهي لا تنتج شيئاً· تصدّر الولايات المتحدة من الأسلحة أكثر مما يصدّره باقي العالم· بهذه الأوراق نفسها قامت الإمبراطورية بتطوير أحدث أنظمة أسلحة الدمار الشامل وأكثرها فتكاً، وبها تحافظ على طغيانها العالمي·

مثل هذه القوة تسمح لها بفرض فكرة تحويل المواد الغذائية إلى محروقات وبإجهاض أي مبادرة أو التزام لمنع الاحتباس الحراري العالمي الذي يتسارع بشكل ملحوظ·

جوع وعطش وأعاصير أشد عنفاً وطوفان بحار هو ما سيعانيه الجميع، قرطاجيون وطرواديون، كمحصلة للسياسة الإمبراطوريّة· المتنفَّس بالنسبة للبشريّة، والذي يُعطي أملاً ببقاء الجنس البشري، يكمن في ادخار شديد للطاقة، وهو ما لا يحظى بأي اهتمام على الإطلاق لدى المجتمع الاستهلاكي للبلدان الغنيّة·

ستواصل كوبا تطوير القدرة القتالية لشعبها والارتقاء بهذه القدرة، بما فيها صناعة الأسلحة المتواضعة ولكنها نشيطة وفاعلة، وهي صناعة تضاعف القدرة على مواجهة الغازي حيثما كان، وأياً كانت الأسلحة التي يمتلكها· سنواصل شراء الموارد اللازمة والمدفعيّة اللازمة، حتّى وإن لم ينمُ إجمالي الناتج المحلي الشهير بالمعيار الرأسمالي (والذي يشمل قدراً من الأشياء، درجة شموله لقيمة عمليات الخصخصة والمخدرات والخدمات الجنسية والدعاية التجارية) بينما يستثني قدراً آخر من الأمور، مثل خدمات التعليم والصحة المجانيتين لجميع المواطنين·

يمكن لمستوى الحياة أن يرتفع من سنة إلى أخرى إذا ما تم رفع مستوى معارف شعبٍ وثقتة بنفسه وكرامته· يكفي أن ينخفض التبذير كي ينمو الاقتصاد· ورغم كل شيء، سنواصل النمو بقدر الضرورة والإمكانية·

قال مارتيه: الحريّة تكلّف غالياً، ومن الضرورة بمكان، أن نسلّم للعيش بدونها وإمّا أن نعقد العزم على شرائها بدفع ثمنها·

وأعلن ماسيو :من يحاول الاستيلاء على كوبا سيجني غبار أرضها مجبولاً بالدم، هذا إذا لم يفن في المعركة·

لسنا بالثوار الأوائل الذين نفكّر هكذا، ولن نكون الأخيرين!

يمكن شراء رجل ما، ولكن لا يمكن أبداً شراء شعب·

على مدى سنوات طويلة تمكنتُ من النجاة ، بمشيئة القدر، من آلة القتل الإمبراطوريّة· في القريب العاجل سيمر عام منذ ان مرضّت، وحين كنت بين الحياة والموت، قلت في رسالة الحادي والثلاثين من تموز/يوليو 2006: لا يراودني أدنى شك بأن شعبنا وثورتنا سيناضلان حتى آخر قطرة من الدم·

فلا يراودكنّ أنتم أدنى شك بذلك، يا سيد بوش!

أؤكد لكم بأن كوبا لن تكون لكم أبداً!

ترجمة نور الدين عواد من هافانا

 www.cuba.cu

(17 حزيران 2007)

طباعة  

كيف تفكر البلدان المغاربية اليوم؟
عرب وأمازيغ... تغريب وسلفية... وتحضير!