رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء غرة صفر 1427هـ - 1 مارس 2006
العدد 1717

الغرب مسؤول عن فشل التحول الديمقراطي في العالم العربي

                                                                                    

 

·         نحن الذين أوجدنا الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي ومولناها وسلحناها ودعمناها لقمع شعوبها

·         احذر من انتقاد بيرل أو وولفويتز أو فيث فالتهمة جاهزة: أنت معاد للسامية!

·         لا يوجد ما يمنع العرب - جينيا - من إقامة الديمقراطية

·         معظم الدول العربية مصطنعة ولذلك لا يمكنها بناء نظم ديمقراطية

 

بقلم: روبرت فيسك

الحديث الأمريكي عن الديمقراطية مجرد خرافة، لقد أصبح العراق يشكل وضعا شائكا لزعمائنا العظام هذه الأيام لدرجة أنهم لا يتورعون عن عمل أي شيء من أجل إنقاذ أنفسهم، وإذا تجرأت هيئة الإذاعة البريطانية: “بي· بي· سي” أو وكالة المخابرات المركزية “سي· آي· إيه” أو المخابرات البريطانية أو أي صحافي، على الإشارة إلى الأكاذيب التي قادتنا الى الحرب، فسوف ترشق بمزيد من الأكاذيب، وفي اللحظة التي قلنا فيها إن العراق لم يكن يوما أرضا خصبة لنمو الديمقراطية، وجهت لنا الاتهامات بأننا عنصريون، ووجهوا لنا السؤال: هل تعتقدون أن العرب غير قادرين على إقامة الديمقراطية؟ وهل نعتقد أنهم دون مستوى البشر؟

هذا النوع من الهراء يأتي من المدرسة ذاتها التي تتهم كل من ينتقد إسرائيل بأنه معاد للسامية بل وحتى إذا ذكرنا العالم بأن زمرة المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل ودائمي الدفاع عنها من أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفويتز ودوغلاس فيث وإيرفنيغ كريستول ومن لفّ لفّهم، قد حرضوا الرئيس بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد على خوض هذه الحرب من خلال نبوءات غريبة عن شرق أوسط جديد وديمقراطي ودول عربية موالية لإسرائيل، فإننا نتهم - ولمجرد ذكر أسماء مثل هؤلاء - بأننا عنصريون، ولذا دعونا فقط نتذكر ما الذي كان يطالب به المحافظون الجدد في خريفهم الذهبي عام 2002 حين كان توني بلير وجورج بوش يجريان الاستعدادات لتدمير هتلر بغداد·

 

بيت الطاعة الأمريكي

 

قالوا إنهم سيعيدون رسم خريطة الشرق الأوسط ويجلبون الديمقراطية الى المنطقة، وإن الطغاة سوف يسقطون أو يعودون الى بيت الطاعة (الأمريكي - البريطاني بالطبع) - وهكذا يصف وزير الخارجية البريطاني جاك سترو (مشكورا) العقيد القذافي بأنه “رجل دولة”، لأنه تخلى عن طموحاته النووية - وأن الديمقراطية سوف تعم من النيل الى الفرات، وأن العرب يريدون الديمقراطية وسوف يستغلون الفرصة وأنهم سيقابلوننا بكل الحب ويرحبون بنا، ويثنون علينا وسيأخذوننا بالأحضان لأننا جلبنا لهم السلعة التي بحثوا عنها طويلا (أي الديمقراطية) ولكن أثبتت الأيام أن تناول المحافظين الجدد لهذه المسألة كان خطأ·

لقد كان آخر دفاع عن هؤلاء الرجال ما كتبه ديفيد بروكس في صحيفة “نيويورك تايمز” حيث قال “في الواقع، فإن الناس الذين يوصفون بالمحافظين الجدد·· ليست لديهم صلات كثيرة مع بعضهم·· لقد كانت هناك المئات من الإشارات على سبيل المثال، الى سلطة ريتشارد بيرل الخفية على إدارة بوش، لكن مسؤولين بارزين في الإدارة أبلغوني بأنه لم يعقد لقاءات مهمة مع الرئيس بوش أو مع نائبه تشيني منذ توليهما السلطة·· وتشير كل الأدلة الى أن بوش بنى قناعاته بنفسه وبشكل مستقل”·

 

محافظون يهود

 

إنه لأمر طيب أن يطلعنا المسؤولون “البارزون” في الإدارة على هذه المعلومة، بل إن بروكس يحاول محو كلمة “محافظين جدد” من رواية الحرب على العراق من خلال تفسير غريب لمختصر محافظين جدد Neo-cons مفاده أن cons تشير الى المحافظين بينما neo تشير الى اليهود، ومن الآن فصاعدا، يمكن اعتبار استخدام مصطلح محافظين سلوكا معاديا للسامية، وفي الواقع أنهى بروكس مقالته تلك بإعلان أن “مظاهر معاداة السامية تنبعث من جديد”·

وإذا كان ذلك هو التهديد الجديد لمنتقدي السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن أشخاصا مثل وولفويتز وبيرل هم بريئون·

فلم يقولوا إن الديمقراطية سوف تنجح ولم يؤثروا على الرئيس بوش وليست لديهم أي سلطات داخل إدارته ومن النادر أن يدور كلام بينه وبينهم، فمن هم هؤلاء المحافظون الجدد؟ إنهم - إضافة الى إسرائيل - أبرز الذين تحمسوا لغزو العراق·

لقد استغلوا حقيقة أصبحت معروفة تماما في الشرق الأوسط، هي أن معظم الدول العربية تحكمها أنظمة دكتاتورية قذرة وفاسدة وقمعية، ولا عجب في ذلك، فنحن الذين صنعنا معظم هؤلاء الطغاة، لقد تخلينا عن الملوك والأمراء لأنهم لم يفرضوا سيطرة كافية على الجماهير وساندنا حفنة من الجنرالات والعقداء (جمع عقيد) الذين كان معظمهم يرتدي زي الجيش البريطاني ولكن بعلامة النسر بدلا من التاج!

وهكذا استبدلنا الملك فاروق بطريقة غير مباشرة، بالكولونيل جمال عبدالناصر (ثم الجنرال السادات وجنرال سلاح الجو حسني مبارك) واستبدلنا الملك إدريس السنوسي بالعقيد معمر القذافي الذي كان يحظى بإعجاب وزارة الخارجية البريطانية، واستبدلنا النظام الملكي في العراق بحزب البعث وصدام حسين·

 

حكام مطيعون

 

إذن، لم نشأ أبدا أن تكون لدى العرب ديمقراطية، فحين حاول المصريون أن تكون لهم ديمقراطية في الثلاثينات من القرن الماضي وكانوا على وشك التخلص من الملك فاروق، تحركت بريطانيا وضعت المعارضة في السجون، وقد صنعنا - نحن الغرب - معظم الدول العربية، ونحن الذين رسمنا الحدود بينها وساندنا حكامها المطيعين لنا، وقررنا - بالطبع - قصفهم حين تم تأميم قناة السويس (عبدالناصر) وحين حصلت منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي على المساعدة (من العقيد القذافي) وحين تعرضت الكويت للغزو (من صدام)، ولكن المحافظين الجدد والرئيس بوش، ومن ثم توني بلير حتما، يريدون أن تكون هناك ديمقراطية في العالم العربي·

هناك الآن الكثير من العرب الذين يتوقون الى شيء من هذه السلعة التي تسمى ديمقراطية، وفي الواقع، حين يهاجر العربي الى الغرب ويستقر في أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا ويحمل أي جواز سفر غربي، فإنه يبدي الجدارة ذاتها التي نتمتع بها للديمقراطية، فالعراقيون في ديربورن وميتشيغان يشاركون في الانتخابات شأنهم شأن سائر المواطنين الأمريكيين، ويصوتون - للمرشح الديمقراطي في الغالب - ويلعبون ويعملون كما يفعل أي مواطن أمريكي محب للحرية، أي أنه لا يوجد عيب جيني يقف وراء عجز العالم العربي عن بناء ديمقراطية حقيقية·

المشكلة ليست في الشعب العربي، بل في البيئة التي يعيش فيها وتركيبة المجتمع الأيوبي - والأهم من كل ذلك - الدول المصطنعة التي أوجدناها لهم، فهذه الدول لا تصنع ولا يمكنها أن تصنع الديمقراطية، والطغاة الذين مولناهم وسلحناهم وآزرناهم يحكمون شعوبهم بالقمع وبقوة القبيلة·

والشعوب العربية التي لا تؤمن ببعض الدول، لا تضع ثقتها إلا في القبيلة، والملوك كانوا قبليين، فالهاشميون جاؤوا من شمال شرق البلاد التي أصبحت تعرف بالمملكة العربية السعودية، وكذلك الطغاة، فصدام حسين - مثلا - تكريتي - وأمسك هؤلاء الدكتاتوريون بالسلطة من خلال شبكة من التحالفات القبلية والطائفية·

 

سيادة وهمية

 

وبالطبع، حين غزونا العراق، أبلغنا المواطنين فيه أننا سنجلب لهم الديمقراطية، وأنه ستتاح لهم فرصة إجراء انتخابات حرة، وأذكر المرة الأولى التي أدركت فيها كم كان هذا الوعد خادعا، وذلك حين توقف بول بريمر “المندوب السامي الأمريكي” في العراق، عن الحديث عن الديمقراطية وبدأ يتحدث عن “حكومة تمثيلية”، وهما ليسا شيئا واحدا على الإطلاق، وحين أخذ دانيال بايبس اليميني المقرب من المحافظين الجدد، بتنصيب “حاكم فردي ذي عقلية ديمقراطية” في العراق بدلا من “الديمقراطية”·

الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر يقول إنه لن تكون هناك انتخابات قبل “تسليم السيادة” للعراقيين في شهر يونيو المقبل، وهذه بحد ذاتها كذبة كبيرة لأن “التسليم” سيعطي “سيادة” وهمية للعراق لأنه سيتم الى مجموعة من العراقيين الذين يختارهم الأمريكيون والبريطانيون·

وسوف تعقد بعد ذلك انتخابات ديمقراطية يطالب بها الكثير من العراقيين ولاسيما الشيعة، ولكن حتى لو أجريت مثل هذه الانتخابات، فإن معظم الناخبين سيصوتون وفقا للقبيلة والدين، فهكذا سار نظامهم السياسي طوال أكثر من مئة عام وهكذا يعمل “مجلس الحكم” الانتقالي الذي اختار الأمريكيون أعضاءه·

وهكذا نعود الى ما كنا عليه، فلا وجود لأسلحة الدمار الشامل العراقية ولا صلة لصدام حسين بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولا وجود للديمقراطية، فالقوا باللائمة على الصحافة وعلى الـ “بي· بي· سي” وعلى الأشباح، ولكن لا تلوموا بوش وبلير، ولا تلوموا المحافظين الجدد في واشنطن الذين دفعوا الولايات المتحدة الى هذه المحنة، بل إنهم غير موجودين، وإذا قلت غير ذلك، فسوف يوجه لك الاتهام بأنك معادٍ للسامية!

 

“ عن صحيفة الإندبندنت “

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

"الرقابة الذاتية" خلقت مجتمعا متجانسا في أمريكا وأغنت عن الرقابة
الجدل حول الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ما زال مستمرا..

 
قادة الحركة يحاولون السير بين حبات المطر!
فوز "حماس" ليس ذريعة لمقاطعة الشعب الفلسطيني