رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 25 يوليو 2007
العدد 1784

في ضوء زيارة سلفا كير للصين:
هل تدير الحركةالشعبية ظهرها لأمريكا؟

عبد الغني أحمد ادريس:

الزيارة التي قام بها النائب الاول للرئيس السوداني الفريق سيلفا كير ميارديت الى جمهورية الصين الشعبية وتوقيتها ومن رافقه فيها، ألقت الكثير من علامات الاستفهام على طبيعة الزيارة وآفاق الصراع الجاري في الحكومة واجندة وبرنامج الزيارة وحكومة الجنوب والمؤتمر الوطني·

ربما ينسى الكثيرون سبب التحولات الاستراتيجية التي جرت في الحركة الشعبية منذ انتقالها للموالاة الكاملة للغرب وامريكا بصورة خاصة، ان جذور نشأتها وتخلقها لحظة الميلاد والتكوين كانت اشتراكية وكان الهتاف الداوي لميليشياتها في الميدان من ثلاث كلمات "حرية، اشتراكية، سودان جديد" فالنهج الاشتراكي الذي والى الحركة من نظام منقستو هايلي ماريام الاثيوبي الى اليمن الديمقراطي الى ليبيا القذافي كلها جعلت الاشتراكية في منفيستو الحركة متقدمة حتى على السودان الجديد، وكما هو معروف فقد كان في هيئة قيادة الحركة تلك اللحظة خمسة اشخاص هم "العقيد جون قرنق رئيسا والمقدم كاربينو كوانين بول نائبا والمقدم وليم نون بانج رئيسا للاركان والرائد أروك طون مسؤولا سياسيا، ومسؤول الاستخبارات والتدريب في القيادة الرائد سلفا كير ميارديت" والاخير الذي كان يشغل منصب ركن استخبارات منطقة اعالى النيل العسكرية قبل انضمامه للحركة كان معروفا بين زملائه بدعوته و ايمانه بالاشتراكية قولا وعملا قبل التمرد وبعده، اذًا فليس من الغريب ان يكون بحث السيد النائب الاول ورئيس حكومة الجنوب عن حليف دولي قوي ومؤثر وفعال يستند اليه في صراعاته في الجنوب هو جمهورية الصين الشعبية أقوى دولة تطبق النهج الاشتراكي كعقيدة ونظام للحكم في كل ضروب الحياة الاجتماعية او الاقتصادية او السياسية، "فقد وافق شن طبقه" وهو يطلب التحالف والصداقة ويلتحم بنظام طالما آمن بنهجه وشريعته وهو يافع بل وحارب وقاتل دونها في الميدان· فلا غرابة ان يقود وفدا يجتمع مع سكرتارية واعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ليتفاكر معهم حول آفاق التعاون بين الجانبين وتدريب الكوادر وتبادل الزيارات والبرامج·

مقدمات :

كتب الاستاذ محمد الحسن أحمد في 17 فبراير 2006 على خلفية زيارتين قام بهما مسؤولون سودانيون الى امريكا فقال:

"·· في البداية كان ينظر الى زيارة السيدة ربيكا قرنق الى الولايات المتحدة بحسبانها زيارة اجتماعية، لكنها بسبب الهالة التي لازمت الزيارة منذ اللحظات الأولى تبين أن وراء الأكمة ما وراءها خاصة أنها اجتمعت بالرئيس الأمريكي أكثر من مرة، ولم يقتصر حديث الرئيس معها عن الجنوب واتفاق السلام وإنما شمل دارفور أيضاً، وزيارتها المرتقبة لغرب السودان· بل وحتى الرئيس بوش في لقائه مع كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة تطرق الى اجتماعه مع ربيكا وصرح بذلك في تعليقه حول ما جرى بينه وبين كوفي عنان في ما يتعلق بدارفور وألمح الى احتمالات أن يلتقي بها مرة أخرى!" ويمضي الاستاذ متسائلا: "هناك من يتساءل عن أسباب عدم لقاء بوش لسلفاكير عند زيارته لواشنطون ولقاءاته المتعددة مع ربيكا بينما الأول هو رئيس الحركة والنائب الأول لرئيس الجمهورية، والثانية مجرد وزيرة إقليمية وزيارتها ذات طابع اجتماعي وزيارة سلفا رسمية! وهذه التساؤلات ترجح أن ربيكا مرشحة للزعامة بدلاً عن سلفا وأن خطها الانفصالى هو الأنسب للبيت الأبيض خاصة أنها دشنت هذا الخط علناً في واشنطون!" ولعل ما رشح من عدم رضا وقبول في الدوائر الغربية للتعديلات التي اجراها السيد كير في حكومة الجنوب ومحاولاته المستمرة لتطويق معسكر خصومه المتخندقين والمتوشحين بثياب الحماية الامريكية وما وجده من استقبال وطريقة معاملة في تلك الفترة له ولرجله الاقوى لام اكول من الامريكان كل ذلك جعله يتجه شرقا وييمم شطر الحليف الصاعد في سماء القوة الاممية الذي يحسب له الغرب الف حساب فيطلب القرب من المارد الصيني·

أجندة الزيارة:

بنظرة سريعة للوفد المرافق في الزيارة يمكننا تحديد الاجندة فقد ضم الوفد الدكتور لام اكول اجاوين وزير الخارجية والدكتور عوض الجاز وزير الطاقة والتعدين والسيد كوال مانيانق وزير الطرق والاستاذ ادريس محمد عبد القادر وزير رئاسة الجمهورية ودكتور لوال اكيل ودكتور لوكا بيونيق وزير شؤون الرئاسة بحكومة الجنوب والسيد كول اثين ودكتور برنابا ماريال بنجامين وزير التعاون الدولي بحكومة الجنوب والسيد قير شانق الونق والسيد جون لوك جوك والسيدة مارى كيدن كينبو والسيد ميرغنى محمد صالح والسيد دانيال واني والسيد حامد التني، جاءت اجندة الزيارة التي بدأت في عصر يوم 17 من يوليو الجاري على النحو التالي أولا: بند برتكولي مغلف بعبارة العلاقات الثنائية بين السودان والصين ولا بأس هنا من وضع الطاقية القومية بأن تكون العلاقات الصينية السودانية بصورة عامة فيتحدث الرجل في بعض المراحل عن كل السودان بحسبان انه نائب اول رئيس الجمهورية ثم يأتي بعد ذلك الجنوب، ثانيا الاستثمارات الصينية فى السودان وخاصة فى الجنوب وهو موضوع بالغ الحساسية للصينيين بسبب الحديث المتصاعد والذي يلتمس له مؤشرات حقيقية وواقعية على الارض، وهو يمثل فاكهة ان لم يكن صلب موضوع الزيارة أو الجزرة التي يحملها لهم السيد سلفا مقابل ان تمنحه الصين دعمها وصولجانها كعصا لردع مخالفيه المتدثرين بالولايات المتحدة والغرب، ثالثا لا بأس من تناول قضية العصر السوداني بالحديث عن دارفور، تشمل كذلك الزيارة عقد لقاء مع رجال الاعمال وممثلى الشركات الصينية الذين التقى بهم بمقر اقامته بقصر الضيافة ببكين ودعاهم للاستثمار في الجنوب، وفي اول رد فعل رسمي وصف دكتور لام اكول وزير الخارجية لقاءات النائب الاول بنائب الرئيس الصيني وبرجال الاعمال بأنها كانت طيبة سادتها روح الاخوة والتضامن مع الشعب السوداني وقال ان استجابة الجانب الصيني للاستثمار في الجنوب شبه مضمونة خاصة وان اغلب الشركات التي شاركت في اللقاء ذات خبرة ومعرفة سابقة بالسودان، مشيرا في ذلك لوعد الصين بتقديم منحة للجنوب في حدود "20" مليون يوان في مجالات اعادة البناء والتدريب والدراسات، ومن الكلمتين الاخيرتين للوزير فصيح العبارة نقل مراسل "سونا" ما نصه: "وفيما يتصل بلقاء الحركة الشعبية والحزب الشيوعي الصيني قال دكتور لام أكول ان اللقاء يأتي في اطار التعاون بين الجانبين وتدريب الكوادر وتبادل الزيارات والبرامج" واستمر بعدها برنامج الزيارة حيث التقى وزير الخارجية الدكتور لام أكول بنظيره الصيني يانغ جيا تشى وأجرى د· عوض الجاز ووزراء القطاع الاقتصادي مباحثات مع وزير التجارة الصيني فيما التقى وزير النقل كوال مانيانق بوزير السكك الحديدية الصيني، كما التقى وزير الثقافة بحكومة الجنوب بوزير الثقافة الصيني، الا ان اللقاء اللافت للنظر اجتماع ضم وزير الاتصالات بحكومة الجنوب بنائبي رئيسي شركتي هواي و"ZTE" الصينيتين للاتصالات ودون حضور اي تمثيل لحكومة المركز او الهيئة القومية للاتصالات مما جعل المراقبون يصفونه بأنه اجتماع له ما بعده يثير كثيراً من التساؤلات خاصة وان ملف الاتصالات في السودان فيه الكثير من السخونة والجدل·

أيضا تجدر الاشارة الى ان النائب الاول قبل ان يلتقي برئيس الدولة هوجن تاو أعلى مرجعية لاتخاذ القرار في البلاد كان قد أتم تنفيذ برنامجه بالاجندة الموضوعة بحذافيرها اضافة الى بعض الفقرات المراسيمية مثل زيارة سور الصين العظيم كما قام بزيارة الى مركز التخطيط التجاري ببكين والحديث الى السفراء العرب والافارقة و زيارة مدينة شانغاهاي أكبر مركز تجاري في الصين ولقاء المسؤولين في المدينة من اعلام المجتمع وقادة الرأي ورجال المال والاعمال الى جانب لقاء الجالية السودانية في مباني السفارة ببكين، وكان قد عقد مؤتمرا صحافياً بمقر السفارة تحدث فية لممثلي وكالات الانباء والصحافة الدولية عن زيارته للصين والاوضاع الاخرى فى البلاد·

ما بعد الزيارة

تجدر الملاحظة الى امرين الاول ان تشكيل الوفد جاء قوميا، الثاني ترتيب كل أمورالزيارة عبر سفارة السودان ببكين وهو ما لم يكن في زيارتيه لواشنطون ولندن، بدأت المباحثات الرسمية بين الجانبين حيث رأس الجانب السوداني الفريق سلفا كير ميارديت النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب فيما رأس الجانب الصينى تسنغ تشينغ هونغ نائب الرئيس الصيني وفي فاتحة اللقاء تطرق النائب الاول لرئيس الجمهورية الى رؤية حكومة الجنوب لتطوير البنية التحتية، وقال ان الجنوب يتطلع الى الصين لمد يد العون له فى جهوده لتحقيق التنمية الاقتصادية وعملية البناء، الا ان الشمال كان حاضرا في اجتماعات وزرائه ونتائجهم التي خرجوا بها حيث قال الدكتور برنابا بنجامين وزير التعاون الدولي في حكومة الجنوب "الصين وعدت بارسال وفد لجنوب السودان لدراسة احتياجات الجنوب التنموية فى مجالات الكهرباء والطرق والسكة الحديد لربط الشمال بالجنوب وتعزيز البنية التحتية فى الجنوب وذلك بالتنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية ودول الجوار واشار الى ان دفع الجهود التنموية بالجنوب وتطوير مشروعات البنية التحتية سيسهم فى تغيير آراء المواطنين بالجنوب لصالح الوحدة ابان الفترة الانتقالية، مشيرا الى ان المباحثات مع الحكومة الصينية تطرقت لجهود النائب الاول لحل مشكلة دارفور واكد اهمية دور الصين فى حل المشكلة سياسيا" وفي سياق متصل اوضح السيد لوال اكيل الوزير بحكومة الجنوب انه سيتم طرح عدد من المشروعات للجانب الصيني تتضمن طريق السلام ملكال - جوبا من جانب حكومة الوحدة الوطنية ومشروعات بناء رئاسات للولايات الجنوبية ومشروعات الكهرباء والاتصالات من جانب حكومة الجنوب·

ولعل في هجرة السيد رئيس حكومة الجنوب والاستناد الى المارد الصيني كحليف استراتيجي وقوي يكون قد توحد في المصلحة السياسية والاقتصادية مع حليفه وشريكه الاول في الحكم المؤتمر الوطني وهو ما قد يضطره الى الاستدارة شبه الكاملة عن الولايات المتحدة التي لن تتركه وشأنه "بيدها او بيد عمرو"·

"الأيام" السودانية (2007/7/21)

طباعة  

مصر في حالة غليان شعبي
عصيان مدني أم انفجار مقبل؟

 
جدل سعودي عنيف حول "المارينز الإعلامي" ··!
أكاديمي سعودي يقــف ضد قناة العربية