رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 25 يوليو 2007
العدد 1784

نصوصه الأخيرة يجمعها كتاب "البدوي الأحمر"
الماغوط صادق مع ذاته واضح كابتسامة طفل ضحوك

                                                           

 

كتب آدم يوسف:

حين تقرأ للشاعر الراحل محمد الماغوط فإنك تقرأ الحياة بكل أطيافها وأسرارها الفاضحة، وخفايا مكامنها، هو شاعر لا يرضى بغير الصدق· ولا يقبل إلا الحقيقة واضحة، براقة، كأبهى حلة يرتديها طفل باسم، ضحوك·

هو شاعر واضح كالحياة لا يركن إلى البلاغة اللفظية، ولا يندس خلف تعبيرات المجازية، وألفاظ غرائبية·

لذا فإن نصوصه تلامس الوجدان، وتحرك شيئا ما في شغاف القلب·

وهو بالتحديد ما نلحظه في كتاب "البدوي الأحمر" الصادر أخيرا عن دار "المدى" 2006· فهو يحوي بين طياته مجموعة نصوص لم تنشر من قبل· يعلن فيها الماغوط تمسكه بنهجه في الكتابة، وولاءه لقضاياه الإنسانية التي طالما تمسك بها، معلنا تحيزه للفقراء والمحتاجين، ووقوفه إلى جانب الضعفاء من بني البشر يقول:

مع أنني استخدمت القسم الأعظم من كتفي وظهري

في نقل الحقائب وأكياس الرمل والاسمنت وصناديق الفاكهة

من أجل الفقراء والمعوزين

فإنني مستعد للجلد بالسياط من أجل ما تبقى منهم وكل من يؤمن بشرعية عضلاتي·

لأنني من وطن معروف بحساسية أرصفته وشعبية حاوياته ونواح عجائزه وأشجاره·

وبحماس ثواره وشعرائه وأناقة مظهرهم ومبادئهم

أما تسريحتي فكان تشبه الحقول والحالة النفسية لشعبي في تلك الفترة·

وكثيرا ما يعلن الماغوط تمرده على النظم الاجتماعية السائدة، ويلعن الحكام والطغاة والمستبدين، هو شاعر يقف إلى جانب البسطاء، ويرضى بأقل القليل، يقول في نص "فحص سريري":

فقدت عملي

ومدخراتي

وأصدقائي

وها أنا أفقد عقلي خلية خلية

وأخذ وجهي يصفر

وشعر يتساقط

كل هذا بسبب هذه الوجوه النابية والأجهزة المدرة للدموع

أريد حاكما·· حاجبا·· سائقا جديدا

مسرحية

قصيدة

مرضا

كابوسا جديدا

وها أنا على الطوى في الصباح الباكر

أبعث بخزعة من جبيني وأحلامي ودفاتري إلى المختبر

وأنتظر النتيجة

قاموسه الشعري

يمتلك الماغوط قاموسا لغويا خاصا به، تتسم مفرداته ببساطة آسرة، فلا تقعير ولا تعقيد، وهو في الوقت نفسه قاموس عميق في رؤيته وزوايا موضوعاته، يقول في قصيدة "شجرة الكافور":

لم أكن أعرف أن لغابات الصنوبر

صرير أبواب القلاع في الليل

ولا غتياب الحكام في المقاهي

لذة الجنس والخمرة

وأن النوم والتثاؤب والمدينة تحترق·

موهبة وإمكانات لا توجد

إلا في خريف فرلين

وموسيقى فاغنر

وفجر الإسلام·

ويقول في مقطع آخر من القصيدة ذاتها·

أحب···

الأخطاء التي لا يمكن تداركها

والجراح التي لا يكمن شفاؤها

والهدف الذي لا يمكن بلوغه

أكره···

اهون الشرين

أقصر الطرق

وحلم الطفولة

وسياط الأسياد

***

عندما أفقد الإحساس بالجوع

أفقد شاعريتي

وأحلامي·

***

إن حزني على سنبلة لا يوازيه سوى حزني على شعب أو قصيدة مهجرة

ولذلك

أنا حنون

وضائع

مثل بدوي فقد ناقته أو عشيرته أو وجهته·

وقد كان الماغوط وفيا مع اصدقائه المبدعين حيث نجد في الكتاب نصوصا مهداة الى: نزار قباني، سعد الله ونوس، ونزيه أبو عفش، يقول في قصيدة "نزار قباني":

نزار···

ايها الطليق المبكر مثل أي صياد كوبي قبل الثورة

والمقيد بألف تميمة وتعويذة وطوق ومكرمة مثل جان دارك على المحرقة

كيف لي أن أعوض خسارتي لك؟

وأعيد ترديد كلماتك الحمراء الصافية كالعيون بعد بكاء طويل؟

لقد خسرك لينين وأتاتورك وغيفارا

خسرك الوطن

وربحتك الغربة

ويجب ان ينثر رمادك المقدس

مثل غاندي في كل نهر وبحر ومحيط وساقية!

***

إنني أناديك···

من الصيدليات المناوبة وغرف الإنعاش

من قبوي البارد والمظلم كأقبية التعذيب

لقد غدر بي الزمان

ولكن لأول مرة تخونني ذاكرتي!

فبأية وسيلة أسترجع كلماتك المشجعة؟

ووقوفك الى جانبي من الكلمة الأولى؟

وأما في نص "سعد الله ونوس" فإن الماغوط يتفاعل مع المرض الذي اصاب ونوس قبل رحيله ويرصد حالته الاخيرة، وجسده المسجى بين الموت وشعارات الحياة يقول:

بينما كان الرفاق

يحتلون المواقع الاولى في الحزب والدولة

كان المرض يحتل المواقع الاولى والاخيرة

في جسمك المسجى بين الشعارات

***

كنت تحطم المصابيح وزجاج النوافذ في الأحياء البعيدة

وتعود اليها بحلة اخرى

لتبيع الزجاج والمصابيح الجديدة لكل الاستعمالات

مثل شارلي شابلن في أجمل افلامه الصامتة

***

وقد شربت نخبك مرارا وانا اكتب وادخن

بينما سنية متكئة الى جواري

كما اتكأ الحسين كثيرا على رمحه فيما مضى

***

حتى ونحن نسترخي على سرير الحب والشعر

كنا نفسح مكانا بجوارنا لكل ثائر مقدام

أو شاعر غريب

كما يفسح السجناء القدامى

مكانا للوافد الجديد مهما كان شأنه وتهمته·

عشق الكتابة

وقد كان الماغوط عاشقا للكتابة، متفانيا في حبه لها يقول في نص "أربعاء الجمر" راصدا كل حالات الغيبوبة والتلاشي، معلنا تمسكه بالكتابة حبا أزليا لا ينتهي·

وقد أنسى قبعتي في مقهى

وقداحتي في بار

وعلبة التبغ في فندق

ومفاتيحي في أحد الأدراج

وحذائي في مجلس عزاء

والمكواة محماة على أفضل ثيابي وأغلاها

شيء لا أبالي به·

ولكن ان انسى دفتري الذي اسجل به احزاني لحظة بلحظة

فهذا مالا احتمله

فهو أكثر خطورة من قنبلة بيد طفل

او حيوان منزلي تحت القصف

لانه يحرق كل ما تحته

حتى الكلمات السماوية المقدسة

ولو كانت بحراسة مئات الملائكة

هل الحزن اقوى من الإيمان؟

ويقول في نص آخر، مازحا الوطن بالقصيدة، في صورة رمزية أخاذه

في إحدى امسيات الابداع الماطرة

سقطت من أوراقي اجمل صورة شعرية كتبتها في حياتي

ومنذ ذلك الحين،

انا ابحث عنها وهي تبحث عني

في الليل والنهار

والصيف والشتاء

والجبال والوديان

والكهوف والمستنقعات

والادغال والملاجئ

والسجون والمحارق الادبية

دون جدوى·

***

وفي يوم قائظ وخاو من أي عطاء

أحسست بما يشبه قطرة المطر فعلا،

تتسلل الى صيوان أذني وتستقر فيه وليس فيه شمس لتجف او تتبخر

ولا حديقة معلقة لترويها

إنه الوطن···

وحماته الاشاوس اراحوني من عبء السلطة او المشاركة فيها وما عليها من تبعات والتزامات وضرائب ونفقات هدم وبناء وترميم واتصالات وتنصت ومداهمات وتلفيات وتبرعات اقليمية·

ولم تكن القضايا الوطنية والقومية غائبة عن نصوص المجموعة، يقول في قصيدة "الموشور الفلسطيني"·

السيوف في دمشق···

والأعناق في لبنان

الهزيمة في فلسطين···

والمناحة في إيران···

والمجاعة في السودان

والمساعدات للسعودية

الكحل في اليمن···

والعيون في الأردن

الربيع في الغوطة···

والخريف في قاسيون

الطبل في حرستا···

والعرس في دوما

لقد انتهى زمن البطولات والشعارات···

وجاء زمن الخيانات والتبريرات·

ومع ذلك فان ضحكات الاطفال وتغريد الطيور تنتقل بالصناديق على الأكتاف من مكان الى مكان كما تنقل أدوات الصيد والزينة

لمضارب الملوك والامراء!

 

طباعة  

قصائد حب وشهادة للوطن الكبير
 
لماذا يخاف الغرب من الإسلام
"الإسلامو فوبيا" هجرة الشباب العرب

 
اشراقة
 
وجهة نظـــر
 
خلاص المثقف