رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 25 يوليو 2007
العدد 1784

استخبارياً وعسكرياً وسياسيا
كيف هزمت إسرائيل في جنوبي لبنان (1)

                     

 

*الدرس الأول: يمكن هزيمة أي قوةعسكرية غربية متفوقة تكنولوجياً

*الدرس الثاني: هناك بديل لسياسة الاستجداء والتخاذل

*الدرس الثالث: تيار هزيمة 1967 يتراجع وتظهر قيادة جديدة

 

الستير كروك ومارك بيري:

في أواخر أغسطس من العام 2006، علق دبلوماسي أمريكي يعمل في الشرق الأوسط على مواقف بعض الزعامات العربية التي انتقدت حزب الله في مستهل نشوب الحرب بالقول "إنهم يهرعون الآن بحثا عن طرق للخروج، فبعد توقف القتال لم تعد تسمع صوتا لهم"· ولم يكن هؤلاء وحدهم من يبحث عن سبل للخروج، فسياسة الولايات المتحدة الخارجية في المنطقة، حتى في ضوء تزايد نشر قواتها في العراق، كانت تتعثر كما أكد دبلوماسي آخر: "ما يعنيه هذا أن كل الأبواب مغلقة في وجهنا في القاهرة وعمان والعربية السعودية، وتقلصت فرصة وصولنا إليهم، لا أحد سيرانا، وحين نتصل لا أحد يرفع سماعة الهاتف"· وكان يمكن مشاهدة طلسم هذا الانهيار في جولات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس، التي دمر مصداقيتها عجزها عن إقناع الرئيس جورج بوش بإيقاف الحرب، وملحوظتها حول النزاع بوصفه مؤشرا على "آلام مخاض ولادة" شرق أوسط جديد·

واتضح أن الولايات المتحدة ستحاول استرجاع موقعها بدعم خطة سلام إسرائيلية - فلسطينية تعد للإعلان عنها·

ولكن الخنق الأمريكي المتواصل لحكومة السلطة الفلسطينية التي تشكلت ديمقراطيا حولت هذا التعهد إلى برنامج سياسي مجهض· وسبب هذا واضح الآن وضوحا لا وضوح بعده، ففي وسط أيام الحرب كان لدى مسؤول أوروبي في القاهرة ما يقوله عن المشاعر التي تنتاب البيئة السياسية المصرية بالعبارة التالية: "تسير القيادة المصرية في اتجاه، والشعب المصري في اتجاه معاكس"· لقد عزز الإخفاق العسكري الإسرائيلي الكارثي موقع إيران كقائدة للعالم الإسلامي في بضع مناطق حساسة· وبرزت النتائج التالية:

أولا: أظهر انتصار حزب الله أن إسرائيل، وأي قوة عسكرية غربية حديثة وماهرة تقنيا يمكن هزيمتها في معركة مفتوحة، إذا استخدمت تكتيكات عسكرية ملائمة، وإذا استمرت لمدة متطاولة· وقدم حزب الله نموذجا من نماذج هزيمة جيش حديث· والتكتيكات بسيطة: الثبات أمام أول موجة من موجات الحملة الجوية·

ثم استخدام القوى الصاروخية واستهداف مواقع العدو العسكرية والاقتصادية الرئيسة، ثم الثبات أمام موجة حملة جوية ثانية أشد، وإطالة أمد النزاع وتمديده· وعند نقطة معينة، كما في حالة الهجوم الإسرائيلي على حزب الله، سيجبر العدو على استخدام قواته البرية لتحقيق ما لم تستطع تحقيقه قواته الجوية·

وفي هذه المرحلة الأخيرة، والحاسمة، تستطيع قوة متفانية ومدربة جيدا وذات قيادة قادرة إيقاع خسائر فادحة ومؤلمة بمؤسسة عسكرية حديثة ودحرها·

ضعف الحلفاء

ثانيا: أظهر حزب الله أمام شعوب العالم الإسلامي أن الاستراتيجية التي تستخدمها الحكومات العربية والإسلامية الحليفة للغرب (سياسة استرضاء مصالح الولايات المتحدة على أمل الفوز بمكافآت سياسية مجزية، مثل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، والحصول على أثمان عادلة لموارد شرق أوسطية، وعدم التدخل في بنى المنطقة السياسية، وانتخابات حرة وعادلة)، لا يمكن أن تنجح ولن تنجح· لقد قدم حزب الله نموذجا آخر مختلفا، نموذج تحطيم هيمنة الولايات المتحدة وتدمير مكانتها في المنطقة· ومن بين أكثر الأحداث قربا في الشرق الأوسط، غزو العراق وانتصار حزب الله على إسرائيل، يعتبر الثاني أكثر أهمية بما لا يقاس·

ثالثا: كان لانتصار حزب الله تأثير مدمر على حلفاء أمريكا في المنطقة، وقد توصل مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن حزب الله كان يمكنه أن يواصل حربه طيلة ما يقارب ثلاثة أشهر بعد نهاية منتصف أغسطس، وعكست حسابات حزب الله ما توصل إليه الإسرائيليون، مع إشارة حذرة إلى أنه لا حزب الله ولا القيادة الإيرانية يمكن أن تتنبأ بالمسار الذي سيتبع انتصارا لحزب الله· وبينما راقبت المخابرات الأردنية أي تظاهرات مؤيدة لحزب الله، كانت المخابرات المصرية تكافح لتراقب الغضب الجماهري المتنامي على القصف الإسرائيلي للبنان·

وجعل الدعم العلني لحزب الله في أرجاء العالم العربي (بما في ذلك رفع صورة قائده نصرالله حتى في الاحتفالات المسيحية) الحكام العرب أشد التصاقا بالولايات المتحدة الأمريكية حين لاحظوا أن أي تآكل أكثر في مكانتهم يمكن أن يؤدي إلى إفلات شعوبهم من قبضتهم· وبالنتيجة بدا أن احتمال دعم هؤلاء لأي برنامج أمريكي يطالبهم بضغوط اقتصادية أو سياسية أو عسكرية على إيران هو احتمال ضعيف· فلربما لا تؤدى حرب أخرى، ربما هجمة أمريكية على مواقع إيران النووية، إلى إزاحة الحكومة في طهران، بل يمكن أن تزيح حكومات عربية موالية للولايات المتحدة·

وفي مرحلة رئيسة من مراحل الصراع بين حزب الله وإسرائيل، ومع اقتراب نهاية الحرب، تساءل قادة أحزاب إسلامية في عدد من البلدان إن كانوا سيكونون قادرين على مواصلة سيطرتهم على حركاتهم، أم أن العمل السياسي كما يخشون يمكن أن يتم التخلي عنه لصالح الشارع ومن يقودونه· وشاعت فكرة وحيدة في الدوائر الاستخبارية في الولايات المتحدة وهي أن إسرائيل، وليس حزب الله، هي مع اقتراب العاشر من أغسطس، من كان يبحث عن طريق للخروج من النزاع·

رابعا: أضعف انتصار حزب الله الحكومة الإسرائيلية اضعافاً خطرا ففي أعقاب آخر حرب خسرتها إسرائيل في العام 1973، قرر رئيس الوزراء مناحيم بيغن قبول عرض سلام من الرئيس المصري أنور السادات· ولم يكن هذا الاختراق في الحقيقة، هينا، مادام كلا الطرفين كان حليفا للولايات المتحدة الأمريكية· ولكن لن يحدث اختراق مثل هذا في أعقاب الحرب الإسرائيلية مع حزب الله· فإسرائيل تعتقد أنها فقدت قدرتها على الردع، وأنها يجب أن تستعيدها· ويؤكد بعض المسؤولين الإسرائيليين في واشنطن الآن أن القضية ليست ما إذا كانت إسرائيل ستذهب إلى الحرب، مرة أخرى، بل متى· ومع ذلك من الصعب تحديد كيف يمكن لإسرائيل أن تفعل هذا· فلكي تحارب إسرائيل حزب الله وتربح الحرب، ستحتاج إلى تهيئة وإعادة تأهيل جيشها· وسيكون على إسرائيل، مثل أمريكا بعد حرب فيتنام، إعادة بناء بنية قيادتها العسكرية وإعادة بناء أجهزة مخابراتها· وسيستغرق هذا الأمر سنوات وليس شهورا·

قد تختار إسرائيل، في العمليات القادمة في المستقبل استخدام أسلحة أكبر ضد أهداف أكبر· فإذا أخذنا في الاعتبار أداءها في لبنان، نجد أن استخداما لأسلحة أكبر من هذا القبيل قد يستدعي بالمقابل ردا أشد عنفا· وهذا أمر ليس مستبعدا· وأي هجوم أمريكي على المنشآت النووية الإيرانية من المحتمل أن يرد عليه بهجوم صاروخي إيراني على منشآت إسرائيل النووية وعلى المراكز السكانية الإسرائيلية· ولا يمكن لأحد التنبؤ برد فعل إسرائيل على هجوم مثل هذا، ولكن من الواضح أنه في ضوء موقف بوش في النزاع الأخير، لن تفعل الولايات المتحدة شيئا لإيقافه· وعندئذ فإن "بيت زجاج" منطقة الخليج سينهار بالتأكيد إذا استهدفته الصواريخ الإيرانية·

قيادة عمياء

خامسا: وضع انتصار حزب الله نهاية وحدا لأي أمل في حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، على الأقل في المدى القصير· فحتى الشخصيات السياسية الإسرائيلية المسماة "تقدمية" قوّضت موقفها السياسي بالدعوات العالية لاستخدام المزيد من القوات والمزيد من الجنود والمزيد من القنابل· وفي لقاءاته الخاصة مع حلفائه السياسيين انتقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشدة أولئك الذين احتفوا بانتصار حزب الله، مطلقا عليهم تسمية "أنصار حماس" و"أعداء إسرائيل"· عباس في موقف أضعف بكثير من بقية الحكام العرب الذين وقفوا مع إسرائيل في حربها، فدعم الشعب الفلسطيني لحماس يتواصل، كما يضعفه اتفاقه الإنقاذي مع جورج بوش الذي قال له على هامش اجتماعات مجلس الامن إن عليه أن يوقف محاولاته لتشكيل حكومة وحدة مع مواطنيه·

سادسا: كان لانتصار حزب الله تبعات بالغة السوء على القيادة السياسية الإسرائيلية إذ أعماها عن موقعها الجغرافي - السياسي·

ففي قلب الحرب على لبنان، تبنى إيهود أولمرت لغة بوش في "الحرب على الإرهاب" مذكرا الإسرائيليين بأن حزب الله جزء من "محور الشر"· وعزز ملحوظاته بوش، الذي أشار في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى "القاعدة" مرة، وإلى حماس وحزب الله خمس مرات· والآن بهذا الخطاب تكتل الولايات المتحدة وإسرائيل الجماعات الإسلامية الراغبة في المشاركة في العمليات السياسية في بلدانها مع أولئك التكفيرين والسلفيين الذين يميلون إلى إشعال المنطقة· ولا تستطيع إسرائيل الآن الاعتماد على أقوى أنصارها الأمريكيين، تلك الشبكة من المحافظين الجدد الذين يعتبرون إسرائيل جزيرة استقرار وديمقراطية في المنطقة·

إن عدم رضا هؤلاء المحافظين الجدد عن أداء إسرائيل يكاد يكون ملموسا· فمع أصدقاء من هذا النوع، من يحتاج إلى أعداء؟ أو بعبارة أخرى، يعكس النزاع الإسرائيلي في لبنان بدقة آراء أولئك الخبراء الذين يرون في صراع إسرائيل مع حزب الله حربا بالوكالة·

ولاحظ زميلنا "جيف أردنسون" "لو أن الأمر راجع للولايات المتحدة، لكانت إسرائيل لا تزال تحارب"·

وأضاف: "ستخوض الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب حتى آخر قطرة دم إسرائيلية"·

إن الضعف المتواصل للقيادة السياسية الإسرائيلية، وحقيقة أنها تتنكر لعمق هزيمتها، يجب أن تقلق الولايات المتحدة وكل الأنظمة العربية· فقد برهنت إسرائيل أنها في أوقات الأزمات تستطيع أن تشكل استراتيجية دبلوماسية خلاقة وتناور ببراعة لاستعادة موقعها، وبرهنت أيضا أنها قادرة في أعقاب أي هزيمة عسكرية على فحص ذاتها بشفافية ونزاهة· وكانت قوتها دائما في قابليتها على إثارة نقاش علني، حتى لو أن مثل هذا النقاش يضع موضع تساؤل أكثر المؤسسات قداسة، أي الجيش الإسرائيلي، وفي لحظات فاصلة في تاريخها، قادت الهزيمة إلى التأمل، وليس كما يبدو أنه يحصل الآن، إلى تزايد تصعيد الهجمات العسكرية ضد حماس، لتظهر كم هي فظة· أحد المسؤولين الإسرائيليين قال منذ وقت قريب، "حقيقة إن حزب الله بانتصاره أحدث ثورة في الشرق الأوسط، تقدم تبريرا جيدا لقتل المزيد منهم"· وسيقود هذا الطريق إلى كارثة· وفي ضوء عدم قدرة أمريكا على تشغيل رافعات التغيير في الشرق الأوسط، يأمل البعض في واشنطن أن أولمرت سيظهر شجاعة سياسية ليبدأ عملية طويلة لإيجاد سلام·

ستكون هذه العملية مؤلمة، وستكون فيها نقاشات طويلة وصعبة، وقد تعني قطيعة مع برنامج الولايات المتحدة للمنطقة· ولكن أمريكا لاتعيش في المنطقة، بل إسرائيل· وسيبرهن إجراء حوار سياسي مع جيرانها على أنه أقل إيلاما بكثير من خسارة حرب في لبنان·

سابعا: تعزز موقف إيران في العراق تعزيزا مهما، ففي خضم النزاع، عبر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عن قلقه في اجتماعات خاصة، بأنه سيكون للهجوم الإسرائيلي تبعات ثقيلة على القوات الأمريكية في العراق التي تواجه موقفا عدائيا متزايدا من قادة سياسيين شيعة والسكان الشيعة· ويكشف تصريح "رايس" من أن التظاهرات المؤيدة لحزب الله في بغداد خططت لها إيران، عن جهلها بأكثر الوقائع السياسية أهمية في المنطقة·

ثامنا: وهو ربما الأكثر أهمية، من الواضح أن هجوما أمريكيا على منشآت إيران النووية سيجد دعما ضئيلا في العالم الإسلامي· وسيواجه أيضا برد عسكري ربما يتسبب في انهيار ما تبقى من سلطة سياسية لأمريكا في المنطقة· وما كان يعتبر قبل أسابيع قليلة "معطى" متوافرا، لم يعد احتمال وقوعه واردا· إيران لن يروعها التهديد· فإذا شنت الولايات المتحدة حملة عسكرية ضد حكومة طهران، فمن المحتمل أن يسقط أصدقاء أمريكا على الطريق، وسترتعش دول منطقة الخليج، وسيتحول الـ13.000 جندي أمريكي في العراق إلى رهائن بيد السكان الشيعة الغاضبين، وسترد إيران بهجوم على إسرائيل· ونستطيع الآن القول بجرأة، إنه إذا حدث مثل هذا الهجوم، وحين يحدث، فإن الولايات المتحدة ستهزم·

الخلاصة

إن انتصار حزب الله في الصراع الأخير مع إسرائيل أكثر أهمية بكثير مما يدرك الكثير من المحللين في الولايات المتحدة وأوروبا· لقد عكس هذه الانتصار مد هزيمة العام 1967، المدمرة لمصر وسورية والأردن، والذي أحدث نقلة في صفائح المنطقة، وأقام أنظمة تميل إلى إعادة صياغة سياساتها الخارجية لتعكس السلطة الإسرائيلية والأمريكية· هذه السلطة الآن تلطخت وانقلب مسارها، وتبرز في المنطقة قيادة جديدة·

قد يكون الدرس الوحيد لهذا النزاع مفقوداً في المناصب العليا في واشنطن ولندن المناصرة لإسرائيل، ولكنه غير مفقود في شوارع القاهرة أو عمان أو رام الله أو بغداد أو دمشق أو طهران· ولا يجب أن يفقد بين أوساط القيادة الإسرائيلية السياسية في القدس·

في العام 1967 خاضت الجيوش العربية الحرب لمدة 6 أيام وهزمت، وحاربت ميليشيا حزب الله في لبنان لمدة 34 يوما وربحت· وقد رأينا هذا بأعيننا حين نظرنا في مقاهي القاهرة وعمان، حيث كان يحدق أصحاب الحوانيت البسطاء والمزارعون والعمال في تقارير التلفزيون، وهم يتناولون الشاي، ويتمتمون عدد الأيام بينهم وبين أنفسهم، سبعة، ثمانية·· تسعة···

 

* عن:  www.atimes.com

انتهى

طباعة  

المسجد الأحمر: هل هو نهاية اللعبة بالنسبة لمشرف؟